فصل: تفسير الآية رقم (120):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (120):

قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ما نالهم من الأهوال إنما نالهم بتخلفهم عن أشرف الخلق، والذي التفت بهم إلى مرابع الإقبال إنما هو الصدق، قال تعالى ناهيًا بصيغة الخبر ليكون أبلغ، جامعًا إليهم من كان على مثل حالهم في مطلق التخلف: {ما كان} أي ما صح وما انبغى بوجه من الوجوه {لأهل المدينة} أي التي هي سكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي دار الهجرة ومعدن النصرة {ومن حولهم} أي في جميع نواحي المدينة الشريفة {من الأعراب} أي من سكان البوادي الذين أقسموا بالإسلام {أن يتخلفوا} أي في أمر من الأمور {عن رسول الله} أي الملك الأعلى، ومن شأن المرسل إليه أن لا يبرح عن جنان الرسول لاسيما وهو رأس الصادقين الذين وقع الأمر بالكون معهم {ولا يرغبوا} أي وما كان لهم أن يرغبوا، ولعله قللهم بصيغة القلة بالنسبة إلى من أيده به صلى الله عليه وسلم من جنوده فقال تعالى: {بأنفسهم عن نفسه} أي التي هي أشرف النفوس مطلقًا بأن يصونوا نفوسهم عما باشره صلى الله عليه وسلم بل يلقونها في المتالف دونه وصيانة لنفسه الشريفة عن أدنى الأذى، فهى كالتعليل للأمر بالتقوى أي خافوا الله وأصدقوه كما صدق هؤلاء ليتوب عليكم كما تاب عليهم فإنه لم يكن لكم التخلف فهو نهي بليغ مع تقبيح وتوبيخ وإلهاب وتهييج.
ولما علل الأمر بالتقوى، علل النهي عن التخلف بما يدل على صدق الإيمان فيصير نقيضه دالًا على نقيضه فقال: {ذلك} أي النهي العظيم عن التخلف في هذا الأسلوب النافي للكون {بأنهم لا يصيبهم ظمأ} أي عطش شديد {ولا نصب} أي تعب بالغ {ولا مخمصة} أي شدة مجاعة {في سبيل الله} أي طرق دين الملك الأعظم المتوصلة به إلى جهاد أعدائه، ورتبت هذه الأشياء ترتيبها في الوجود فإن مطلق الحركة يهيج الحرارة فينشأ العطش وتماديها يورث التعب، والأغلب أن يكون قبل الجوع.
ولما كان المقصود من إجهاد النفس بما ذكر إرغام الكفار باقتحام أرضهم المتوصل به إلى إيمانهم بالنيل منهم، أتبع ذلك قوله: {ولا يطؤون موطئًا} أي وطأً أو مكانًا وطؤه {يغيظ الكفار} أي وطؤهم له بأرجلهم أو دوابهم {ولا ينالون من عدو نيلًا} أي كائنًا ما كان صغيرًا او كبيرًا {إلا كتب لهم به} أي في صحائف الأعمال، بني للمفعول لأن القصد إثباته لا من معين {عمل صالح} أي ترتب لهم عليه أجر جزيل.
ولما كان فاعل هذه الأشياء مقدمًا على المعاطب في نفسه ومحصلًا لعرض الجهاد، أشير على وجه التأكيد في جملة اسمية إلى أنه محسن، أما في حق نفسه فبإقامة الدليل بطاعته على صدق إيمانه.
وأما في غيره من المؤمنين فبحمايتهم عن طمع الكافرين.
وأما في حق الكفار فبحملهم على الإيمان بغاية الإمكان، فقال تعالى معللًا للمجازاة: {إن الله} أي الذي له صفات الكمال {لا يضيع} أي لا يترك تركه ما من شأنه الإهمال {أجر المحسنين} وأظهر موضع الإضمار تعميمًا وتعليقًا بالوصف. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{موطئًا} ونحوه بالياء: يزيد والشموني وحمزة في الوقف {غلظة} بفتح الغين: المفضل. الباقون بكسرها.
{أولا ترون} بتاء الخطاب للمؤمنين: حمزة ويعقوب. الباقون على الغيبة.

.الوقوف:

