فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

قَوْله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:

.المسألة الْأُولَى: فِي تَفْسِيرِ الصَّادِقِينَ:

وَفِيهِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ الَّذِينَ اسْتَوَتْ ظَوَاهِرُهُمْ وَبَوَاطِنُهُمْ.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} إلَى قَوْله تعالى: {الْمُتَّقُونَ}.
الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ الْمُهَاجِرُونَ؛ وَقَدْ رُوِيَ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلْأَنْصَارِ يَوْمَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ: إنَّ اللَّهَ سَمَّانَا الصَّادِقِينَ؛ فَقَالَ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} إلَى قَوْله تعالى: {هُمْ الصَّادِقُونَ} ثُمَّ سَمَّاكُمْ الْمُفْلِحِينَ، فَقَالَ: {وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ}.
وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَكُونُوا مَعَنَا حَيْثُ كُنَّا، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
الرَّابِعُ: أَنَّ الصَّادِقِينَ هُمْ الْمُسْلِمُونَ، وَالْمُخَاطَبُونَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
الْخَامِسُ: الصَّادِقُونَ هُمْ الْمُوفُونَ بِمَا عَاهَدُوا، وَذَلِكَ بِقوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}.
السَّادِسُ: هُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ؛ أَوْ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَهُوَ السَّابِعُ.
الثَّامِنُ: هُمْ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا.

.المسألة الثَّانِيَةُ: فِي تَحْقِيقِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ:

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ الْحَقِيقَةُ وَالْغَايَةُ الَّتِي إلَيْهَا الْمُنْتَهَى فِي هَذِهِ الصِّفَةِ، وَبِهَا يَرْتَفِعُ النِّفَاقُ فِي الْعَقِيدَةِ، وَالْمُخَالَفَةُ فِي الْفِعْلِ، وَصَاحِبُهَا يُقَالُ لَهُ صِدِّيقٌ، وَهِيَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَنْ دُونَهُمَا عَلَى مَنَازِلِهِمْ وَأَزْمَانِهِمْ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالثَّانِي: فَهُوَ مُعْظَمُ الصِّدْقِ، وَمَنْ أَتَى الْمُعَظَّمَ فَيُوشِكُ أَنْ يَتْبَعَهُ الْأَقَلُّ، وَهُوَ مَعْنَى الْخَامِسِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهُ، وَقَدْ دَخَلَ فِيهِ ذِكْرُهُ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: فَهُوَ الَّذِي يَعُمُّ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الصِّفَاتِ مَوْجُودَةٌ فِيهِمْ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الرَّابِعُ: فَصَحِيحٌ وَهُوَ بَعْضُهُ أَيْضًا، وَيَكُونُ الْمُخَاطَبُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ.
وَالسَّادِسُ: تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ.
وَالسَّابِعُ: يَكُونُ الْمُخَاطَبُ الثَّمَانِينَ رَجُلًا الَّذِينَ تَخَلَّفُوا وَاعْتَذَرُوا وَكَذَبُوا، أُمِرُوا أَنْ يَكُونُوا مَعَ الثَّلَاثَةِ الصَّادِقِينَ؛ وَيَدْخُلُ هَذَا فِي جُمْلَةِ الصِّدْقِ.

.المسألة الثَّالِثَةُ: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ}:

قَدْ تَقَدَّمَتْ حَقِيقَةُ التَّقْوَى، وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ هَاهُنَا فِيهَا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اخْتَلَقُوا الْكَذِبَ.
وَالثَّانِي: فِي تَرْكِ الْجِهَادِ، وَهُمَا بَعْضُ التَّقْوَى، وَالصَّحِيحُ عُمُومُهَا.

.المسألة الرَّابِعَةُ: [في عدم قبول خَبَرِ الْكَاذِبِ وَلَا شَهَادَتِهِ]:

فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْكَاذِبِ وَلَا شَهَادَتُهُ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْكَاذِبِ فِي حَدِيثِ النَّاسِ وَإِنْ صَدَقَ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقْبَلُ حَدِيثُهُ، وَالْقَبُولُ فِيهِ مَرْتَبَةٌ عَظِيمَةٌ، وَوِلَايَةٌ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَنْ كَرُمَتْ خِصَالُهُ، وَلَا خَصْلَةَ هِيَ أَشَرُّ مِنْ الْكَذِبِ، فَهِيَ تَعْزِلُ الْوِلَايَاتِ، وَتُبْطِلُ الشَّهَادَاتِ. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله}، يعني: اخشوا الله ولا تعصوه، يعني: من أسلم من أهل الكتاب.
{وَكُونُواْ مَعَ الصادقين}؛ قال الضحاك: يعني: مع الذين صدقت نياتهم، واستقامت قلوبهم وأعمالهم، وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو بإخلاص ونية، ويقال: هذا الخطاب للمنافقين الذين كانوا يعتذرون بالكذب، ومعناه: يا أيها الذين آمنوا في العلانية اتقوا الله، وكونوا مع الثلاثة الذين صدقوا.
وروي عن كعب بن مالك أنه قال: فينا نزلت: {وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} وقال الكلبي: يعني: الأنصار والمهاجرين الذين صلوا القبلتين، وقال مقاتل: الذين وصفهم الله تعالى في آية أخرى: {إِنَّمَا المؤمنون الذين ءَامَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ على أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حتى يَسْتَأذِنُوهُ إِنَّ الذين يَسْتَأذِنُونَكَ أولئك الذين يُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ فَإِذَا استأذنوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ واستغفر لَهُمُ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: 62] الآية ويقال: {مَعَ الصادقين} في إيمانهم، يعني: أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا رضوان الله عليهم حدثنا الفقيه أبو جعفر قال: حدثنا أبو بكر القاضي قال: حدثنا أحمد بن جرير قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الرحمن البخاري، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: {وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} قال: أمروا أن يكونوا مع أبي بكر وعمر وأصحابهما رضي الله عنهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَكُونُواْ مَعَ الصادقين}
قال نافع: يعني مع محمد وأصحابه. سعيد بن جبير: مع أبي بكر وعمر، ابن جريح وابن حبّان: مع المهاجرين دليله قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] إلى قوله: {أولئك هُمُ الصادقون} [الحشر: 8].
أخبرني عبد الله بن محمد بن عبد الله. محمد بن عثمان بن الحسن. محمد بن الحسين ابن صالح. علي بن جعفر بن موسى. جندل بن والق. محمد بن عمر المازني. الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في هذه الآية: {يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} قال: مع عليّ بن أبي طالب وأصحابه.
وأخبرني عبد الله محمد بن عثمان. محمد بن الحسن. علي بن العباس المقانعي. جعفر ابن محمد ابن الحسين. أحمد بن صبيح الأسدي. مفضل بن صالح. عن جابر عن أبي جعفر في قوله تعالى: {وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} قال: مع آل محمد صلى الله عليه وسلم.
يمان بن رباب: أصدقوا كما صدق الثلاثة الذين خلفوا.
ابن عباس: مع الذين صدقت نياتهم فاستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك. بإخلاص ونيّة.
قتادة: يعني الصدق في النية وقال: أو الصدق في الليل والنهار والسرّ والعلانية، وكان ابن مسعود يقول: {وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} وكذا كان يقرأها، وابن عباس (ورضي عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا عبد الله بن حامد. عبد الله بن محمد بن الحسين. محمد بن يحيى، وهب بن جرير عن شعيب بن عمرو بن زيد عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: إن الكذب لا يصلح منه جدّ ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيته شيئًا ثم لا ينجز شيئًا اقرأوا إن شئتم الآية: {يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} هل ترون في الكذب رخصة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَآمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
في هذه الآية قولان:
أحدهما: أنها في أهل الكتاب، وتأويلها: يا أيها الذين آمنوا من اليهود بموسى، ومن النصارى بعيسى اتقوا الله في إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم فآمنوا به، وكونوا مع الصادقين يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جهاد المشركين، قاله مقاتل بن حيان.
الثاني: أنها في المسلمين: وتأويلها: يا أيها الذين آمنوا من المسلمين اتقوا الله وفي المراد بهذه التقوى وجهان:
أحدهما: اتقوا الله من الكذب، قال ابن مسعود: إن الكذب لا يصلح في جدٍّ ولا هزل، اقرأُوا إن شئتم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَآمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} وهي قراءة ابن مسعود هكذا: من الصادقين.
والثاني: اتقوا الله في طاعة رسوله إذا أمركم بجهاد عدوِّه.
{وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} فيهم أربعة أقاويل:
أحدها: مع أبي بكر وعمر، قاله الضحاك.
الثاني: مع الثلاثة الذين خُلفوا حين صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم عن تأخرهم ولم يكذبوا.
قاله السدي.
والثالث: مع من صدق في قوله ونيته وعمله وسره وعلانيته، قاله قتادة.
والرابع: مع المهاجرين لأنهم لم يتخلفوا عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن جريج. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}
هذا الأمر بالكون مع أهل الصدق حسن بعد قصة الثلاثة حين نفعهم الصدق وذهب بهم عن منازل المنافقين، فجاء هذا الأمر اعتراضًا في أثناء الكلام إذ عن في القصة ما يجب التنبيه علي امتثاله، وقال ابن جريج وغيره: الصدق في هذه الآية هو صدق الحديث، وقال نافع والضحاك ما معناه: إن اللفظ أعم من صدق الحديث، وهو بمعنى الصحة في الدين والتمكن في الخير، كما تقول العرب: عود صدق ورجل صدق، وقالت هذه الفرقة: كونوا مع محمد وأبي بكر وعمر وأخيار المهاجرين الذين صدقوا الله في الإسلام ومع في هذه الآية تقتضي الصحبة في الحال والمشاركة في الوصف المقتضي للمدح، وقرأ ابن مسعود وابن عباس {وكونوا من الصادقين}، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان ابن مسعود رضي الله عنه يتأوله في صدق الحديث. وروي عنه أنه قال: الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، اقرأوا إن شئتم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتَّقوا الله وكونوا مع الصَّادقين}
في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أنها نزلت في قصة الثلاثة المتخلِّفين.
والثاني: أنها في أهل الكتاب.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله في إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم وكونوا مع الصادقين.
وفي المراد بالصادقين خمسة أقوال:
أحدها: أنه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قاله ابن عمر.
والثاني: أبو بكر وعمر، قاله سعيد بن جبير، والضحاك.
وقد قرأ ابن السميفع.
وأبو المتوكل، ومعاذ القارئ: {مع الصَّادِقَيْنِ} بفتح القاف وكسر النون على التثنية.
والثالث: أنهم الثلاثة الذين خُلِّفوا، صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم عن تأخُّرهم، قاله السدي.
والرابع: أنهم المهاجرون، لأنهم لم يتخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد، قاله ابن جريج.
قال أبو سليمان الدمشقي: وقيل: إن أبا بكر الصديق احتج بهذه الآية يوم السقيفة، فقال: يا معشر الأنصار، إن الله يقول في كتابه: {للفقراء المهاجرين الذين أُخِرجوا} إلى قوله: {أولئك هم الصادقون} [الحشر: 8] من هم؟ قالت الأنصار: أنتم هم.
قال: فإن الله تعالى يقول: {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} فأمركم أن تكونوا معنا، ولم يأمرنا أن نكون معكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء.
والخامس: أنه عامّ، قاله قتادة و{مع} بمعنى {مِنْ}، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود: {وكونوا من الصادقين}. اهـ.

