فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} أعرضوا عن الإيمان وناصبوك {فَقُلْ حَسْبِيَ الله لا إله إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العرش العظيم} قراءة العامة بخفض الميم على العرش، وقرأ ابن محيصن: العظيم بالرفع على نعت الربّ، وقال الحسين بن الفضل: لم يجمع اللههِلأحد من الأنبياء بين اسمين من أسمائه إلاّ للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه قال: {بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} وقال تعالى: {إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 143].
وقال يحيى بن جعدة: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تثبت آية في المصحف حتى يشهد عليها رجلان فجاء رجل من الأنصار بالآيتين من آخر سورة التوبة {لَقَدْ جَاءَكُمْ} فقال عمر: والله لا أسألك عليها بيّنة، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثبتهما، وهي آخر آية نزلت من السماء في قول بعضهم، وآخر سورة كاملة نزلت سورة براءة.
أخبرنا أبو عبد الله بن حامد، عن محمد بن الحسن عن علي بن عبد العزيز عن حجاج عن همام. عن قتادة قال: إن آخر القرآن عهدًا بالسماء هاتان الآيتان خاتمة براءة {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} إلى قوله: {رَبُّ العرش العظيم}.
أُبي بن كعب: إن أحدث القرآن عهدًا بالله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} إلى آخر السورة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {فَإِن تَوَلَّوْا}
فيه وجهان:
أحدهما: عن طاعة الله، قاله الحسن.
الثاني: عنك، ذكره عليّ بن عيسى.
{فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: حسبي الله معينًا عليكم.
الثاني: حسبي الله هاديًا لكم.
{وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظيمِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: لسعته.
الثاني: لجلالته.
روى يوسف بن مهران عن ابن عباس أن آخر ما أُنزل من القرآن هاتان الآيتان {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ} وهذه الآية. وقال أُبي بن كعب: هما أحدث القرآن عهدًا بالله وقال مقاتل: تقدم نزولهما بمكة، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، بعد تقريره عليهم هذه النعمة فقال: {فإن تولوا} يا محمد أي أعرضوا بعد هذه الحال المتقررة التي من الله عليهم بها {فقل حسبي الله} معناه وأعمالك بحسب قوله من التفويض إلى الله والتوكل عليه والجد في قتالهم، وليست بآية موادعة لأنها من آخر ما نزل، وخصص {العرش} بالذكر إذ هو أعظم المخلوقات، وقرأ ابن محيصن {العظيمُ} برفع الميم صفة للرب، ورويت عن ابن كثير، وهاتان الآيتان لم توجدا حين جمع المصحف إلا في حفظ خزيمة بن ثابت، ووقع في البخاري أو أبي خزيمة، فلما جاء بهما تذكرهما كثير من الصحابة، وقد كان زيد يعرفهما ولذلك قال: فقدت آيتين من آخر سورة التوبة ولو لم يعرفهما لم يدر هل فقد شيئًا أم لا، فإنما ثبتت الآية بالإجماع لا بخزيمة وحده، أسند الطبري في كتابه قال: كان عمر لا يثبت آية في المصحف إلا أن يشهد عليها رجلان، فلما جاء خزيمة بهاتين الآيتين قال: والله لا أسألك عليهما بينة أبدًا فإنه هكذا كان صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: يعني صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي تضمنتها الآية، وهذا والله أعلم قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وفي مدة أبي بكر حين الجمع الأول وحينئذ فقدت الآيتان ولم يجمع من القرآن شيء في خلافة عمر، وخزيمة بن ثابت هو المعروف بذي الشهادتين، وعرف بذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمضى شهادته وحده في ابتياع فرس وحكم بها لنفسه صلى الله عليه وسلم، وهذا خصوص لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر النقاش عن أبيّ بن كعب أنه قال أقرب القرآن عهدًا بالله تعالى هاتان الآيتان {لقد جاءكم رسول} إلى آخر الآية. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فإن تولَّوا} أي: أعرضوا عن الإيمان {فقل حسبيَ الله} أي: يكفيني {رب العرش العظيم}.
وقرأ ابن محيصن {العظيمُ} برفع الميم.
وإنما خص العرش بالذِّكر، لأنه الأعظم، فيدخل فيه الأصغر.
قال أُبيّ بن كعب: آخر آية أُنزلت: {لقد جاءكم رسول...} إلى آخر السُّورة. اهـ.

.قال الخازن:

{فَإِنْ تَوَلَّوْا} يعني فإن أعرض هؤلاء الكفار والمنافقون عن الإيمان بالله ورسوله وناصبوك للحرب {فقل حسبي الله} يعني يكفيني الله وينصرني عليكم {لا إله إلا هو عليه توكلت} يعني لا على غيره وبه وثقت {وهو رب العرش العظيم} إنما خص سبحانه وتعالى العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات فيدخل ما دونه في الذكر فيكون المعنى فهو رب العرش العظيم فما دونه أو يكون خصه بالذكر تشريفًا له كما يقال بيت الله، وروي عن أبي بن كعب أنه قال: هاتان الآيتان لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة آخر القرآن نزلا وفي رواية عنه أنه قال: أحدث القرآن عهدًا بالله هاتان الآيتان لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر الآيتين والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} أي فإنْ أعرضوا عن الإيمان بعد هذه الحالة التي منّ الله عليهم بها من إرسالك إليهم واتصافك بهذه الأوصاف الجميلة فقل: حسبي الله أي: كافيّ من كل شيء، عليه توكلت أي: فوضت أمري إليه لا إلى غيره، وقد كفاه الله شرهم ونصره عليهم، إذ لا إله غيره.
وهي آية مباركة لأنها من آخر ما نزل، وخص العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات.
وقال ابن عباس: العرش لا يقدر أحد قدره انتهى.
وذكر في معرض شرح قدرة الله وعظمته، وكان الكفار يسمعون حديث وجود العرش وعظمته من اليهود والنصارى، ولا يبعد أنهم كانوا سمعوا ذلك من أسلافهم.
وقرأ ابن محيصن: العظيم برفع الميم صفة للرب، ورويت عن ابن كثير.
قال أبو بكر الأصم: وهذه القراءة أعجب إليّ، لأنّ جعل العظيم صفة لله تعالى أولى من جعله صفة للعرش، وعظم العرش يكبر جثته واتساع جوانبه على ما ذكر في الأخبار، وعظم الرب بتقديسه عن الحجمية والأجزاء والإبعاض، وبكمال العلم والقدرة، وتنزيهه عن أن يتمثل في الأوهام، أو تصل إليه الأفهام.
وعن ابن عباس: آخر ما نزل لقد جاءكم إلى آخرها.
وعن أبيّ أقرب القرآن عهدًا بالله لقد جاءكم الآيتان، وهاتان الآيتان لم توجدا حين جمع المصحف إلا في حفظ خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، فلما جاء بها تذكرها كثير من الصحابة، وقد كان زيد يعرفها، ولذلك قال: فقدت آيتين من آخر سورة التوبة، ولو لم يعرفها لم ندر هل فقد شيئًا أولًا، فإنما ثبتت الآية بالإجماع لا بخزيمة وحده.
وقال عمر بن الخطاب: ما فرغ من تنزل براءة حتى ظننا أن لن يبقى منا أحد إلا سينزل فيه شيء.
وفي كتاب أبي داود عن أبي الدرداء قال: من قال: «إذا أصبح وإذا أمسى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله تعالى ما أهمه». اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسليةً له أي إن أعرضوا عن الإيمان بك {فَقُلْ حَسْبِىَ الله} فإنه يكفيك ويُعينك عليهم {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} استئناف مقرِّرٌ لمضمون ما قبله {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} فلا أرجو ولا أخاف إلا منه {وَهُوَ رَبُّ العرش العظيم} أي المُلك العظيمِ أو الجِسم الأعظمِ المحيط الذي تنزل منه الأحكامُ والمقادير، وقرئ العظيمُ بالرفع. وعن أبي هريرة أن آخِرَ ما نزل هاتان الآيتان. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نزل القرآنُ إلا آيةً آيةً وحرفًا حرفًا ما خلا سورةَ براءةٌ وسورةَ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} فإنهما أُنزلتا عَليّ ومعهما سبعون ألفَ صفٍ من الملائكة». اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} تلوين للخطاب وتوجيه له إليه صلى الله عليه وسلم تسلية له، أي فإن أعرضوا عن الإيمان بك {فَقُلْ حَسْبِىَ الله} فإنه يكفيك معرتهم ويعينك عليهم {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} استئناف كالدليل لما قبله لأن المتوحد بالألوهية هو الكافي المعين {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} فلا أرجو ولا أخاف إلا منه سبحانه: {وَهُوَ رَبُّ العرش} أي الجسم المحيط بسائر الأجسام ويسمى بفلك الأفلاك وهو محدد الجهات {العظيم} الذي لا يعلم مقدار عظمته إلا الله تعالى.
وفي الخبر «أن الأرض بالنسبة إلى السماء الدنيا كحلقة في فلاة وكذا السماء الدنيا بالنسبة إلى السماء التي فوقها وهكذا إلى السماء السابعة وهي بالنسبة إلى الكرسي كحلقة في فلاة وهو بالنسبة إلى العرش كذلك».
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لا يقدر قدره أحد، وذكر أهل الأرصاد أن بعد مقعر الفلك الأعظم من مركز العالم ثلاثة وثلاثون ألف ألف وخمسمائة وأربعة وعشرون ألفًا وستمائة وتسع فراسخ، وأن بعد محدبه منه قد بلغ مرتبة لا يعلمها إلا الله الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وهو بكل شيء عليم، وقد يفسر العرش هنا بالملك وهو أحد معانيه كما في القاموس، وقرئ {العظيم} بالرفع على أنه صفة الرب، وختم سبحانه هذه السورة بما ذكر لأنه تعالى ذكر فيها التكاليف الشاقة والزواجر الصعبة فأراد جل شأنه أن يسهل عليهم ذلك ويشجع النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغه، وقد تضمن من أوصافه صلى الله عليه وسلم الكريمة ما تضمن، وقد بدأ سبحانه من ذلك بكونه من أنفسهم لأنه كالأم في هذا الباب، ولا ينافي وصفه صلى الله عليه وسلم بالرأفة والرحمة بالمؤمنين تكليفه إياهم في هذه السورة بأنواع من التكاليف الشاقة لأن هذا التكليف أيضًا من كمال ذلك الوصف من حيث أنه سبب للتخلص من العقاب المؤبد والفوز بالثواب المخلد، ومن هذا القبيل معاملته صلى الله عليه وسلم للثلاثة الذين خلفوا كما علمت، وما أحسن ما قيل:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما ** فليقس أحيانًا على من يرحم

وهاتان الآيتان على ما روي عن أبي بن كعب آخر ما نزل من القرآن.
لكن روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أنه قال: آخر آية نزلت {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ في الكلالة} [النساء: 176] وآخر سورة نزلت براءة.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما آخر آية نزلت {واتقوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله} [البقرة: 281] وكان بين نزولها وموته صلى الله عليه وسلم ثمانون يومًا، وقيل: تسع ليال، وحاول بعضهم التوفيق بين الروايات في هذا الشأن بما لا يخلو عن كدر.
ويبعد ما روي عن أبي ما أخرجه ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا له: إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا نأمنك وتأمنا قال: ولم سألتم هذا؟ قالوا: نطلب الأمن فأنزل الله تعالى هذه الآية: {لَقَدْ جَاءكُمْ} [التوبة: 128] إلخ والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وقد ذكروا لقوله سبحانه: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} الآية ما ذكروا من الخواص، وقد أخرج أبو داود عن أبي الدرداء موقوفًا وابن السني عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح وحين يمسي حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله تعالى ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة، وأخرج ابن النجار في تاريخه عن الحسين رضي الله تعالى عنه قال: من قال حين يصبح سبع مرات حسبي الله لا إله إلا هو إلخ لم يصبه في ذلك اليوم ولا تلك الليلة كرب ولا نكب ولا غرق».
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب قال: خرجت سرية إلى أرض الروم فسقط رجل منهم فانكسرت فخذه فلم يستطيعوا أن يحملوه فربطوا فرسه عنده ووضعوا عنده شيئًا من ماء وزاد فلما ولوا أتاه آت فقال له: مالك ههنا؟ قال: انكسرت فخذي فتركني أصحابي فقال: ضع يدك حيث تجد الألم وقل: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} الآية فوضع يده فقرأها فصح وركب فرسه وأدرك أصحابه، وهذه الآية ورد هذا الفقير ولله الحمد منذ سنين نسأل الله تعالى أن يوفق لنا الخير ببركتها إنه خير الموفقين. اهـ.