فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما جاء بعده {الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر} وكانا صفتين مستقلتين عطفتا بالواو لئلا يتوهم اعتبار الجمع بينهما كالوصفين اللذين قبلهما وهما {الراكعون الساجدون} فالواو هنا كالتي في قوله تعالى: {ثيبات وأبكارًا} [التوبة: 112].
و{الحافظون لحدود الله}: صفة جامعة للعمل بالتكاليف الشرعية عند توجهها.
وحقيقة الحفظ توخي بقاء الشيء في المكان الذي يراد كونه فيه رغبة صاحبه في بقائه ورعايته عن أن يضيع.
ويطلق مجازًا شائعًا على ملازمة العمل بما يؤمر به على نحو ما أمر به وهو المراد هنا، أي والحافظون لما عين الله لهم، أي غير المضيعين لشيء من حدود الله.
وأطلقت الحدود مجازًا على الوصايا والأوامر.
فالحدود تشمل العبادات والمعاملات لما تقدم في قوله تعالى: {تلك حدود الله فلا تعتدوها} في سورة البقرة (229).
ولذلك ختمت بها هذه الأوصاف.
وعطفت بالواو لئلا يوهم ترك العطف أنها مع التي قبلها صفتان متلازمتان معدودتان بعد صفة الأمر بالمعروف.
وقال جمع من العلماء: إن الواو في قوله: {والناهون عن المنكر} واو يكثر وقوعها في كلام العرب عند ذكر معدود ثامن، وسمَّوها واوَ الثَّمانية.
قال ابن عطية: ذكرها ابن خَالويه في مناظرتِه لأبي علي الفارسي في معنى قوله تعالى: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} [الزمر: 73].
وأنكرها أبو علي الفارسي.
وقال ابن هشام في مغني اللبيب: وذكرها جماعة من الأدباء كالحريري، ومن المفسرين كالثعلبي، وزعموا أن العرب إذا عَدّوا قالوا: ستة سبعة وثمانية، إيذانًا بأن السبعة عدد تام وأن ما بعدها عدد مستأنف، واستدلُّوا بآيات إحداها: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم} إلى قوله سبحانه: {سبعة وثامنهم كلبهم} [الكهف: 22].
ثم قال: الثانية آيةُ الزمر (71) إذ قيل: {فُتحت} في آية النار لأن أبواب جهنم سبعة، {وفتحت} [الزمر: 73] في آية الجنة إذ أبوابها ثمانية.
ثم قال: الثالثة: {والناهون عن المنكر} فإنه الوصف الثامن.
ثم قال: والرابعة: {وأبكارًا} في آية التحريم (5) ذكرها القاضي الفاضل وتبجح باستخراجها وقد سبقه إلى ذكرها الثعلبي.
وأما قول الثعلبي: أن منها الواو في قوله تعالى: {سبعَ ليال وثمانيةَ أيام حسومًا} [الحاقة: 7] فسهو بيّن وإنما هذه واو العطف. اهـ.
وأطَال في خلال كلامه بردود ونقوض.
وقال ابن عطية: وحدثني أبي عن الأستاذ النحوي أبي عبد الله الكفيف المالقي وأنه قال: هي لغة فصيحة لبعض العرب من شأنهم أن يقولوا إذا عدّوا: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، وثمانية، تسعة، عشرة، فهكذا هي لغتهم.
ومتى جاء في كلامهم أمر ثمانية أدخلوا الواو. اهـ.
وقال القرطبي: هي لغة قريش.
وأقول: كثر الخوض في هذا المعنى للواو إثباتًا ونفيًا، وتوجيهًا ونقضًا.
والوجه عندي أنه استعمال ثابت، فأما في المعدود الثامن فقد اطرد في الآيات القرآنية المستدَل بها.
ولا يريبك أن بعض المقترن بالواو فيها ليس بثامن في العدة لأن العبرة بكونه ثامنًا في الذكر لا في الرتبة.
وأما اقتران الواو بالأمر الذي فيه معنى الثامن كما قالوا في قوله تعالى: {وفُتحت أبوابها} [الزمر: 73].
فإن مجيء الواو لِكون أبواب الجنة ثمانية، فلا أحسبه إلا نكتة لطيفة جاءت اتفاقية.
