فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{إنَّ الله لَهُ مُلْكُ السموات والأرض} يعني: يحكم فيهما بما يشاء من الأمر بعد الأمر، يأمر بأمر ثم بغيره ما يشاء.
{يحيى ويميت}، يعني: يحيي الموتى ويميت الأحياء.
{وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله}، يعني: من عذاب الله تعالى: {مِن وَلِىّ}، يعني: من قريب ينفعكم {وَلاَ نَصِيرٍ}، يعني: مانعًا يمنعكم.
وقال الكلبي: {يحيى ويميت} يعني: في السفر ويميت في الحضر، يعني: إن هذا ترغيب في الجهاد لكي لا يمتنعوا مخافة القتل. اهـ.

.قال الخازن:

{إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يعني أنه سبحانه وتعالى هو القادر على ملك السموات والأرض وما فيهما عبيده وملكه يحكم فيهم بما يشاء {يحيي ويميت} يعني أنه تعالى يحيي من يشاء على الإيمان ويميته عليه ويحيي من يشاء على الكفر ويميته عليه لا اعتراض لأحد عليه في حكمه وعبيده {وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} يعني أنه تعالى هو وليكم وناصركم وليس لكم غيره يمنعكم من عدوكم وينصركم عليهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

ولما ذكر تعالى علمه بكل شيء، فهو يعلم ما يصلح لكل أحد، وما هيئ له في سابق الأزل، ذكر ما دل على القدرة الباهرة من أنه له ملك السموات والأرض، فيتصرف في عباده بما شاء، ثم ذكر من أعظم تصرفاته الأحياء والإماتة أي: الإيجاد والإعدام.
وتفسير الطبري هنا قوله: {يحيي ويميت}، بأنه إشارة إلى أنه يجب للمؤمنين أن لا يجزعوا من عدو وإن كثر، ولا يهابوا أحدًا فإنّ الموت المخوف، والحياة المحتومة إنما هي بيد الله، غير مناسب هنا وإن كان في نفسه قولًا صحيحًا.
وتقدم شرح قوله: {وما لكم من دون الله من وليّ ولا نصير} في البقرة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ الله لَهُ مُلْكُ السموات والأرض} من غير شريك له فيه {إِنَّ الله لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض يُحْىِ وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِن دُونِ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} لمّا منعهم من الاستغفار للمشركين وإن كانوا أولي قربى وضمّن ذلك التبرُّؤَ منهم رأسًا بيَّن لهم أن الله تعالى مالكُ كلِّ موجودٍ ومتولي أمورِه والغالبُ عليه، ولا يتأتى لهم نصرٌ ولا ولايةٌ إلا منه تعالى ليتوجهوا إليه متبرِّئين عما سواه غيرَ قاصدين إلا إياه. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} من غير شريك له فيه.
{لاَ إله لَكُمْ مِن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِىّ وَلاَ نَصِيرٍ} وقال غير واحد: إنه سبحانه لما منعهم عن الاستغفار للمشركين وإن كانوا أولى قربى وتضمن ذلك وجوب التبري عنهم رأسًا بين لهم أن الله سبحانه مالك كل موجود ومتولى أمره والغالب عليه ولا يتأتى لهم ولاية ولا نصر إلا منه تعالى ليتوجهوا إليه جل شأنه بشراشرهم متبرئين عما سواه غير قاصدين إلا إياه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} تذييل ثان في قوة التأكيد لقوله: {إن الله بكل شيء عليم} [التوبة: 115]، ولذلك فُصل بدون عطف لأن ثبوت ملك السماوات والأرض لله تعالى يقتضي أن يكون عليمًا بكل شيء لأن تخلف العلم عن التعلق ببعض المتملكات يفضى إلى إضاعة شؤونها.
فافتتاح الجملة بـ(إن) مع عدم الشك في مضمون الخبر يعين أن (إن) لمجرد الاهتمام فتكون مفيدة معنى التفريع بالفاء والتعليل.
ومعنى الملك: التصرف والتدبير.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {مَلِك يوم الدين} [الفاتحة: 4].
وزيادة جملتي: {يحيي ويميت} لتصوير معنى الملك في أتم مظاهره المحسوسة للناس المسلم بينهم أن ذلك من تصرف الله تعالى لا يستطيع أحد دفع ذلك ولا تأخيره.
وعطف جملة: {وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} لتأييد المسلمين بأنهم منصورون في سائر الأحوال لأن الله وليهم فهو نصير لهم، ولإعْلامهم بأنهم لا يخشون الكفار لأن الكافرين لا مولى لهم لأن الله غاضب عليهم فهو لا ينصرهم.
وذلك مناسب لغرض الكلام المتعلق باستغفارهم للمشركين بأنه لا يفيدهم.
وتقدم الكلام على الولي عند قوله تعالى: {قل أغير الله أتخذ وليًا} في أول سورة الأنعام (14).
والنصير: الناصر.
وتقدم معنى النصر عند قوله تعالى: {ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون} في سورة البقرة (48). اهـ.

.قال الشعراوي:

{إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)}
ومادة ال (م. ل. ك) يأتي منها مالك، ومَلك، وملْك، ومنها مُلْك، ومنها ملكوت، والمِلْك هو ما تملكه أنت في حيزك، فإن كان هناك أحد يملكك أنت ومن معك ويملك غيرك، فهذا هو المَلِك، أما ما اتسع فيه مقدور الإنسان أي الذي يدخل في سياسته وتدبيره، فاسمه مُلك، فشيخ القبيلة له ملك، وعمدة القرية له ملك، وحاكم الأمة له ملك، ويكون في الأمور الظاهرة، وأما الملكوت فهو ما لله في كونه من أسرار خفية.
مثل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض...} [الأنعام: 75].
وساعة ترى تاء المبالغة في مثل رهبوت، وعظموت تدرك أنها رهبة عظيمة.
إذن: إياك أن تفهم أن الله حين يمنعك أن تستغفر لآبائك، وأنك إن قاطعتهم فذلك يخل بوجودك في الحياة؛ لأنهم هم ومن يؤازرهم داخلون في ملك الله، وما دام الله له ملك السموات والأرض، فلا يضيرك أحد أو شيء ولا يفوتك مع الله فائت، وما دام الله سبحانه موجودًا فكل شيء سهل لمن يأخذ بأسبابه مع الإيمان به.
والحق سبحانه يبين لنا أنه سبحانه وحده الذي بيده الملك؛ فقال: {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخير...} [آل عمران: 26].
وفي هذا القول الكريم أربعة أشياء متقابلة: {تُؤْتِي الملك} و{وَتَنزِعُ الملك}، وإيتاء الملْك في أعراف الناس خير، ونزعه في أعراف الناس شر، وإعزاز الناس خير، وإذلالهم شر، ولم يقل الله بيده: الخير والشر. وإنما قال في كُلّ: {بِيَدِكَ الخير}.
إذن: فحين يؤتي الله إنسانًا مُلْكًا؛ نقول: هذا خير وعليك أن تستغله في الخير. وحينما ينزع الله منه الملك نقول له: لقد طغيت وخفف الله عنك جبروت الطغيان، فنزعه الله منك فهذا خير لك. وإن أعزك الله، فقد يعذبك حقًّا، وإن أذلهم الله، فالمقصود ألا يطغوا أو يتجبروا. إذن: فكلها خير.
{تُؤْتِي الملك مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخير...} [آل عمران: 26].
ساعة تجد ملكًا عضوضًا، إياك أن تظن أن هذا الملك العضوض قد أخذ ملكه دون إرادة الله، لا، بل هو عطاء من الله. ولو أن المملوك راعى الله في كل أموره لرقق عليه قلب مالكه. ولذلك يقول لنا في الحديث القدسي: «أنا الله ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيها بيدي، فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة، وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة، فلا تشتغلوا بسب الملوك، ولكن أطيعوني أعطفهم عليكم».
وما دام الأمر كذلك، فلابد أن نعرف أن كل حادثة له حكمة في الوجود.
وإن رأيت واحدًا قد أخذ الملك وهو ظالم، فاعلم أن الله قد جاء به ليربى به المملوكين، وسبحانه لا يربي الأشرار بالأخيار؛ لأن الأخيار لا يعرفون كيف يربون؛ وقلوبهم تمتلئ بالرحمة؛ ولذلك يعلمنا سبحانه: {وكذلك نُوَلِّي بَعْضَ الظالمين بَعْضًا...} [الأنعام: 129].