.قال القرطبي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)}
فيه مسألتان:
الأُولى قوله تعالى: {وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} هذا الأمر بالكون مع أهل الصدق حسن بعد قصة الثلاثة حين نفعهم الصدق وذُهب بهم عن منازل المنافقين.
قال مُطرِّف: سمعت مالك بن أنس يقول: قلما كان رجل صادقًا لا يكذب إلا مُتّع بعقله ولم يصبه ما يصيب غيره من الهرم والخرف.
واختلف في المراد هنا بالمؤمنين والصادقين على أقوال؛ فقيل: هو خطاب لمن آمن من أهل الكتاب.
وقيل: هو خطاب لجميع المؤمنين؛ أي اتقوا مخالفة أمر الله.
{وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} أي مع الذين خرجوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم لا مع المنافقين.
أي كونوا على مذهب الصادقين وسبيلهم.
وقيل: هم الأنبياء؛ أي كونوا معهم بالأعمال الصالحة في الجنة.
وقيل: هم المراد بقوله: {لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ} الآية إلى قوله: {أولئك الذين صَدَقُوا} [البقرة: 177].
وقيل: هم الموفون بما عاهدوا؛ وذلك لقوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] وقيل: هم المهاجرون؛ لقول أبي بكر يوم السَّقِيفة؛ إن الله سمّانا الصادقين فقال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] الآية، ثم سماكم بالمفلحين فقال: {والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان} الآية.
وقيل: هم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم.
قال ابن العربي: وهذا القول هو الحقيقة والغاية التي إليها المنتهى؛ فإن هذه الصفة يرتفع بها النفاق في العقيدة والمخالفةُ في الفعل، وصاحبها يقال له الصديق كأبي بكر وعمر وعثمان ومَن دونهم على منازلهم وأزمانهم.
وأما من قال: إنهم المراد بآية البقرة فهو معظم الصدق ويتبعه الأقل وهو معنى آية الأحزاب.
وأما تفسير أبي بكر الصديق فهو الذي يعمّ الأقوال كلها؛ فإن جميع الصفات فيهم موجودة.
الثانية حقّ مَن فهم عن الله وعَقَل عنه أن يلازم الصّدق في الأقوال، والإخلاص في الأعمال، والصفاء في الأحوال، فمن كان كذلك لحق بالأبرار ووصل إلى رضا الغفار؛ قال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصّدق فإن الصّدق يَهْدِي إلى البر وإن البِر يهدِي إلى الجنة وما يزال الرجل يصْدُق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقًا» والكذب على الضد من ذلك؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والكذبَ فإن الكذب يَهْدِي إلى الفجور وإن الفجور يهدِي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا» خرّجه مسلم.
فالكذب عار وأهله مسلوبو الشهادة، وقد ردّ صلى الله عليه وسلم شهادة رجل في كذبة كذبها.
قال مَعْمَر: لا أدري أكذب على الله أو كذب على رسوله أو كذب على أحد من الناس.
وسئل شُريك بن عبد الله فقيل له: يا أبا عبد الله، رجل سمعتُه يكذب متعمّدًا أأُصلِّي خلفه؟ قال لا.
وعن ابن مسعود قال: إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا أن يَعد أحدكم شيئًا ثم لا ينجزه، اقرؤوا إن شئتم {يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} هل ترون في الكذب رخصة؟ وقال مالك: لا يُقبل خبر الكاذب في حديث الناس وإن صدق في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال غيره: يقبل حديثه.
والصحيح أن الكاذب لا تقبل شهادته ولا خبره لما ذكرناه؛ فإن القبول مرتبة عظيمة وولاية شريفة لا تكون إلا لمن كَمُلت خصاله ولا خَصلة هي أشرّ من الكذب فهي تعزل الولايات وتبطل الشهادات. اهـ.