وسيجيء هذا عند قوله تعالى في سورة الزمر: {حتى إذا جاءها وفتحت أبوابها} [الزمر: 73].
وجملة: {وبشر المؤمنين} عطف على جملة {إن الله اشترى من المؤمنين} [التوبة: 111] عطفَ إنشاء على خبر.
ومما حسَّنه أن المقصود من الخبر المعطوففِ عليه العمل به فأشبه الأمر.
والمقصود من الأمر بتبشيرهم إبلاغُهم فكان كلتا الجملتين مرادًا منها معنيان خبريّ وإنشائي.
فالمراد بالمؤمنين هم المؤمنون المعهودون من قوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} [التوبة: 111].
والبشارة تقدمت مرارًا. اهـ.

.قال الشعراوي:

{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ}
وبعد أن عرض الحق هذه الصفقة، فمن هم المقبلون عليها؟ إنهم التائبون، والتوبة: هي الرجوع عن أي باطل إلى حق.
وعمَّ يتوب هؤلاء التائبون؟
نحن نعلم أن هناك إيمانًا اسمه إيمان الفطرة. نجد ذلك في قول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بني ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ أَوْ تقولوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المبطلون} [الأعراف: 172-173].
إذن: فالإيمان أمر فطري، والكفر هو الذي طرأ عليه، وقلنا من قبل: إن الكفر هو الدليل الأول على الإيمان؛ لأن الكفر هو الستر، فمن يكفر بالله- والعياذ بالله- إنما يستر وجوده، فكأن وجوده هو الأصل، ثم يطرأ الكفر فيسرته، ثم يأتي من ينبه في الإنسان مشاعر اليقين والإيمان فيرجع الإنسان إلى الإيمان بالله بعد أن يزيل الغشاوة التي طرأت على الفطرة.
و{التائبون}: منهم التائبون عن الكفر الطارئ على إيمان الفطرة، وأخذوا منهج الله الذي آمنوا به، ومن هنا نشأت العبادة التي تقتضي وجود عابد ومعبود، والعبادة تعني الانصياع من العابد لأوامر ونواهي المعبود.
{التائبون العابدون الحامدون} والعبادة كلها طاعة تتمثل في تطبيق ما جاء به المنهج من افعل ولا تفعل، وقد يتدخل المنهج في حريتك قليلًا، وأنت بقوة الإيمان تعتبر أن هذا التدخل في هذه الحرية نعمة يجب أن تحمد الله عليها؛ لأنه لو تركك على هواك، كما يترك ولي الأمر التلميذ ابنه على هواه فهو يفشل، ولكن الأب الذي يحث ابنه على المذاكرة وينهاه عن اللعب والعبث، فلابد أن ينجح.
إذن: الأوامر والنواهي هنا نعمة، كان يجب أن نحمد ربنا عليها، وكل ما يجريه الله على العبد المؤمن يجب أن يأخذه العبد على أساس أنه نعمة.
إذن: فالذين تابوا عن الكفر الطارئ على إيمان الفطرة هم تائبون يأخذون منهج الإيمان من المعبود، ويصبحون بذلك عابدين لله، أي: منفذين الأوامر، ومبتعدين عن النواهي، وهم يعلمون أن الأوامر تقيد حركة النفس وكذلك النواهي، ولكنهم يصدقون قوله صلى الله عليه وسلم: «حُفَّتِ الجنةُ بالمكاره، وحُفَّت النارُ بالشَّهوات».
حين تعرف أن العبادة أوصلتك إلى أمر ثقيل على نفسك، فاعرف أن هذا لمصلحتك وعليك أن تحمد الله عليه؛ وبذلك يدخل المؤمن في زمرة الحَامِدينَ.
وأنت حين تؤمن بالله، يصبح في بالك، فلا يشغلك كونه عنه سبحانه، وإياك أن تشغل بالنعمة عن المنعم، واجعل الله دائمًا في بالك، والحق سبحانه يقول: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى} [العلق: 6-7].
لذلك يفكر المؤمن في الله دائمًا ويشكر المنعم على النعمة وآثارها من راحة في بيت وأولاد وعمل.
