فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ}
فيه قراءتان:
إحداهما: من أنفسكم بفتح الفاء ويحتمل تأويلها ثلاثة أوجه:
أحدها: من أكثركم طاعة لله تعالى.
الثاني: من أفضلكم خلقًا.
الثالث: من أشرفكم نسبًا.
والقراءة الثانية: بضم الفاء، وفي تأويلها أربعة أوجه:
أحدها: يعني من المؤمنين لم يصبه شيء من شرك، قاله محمد بن علي.
الثاني: يعني من نكاح لم يصبه من ولادة الجاهلية، قاله جعفر بن محمد. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خَرَجْتُ مِن نِكَاحٍ وَلَمْ أَخَرُجْ مِنْ سِفَاحٍ».
الثالث: ممن تعرفونه بينكم، قاله قتادة.
الرابع: يعني من جميع العرب لأنه لم يبق بطن من بطون العرب إلا قد ولدوه، قاله الكلبي.
{عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عنِتُّمُ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: شديد عليه ما شق عليكم، قاله ابن عباس.
الثاني: شديد عليه ما ضللتم، قاله سعيد بن أبي عروبة.
الثالث: عزيز عليه عنت مؤمنكم، قاله قتادة.
{حَرِيصٌ عَلَيكُمْ} قاله الحسن: حريص عليكم أن تؤمنوا.
{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} فيه وجهان:
أحدهما: بما يأمرهم به من الهداية ويؤثره لهم من الصلاح.
الثاني: بما يضعه عنهم من المشاق ويعفو عنهم من الهفوات، وهو محتمل. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {لقد جاءكم} مخاطبة للعرب في قول الجمهور وهذا على جهة تعديد النعمة عليهم في ذلك، إذ جاء بلسانهم وبما يفهمونه من الأغراض والفصاحة وشرفوا به غابر الأيام، وقال الزجّاج: هي مخاطبة لجميع العالم، والمعنى لقد جاءكم رسول من البشر والأول أصوب، وقوله: {من أنفسكم} يقتضي مدحًا لنسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من صميم العرب وشرفها، وينظر إلى هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم»، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «إني من نكاح ولست من سفاح» معناه أن نسبه صلى الله عليه وسلم إلى آدم عليه السلام لم يكن النسل فيه إلا من من نكاح ولم يكن فيه زنى، وقرأ عبد الله بن قسيط المكي {من أنفَسكم} بفتح الفاء من النفاسة، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن فاطمة رضي الله عنها، ذكر أبو عمرو أن ابن عباس رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: {ما عنتم} معناه عنتكم فـ {ما} مصدرية وهي ابتداء، و{عزيز} خبر مقدم، ويجوز أن يكون {ما عنتم} فاعلًا بـ {عزيز} و{عزيز} صفة للرسول، وهذا أصوب من الأول والعنت المشقة وهي هنا لفظة عامة أي ما شق عليكم من كفر وضلال بحسب الحق ومن قتل أو أسار وامتحان بسبب الحق واعتقادكم أيضًا معه، وقال قتادة: المعنى عنت مؤمنيكم.
قال القاضي أبو محمد: وتعميم عنت الجميع أوجه، وقوله: {حريص عليكم} يريد على إيمانكم وهداكم، وقوله: {رؤوف} معناه مبالغ في الشفقة، قال أبو عبيدة: الرأفة أرق الرحمة، وقرأ {رؤف} دون مد الأعمش وأهل الكوفة وأبو عمرو. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}
قرأ الجمهور بضم الفاء.
وقرأ ابن عباس، وأبو العالية، والضحاك، وابن محيصن، ومحبوب عن أبي عمرو: بفتحها وفي المضمونة أربعة أقوال:
أحدها: من جميع العرب، قاله ابن عباس؛ وقال: ليس في العرب قبيلة إلا وقد وَلدت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: ممن تعرفون، قاله قتادة.
والثالث: من نكاحٍ لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية، قاله جعفر الصادق.
الرابع: بشر مثلكم، فهو آكد للحجة، لأنكم تفقهون عمَّن هو مثلكم، قاله الزجاج.
وفي المفتوحة ثلاثة أقوال:
أحدها: أفضلكم خُلُقًا.
والثاني: أشرفكم نسبًا.
والثالث: أكثركم طاعة لله عز وجل.
قوله تعالى: {عزيز عليه ما عنِتُّم} فيه قولان:
أحدهما: شديد عليه ما شقَّ عليكم، رواه الضحاك عن ابن عباس.
قال الزجاج: شديد عليه عنتكم.
والعنت: لقاء الشدة.
والثاني: شديد عليه ما آثمكم، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
قوله تعالى: {حريص عليكم} قال الحسن: حريص عليكم أن تؤمنوا.
قوله تعالى: {بالمؤمنين رؤوف رحيم} قال ابن عباس: سماه باسمين من أسمائه.
