فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا هذا فقد صدق فقُم حتى يقضِيَ اللَّهُ فيك».
فقمت وثار رجال من بني سَلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبًا قبل هذا! لقد عَجَزْت في ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به إليه المتخلِّفون، فقد كان كافيك ذنبَك استغفارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لك!.
قال: فوالله ما زالوا يؤنّبوني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُكذّب نفسي.
قال: ثم قلت لهم هل لَقَى هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم! لقِيه معك رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك.
قال قلت: من هما؟ قالوا: مُرارة ابن ربيعة العامِريّ وهلال بن أُمية الواقفيّ.
قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا فيهما أسوة؛ قال: فمضيت حين ذكروهما لي.
قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيّها الثلاثةُ من بين من تخلّف عنه.
قال: فاجتنبنَا الناسُ، وقال: وتغيّروا لنا، حتى تنكّرت لي في نفسي الأرضُ، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة؛ فأمّا صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشَبَّ القومِ وأجْلَدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلّم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه برد السلام أم لا! ثم أُصلِّي قريبًا منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين مَشَيْتُ حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمّي وأحبّ الناس إليّ فسلمت عليه، فوالله ما ردّ عليّ السلام، فقلت له: يا أبا قتادة أنْشُدُك بالله! هل تعلَمنَّ أني أُحب الله ورسوله؟ قال: فسكت، فعُدت فناشدته فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم! ففاضت عيناي، وتولّيت حتى تسوّرت الجدار، فبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نَبَطِيٌّ من نَبَط أهلِ الشام ممن قَدِم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلّ على كعب بن مالك؟ قال: فطفِقَ الناس يُشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إليّ كتابًا من مَلِك غَسّانَ، وكنت كاتبًا فقرأته فإذا فيه: أما بعد! فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلْك الله بدار هَوَانٍ ولا مَضْيَعَة فَالْحَقْ بنا نُواسك.
قال فقلت حين قرأتها: وهذه أيضًا من البلاء! فتياممت بها التنُّورَ فَسَجَرْته بها، حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلْبَثَ الوَحْيُ إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك.
قال فقلت: أُطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها فلا تقربَنّها.
قال: فأرسل إلى صَاحِبِيّ بمثل ذلك.
قال فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.
قال: فجاءت امرأة هلال بن أُمية رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله، إن هلال بن أُميّة شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخْدُمَه؟ قال: «لا ولكن لا يقربَنّكِ» فقالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء! ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.
قال: فقال بعض أهلي لو استأذنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أُمية أن تخدُمَه.
قال فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يُدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب! قال: فلبِثت بذلك عشر ليال، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نُهِيَ عن كلامنا.
قال: ثم صلّيت صلاة الفجر صباحَ خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله منا قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رَحُبت سمعت صوت صارخ أوْفَى على سَلْع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبْشِر.
قال: فَخَرَرْت ساجدًا، وعرفت أن قد جاء فرج.
قال: فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر؛ فذهب الناس يبشروننا، فذهب قِبل صاحبَيّ مُبَشِّرون، وركض رجل إليّ فرسًا، وسعى ساعٍ من أسْلَم قبلي وأوْفَى الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس؛ فلما جاءني الذي سمعتُ صوته يبشّرني نزعت له ثوبيّ فكسوته إياهما ببشارته، واللَّهِ ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، فانطلقت أتأمَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتلقاني الناس فوجًا فوجًا، يُهنّئونني بالتوبة ويقولون: لتَهْنِئْك توبةُ الله عليك، حتى دخلتُ المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس؛ فقام طلحة بن عبيد الله يُهرول حتى صافحني وهنّأني، واللَّهِ ما قام رجل من المهاجرين غيرُه.
قال: فكان كعبٌ لا ينساها لطلحة.
قال كعب: فلما سلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يَبْرُق وجهه من السرور ويقول: «أبشِر بخيرِ يومٍ مرّ عليك منذ ولدتك أُمّك».
قال: فقلت أمن عند الله يا رسول الله أمن من عندك؟ قال: «لا بل من عند الله».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرّ استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعةُ قَمَر.
قال: وكنا نعرف ذلك.
قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبة الله عليّ أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمسِك عليك بعضَ مالك فهو خير لك».
قال فقلت: فإني أمسك سَهْمِيَ الذي بخَيْبَر.
قال وقلت: يا رسول الله، إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحَدِّث إلا صدقًا ما بَقِيت.
قال: فوالله ما علمت أحدًا من المسلمين أبلاه الله في صدقِ الحديث منذ ذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا أحسنَ مما أبلاني الله به، والله ما تعمّدت كذِبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو الله أن يَحفظني فيما بَقِيَ؛ فأنزل الله عز وجل: {لَقَدْ تَابَ الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فِي سَاعَةِ العسرة} حتى بلغ {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُواْ حتى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} حتى بلغ {اتقوا الله وَكُونُواْ مَعَ الصادقين}.