و{الحامدون} أيضًا لابد أن يستقبلوا كل قدر لله عليهم بالرضا؛ لأن الذي يُجري عليهم القدر- ما دام لم يأمرهم بما لم يقع في اختيارهم- فهو حكيم ولا يُجري سبحانه عليهم إلا ما كان في صالحهم. وبعد أن ترضى النفس بما أجرى عليها تعرف الحكمة؛ ولذلك يقول سبحانه: {واتقوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله...} [البقرة: 282].
ويتابع الحق صفات المقبلين على الصفقة الإيمانية فيقول: {السائحون} ومعنى سائح هو من ترك المكان الذي له موطن، فيه بيته وأهله وأولاد وأنس بالناس، ثم يسيح إلى مكان ليس فيه شيء ما، قد يتعرض فيه للمخاطر، والمؤمن إنما يفعل ذلك؛ لأنه لا شيء يشغله في الكون عن المكوِّن، ويقول الحق سبحانه: {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض ثُمَّ انظروا...} [الأنعام: 11].
إذن: فالسياحة هي السير المستوعب، والسير في الأرض منه سير اعتبار لينظر في مكلوت السموات والأرض، وليستنبط من آيات الله ما يدل على تأكيد إيمانه بربه، ومنه سير استثمار بأن يضرب في الأرض ليبتغي من فضل الله.
إذن: فالسياحة إما سياحة اعتبار، وإما سياحة استثمار، أما سياحة الاستثمار فهي خاصة بالذين يضربون في الأرض، وهم الرجال.
أما سياحة الاعتبار؛ فهي أمر مشترك بين الرجل والمرأة، بدليل أن الله قال ذلك في وصف النساء: {عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ...} [التحريم: 5].
إذن: {سَائِحَاتٍ} هنا مقصود بها سياحة الاعتبار، أو السياحة التي تكون في صحبة الزوج الذي يضرب في الأرض.
وقيل أيضًا: إن السياحة أطلقت على الصيام؛ لأن السياحة تخرجك عما ألفْتَ من إقامة في وطن ومال وأهل، والصيام يخرجك عما ألفْتَ من طعام وشراب وشهوة.
إذن: القَدْرُ المشترك بين الرجال والنساء هو في سياحة الاعتبار وسياحة الصوم.
ثم يقول الحق سبحانه: {الراكعون الساجدون} أي: المقيمون للصلاة، وقد جاء بمظهرين فقط من مظاهر الصلاة، مع أن الصيام قيام وقعود وركوع وسجود؛ لأن الركوع والسجود هما الأمران المختصان بالصلاة، وأما القيام فقد يكون في غير الصلاة، وكذلك القعود. إذن: فالخاصيَّتان هما ركوع وسجود؛ والحق يقول: {يامريم اقنتي لِرَبِّكِ واسجدي واركعي مَعَ الراكعين} [آل عمران: 43].
أي: صلّي مع المصلِّين، وهكذا نجد أن الركوع والسجود هما الأمران اللذان يختصان بالحركة في الصلاة.
ثم يقول سبحانه: {الآمرون بالمعروف والناهون عَنِ المنكر} والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو حيثية تخص الأمة المحمدية لتكون خير أمة أخرجت للناس، فالحق سبحانه يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر...} [آل عمران: 110].
فإذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فلابد أن تكون بمنأى عن هذا المنكر فليس معقولًا أن تنهى عن شيء أنت مزاول له.
إذن: فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صلاح أو هدى مُتَعدٍّ من النفس إلى الغير، بعد أن تكون النفس قد استوفَتْ حظها منه.
ويقتضي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تعرف المعروف الذي تأمر به، وأن تعرف المنكر الذي تنهى عنه؛ لذلك لابد أن تكون من أهل الاختصاص في معرفة أحكام الله، ومعرفة حدود الله حِلاّ وحُرْمة، أما أن يأتي أي إنسان ليُدخل نفسه في الأمر ويقول: أنا آمر بمعروف وأنا أنهى عن منكر، هنا نقول له: لا تجعل الدين، ولا تجعل التقوى في مرتبة أقل من المهن التي لابد أن يزاولها أهل فكر ومتخصصون فيها.