وقال أبو عبيدة: {رؤوف} فعول، من الرأفة، وهي أرق من الرحمة؛ ويقال: {رؤف} وأنشد:
ترى للمؤمنين عليك حقًا ** كفعل الوالد الرءوف الرحيم

وقيل: رءوف بالمطيعين، رحيم بالمذنبين. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} هذا خطاب للعرب يعني: لقد جاءكم أيها العرب رسول من أنفسكم تعرفون نسبه وحسبه وأنه من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام قال ابن عباس ليس قبيلة من العرب إلا وقد ولدت النبي صلى الله عليه وسلم وله فيهم نسب وقال جعفر بن محمد الصادق: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح» هكذا ذكره الطبري وذكر البغوي بإسناد الثعلبي.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء ما ولدني إلا نكاح كنكاح أهل الإسلام» قال قتادة: جعله الله من أنفسكم فلا يحسدونه على ما أعطاه الله من النبوة والكرامة.
قال بعض العلماء في تفسير قول ابن عباس: ليس قبيلة من العرب إلا وقد ولدت النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: من مضرها وربيعتها ويمانها فأما ربيعة ومضر فهم من ولد معد بن عدنان وإليه تنسب قريش وهو منهم وأما نسبه إلى عرب اليمين وهم القحاطنة فإن آمنة لها نسب في الأنصار وإن كانت من قريش والأنصار أصلهم من عرب اليمن من ولد قحطان بن سبأ فعلى هذا القول يكون المقصود من قوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}.
ترغيب العرب في نصره والإيمان به فإنه تم شرفهم بشرفه وعزتهم بعزته وفخرهم بفخره وهو من عشيرتهم يعرفونه بالصدق والأمانة والصيانة والعفاف وطهارة النسب والأخلاق الحميدة.
وقرأ ابن عباس والزهري: من أنفسكم بفتح الفاء.
ومعناه: أنه من أشرافكم وأفضلكم.
(خ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنا حتى كنت من القرن الي كنت منه».
(م) عن واثلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى من قريش بني هشام واصطفاني من بني هاشم» عن العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت يا رسول الله إن قريشًا جلسوا يتذاكرون أحسابهم بينهم فقالوا مثلك كمثل نخلة في كدية من الأرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فريقهم وخير الفريقين ثم تخير القبائل فجعلني من خير قبيلة ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا» أخرجه الترمذي.
وقيل إن قوله سبحانه وتعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} عام فحمله على العموم أولى فيكون المعنى على هذا القول لقد جاءكم أيها الناس رسول من أنفسكم يعني من جنسكم بشر مثلكم إذ لو كان من الملائكة لضعفت قوى البشر عن سماع كلامه والأخذ عنه.
قوله سبحانه وتعالى: {عزيز عليه ما عنتم} أي شديد عليه عنتكم يعني مكروهكم.
وقيل: يشق عليه ضلالكم {حريص عليكم} حريص على إيمانكم وإيصال الخير إليكم وقال قتادة: حريص على هدايتكم وأن يهديكم الله: {بالمؤمنين رؤوف رحيم} يعني أنه صلى الله عليه وسلم رؤوف بالمطيعين رحيم بالمذنبين.
(ق) عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب والعاقب الذي ليس بعده نبي» وقد سماه الله رؤوفًا رحيمًا.
قال الحسن بن الفضل: لم يجمع الله سبحانه وتعالى لأحد من الأنبياء بين اسمين من أسمائه إلا النبي صلى الله عليه وسلم فسماه رؤوفًا رحيمًا قال سبحانه وتعالى: {إن الله بالناس لرؤوف رحيم}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءُوف رحيم}
لما بدأ السورة ببراءة الله ورسوله من المشركين، وقص فيها أحوال المنافقين شيئًا فشيئًا، خاطب العرب على سبيل تعداد النعم عليهم والمن عليهم بكونه جاءهم رسول من جنسهم، أو من نسبهم عربيًا قرشيًا يبلغهم عن الله متصف بالأوصاف الجميلة من كونه يعز عليه مشقتهم في سوء العاقبة من الوقوع في العذاب، ويحرص على هداهم، ويرأف بهم، ويرحمهم.
قال ابن عباس: ما من قبيلة من العرب إلا ولدت النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه قال: يا معشر العرب لقد جاءكم رسول من بني إسماعيل، ويحتمل أن يكون الخطاب لمن بحضرته من أهل الملل والنحل، ويحتمل أن يكون خطابًا لبني آدم، والمعنى: أنه لم يكن من غير جنس بني آدم، لما في ذلك من التنافر بين الأجناس كقوله: {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلًا} ولما كان المخاطبون عامًا، إما عامة العرب، وإما عامة بني آدم، جاء الخطاب عامًا بقوله: {عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} أي: على هدايتكم حتى لا يخرج أحد عن اتباعه فيهلك.