فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)}
أقربُ الأعداء إلى المسلم من الكفار، الذي يجب عليه منازعته هو أعدى عدوِّه أي نَفْسُه. فيجب أن يبدأ بمقاتلة نَفْسِه ثم بمجاهدة الكفار، قال عليه السلام: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».
قوله: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} من حابى عدوه قهره، وكذلك المريد الذي ينزل عن مطالباتِ الحقيقة إلى ما يتطلبه من التأويلات فيفسخ عَهْدَه، وينقض عَقْدَه، وذلك كالرِّدَّةِ لأهل الظاهر. اهـ.

.تفسير الآية رقم (124):

قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر هذه السورة أي الطائفة الحاضة بصيغة لولا على النفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الآمرة بجهاد الكفار والغلظة عليهم، وكان لا يحمل على ذلك إلا ما أشار إليه ختم الآية السالفة من التقوى بتجديد الإيمان كلما نزل شيء من القرآن، وكان قد ذكر سبحانه المخالفين لأمر الجهاد بالتخلف دون أمر الإيمان حين قال: {وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين} التفت إلى ذلك ليذكر القسم الآخر وهو القاعد عن الإيمان فقال: {وإذا} وأكد بزيادة النافي تنبيهًا على فضل الإيمان فقال: {ما}.
ولما كان المنكي لهم مطلق النزول، بني للمفعول قوله: {أنزلت سورة} أي قطعة من القرآن، أي في معنى من المعاني {فمنهم} أي من المنزل إليهم {من يقول} أي إنكارًا واستهزاء، وهم المنافقون {أيكم} أي أيها العصابة المنافقة {زادته هذه إيمانًا} إيهامًا لأنهم متصفون بأصل الإيمان، لأن الزيادة ضم الشيء إلى غيره مما يشاركه في صفته، هذا ما يظهرون تسترًا، وأما حقيقة حالهم عند أمثالهم فالاستهزاء استبعادًا لكونها تزيد أحدًا في حاله شيئًا، وسبب شكهم واستفهامهم أن سامعيها انقسموا إلى قسمين: مؤمنين ومنافقين، ولذلك أجاب تعالى بقوله مسببًا عن إنزالها: {فأما الذين آمنوا} أي أوقعوا الإيمان حقيقة لصحة أمزجة قلوبهم {فزادتهم} أي تلك السورة {إيمانًا} أي بإيمانهم بها إلى ما كان لهم من الإيمان بغيرها وبتدبرها ورقة القلوب بها وفهم ما فيها من المعارف الموجبة لطمأنينة القلوب وثلج الصدور.
ولما كان المراد بالإيمان الحقيقة وكانت الزيادة مفهمة لمزيد عليه، استغنى عن أن يقول: إلى إيمانهم، لذلك ولدلالة {الذين آمنوا} عليه {وهم يستبشرون} أي يحصل لهم البشر بما زادتهم من الخير الباقي الذي لا يعدله شيء. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا}
اعلم أنه تعالى لما ذكر مخازي المنافقين وذكر أعمالهم القبيحة فقال: وإذا ما أنزلت سورة، فمن المنافقين من يقول أيكم زادته هذه إيمانًا؟ واختلفوا فقال بعضهم: يقول بعض المنافقين لبعض، ومقصودهم تثبيتهم قومهم على النفاق، وقال آخرون: بل يقولونه لأقوام من المسلمين، وغرضهم صرفهم عن الإيمان.
وقال آخرون: بل ذكروه على وجه الهزؤ، والكل محتمل.
ولا يمكن حمله على الكل، لأن حكاية الحال لا تفيد العموم.
ثم إنه تعالى أجاب فقال إنه حصل للمؤمنين بسبب نزول هذه السورة أمران، وحصل للكافرين أيضًا أمران.
أما الذي حصل للمؤمنين: فالأول: هو أنها تزيدهم إيمانًا إذ لابد عند نزولها من أن يقروا بها ويعترفوا بأنها حق من عند الله، والكلام في زيادة الإيمان ونقصانه قد ذكرناه في أول سورة الأنفال بالاستقصاء.
والثاني: ما يحصل لهم من الاستبشار.
فمنهم من حمله على ثواب الآخرة، ومنهم من حمله على ما يحصل في الدنيا من النصر والظفر، ومنهم من حمله على الفرح والسرور الحاصل بسبب تلك التكاليف الزائدة من حيث إنه يتوسل به إلى مزيد في الثواب. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ} من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، {فَمِنْهُمْ}؛ أي من المنافقين {مَن يِقُولُ} بعضهم لبعض: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه} السورة {إيمانا}، يعني: تصديقًا بهذه السورة مع تصديقكم استهزاء بها.
قال الله تعالى: {فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ} يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، {فَزَادَتْهُمْ إيمانا}: يعني: تصديقًا بهذه السورة مع تصديقهم بالله تعالى وثباتًا على الإيمان.
{وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}، يفرحون بما أنزل من القرآن.
قال الفقيه: حدثنا محمد بن الفضل، وأبو القاسم الشنابازي قالا: حدثنا فارس بن مردويه قال: حدثنا محمد بن الفضل العابد قال: حدثنا يحيى بن عيسى قال: حدثنا أبو مطيع، عن حماد بن سلمة، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: جاء وفد ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان يزيد وينقص؟ قال: «لا، الإيمانُ مُكَمَّلٌ فِي القَلْبِ، زِيَادَتُهُ وَنُقْصَانُهُ كُفْرٌ».
قال الفقيه: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال: حدثنا أبو عمران المؤدب الدستجردي قال: حدثنا صخر بن نوح قال: حدثنا مسلم بن سالم، عن ابن الحويرث، عن عون بن عبد الله قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول في خطبته: لو كان الأمر على ما يقول الشكاك الضلال؛ إن الذنوب تنقص الإيمان، لأمسى أحدنا حين ينقلب إلى أهله وهو لا يدري ما ذهب من إيمانه أكثر أو أبقى. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ}
قراءة العامة: برفع الياء لمكان الهاء وقرأ عبيد بن عمير: {أيكم} بفتح الياء وكلّ صواب {زَادَتْهُ هذه إِيمَانًا} قال الله تعالى: {فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} يقينًا وإخلاصًا وتصديقًا.
وقال الربيع: خشية {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} يفرحون بنزول القرآن. عن الضحاك عن ابن عباس: {فإذا ما أنزلت سورة} يعني سورة محكمة فيها الحلال والحرام {فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه إِيمَانًا فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} وتصديقًا بالفرائض مع إيمانهم بالرحمن {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} بنزول الفرائض. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتُ سُورَةٌ فِمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا}.
هؤلاء هم المنافقون. وفي قولهم ذلك عند نزول السورة وجهان:
أحدهما: أنه قول بعضهم لبعض على وجه الإنكار، قاله الحسن.
الثاني: أنهم يقولون ذلك لضعفاء المسلمين على وجه الاستهزاء.
{فَأَمَّا الَّذِينَ ءَآمَنُوا فَزَادَتْهُمُ إيمَانًا} فيه تأويلان:
أحدهما: فزادتهم خشية، قاله الربيع بن أنس.
الثاني: فزادتهم السورة إيمانًا لأنهم قبل نزولها لم يكونوا مؤمنين بها، قاله الطبري. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا}
هذه الآية نزلت في شأن المنافقين، والضمير في قوله: {فمنهم} عائد على المنافقين، وقوله تعالى: {أيكم زادته هذه إيمانًا} يحتمل أن يكون لمنافقين مثلهم، ويحتمل أن يكون لقوم من قراباتهم من المؤمنين يستنيمون إليهم وثقون بسترهم عليهم ويطعمون في ردهم إلى النفاق، ومعنى {أيكم زادته هذه إيمانًا} الاستخفاف والتحقير لشأن السورة كما تقول أي غريب في هذا أو أي دليل، ثم ابتدأ عز وجل الرد عليهم والحكم بما يهدم لبسهم فأخبر أن المؤمنين الموقنين قد {زادتهم إيمانًا} وأنهم {يستبشرون} من ألفاظها ومعانيها برحمة الله ورضوانه، والزيادة في الإيمان موضع تخبط للناس وتطويل، وتلخيص القول فيه أن الإيمان الذي هو نفس التصديق ليس مما يقبل الزيادة والنقص في نفسه، وإنما تقع الزيادة في المصدق به، فإذا نزلت سورة من الله تعالى حدث للمؤمنين بها تصديق خاص لم يكن قبل، فتصديقهم بما تضمنته السورة من إخبار وأمر ونهي أمر زائد على الذي كان عندهم قبل، فهذا وجه من زيادة الإيمان، ووجه آخر أن السورة ربما تضمنت دليلًا أو تنبيهًا عليه فيكون المؤمن قد عرف الله بعدة أدلة، فإذا نزلت السورة زادت في أدلته، وهذه أيضًا جهة أخرى من الزيادة، وكلها خارجة عن نفس التصديق إذا حصل تامًا، فإنه ليس يبقى فيه موضع زيادة، ووجه آخر من وجوه الزيادة أن الرجل ربما عارضه شك يسير أو لاحت له شبهة مشغبة فإذا نزلت السورة ارتفعت تلك الشبهة واستراح منها، فهذا أيضًا زيادة في الإيمان إذ يرتقي اعتقاده عن مرتبة معارضة تلك الشبهة إلى الخلوص منها، وأما على قول من يسمي الطاعات إيمانًا وذلك مجاز عند أهل السنة فتترتب الزيادة بالسورة إذ تتضمن أوامر ونواهي وأحكامًا، وهذا حكم من يتعلم العلم في معنى زيادة الإيمان ونقصانه إلى يوم القيامة، فإن تعلم الإنسان العلم بمنزلة نزول سورة القرآن. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا}
{ما} صلة، والمراد المنافقون.
{أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه إِيمَانًا} قد تقدّم القول في زيادة الإيمان ونقصانه في سورة آل عمران.
وقد تقدّم معنى السورة في مقدمة الكتاب، فلا معنى للإعادة.
وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز إن للإيمان سننًا وفرائض من استكملها فقد استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان قال عمر بن عبد العزيز: فإن أعِشْ فسأبيّنها لكم، وإن أمت فما أنا على صُحبتكم بحريص. ذكره البخاريّ.
وقال ابن المبارك: لم أجد بُدًا من أن أقول بزيادة الإيمان، وإلاَّ رددت القرآن. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانًا} يعني: وإذا أنزل الله سورة من سورة القرآن فمن المنافقين من يقول يعني يقول بعضهم لبعض أيكم زادته هذه يعني السورة إيمانًا يعني تصديقًا ويقينًا وإنما يقول ذلك المنافقون استهزاء وقيل: يقول ذلك المنافقون لبعض المؤمنين فقال سبحانه وتعالى: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا} يعني تصديقًا ويقينًا وقربة من الله، ومعنى الزيادة، ضم شيء إلى آخر من جنسه مما هو في صفته فالمؤمنون إذا أقروا بنزول سورة القرآن عن ثقة واعترفوا أنها من عند الله زادهم ذلك القرار والاعتراف إيمانًا وقد تقدم بسط الكلام على زيادة الإيمان في أول سورة الأنفال {وهم يستبشرون} يعني أن المؤمنين يفرحون بنزول القرآن شيئًا بعد شيء لأنهم كلما نزل ازدادوا إيمانًا وذلك يوجب مزيد الثواب في الآخرة كما تحصل الزيادة في الإيمان بسبب نزول القرآن كذلك تحصل الزيادة في الكفر وهو قوله سبحانه: {وأما الذين في قلوبهم مرض}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ} من سور القرآن {فَمِنْهُمْ} أي من المنافقين {مَن يِقُولُ} لإخوانه ليثبِّتهم على النفاق أو لعوامّ المؤمنين وضعفتِهم ليصُدّهم عن الإيمان {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه} السورةُ {إيمانا} وقرئ بنصب أيَّكم على تقدير فعلٍ يفسِّره المذكورُ أي أيُّكم زادتْه هذه الخ، وإيرادُ الزيادةِ مع أنه لا إيمانَ فيهم أصلًا باعتبار اعتقادِ المؤمنين حسبما نطَق به قوله تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءاياته زَادَتْهُمْ إيمانا} {فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ} جوابٌ من جهته سبحانه وتحقيقٌ للحق وتعيينٌ لحالهم عاجلًا وآجلًا أي فأما الذين آمنوا بالله تعالى وبما جاء من عنده {فَزَادَتْهُمْ إيمانا} بزيادة العلمِ اليقينيِّ الحاصلِ من التدبر فيها. والوقوفِ على ما فيها من الحقائق وانضمامِ إيمانِهم بما فيها بإيمانهم السابق {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} بنزولها وبما فيه من المنافع الدينيةِ والدنيوية. اهـ.