فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: إن العطف في الصفات يجيء بالواو وبغيرها، كقوله: {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب} [غافر: 3].
وقيل: إن الواو زائدة.
وقيل: هي واو الثمانية المعروفة عند النحاة، كما في قوله تعالى: {ثيبات وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5]، وقوله: {وَفُتِحَتْ أبوابها} [الزمر: 73]، وقوله: {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: 22]، وقد أنكروا الثمانية، أبو علي الفارسي وناظره في ذلك ابن خالويه {وَبَشّرِ المؤمنين} الموصوفين بالصفات السابقة.
وقد أخرج ابن جرير، عن محمد بن كعب القرظي، وغيره قالوا: قال عبد الله بن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: «أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تنعون منه أنفسكم وأموالكم»، قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: «الجنة»، قال: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله، قال: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ} فكبر الناس في المسجد، فأقبل رجل من الأنصار ثانيًا طرفي ردائه على عاتقه، فقال: يا رسول الله، أنزلت هذه الآية؟ قال: «نعم»، فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقيل، ولا نستقيل.
وقد أخرج ابن سعد، عن عبادة بن الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط في بيعة العقبة على من بايعه من الأنصار: أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، والسمع والطاعة، ولا ينازعوا في الأمر أهله، ويمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم.
قالوا: نعم؛ قال قائل الأنصار: نعم، هذا لك يا رسول الله، فما لنا؟ قال: «الجنة» وأخرجه ابن سعد أيضًا من وجه آخر، وليس في قصة العقبة ما يدلّ على أنها سبب نزول الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن ابن عباس، قال: من مات على هذه التسع، فهو في سبيل الله: {التائبون العابدون} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، وابن المنذر، عن ابن عباس، قال: الشهيد من كان له التسع الخصال المذكورة في هذه الآية.
وأخرج أبو الشيخ عنه قال: العابدون الذين يقيمون الصلاة.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، عنه، أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوّل من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله على السرّاء والضرّاء».
وأخرج ابن جرير، عن عبيد بن عمير، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين، فقال: «هم الصائمون» وأخرج الفريابي، وابن جرير، والبيهقي في شعب الإيمان، من طريق عبيد بن عمير، عن أبي هريرة مرفوعًا مثله.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وابن النجار، من طريق أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا مثله.
وأخرج ابن مردويه، عن ابن مسعود، مرفوعًا مثله.
وقد روي عن أبي هريرة موقوفًا، وهو أصح من المرفوع من طريقه، وحديث عبيد بن عمير مرسل، وقد أسنده من طريق أبي هريرة في الرواية الثانية.
وقد روي من قول جماعة من الصحابة مثل هذا: منهم عائشة عند ابن جرير، وابن المنذر، ومنهم ابن عباس عند ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي الشيخ، ومنهم ابن مسعود، عند هؤلاء المذكورين قبله.
وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، والبيهقي في شعب الإيمان، عن أبي أمامة أنّ رجلًا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال: «إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله» وصححه عبد الحق.
وأخرج أبو الشيخ، عن الربيع، في هذه الآية قال: هذه أعمال قال فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قضى على نفسه في التوراة والإنجيل والقرآن لهذه الأمة أن من قتل منهم على هذه الأعمال كان عند الله شهيدًا، ومن مات منهم عليها فقد وجب أجره على الله.
وأخرج ابن المنذر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: الشهيد من لو مات على فراشه دخل الجنة.
قال: وقال ابن عباس: من مات وفيه تسع، فهو شهيد، وقرأ هذه الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وأموالهم} يعني: بالجنة، ثم قال: {التائبون} إلى قوله: {والحافظون لِحُدُودِ الله} يعني: القائمين على طاعة الله، وهو شرط اشترطه الله على أهل الجهاد، وإذا وفوا لله بشرطه وفى لهم بشرطهم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)}
أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال: من مات على هذه التسع فهو في سبيل الله: {التائبون العابدون} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: الشهيد من كان فيه التسع خصال {التائبون العابدون} إلى قوله: {وبشر المؤمنين}.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {التائبون} قال: تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق. وفي قوله: {العابدون} قال: عبدوا الله في أحايينهم كلها، أما والله ما هو بشهر ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين ولكن كما قال العبد الصالح {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا} [مريم: 31] وفي قوله: {الحامدون} قال: يحمدون الله على كل حال في السراء والضراء. وفي قوله: {الراكعون الساجدون} قال: في الصلوات المفروضات. وفي قوله: {الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر} قال: لم يأمروا بالمعروف حتى ائتمروا به، ولم ينهوا الناس عن المنكر حتى انتهوا عنه. وفي قوله: {والحافظون لحدود الله} قال: القائمون بأمر الله عز وجل: {وبشر المؤمنين} قال: الذين لم يغزوا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله: {التائبون} قال: من الشرك والذنوب {العابدون} قال: العابدون لله عز وجل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {التائبون} قال: الذين تابوا من الشرك ولم ينافقوا في الإِسلام {العابدون} قال: قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم {الحامدون} قال: قوم يحمدون الله على كل حال {السائحون} قال: قوم أخذوا من أبدانهم صومًا لله عز وجل: {والحافظون لحدود الله} قال: لفرائضه من حلاله وحرامه.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {العابدون} قال: الذين يقيمون الصلاة.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء».
وأخرج ابن المبارك عن سعيد بن جبير قال: إن أول من يدعى إلى الجنة الذين يحمدون الله على كل حال، أو قال: في السراء والضراء.
وأخرج البيهقي في الشعب عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الأمر يسره قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»، وإذا أتاه الأمر يكرهه قال: «الحمد لله على كل حال».
وأخرج ابن جرير عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين، قال: «هم الصائمون».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: كلما ذكر الله في القرآن السياحة هم الصائمون.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: {السائحون} الصائمون.
وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت: سياحة هذه الأمة الصيام.
وأخرج الفريابي ومسدد في مسنده وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق عبيد بن عمير عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السائحين، فقال: «هم الصائمون».
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه وابن النجار من طريق أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السائحون: هم الصائمون».
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السائحين. فقال: «الصائمون».
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال: {السائحون} الصائمون.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {السائحون} قال: هم الصائمون.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الحسن مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عمرو العبدي قال: {السائحون} الصائمون الذين يديمون الصيام.
وأخرج ابن المنذر عن سفيان بن عيينة قال: إنما سمي الصائم السائح لأنه تارك للذات الدنيا كلها من المطعم والمشرب والمنكح، فهو تارك للدنيا بمنزلة السائح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي فاختة مولى جعدة بن هبيرة. أن عثمان بن مظعون أراد أن ينظر أيستطيع السياحة؟ قال: كانوا يعدون السياحة قيام الليل وصيام النهار.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي أمامة. أن رجلًا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة.
قال: «إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {السائحون} قال: هم المهاجرون، ليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة، وكانت سياحتهم الهجرة حين هاجروا إلى المدينة، ليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ترهب.
وأخرج ابن جرير عن وهب بن منبه قال: كانت السياحة في بني إسرائيل.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: {السائحون} قال: طلبة العلم.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {الآمرون بالمعروف} قال: بلا إله إلا الله: {والناهون عن المنكر} قال: الشرك بالله: {وبشر المؤمنين} قال: الذين لم يغزوا.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: {والحافظون لحدود الله} قال: لفرائض الله التي افترض، نزلت هذه الآية في المؤمنين الذين لم يغزوا، والآية التي قبلها فيمن غزا {وبشر المؤمنين} قال: الغازين.
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في هذه الآية قال: هذه قال فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قضى على نفسه في التوراة والإِنجيل والقرآن لهذه الأمة أنه من قتل منهم على هذه الأعمال كان عند الله شهيدًا، ومن مات منهم عليها فقد وجب أجره على الله.
وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: الشهيد من لو مات على فراشه دخل الجنة.
قال: وقال ابن عباس: من مات وفيه تسع فهو شهيد {التائبون العابدون} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} يعني بالجنة، ثم قال: {التائبون} إلى قوله: {والحافظون لحدود الله} يعني القائمون على طاعة الله، وهو شرط اشترطه الله على أهل الجهاد إذا وفوا الله بشرطه وفى لهم بشرطهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ}
قوله تعالى: {التائبون} فيه خمسةُ أوجه:
أحدها: أنهم مبتدأٌ، وخبره {العابدون}، وما بعده أوصاف أو أخبار متعددة عند مَنْ يرى ذلك.
الثاني: أنَّ الخبر قوله: {الآمرون}.
الثالث: أنَّ الخبر محذوف، أي: التائبون الموصوفون بهذه الأوصاف من أهل الجنة، ويؤيده قولُه: {وبَشِّر المؤمنين}، وهذا عند مَنْ يرى أن هذه الآية منقطعةٌ مما قبلها، وليست شرطًا في المجاهدة، وأمَّا مَنْ زعم أنها شرط في المجاهدة كالضحاك وغيره فيكون إعراب التائبين خبر مبتدأ محذوف، أي: هم التائبون، وهذا من باب قطع النعوت، وذلك أن هذه الأوصافَ عند هؤلاء القائلين من صفات المؤمنين في قوله تعالى: {اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ} [التوبة: 111] ويؤيد ذلك قراءة أُبَيّ وابن مسعود والأعمش {التائبين} بالياء.
ويجوز أن تكونَ هذه القراءةُ على القطع أيضًا، فيكونَ منصوبًا بفعل مقدر. وقد صَرَّح الزمخشري وابن عطية بأن التائبين في هذه القراءةِ نعتٌ. الخامس: أن {التائبون} بدل من الضمير المتصل في {يقاتلون}.
ولم يذكر لهذه الأوصافِ متعلَّقًا، فلم يَقُلْ: التائبون مِنْ كذا، ولا العابدون لله لفَهْمِ ذلك إلا صيغتي الأمر والنهي مبالغةً في ذلك، ولم يأتِ بعاطفٍ بين هذه الأوصاف لمناسبتها لبعضِها إلا في صيغتي الأمر والنهي لتبايُن ما بينهما، فإن الأمرَ طلبُ فعل والنهيَ طلبُ تَرْكٍ أو كفٍّ، وكذا {الحافظون} عَطفَه وذَكَر متعلَّقه. وأتى بترتيب هذه الصفاتِ في الذِّكْر على أحسنِ نَظْمٍ وهو ظاهر بالتأمُّل، فإنه قَدَّم التوبةَ أولًا ثم ثَنَّى بالعبادة إلى آخره. وقيل: إنما دخلت الواوُ لأنها واوُ الثمانية، كقوله: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: 22]. وقوله: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 71] لَمَّا كان للجنة ثمانية أبواب أتى معها بالواو.
وقال أبو البقاء: إنما دخلت الواو في الصفة الثامنة إيذانًا بأن السبعة عندهم عددٌ تام، ولذلك قالوا: سبع في ثمانية، أي: سبع أذرع في ثمانية أشبار، وإنما دَلّت الواوُ على ذلك لأن الواو تُؤْذن بأنَّ ما بعدها غير ما قبلها، ولذلك دَخَلَت في باب عطفِ النَّسق، قلت: وهذا قولٌ ضعيفٌ جدًا لا تحقيقَ له. اهـ.