والخيِّر لا يدخل المعركة بل يشاهد الصراع من بعيد، ويجري كل شيء بعلم الله؛ لأنه سبحانه لم ملك السموات والأرض وهو الذي يحيي ويميت، فإياك أن تُفْتَن في غير خالقك أبدًا؛ لأن الخلق مهما بلغ من قدرته وطغيانه، لا يستطيع أن يحمي نفسه من أغيار الله في كونه ولذلك فليأخذ المؤمن من الله وليًّا له ونصيرًا.
وبعد أن قال لنا سبحانه: {إِنَّ الله لَهُ مُلْكُ السموات والأرض} يأتي لنا بالأمر الذي يظهر فيه أثر القدرة، ولا يشاركه فيه غيره، فقال: {يُحْيِي وَيُمِيتُ}. وقال بعض العلماء في قوله: {يُحْيِي وَيُمِيتُ} أنه سبحانه يحيي الجماد، ويميت الحيوان؛ لأنهم ظنوا أن الحياة هي الحس والحركة التي نراها أمامنا من حركة وكلام وذهاب وإياب، ونسوا أن الحياة هي ما أودعه الله في كل ذرة في الكون، مما تؤدي به مهمتها، ففي ذرة الرمل حياة، والجبل فيه حياة، وكل شيء فيه حياة، بنص القرآن حيث يقول: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ...} [الأنفال: 42].
إذن: فالحياة مقابلها الهلاك، وفي آيات أخرى يقابل الحياة الموت، فالهلاك هو الموت. فإذا قال الحق سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ...} [القصص: 88].
إذن: فكل شيء قبل أن يكون هالكًا كان حيًّا، وهكذا نعرف أن الحياة ليست هي الحس والحركة الظاهرتين، وبعد التقدم العلمي الهائل في المجاهر الدقيقة تكشفت لنا حركة وحس كائنات كنا لا نراها، وإذا كان الإنسان قد توصل بالآلات التي ابتكرها إلى إدراك ألوان كثيرة من الحياة فيما كان يعتقد أنه لا حياة فيها، إذن: فكل شي في الوجود له حياة تناسبه فلو جئت بمعدن مثلًا وتركته ستجده تأكسد، أي حدث فيه تفاعل مع مواد أخرى.. فهذه حياة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)}
الحقُّ لا يَتَجمَّلُ بوجود مملوكاته، ولا يلحق نَقْصٌ بِعَدَم مخلوقاته، فَقَبْلَ أَنْ أوجد شيئًا من الحادثات كان مَلِكًا- والمَلِكُ أكثر مبالغةً من المالك- ومُلْكُه قدرتُه على الإبداع؛ والمعدوم مقدوره ومملوكه، فإذا أَوْجَدَه فهو في حال حدوثه مقدوره ومملوكه، فإذا أعدمه خرج عن الوجود ولم يخرج عن كونه مقدورًا له.
{يُحْىِ وَيُمِيتُ} يحيي مَن يشاء بعرفانه وتوحيده، ويميت من يشاء بكفرانه وجحوده.
ويقال يُحيي قلوبَ العارفين بأنوار المواصلات، ويُميتُ نفوسَ العابدين بآثار المنازلات.
ويقال يُحيي مَنْ أقبل عليه بِتَفَضُّله، ويميت من أعرض بِتَكَبُّرِه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (117):

قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أشار إلى أنه هو وليهم أحياهم بروح منه مبين لهم ما يصلحهم وأنه لا ولي لهم غيره، أقام الدليل على ذلك بقوله: {لقد تاب الله} أي الذي له الجلال والإكرام {على النبي} أي الذي لا يزال عنده من الله خبر عظيم يرشده إلى ما يؤذن بتقوية حياته برفع درجاته، فما من مقام يرقيه إليه إلا رأى أنه لمزيد علوه وتقربه للمقام الذي كان دونه، فهو في كل لمحة في ارتقاء من كامل إلى أكمل إلى ما لا نهاية له.
