فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {التائبون العابدون} إلى آخره لهم الجنة أيضًا، ويقال: هم التائبون، ويقال: صار رفعًا بالابتداء وجوابه مضمر، قرأ عاصم {أَوَّلُ العابدين} يعني: اشترى من المؤمنين التائبين العابدين إلى آخره، ويقال: اشترى من عشرة نفر أولهم الغزاة، ومن التائبين الذين يتوبون عن الذنوب، والذين هم الْعَابِدُونَ، يعني: الموحدون، ويقال: المطيعون لله تعالى.
{الحامدون}، الذين يحمدون الله تعالى على كل حال، {السائحون}، قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والحسن: يعني الصائمين.
وأصله السائح في الأرض، لأن السائح في الأرض ممنوعًا عن الشهوات، فشبّه الصائم به.
وذكر عن بعضهم أنه قال: هم الذين يصومون شهر الصبر وهو شهر رمضان وأيام البيض {الركعون}، يعني: الذين يحافظون على الصلوات {الساجدون}، الذين يسجدون لله تعالى في الصلوات.
{الآمرون بالمعروف}، يعني: يأمرون الناس بالتوحيد وأعمال الخير.
{والناهون عَنِ المنكر}، الذين ينهون الناس عن الشرك والأعمال الخبيثة {والحافظون لِحُدُودِ الله}، يعني: العاملين بفرائض الله عليهم.
وذكر عن خلف بن أيوب أنه أمر امرأته في بعض الليل أن تمسك الرضاع عن الولد، فقالت: لم؟ فقال: لأنه قد تمت سنتان.
فقيل له: لو تركتها حتى ترضع تلك الليلة، أيش يكون؟ فقال: أين قول الله تعالى: {والحافظون لِحُدُودِ الله}، ثم قال: {وَبَشّرِ المؤمنين}، يعني: المصدقين بهذا الشرط والعاملين به. اهـ.

.قال الثعلبي:

ثم وصفهم فقال: {التائبون} أي هم التائبون، وقرأ ابن مسعود التائبين العابدين بالنصب آخرها، قال المفسرون: تابوا من الشرك وبرأوا من النفاق {الْعَابِدُونَ} المطيعون الذي أخلصوا فيه الشهادة.
وقال الحسن وقتادة: هم قوم اتخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم فعبدوا الله على أحايينهم كلها في السراء والضراء {الحامدون} الله على كل حال في كل نعمة {السائحون} الصائمون.
الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السائحون الصائمون».
وروى شيبان بن عبد الرحمن عن الأشعث قال: سألت سعيد بن جبير عن السائحين فقال: هم الصائمون ألم تر أنّ الله عزّ وجلّ إذا ذكر الصائمين لم يذكر السائحين وإذا ذكر السائحين لم يذكر الصائمين.
قال سفيان بن عيينة: أما إنّ الصائم سائح لأنه تارك اللذات كلها من المطعم والمشرب والنكاح.
وقال الشاعر في الصوم:
تراه يصلي ليله ونهاره ** يظل كثير الذكر لله سائحًا

