فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولهذا يقال: من حمل في سبيل الله بايع الله، أي: قَبِل هذا العقد ووفى به.
وقال محمد بن كعب القُرَظي وغيره: قال عبد الله بن رواحة، رضي الله عنه، لرسول الله صلى الله عليه وسلم- يعني ليلة العقبةِ-: اشترط لربك ولنفسك ما شئت! فقال: «أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم».
قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: «الجنة».
قالوا: رَبِح البيعُ، لا نُقِيل ولا نستقيل، فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} الآية.
وقوله: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} أي: سواء قتلوا أو قُتلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنة؛ ولهذا جاء في الصحيحين: «وتكفل الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وتصديق برسلي، بأن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلا ما نال من أجر أو غنيمة».
وقوله: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} تأكيد لهذا الوعد، وإخبار بأنه قد كتبه على نفسه الكريمة، وأنزله على رسله في كتبه الكبار، وهي التوراة المنزلة على موسى، والإنجيل المنزل على عيسى، والقرآن المنزل على محمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقوله: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} أي: ولا واحد أعظم وفاءً بما عاهد عليه من الله فإنه لا يخلف الميعاد، وهذا كقوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا} [النساء: 87]{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا} [النساء: 122]؛ ولهذا قال: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي: فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد ووفى بهذا العهد، بالفوز العظيم، والنعيم المقيم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وأموالهم} ترغيبٌ للمؤمنين في الجهاد ببيان فضيلتِه إثرَ بيانِ حالِ المتخلفين عنه، ولقد بولغ في ذلك على وجه لا مزيدَ عليه حيث عبّر عن قَبول الله تعالى من المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم التي بذلوها في سبيله تعالى وإثابتِه إياهم بمقابلتها الجنةَ بالشراء على طريقة الاستعارةِ التبعية ثم جُعل المبيعُ الذي هو العُمدةُ والمقصِدُ في العقد أنفُسَ المؤمنين وأموالَهم والثمنُ الذي هو الوسيلةُ في الصفقة الجنةُ ولم يُجعل الأمرُ على العكس بأن يقال: إن الله باع الجنةَ من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم ليدل على أن المقصِد في العقد هو الجنةُ وما بذله المؤمنون في مقابلتها من الأنفس والأموال وسيلةٌ إليها إيذانًا بتعليق كمالِ العنايةِ بهم وبأموالهم ثم إنه لم يقل بالجنة بل قيل: {بِأَنَّ لَهُمُ الجنة} مبالغةً في تقرير وصولِ الثمنِ إليهم واختصاصِه بهم كأنه قيل: بالجنة الثابتةِ لهم المختصةِ بهم.
وأما ما يقال من أن ذلك لمدح المؤمنين بأنهم بذلوا أنفسَهم وأموالَهم بمجرد الوعدِ لكمال ثقتِهم بوعده تعالى وأن تمامَ الاستعارةِ موقوفٌ على ذلك إذ لو قيل: بالجنة لاحتمل كونُ الشراء حقيقةً لأنها صالحةٌ للعِوضية بخلاف الوعيدِ بها فليس بشيء لأن مناطَ دِلالةِ ما عليه النظمُ الكريمُ على الوعد ليس كونُه جملةً ظرفيةَ مصدّرةً بأن فإن ذلك بمعزل من الدلالة على الاستقبال بل هو الجنةُ التي يستحيل وجودُها في الدنيا ولو سلم ذلك يكون العوضُ الجنةَ الموعودَ بها {يقاتلون في سَبِيلِ الله} استئنافٌ لكن لا لبيان ما لأجله الشراءُ ولا لبيان نفسِ الاشتراء لأن قتالَهم في سبيل الله تعالى ليس باشتراء الله تعالى منهم أنفسَهم وأموالَهم بل هو بذلٌ لهما في ذلك بل لبيان البيعِ الذي يستدعيه الاشتراءُ المذكورُ كأنه قيل: كيف يبيعون أنفسَهم وأموالَهم بالجنة؟ فقيل: يقاتلون في سبيل الله وهو بدلٌ منهم لأنفسهم وأموالهم إلى جهة الله سبحانه وتعريضٌ لهما للهلاك وقوله تعالى: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} بيانٌ لكون القتالِ في سبيل الله بذلًا للنفس وأن المقاتِلَ في سبيله باذلٌ لها وإن كانت سالمةً غانمة، فإن الإسنادَ في الفعلين ليس بطريق اشتراطِ الجمعِ بينهما ولا اشتراطِ الاتصافِ بأحدهما ألبتةَ بل بطريق وصفِ الكلِّ بحال البعضِ فإنه يتحقق القتالُ من الكل سواءٌ وجد الفعلان أو أحدَهما منهم أو من بعضهم بل يتحقق ذلك وإن لم يصدُرْ منهم أحدُهما أيضًا كما إذا وُجدت المضاربةُ ولم يوجد القتلُ من أحد الجانبين أو لم توجد المضاربةُ أيضًا فإنه يتحقق للجهادُ بمجرد العزيمة والنفير وتكثيرِ السواد، وتقديمُ حالةِ القاتلية على حالة المقتوليةِ للإيذان بعدم الفرقِ بينهما في كونهما مصداقًا لكون القتالِ بذلًا للنفس وقرئ بتقديم المبنيِّ للمفعول رعايةً لكون الشهادة عريقةً في الباب وإيذانًا بعدم مبالاتِهم بالموت في سبيل الله تعالى بل بكونه أحبَّ إليهم من السلامة كما قيل في حقهم:
لا يفرحون إذا نالت رماحهم ** قومًا وليسوا مَجازيعًا إذا نِيلوا

لا يقع الطعنُ إلا في نحورِهم ** وما لهم عن حِياض الموتِ تهليلُ

وقيل: في يقاتلون إلخ معنى الأمر كما في قوله تعالى: {وتجاهدون في سَبِيلِ الله بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ} {وَعْدًا عَلَيْهِ} مصدرٌ مؤكدٌ لما يدل عليه كونُ الثمنِ مؤجلًا {حَقًّا} نعتٌ لوعدًا والظرفُ حال منه لأنه لو تأخر لكان صفةً له وقوله تعالى: {فِي التوراة والإنجيل والقرءان} متعلقٌ بمحذوف وقعَ صفةً لوعدًا أي وعدًا مثبتًا في التوراة والإنجيل كما هو مثبتٌ في القرآن {وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله} اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله من حقية الوعدِ على نهج المبالغةِ في كونه سبحانه أوفى بالعهد من كل وافٍ فإن اختلافَ الميعاد مما لا يكاد يصدُر عن كرام الخلقِ مع إمكان صدورِه عنهم فكيف بجناب الخلاقِ الغنيِّ عن العالمين جل جلاله وسبكُ التركيب وإن كان على إنكارِ أن يكون أحدٌ أوفى بالعهد منه تعالى من غير تعرّضٍ لإنكار المساواةِ ونفيها لكن المقصودَ به قصدًا مطردًا إنكارُ المساواةِ ونفيُها قطعًا فإذا قيل: مَنْ أكرمُ من فلان؟ أو لا أفضلَ منه، فالمرادُ به حتمًا أنه أكرمُ من كل كريمٍ وأفضلُ من كل فاضل {فاستبشروا} التفاتٌ إلى الخطاب تشريفًا لهم على تشريف وزيادةً لسرورهم على سرور، والاستبشارُ إظهارُ السرور، والسينُ فيه ليس للطلب، كاستوقَدَ وأوقد، والفاء لترتيب الاستبشارِ أو الأمر به على ما قبله أي فإذا كان كذاك فسُرّوا نهايةَ السرور وافَرحوا غايةَ الفرحِ بما فُزتم به من الجنة، وإنما قيل: {بِبَيْعِكُمُ} مع أن الابتهاجَ به باعتبار أدائِه إلى الجنةِ لأن المرادَ ترغيبُهم في الجهاد الذي عبّر عنه بالبيع وإنما لم يُذكر العقدُ بعنوان الشراءِ لأن ذلك من قبل الله سبحانه لا من قبلهم، والترغيبُ إنما يكون فيما يتم من قبلهم، وقوله تعالى: {الذى بَايَعْتُمْ بِهِ} لزيادة تقرير بيعِهم وللإشعار بكونه مغايرًا لسائر البياعات فإنه بيعٌ للفاني بالباقي ولأن كِلا البدلين له سبحانه وتعالى.