{عن نفسه} ط {صالح} ط {المحسنين} o لا للعطف {يعملون} o {كافة} ط {يحذرون} o {غلظة} ط {المتقين} o {إيمانًا} ط {يستبشرون} o {كافرون} o {يذكرون} o {إلى بعض} ط لحق المحذوف أي يقولون هل يراكم {ثم انصرفوا} ط {لا يفقهون} o {عزيز} ط، على تأويل عليه شفاعة ما عنتم والصحيح الوصل لأن المعنى شديد عليه ما أثمتم ولا وقف في الآية إلى قوله: {رحيم} {حسبي الله} ط والأصح الوصل على جعل الجملة حالًا أي يكفي الله غير مشارك في الألوهية {إلا هو} ط {العظيم} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ}
اعلم أن الله تعالى لما أمر بقوله: {وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} بوجوب الكون في موافقة الرسول عليه السلام في جميع الغزوات والمشاهد، أكد ذلك فنهى في هذه الآية عن التخلف عنه.
فقال: {مَا كَانَ لأَهْلِ المدينة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مّنَ الأعراب أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ الله} والأعراب الذين كانوا حول المدينة مزينة، وجهينة، وأشجع، وأسلم، وغفار، هكذا قاله ابن عباس.
وقيل: بل هذا يتناول جميع الأعراب الذين كانوا حول المدينة فإن اللفظ عام، والتخصيص تحكم، وعلى القولين فليس لهم أن يتخلفوا عن رسول الله، ولا يطلبوا لأنفسهم الحفظ والدعة حال ما يكون رسول الله في الحر والمشقة، وقوله: {وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} يقال: رغبت بنفسي عن هذا الأمر أي توقفت عنه وتركته، وأنا أرغب بفلان عن هذا، أي: أبخل به عليه ولا أتركه.
والمعنى: ليس لهم أن يكرهوا لأنفسهم ما يرضاه الرسول عليه الصلاة والسلام لنفسه.
واعلم أن ظاهر هذه الألفاظ وجوب الجهاد على كل هؤلاء إلا أنا نقول: المرضى والضعفاء والعاجزون مخصوصون بدليل العقل، وأيضًا بقوله تعالى: {لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وأيضًا بقوله: {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ} [النور: 61 الفتح: 17] الآية وأما أن الجهاد غير واجب على كل أحد بعينه، فقد دل الإجماع عليه فيكون مخصوصًا من هذا العموم وبقي ما وراء هاتين الصورتين داخلًا تحت هذا العموم.
واعلم أنه تعالى لما منع من التخلف بين أنه لا يصيبهم في ذلك السفر نوع من أنواع المشقة إلا وهو يوجب الثواب العظيم عند الله تعالى ثم إنه ذكر أمورًا خمسة: أولها: قوله: {ذلك بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} وهو شدة العطش يقال ظمئ فلان إذا اشتد عطشه.
وثانيها: قوله: {وَلاَ نَصَبٌ} ومعناه الإعياء والتعب.
وثالثها: {وَلاَ مَخْمَصَةٌ في سَبِيلِ الله} يريد مجاعة شديدة يظهر بها ضمور البطن ومنه يقال: فلان خميص البطن.
ورابعها: قوله: {ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار} أي ولا يضع الإنسان قدمه ولا يضع فرسه حافره، ولا يضع بعيره خفه بحيث يصير ذلك سببًا لغيظ الكفار قال ابن الأعرابي: يقال غاظه وغيظه وأغاظه بمعنى واحد، أي أغضبه.
وخامسها: قوله: {وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَّيْلًا} أي أسرًا وقتلًا وهزيمة قليلًا كان أو كثيرًا {إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} أي إلا كان ذلك قربة لهم عند الله ونقول دلت هذه الآية على أن من قصد طاعة الله كان قيامه وقعوده ومشيته وحركته وسكونه كلها حسنات مكتوبة عند الله.
وكذا القول في طرف المعصية فما أعظم بركة الطاعة وما أعظم شؤم المعصية، واختلفوا فقال قتادة: هذا الحكم من خواص رسول الله إذا غزا بنفسه فليس لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذر.
وقال ابن زيد: هذا حين كان المسلمون قليلين فلما كثروا نسخها الله تعالى بقوله: {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً} [التوبة: 122] وقال عطية ما كان لهم أن يتخلفوا عن رسول الله إذا دعاهم وأمرهم وهذا هو الصحيح، لأنه تتعين الإجابة والطاعة لرسول الله إذا أمر وكذلك غيره من الولاة والأئمة إذا ندبوا وعينوا لأنا لو سوغنا للمندوب أن يتقاعد لم يختص بذلك بعض دون بعض ولأدى ذلك إلى تعطيل الجهاد. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {مَا كَانَ لأهْلِ المدينة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مّنَ الأعراب} يعني: المنافقين الذين بالمدينة وحوالي المدينة.
{أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ الله} في الغزو {وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ}، يعني: لا ينبغي أن يكونوا بأنفسهم أبرّ وأشفق من نفس محمد صلى الله عليه وسلم.
وأن يتركوا محبته، ويقال: {وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ}، يعني: بإبقاء أنفسهم على نفسه، يعني: ينبغي لهم أن يتبعوه حينما يريد.
{ذلك}، يعني: النهي عن التخلف، ويقال: ذلك التحضيض الذي حضّهم عليه.
{بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ} في غزوهم {ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ}، يعني: ولا تعب ولا مشقة في أجسادهم.
ثم قال: {وَلاَ مَخْمَصَةٌ}، يعني: مجاعة.
{فِى سَبِيلِ الله وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئًا}، يعني: أرضًا وموضعًا من سهل أو جبل.
{يَغِيظُ الكفار}، يعني: يحزن الكفار، {وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَّيْلًا}، يعني: لا يصيبون من عدو قتلًا أو غارة أو هزيمة، {إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}، يعني: ثواب عمل صالح، يعني: يضاعف حسناتهم على حسنات القاعدين {إِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين}، يقول: لا يبطل ثواب المجاهدين.
وفي هذه الآية دليل أن ما أصاب الإنسان من الشدة يكتب له بذلك ثواب قال بعضهم: لا يكتب له بالشدة ثواب، ولكن يحط عنه الخطيئة، وقال بعضهم: لا يكون بالمشقة أجر، ولكن بالصبر على ذلك. اهـ.