وقال الحسن: السائحون الذين صاموا عن الحلال وأمسكوا عن الحرام وههنا والله أقوام رأيناهم يصومون عن الحلال ولا يمسكون عن الحرام فالله ساخط عليهم، وقال عطاء: السائحون الغزاة والمجاهدون، وعن عمرو بن نافع.
قال: سمعت عكرمة وسُئل عن قول الله تعالى: {السائحون} قال: هم طلبة العلم {الراكعون الساجدون} يعني المصلين {الآمرون بالمعروف والناهون عَنِ المنكر} قال بسام بن عبد الله: المعروف السنّة والمنكر البدعة.
{والحافظون لِحُدُودِ الله} قال ابن عباس: القائمون على طاعة الله، وقال الحسن: أهل الوفاء ببيعة الله: {وَبَشِّرِ المؤمنين}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {التَّائِبُونَ} يعني من الذنوب.
ويحتمل أن يراد بهم الراجعون إلى الله تعالى في فعل ما أمر واجتناب ما حظر لأنها صفة مبالغة في المدح، والتائب هو الراجع، والراجع إلى الطاعة أفضل من الراجع عن المعصية لجمعه بين الأمرين.
{العَابِدُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: العابدون بتوحيد الله تعالى، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: العابدون بطول الصلاة، قاله الحسن.
والثالث: العابدون بطاعة الله تعالى، قاله الضحاك.
{الحَامِدُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: الحامدون لله تعالى على دين الإسلام، قاله الحسن.
الثاني: الحامدون لله تعالى على السراء والضراء، رواه سهل بن كثير.
{السَّائِحُونَ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: المجاهدون روى أبو أمامة أن رجلًا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي السياحة فقال: «إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الجِهَادُ فِي سَبيلِ اللَّهِ».
والثاني: الصائمون، وهو قول ابن مسعود وابن عباس، وروى أبو هريرة مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سِيَاحَةُ أُمَّتِي الصَّوْمُ».
الثالث: المهاجرون، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الرابع: هم طلبة العِلم، قاله عكرمة.
{الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} يعني في الصلاة.
{الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوْفِ} فيه وجهان:
أحدهما: بالتوحيد، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: بالإسلام.
{وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكُرِ} فيه وجهان:
أحدهما: عن الشرك، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: أنهم الذين لم ينهوا عنه حتى انتهوا قبل ذلك عنه، قاله الحسن.
{وَاْلحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: القائمون بأمر الله تعالى.
والثاني: الحافظون لفرائض الله تعالى من حلاله وحرامه، قاله قتادة.
والثالث: الحافظون لشرط الله في الجهاد، قاله مقاتل بن حيان.
{وَبَشّرِ الْمُؤْمنِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني المصدقين بما وعد الله تعالى في هذه الآيات.
قاله سعيد بن جبير.
والثاني: العاملين بما ندب الله إليه في هذه الآيات، وهذا أشبه بقول الحسن.
وسبب نزول هذه الآية ما روى ابن عباس أنه لما نزل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم} الآية. أتى رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر؟ فأنزل الله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ} الآية. اهـ.

.قال ابن عطية:

{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ} هذه الأوصاف هي من صفات المؤمنين الذين ذكر الله أنه اشترى منهم أنفسهم، وارتفعت هذه الصفات لما جاءت مقطوعة في ابتداء آية على معنى: هم التائبون، ومعنى الآية على ما تقتضيه أقوال العلماء والشرع أنها أوصاف الكملة من المؤمنين ذكرها الله تعالى ليستبق إليها أهل التوحيد حتى يكونوا في أعلى رتبة والآية الأولى مستقلة بنفسها يقع تحت تلك المبايعة كل موحد قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وإن لم يتصف بهذه الصفات التي هي في هذه الآية الثانية أو بأكثرها وقالت فرقة: بل هذه الأوصاف جاءت على جهة الشرط، والآيتان مرتبطتان فلا يدخل في المبايعة إلا المؤمنين الذين هم على هذه الأوصاف ويبذلون أنفسهم في سبيل الله، وأسند الطبري في ذلك عن الضحاك بن مزاحم أن رجلًا سأله عن قول الله عز وجل: {إن الله اشترى} [التوبة: 11] وقال الرجل ألا أحمل على المشركين فأقاتل حتى أقتل، فقال الضحاك: ويلك أين الشرط {التائبون العابدون} الآية، وهذا القول تحريج وتضييق والله أعلم، والأول أصوب، والشهادة ماحية لكل ذنب إلا لمظالم العباد، وقد روي أن الله تعالى يحمل عن الشهيد مظالم العباد ويجازيهم عنه ختم الله لنا بالحسنى، وقالت فرقة: إن رفع التائبين إنما هو على الابتداء وما بعده صفة، ألا قوله: {الآمرون} فإنه خبر الابتداء كأنه قال هم الآمرون وهذا حسن إلا أن معنى الآية ينفصل من معنى التي قبلها وذلك قلق فتأمله، وفي مصحف عبد الله بن مسعود {التائبين العابدين} إلى آخرها، ولذلك وجهان أحدهما: الصفة للمؤمنين على اتباع اللفظ والآخر النصب على المدح، و{التائبون} لفظ يعم الرجوع من الشر إلى الخير كان ذلك من كفر أو معصية والرجوع من حالة إلى ما هي أحسن منها، وإن لم تكن الأولى شرًا بل خيرًا، وهكذا توبة النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره سبعين مرة في اليوم، والتائب هو المقلع عن الذنب العازم على التمادي على الإقلاع النادم على ما سلف، والتائب عن ذنب يسمى تائبًا وإن قام على غيره إلا أن يكون من نوعه فليس بتائب والتوبة ونقضها دائبًا خير من الإصرار، ومن تاب ثم نقض ووافى على النقض فإن ذنوبه الأولى تبقى عليه لأن توبته منها علم الله أنها منقوضة، ويحتمل الأمر غير ذلك والله أعلم.
وقال الحسن في تفسير الآية: {التائبون} معناه من الشرك، و{العابدون} لفظ يعم القيام بعبادة الله والتزام شرعه وملازمة ذلك والمثابرة عليه والدوام، والعابد هو المحسن الذي فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله، «أن تعبد الله كأنك تراه» الحديث، وبأدنى عبادة يؤديها المرء المسلم يقع عليه اسم عابد ويحصل في أدنى رتبته وعلى قدر زيادته في البادة يحصل الوصف، و{الحامدون} معناه: الذاكرون لله بأوصافه الحسنى في كل حال وعلى السراء والضراء وحمده لأنه أهل لذلك، وهو أعم من الشكر إذ الشكر إنما هو على النعم الخاصة بالشاكر، و{السائحون} معناه الصائمون، وروي عن عائشة أنها قالت: سياحة هذه الأمة الصيام، وأسند الطبري وروي أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: «إن لله ملائكة سياحين مشائين في الآفاق يبلغوني صلاة أمتي عليَّ» ويروى الحديث: «صياحين» بالصاد من الصياح والسياحة في الأرض مأخوذ من السيح وهو الماء الجاري على الأرض إلى غير غاية، وقال بعض الناس وهو في كتاب النقاش: {السائحون} هم الجائلون بأفكارهم في قدرة الله وملكوته، وهذا قول حسن وهي من أفضل العبادات، ومن ذلك قول معاذ بن جبل: اقعد بنا نؤمن ساعة، ويروى أن بعض العباد أخذ القدح ليتوضأ لصلاة الليل فأدخل أصبعه في أذن القدح وجعل يفكر حتى طلع الفجر فقيل له في ذلك فقال: أدخلت أصبعي في أذن القدح فتذكرت قول الله تعالى: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل} [غافر: 71] وفكرت كي أتلقى الغل وبقيت في ذلك ليلي أجمع، و{الراكعون الساجدون} هم المصلون الصلوات الخمس كذا قال أهل العلم، ولكن لا يختلف في أن من يكثر النوافل هو أدخل في الاسم وأغرق في الاتصاف، وقوله: {الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر} هو أمر فرض على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجملة ثم يفترق الناس فيه مع التعيين، فأما ولاة الأمر والرؤساء فهو فرض عليهم في كل حال، وأما سائر الناس فهو فرض عليهم بشروط: منها أن لا تلحقه مضرة وأن يعلم أن قوله يسمع ويعمل به ونحو هذا ثم من تحمل بعد في ذات الله مشقة فهو أعظم أجرًا، وأسند الطبري عن بعض العلماء أنه قال: حيثما ذكر الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو الأمر بالإسلام والنهي عن الكفر.