ولما أخبر تعالى بعلو رتبة النبي صلى الله عليه وسلم بترقيته في رتب الكمالات والأكمليات إلى ما لا نهاية له على وجه هو في غاية البعث لكل مؤمن على المبادرة إلى التوبة، أكد ذلك بقوله: {والمهاجرين والأنصار} بمحو هفواتهم ورفع درجاتهم {الذين اتبعوه} أي النبي صلى الله عليه وسلم {في ساعة العسرة} أي أزمنة عزوة تبوك، كانوا في عسرة من الزمان بالجدب والضيقة الشديدة والحر الشديد، وعسرة من الظهر يعتقب العشرة على بعير واحد.
وعسرة من الزاد تزودوا التمر المدوّد والشعير المسوّس والإهالة الزنخة وبلغت بهم الشدة أن اقتسم التمر اثنان، وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء، وفي عسرة من الماء حتى نحروا الإبل واعتصروا فروثها؛ وسماها ساعة تهوينًا لأوقات الكروب وتشجيعًا على مواقعة المكاره فإن أمدها يسير وأجرها عظيم خطير، فكانت حالهم باتباعه في هذه الغزوة أكمل من حالهم قبلها، وأشار سبحانه إلى تفاوتهم في الثبات على مقامات عالية، ترقوا بالتوبة إلى أعلى منها، وفي قبول وساوس أبعدتهم التوبة عن قبولها بقوله: {من بعد ما كاد} أي قرب قربًا عظيمًا {يزيغ} أي تزول عن أماكنها الموجبة لصلاحها، وأشار بمن إلى تقارب ما بين كيدودة الزيغ والتدارك بالتوبة.
ولما كان المقام للزلازل، ناسب التعبير بما منه الانقلاب والفرقة فقال: {قلوب فريق} أي هم بحيث تحصل منهم الفرقة لما هناك من الزلازل المميلة {منهم} أي من عظيم ما نالهم من الشدائد فتميل لذلك عن الحق كأبي خيثمة ومن أحب الراحة وهاب السفر في ذلك الحر الشديد إلى بني الأصفر الملوك الصيد الأبطال الصناديد، وهم ملء الأرض كثرة وقدر الحصى عدة ومثل الجبال شدة، ثم عزم الله له فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع سبحانه بالجميع إلى ما كانوا عليه قبيل مقاربة الزيغ من مباعدته، ولما صاروا كمن لم يقارب الزيغ.
أعلاهم إلى مقام آخر عبرعن عظمته بأداة التراخي فقال: {ثم تاب عليهم} أي كلهم تكريرًا للرفعة، أو على من كاد يزيغ بالثبات على مباعدة الزلات وبالترقي في أعالي الدرجات إلى الممات؛ ونقل أبو حيان عن الحسن أن زيغها همها بالانصراف لما لقيت من المشقة، قال وقيل: ساء ظنها بما رأته من شدة العسرة وقلة الوفر وبعد الشقة وقوة العدو المقصود. انتهى.
ويجوز أن يكون عبر بـ {ثم} لوصولهم إلى حالة يبعد معها الثبات فضلًا عن مباعدة مواقع الزلات فثبتها حتى عادت كالحديد من غير سبب ظاهر من جيش أو غيره فثبت بذلك أنه مالك الملك متمكن من فعل كل ما يريده وأنه لا ولي لهم سواه: ثم علل لطفه بهم بقوله: {إنه بهم رؤوف رحيم} والرأفة: شدة الرحمة، فقدم الأبلغ فيقال فيه ما قيل في {الرحمن الرحيم} فالمعنى أنه يرحمهم أعلى الرحمة بإسباغ جلائل النعم ودفع جلائل النقم، ويرحمهم أيضًا بإسباغ دقائق النعم ودفع دقائق النقم، وقيل: الرأفة: إزالة الضر، والرحمة: إيصال النفع، ومادة رأف تدور مع السعة على ما أُشير إليه في سورة سبحان على شدة الوصلة.
فالرأفة- كما قال الحرالي في البقرة- عطف العاطف على من يجد عنده منه وصلة، فهي رحمة ذي الصلة بالراحم، والرحمة تعم من لا صلة له بالراحم- انتهى.
فتكون الرأفة حينئذ للثابتين والرحمة لمن قارب الزيغ.
فيصير الثابت مرحومًا مرتين لأنه منظور إليه بالصفتين، وتقدم عند الحزبين من البقرة ما ينفع هنا. اهـ.