ثم يقول سبحانه: {والحافظون لِحُدُودِ الله} والحدود جمع حد وتأتي الحدود في القرآن على معنيين: المعنى الأول هو المحافظة على الأوامر، وتلك التي يردفها الحق بقوله: {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا...} [البقرة: 229].
وكل أمر يقول فيه ذلك هو حد الله فلا تتعدَّ هذا الحد، أما المعنى الثاني: فهو البعد عن المنهيات فلا يقول لك: لا تتعداها، بل يقول سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا...} [البقرة: 187].
ويُنهى الحق سبحانه الآية بقوله: {وَبَشِّرِ المؤمنين} أي: بَشِّرْ هؤلاء الذين يسلكون هذا السلوك مطابقًا لما اعتقدوه من اليقين والإيمان، لا هؤلاء المنافقين الذي قد يصلون أو يصومون ظاهرًا. وكلمة {وَبَشِّرِ} واستبشر والبشرى والبشير كلها مادة تدل على الخبر السار الذي يجعل في النفس انبساطًا وسرورًا؛ بحيث إذا رأيت وجه الإنسان وجدته وجهًا متهللًا تفيض بشرته بالسرور.
وبعد ذلك يتكلم الحق عن أمر شغل بال المؤمنين الذين كان لهم آباء على الكفر؛ ومن حقوق هذه الأبوة على الأبناء أن يستغفروا لهم لعل الله يغفر، وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يبين لنا أن رعاية حدود الله وحقوقه أوْلَى من قرابة الدم، وأوْلى من عاطفة الحنوّ والرحمة؛ فالحق سبحانه وتعالى أوْلى بأن يكون الإنسان بارًا به من أن يكون بارّا بالأب الكافر، وقد جعل الحق سبحانه النسبَ في الإسلام نفسه. اهـ.

.قال الجصاص في الآيتين:

قوله تعالى: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} أُطْلِقَ الشِّرَى فِيهَا عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الَّذِي يَشْتَرِي مَا لَا يَمْلِكُ وَاَللَّهُ تَعَالَى مَالِكُ أَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَلَكِنَّهُ كَقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} فَسَمَّاهُ شِرًى كَمَا سَمَّى الصَّدَقَةَ قَرْضًا لِضَمَانِ الثَّوَابِ فِيهَا بِهِ، فَأَجْرَى لَفْظَهُ مَجْرَى مَا لَا يَمْلِكُهُ الْمُعَامِلُ فِيهِ اسْتِدْعَاءً إلَيْهِ وَتَرْغِيبًا فِيهِ.
قوله تعالى: {السَّائِحُونَ} قِيلَ: إنَّهُمْ الصَّائِمُونَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «سِيَاحَةُ أُمَّتِي الصَّوْمُ» وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُ الصَّوْمُ وقوله تعالى: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} هُوَ أَتَمُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَالْقِيَامِ بِأَوَامِرِهِ وَالِانْتِهَاءِ عَنْ زَوَاجِرِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حُدُودًا فِي أَوَامِرِهِ وَزَوَاجِرِهِ وَمَا نَدَبَ إلَيْهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، أَوْ أَبَاحَهُ وَمَا خَيَّرَ فِيهِ وَمَا هُوَ الْأَوْلَى فِي تَحَرِّي مُوَافَقَةِ أَمْرِ اللَّهِ، وَكُلُّ هَذِهِ حُدُودُ اللَّهِ، فَوَصَفَ تَعَالَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِهَذَا الْوَصْفِ، مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَدَّى جَمِيعَ فَرَائِضِهِ وَقَامَ بِسَائِرِ مَا أَرَادَهُ مِنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا الْمُرَادِينَ بِهَا، وَهُمْ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ بَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَهِيَ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، بِقوله تعالى: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ: {التَّائِبُونَ} فَقَدْ بَيَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَنْزِلَةَ هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ الدِّينِ، وَالْإِسْلَامِ وَمَحِلَّهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي وَصْفِ الْعَبِيدِ بِالْقِيَامِ بِطَاعَةِ اللَّهِ كَلَامٌ أَبْلَغُ وَلَا أَفْخَمُ مِنْ قوله:
تَعَالَى: {الْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ}. اهـ.