عن الحسن رضي الله عنه أنفُسًا هو خلقها وأموالًا هو رزقها. روي أن الأنصارَ لما بايعوه عليه الصلاة والسلام على العقبة قال عبدُ اللَّه بنُ رواحةَ رضي الله تعالى عنه: اشترِطْ لربك ولنفسك ما شئت.
قال عليه الصلاة والسلام: «أشترطُ لربي أن تعبُدوه ولا تشرِكوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون به أنفسَكم»، قال: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: «لكم الجنة»، قالوا: ربِحَ البيعُ لا نُقيل ولا نستقيل. ومر برسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيٌّ وهو يقرأها قال: كلامُ مَنْ؟ قال: «كلامُ الله عز وجل» قال: بيعٌ والله مُربحٌ لا نُقيله ولا نستقيله، فخرج إلى الغزو واستُشهد.
{وَذَلِكَ} أي الجنةُ التي جعلت ثمنًا بمقابلة ما بذلوا من أنفسهم وأموالِهم {هُوَ الفوز العظيم} الذي لا فوزَ أعظمُ منه، وما في ذلك من معنى البُعد إشارةٌ إلى بُعد منزلةِ المشارِ إليه وسموِّ رتبتِه في الكمال، ويجوز أن يكون ذلك إشارةً إلى البيع الذي أُمروا بالاستبشار به ويجعل ذلك كأنه نفسُ الفوز العظيم أو يُجعل فوزًا في نفسه، فالجملةُ على الأول تذييلٌ للآية الكريمة وعلى الثاني لقوله تعالى: {فاستبشروا} مقرِّرٌ لمضمونه. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} ترغيب للمؤمنين في الجهاد ببيان حال المتخلفين عنه، ولا ترى كما نقل الشهاب ترغيبًا في الجهاد أحسن ولا أبلغ مما في هذه الآية لأنه أبرز في صورة عقد عاقده رب العزة جل جلاله، وثمنه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل كونهم قاتلين أيضًا لإعلاء كلمة الله تعالى ونصرة دينه سبحانه، وجعله مسجلًا في الكتب السماوية وناهيك به من صك، وجعل وعده حقًا ولا أحد أو في من وراعده فنسيئته أقوى من نقد غيره، وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم وهو استعارة تمثيلية.
صور جهاد المؤمنين وبذل أموالهم وأنفسهم فيه وائابة الله تعالى لهم على ذلك الجنة بالبيع والشراء، وأتي بقوله سبحانه: {يقاتلون} إلخ بيانًا لمكان التسليم وهو المعركة، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: «الجنة تحت ظلال السيوف» ثم أمضاه جل شأنه بقوله ذلك الفوز العظيم، ومن هنا أعظم الصحابة رضي الله تعالى عنهم أمر هذه الآية.
فقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد {إِنَّ الله اشترى} إلخ فكثر الناس في المسجد فأقبل رجل من الأنصار ثانيًا طرفي ردائه على عاتقه فقال: يا رسول الله أنزلت هذه الآية؟ قال: نعم.
فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل.
ومن الناس من قرر وجه المبالغة بأنه سبحانه عبر عن قبوله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله تعالى وإثباته إياهم بمقابلتها الجنة بالشراء على طريقة الاستعارة التبعية ثم جعل المبيع الذي هو العمدة والمقصد في العقد أنفس المؤمنين وأموالهم والثمن الذي هو الوسيلة في الصفقة الجنة، ولم يعكس بأن يقال: إن الله باع الجنة في المؤمنين بأنفسهم وأموالهم ليدل على أن المقصد بالعقد هو الجنة وما بذله المؤمنون في مقابلتها وسيلة إليها بكمال العناية بهم وبأموالهم ثم إنه تعالى لم يقل بالجنة بل قال عز شأنه: {بِأَنَّ لَهُمُ الجنة} مبالغة في تقرير وصول الثمن إليهم واختصاصه بهم كأنه قيل: بالجنة الثابتة لهم المختصة بهم، ومن هنا يعلم أن هذه القراءة أبلغ من قراءة الأعمش ونسبت أيضًا إلى عبد الله رضي الله تعالى عنه بالجنة على أنها أوفق بسبب النزول.
فقد أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وغيره أنهم قالوا: قال عبد الله بن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: «اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم» قالوا: فما لنا؟ قال: «الجنة» قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت إن الله اشترى الآية.
وقيل: عبر بذلك مدحًا للمؤمنين بأنهم بذلوا أنفسهم وأموالهم بمجرد الوعد لكمال ثقتهم بوعده تعالى مع أن تمام الاستعارة موقوف على ذلك إذ لو قيل بالجنة لاحتمل كون الشراء على حقيقته لأنها صالحة للعوضية بخلاف الوعد بها، واعترض بأن مناط دلالة ما عليه النظم الجليل على الوعد ليس كونه جملة ظرفية مصدرة بأن فإن ذلك بمعزل من الدلالة على الاستقبال بل هو الجنة التي يستحيل وجودها في عالم الدنيا ولو سلم ذلك بكون العوض الجنة الموعود بها لا نفس الوعد بها، على أن حديث احتمال كون الشراء حقيقة لو قيل بالجنة لا يخلو عن نظر كما قيل لأن حقيقة الشراء مما لا يصح منه تعالى لأنه جل شأنه مالك الكل والشراء إنما يكون ممن لا يملك، ولهذا قال الفقهار: طلب الشراء يبطل دعوى الملكية، نعم قد لا يبطل في بعض الصور كما إذا اشترى الأب دارًا لطفله من نفسه فكبر الطفل ولم يعلم ثم باعها الأب وسلمها للمشتري ثم طلب الابن شراءها منه ثم علم بما صنع أبوه فادعى الدار فإنه تقبل دعواه ولا يبطلها ذلك الطلب كما يقتضيه كلام الاستروشني لكن هذا لا يضرنا فيما نحن فيه، ومن المحققين من وجه دلالة ما في النظم الكريم على الوعد بأنه يقتضي بصريحه عدم التسليم وهو عين الوعد لأنه إذا قلت: اشتريت منك كذا بكذا احتمل النقد بخلاف ما إذا قلت: بأن لك كذا فإنه في معنى لك على كذا وفي ذمتي، واللام هنا ليست للملك إذ لا يناسب شراء ملكه بملكه كالمهورة إحدى خدمتيها فهي للاستحقاق وفيه إشعار بعدم القبض، وأما كون تمام الاستعارة موقوفًا على ذلك فله وجه أيضًا حيث كان المراد بالاستعارة الاستعارة التمثيليلة إذ لولاه لصح جعل الشراء مجازًا عن الاستبدال مثلًا وهو مما لا ينبغي الالتفات إليه مع تأتي التمثيل المشتمل من البلاغة واللطائف على ما لا يخفى، لكن أنت خبير بأن الكلام بعد لا يخلو عن بحث، ومما أشرنا إليه من فضيلة التمثيل يعلم انحطاط القول باعتبار الاستعارة أو المجاز المرسل في {اشترى} وحده كما ذهب إليه البعض، وقوله تعالى: {يقاتلون في سَبِيلِ الله} قيل بيان لمكان التسليم كما أشير إليه فيما تقدم، وذلك لأن البيع سلم كما قال الطيبي وغيره، وقيل: بيان لما لأجله الشراء كأنه لما قال سبحانه: {إِنَّ الله اشترى} الخ، قيل: لماذا فعل ذلك؟ فقيل: ليقاتلوا في سبيله تعالى وقيل: بيان للبيع الذي يستدعيه الاشتراء المذكور كأنه قيل: كيف يبيعون أنفسهم وأموالهم بالجنة، فقيل: يقاتلون في سبيله عز شأنه وذلك بذل منهم لأنفسهم وأموالهم إلى جهته تعالى وتعريض لهما للهلاك، وقيل: بيان لنفس الاشتراء وقيل: ذكر لبعض ما شمله الكلام السابق اهتمامًا به على أن معنى ذلك أنه تعالى اشترى من المؤمنين أنفسهم بصرفها في العمل الصالح وأموالهم ببذلها فيما يرضيه وهو في جميع ذلك خبر لفظًا ومعنى ولا محل له من الأعراب، وقيل: إنه في مغنى الأمر كقوله سبحانه: {وتجاهدون في سَبِيلِ الله بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ} [الصف: 11] ووجه ذلك بأنه أتى بالمضارع بعد الماضي لإفادة الاستمرار كأنه قيل: اشتريت منكم أنفسكم في الأزل وأعطيت ثمنها الجنة فسلموا المبيع واستمروا على القتال، ولا يخفى ما في بعض هذه الأقوال من النظر.