قال كعب: واللَّهِ ما أنعم الله عليّ من نعمة قطُّ بعد إذ هداني الله للإسلام أعظمَ في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألاّ أكون كَذَبْتُه فأهْلِك كما هلك الذين كذبوا، إن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوَحْيَ شَرّ ما قال لأحد، وقال الله تعالى: {سَيَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ إِذَا انقلبتم إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يرضى عَنِ القوم الفاسقين}.
قال كعب: كنا خلّفْنا أيها الثلاثةُ عن أمرِ أُولئك الذين قَبِل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حَلَفُوا له فبايَعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله عز وجل: {وَعَلَى الثلاثة}، وليس الذي ذَكر الله مما خُلِّفْنا تَخَلُّفَنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقَبِل منه.
قوله تعالى: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ} أي بما اتسعت؛ يقال: منزل رَحْب ورحِيب ورُحاب.
وما مصدرية؛ أي ضاقت عليهم الأرض برَحْبها، لأنهم كانوا مهجورين لا يعامَلون ولا يكلَّمون.
وفي هذا دليل على هِجران أهل المعاصي حتى يتوبوا.
قوله تعالى: {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} أي ضاقت صدورهم بالهمّ والوحشة، وبما لقوه من الصحابة من الجفوة.
{وظنوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ الله إِلاَّ إِلَيْهِ} أي تيقنوا أن لا ملجأ يلجئون إليه في الصفح عنهم وقبول التوبة منهم إلا إليه.
قال أبو بكر الورّاق: التوبة النصوح أن تضيق على التائب الأرض بما رَحُبت، وتضيق عليه نفسه؛ كتوبة كعب وصاحبيه.
قوله تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا إِنَّ الله هُوَ التواب الرحيم} فبدأ بالتوبة منه.
قال أبو زيد: غَلِطت في أربعة أشياء: في الابتداء مع الله تعالى، ظننت أني أُحبّه فإذا هو أحبّني؛ قال الله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.
وظننت أني أرضى عنه فإذا هو قد رضِي عني؛ قال الله تعالى: {رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ}.
وظننت أني أذكره فإذا هو يذكرني؛ قال الله تعالى: {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ}.
وظننت أني أتوب فإذا هو قد تاب عليّ؛ قال الله تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا}.
وقيل: المعنى ثم تاب عليهم ليثبتوا على التوبة؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ آمِنُواْ} [النساء: 136] وقيل: أي فسح لهم ولم يعجل عقابهم كما فعل بغيرهم؛ قال جل وعز: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160]. اهـ.

.قال الخازن:

{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} هذا معطوف على ما قبله تقديره لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار وعلى الثلاثة الذين خلفوا وفائدة هذا العطف بين قبول توبتهم وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكلهم من الأنصار وهم المرادون بقوله سبحانه وتعالى: {وآخرون مرجون لأمر الله} وفي معنى خلفوا قولان: أحدهما أنهم خلفوا عن توبة أبي لبابة وأصحابه وذلك أنهم لم يخضعوا كما خضع أبو لبابة وأصحابه فتاب الله على أبي لبابة وأصحابه وأخر أمر هؤلاء الثلاثة مدة ثم تاب عليهم بعد ذلك والقول الثاني أنهم تخلفوا عن غزوة تبوك ولم يخرجوا مع رسول الله فيها وأما حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، فقد روي عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب وكان قائد كعب بن بنيه حين عمي قال: وكان أعلم قومه وأوعاهم لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت كعب بن مالك بن عبد الله بن مالك بن كعب يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.
قال: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك غير أني قد تخلفت في غزة بدر ولم يعاتب أحدًا تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين توائقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر منى حتى تخلف عنه في تلك الغزوة والله ما جمعت قبله راحلتين قط حين جمعتهما في تلك الغزوة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا واستقبل عدوًا كثيرًا فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ يريد بذلك الديوان قال كعب: فقل رجل يريد ان يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفي له ما لم ينزل فيه وحي من الله وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حيت طابت الثمار والظلال فأنا إليها أصعر فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئًا فأقول في نفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديًا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئًا ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئًا فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو فهممت أن أرتحل فأدركهم فيا ليتني فعلت ثم لم يقدر لي ذلك فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلًا مغموصًا عليه في النفاق أو رجلًا مما عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك» فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا.
فسكت رسول الله فبينما هو كذلك، رأى رجلًا مبيضًا يزول به السراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كن أبا خيثمة» فإذ هو أبو خيثمة وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلًا من تبوك حضرني بثى فطفقت أتذكر الكذب وأقول بم أخرج من سخطه غدًا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادمًا زاح عني الباطل حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدًا فأجمعت صدقه فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادمًا وكان إذا قدم من سفره بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلًا فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله حتى جئت لما سلمت تبسم تبسم المغضب ثم قال لي «تعال» فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال: «ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك» قال قلت يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر لقد أعطيت جدلًا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله، وفي رواية عفو الله، والله ما كان لي عذر والله ما كنت قط أوقى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك» فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبًا قبل هذا لقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك قال فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي.