فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {أكان للناس عجبًا}
قال ابن عباس: سبب نزول هذه الآية أن الله لما بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم رسولًا أنكرت العرب ذلك ومن أنكر منهم قال: الله أعظم من أن يكون له رسول بشر مثل محمد فقال الله سبحانه وتعالى: {أكان للناس عجبًا أن أوحينا إلى رجل منهم} وقال سبحانه وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا} الآية والهمزة في أكان همزة استفهام ومعناه الإنكار والتوبيخ والمعنى لا يكون ذلك عجبًا {أن أوحينا إلى رجل منهم} والعجب حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة.
وقيل: العجب حالة تعتري الإنسان عند الجهل بسبب الشيء ولهذا قال بعض الحكماء: العجب ما لا يعرف سببه والمراد بالناس هنا أهل مكة وبالرجل محمد صلى الله عليه وسلم منهم يعني من أهل مكة من قريش يعرفون نسبه وصدقه وأمانته {أن أنذر الناس} يعني خوفهم بعقاب الله تعالى إن أصروا على الكفر والمخالفة والإنذار إخبار مع تخويف كما أن البشارة إخبار مع سرور وهو قوله سبحانه وتعالى: {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم} اختلفت عبارات المفسرين وأهل اللغة في معنى قدم صدق.
فقال ابن عباس: أجرًا حسنًا بما قدموا من أعمالم.
وقال الضحاك: ثواب صدق.
وقال مجاهد: الأعمال الصالحة صلاتهم وصومهم وصدقتهم وتسبيحهم.
وقال الحسن: عمل صالح أسلفوه يقدمون عليه.
وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنه قال: سبقت لهم السعادة في الذكر الأول يعني في اللوح المحفوظ.
وقال زيد بن اسلم: هو شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وهو قول قتادة.
وقيل: لهم منزلة رفيعة عند ربهم وأضيف القدم إلى الصدق وهو نعته كقوله مسجد الجامع وصلاة الأولى وحب الحصيد والفائدة في هذه الإضافة التنبيه على زيادة الفضل ومدح القدم لأن كل شيء أضيف إلى الصدق فهو ممدوح ومثله في مقعد صدق، وقال أبو عبيدة: كل سابق في خير أو شر فهو عند العرب قدم.
يقال: لفلان قدم في الإسلام وقدم في الخير ولفلان عندي قدم صدق وقدم سوء.
قال حسان بن ثابت:
لنا القدم العليا إليك وخلفنا ** لأولنا في طاعة الله تابع

وقال الليث وأبو الهيثم القدم السابق والمعنى أنه قد سبق لهم عند الله خير قال ذو الرمة:
وأنت امرؤ من أهل بيت ذؤابة ** لهم قدم معروفة ومفاخر

والسبب في إطلاق لفظ القدم على هذه المعاني أن السعي والسبق لا يحصل إلا بالقدم فسمى المسبب باسم السبب كما سميت النعمة يدًا لأنها تعطى باليد.
وقال ذو الرمة:
لكم قدم لا ينكر الناس أنها ** مع الحسب العادي طمت على البحر

معناه لكم سابقة عظيمة لا ينكرها الناس وقال آخر.
صل لذي العرش واتخذ قدمًا ** تنجيك يوم العثار والزلل

وقوله سبحانه وتعالى: {قال الكافرون إن هذا لساحر مبين} وقرئ: لساحر مبين وفيه حذف تقديره أكان للناس عجبًا أن أوحينا إلى رجل منهم فلما جاءهم بالوحي وأنذرهم قال الكافرون: إن هذا لساحر، يعنون محمدًا صلى الله عليه وسلم، وإنما نسبوه إلى السحر لما أتاهم بالمعجزات الباهرات التي لا يقدر أحد من البشر أن يحصل مثلها، ومن قرأ السحر فإنهم عنوا به القرآن المنزل عليه وإنما نسبوه إلى السحر لأن فيه الإخبار بالبعث والنشور وكانوا ينكرون ذلك. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أكَانَ للنَّاسِ عَجَبًا} الهمزة في أكان للاستفهام على سبيل الإنكار لوقوع العجب من الإيحاء إلى بشر منهم بالإنذار والتبشير، أي: لا عجب في ذلك فهي عادة الله في الأمم السالفة، أوحى إلى رسلهم الكتب بالتبشير والإنذار على أيدي من اصطفاه منهم.
واسم كان أن أوحينا، وعجبًا الخبر، وللناس فقيل: هو في موضع الحال من عجبًا لأنه لو تأخر لكان صفة، فلما تقدَّم كان حالًا.
وقيل: يتعلق بقوله: {عجبًا} وليس مصدرًا، بل هو بمعنى معجب.
والمصدر إذا كان بمعنى المفعول جاز تقدم معموله عليه كاسم المفعول.
وقيل: هو تبيين أي أعنى للناس.
وقيل: يتعلق بكان وإن كانت ناقصة، وهذا لا يتم إلا إذا قدرت دالة على الحدث فإنها إنْ تمحضت للدلالة على الزمان لم يصح تعلق بها.
وقرأ عبد الله: عجب، فقيل: عجب اسم كان، وأنْ أوحينا هو الخبر، فيكون نظير: يكون مزاجها عسل وماء، وهذا محمول على الشذوذ، وهذا تخريج الزمخشري وابن عطية.
وقيل: كان تامة، وعجب فاعل بها، والمعنى: أحدث للناس عجب لأن أوحينا، وهذا التوجيه حسن.
ومعنى للناس عجبًا: أنهم جعلوه لهم أعجوبة يتعجبون منها، ونصبوه علمًا لم يوجهون نحوه استهزاءهم وإنكارهم.
وقرأ رؤبة: إلى رجل بسكون الجيم وهي لغة تميمية يسكنون فعلًا نحو سبع وعضد في سبع وعضد.
ولما كان الإنذار عامًا كان متعلقه وهو الناس عامًّا، والبشارة خاصة، فكان متعلقها خاصًا وهو الذين آمنوا.
وأن أنذر: أن تفسيرية أو مصدرية مخففة من الثقيلة، وأصله أنه أنذر الناس على معنى أن الشأن قولنا أنذر الناس، قالهما الزمخشري: ويجوز أنْ تكون أنْ المصدرية الثنائية الوضع، لا المخففة من الثقيلة لأنّها توصل بالماضي والمضارع والأمر، فوصلت هنا بالأمر، وينسبك منها معه مصدر تقديره: بإنذار الناس.
وهذا الوجه أولى من التفسيرية، لأنّ الكوفيين لا يثبتون لأنّ أن تكون تفسيرية.
ومن المصدرية المخففة من الثقيلة لتقدير حذف اسمها وإضمار خبرها، وهو القول فيجتمع فيها حذف الاسم والخبر، ولأنّ التأصيل خير من دعوى الحذف بالتحفيف.
وبشر الذين آمنوا أن لهم أي: بأن لهم، وحذفت الباء.
وقدم صدق قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، والربيع بن أنس، وابن زيد: هي الأعمال الصالحة من العبادات.
وقال الحسن وقتادة: هي شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال زيد بن أسلم وغيره: هي المصيبة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عباس وغيره: هي السعادة السابقة لهم في اللوح المحفوظ.
وقال مقاتل: سابقة خير عند الله قدموها.
وإلى هذا المعنى أشار وضاح اليمن في قوله:
مالك وضاح دائم الغزل ** ألست تخشى تقارب الأجل

صل لذي العرش واتخذ قدمًا ** ينجيك يوم العثار والزلل

وقال قتادة أيضًا: سلف صدق.
وقال عطاء: مقام صدق.
وقال يمان: إيمان صدق.
وقال الحسن أيضًا: ولد صالح قدموه.
وقيل: تقديم الله في البعث لهذه الأمة وفي إدخالهم الجنة، كما قال: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة» وقيل: تقدم شرف، ومنه قول العجاج:
ذل بني العوام من آل الحكم ** وتركوا الملك لملك ذي قدم

وقال الزجاج: درجة عالية وعنه منزلة رفيعة.
ومنه قول ذي الرمة:
لكم قدم لا ينكر الناس أنها ** مع الحسب العادي طمت على البحر

وقال الزمخشري: قدم صدق عند ربهم سابقة وفضلًا ومنزلة رفيعة، ولما كان السعي والسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدمًا، كما سميت النعمة يدًا، لأنها تعطى باليد وباعًا لأن صاحبها يبوع بها فقيل لفلان: قدم في الخير، وإضافته إلى صدق دلالة على زيادة فضل وأنه من السوابق العظيمة.
وقال ابن عطية: والصدق في هذه الآية بمعنى الصلاح، كما تقول: رجل صدق.
وعن الأوزاعي: قدم بكسر القاف تسمية بالمصدر قال: الكافرون.
ذهب الطبري إلى أنّ في الكلام حذفًا يدل الظاهر عليه تقديره: فلما أنذر وبشر قال الكافرون كذا وكذا.
قال ابن عطية: قال الكافرون: يحتمل أن يكون تفسيرًا لقوله: {أكان للناس} وَحْيُنا إلى بشر {عجبًا} قال الكافرون عنه كذا وكذا.
وقرأ الجمهور والعربيان ونافع: لسحر إشارة إلى الوحي، وباقي السبعة، وابن مسعود، وأبو رزين، ومسروق، وابن جبير، ومجاهد، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وابن محيصن، وابن كثير، وعيسى بن عمرو بخلاف عنهما لساحر إشارة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي مصحف أبي ما هذا إلا سحر.
وقرأ الأعمش أيضًا: ما هذا إلا ساحر.
قال ابن عطية: وقولهم في الإنذار والبشارة سحر إنما هو بسبب أنه فرق كلمتهم، وحال بين القريب وقريبه، فأشبه ذلك ما يفعله الساحر، وظنوه من ذلك الباب.
وقال الزمخشري: وهذا دليل عجزهم واعترافهم به وإن كانوا كاذبين في تسميته سحرًا.
ولما كان قولهم فيما لا يمكن أن يكون سحرًا ظاهر الفساد، لم يحتج قولهم إلى جواب، لأنهم يعلمون نشأته معهم بمكة وخلطتهم له وما كانت قلة علم، ثم أتى به من الوحي المتضمن ما لم يتضمنه كتاب إلهي من قصص الأولين والأخبار بالغيوب والاشتمال على مصالح الدنيا والآخرة، مع الفصاحة والبراعة التي أعجزتهم إلى غير ذلك من المعاني التي تضمنها يقضي بفساد مقالتهم، وقولهم ذلك هو ديدن الكفرة مع أنبيائهم إذ أتوهم بالمعجزات كما قال: فرعون وقومه في موسى عليه السلام: {إن هذا لساحر عليم} {قالوا سحران تظاهرا} وقوم عيسى عليه السلام: {إن هذا إلا سحر مبين} ودعوى السحر إنما هي على سبيل العناد والجحد. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا} الهمزةُ لإنكار تعجّبِهم ولتعجب السامعين منه لكونه في غير محلِّه، والمرادُ بالناس كفارُ مكةَ، وإنما عبِّر عنهم باسم الجِنسِ من غير تعرُّضٍ لكفرهم مع أنه المدارُ لتعجبهم كما تُعُرِّض له في قوله عز وجل: {قَالَ الكافرون} الخ لتحقيق ما فيه الشركةُ بينهم وبين رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتعيينِ مدارِ التعجبِ في زعمهم ثم تبيينِ خطئِهم وإظهارِ بطلانِ زعمِهم بإيراد الإنكارِ والتعجيب، واللامُ متعلقةٌ بمحذوف وقع حالًا من عجبًا وقيل: بعجبًا على التوسع المشهورِ في الظروف، وقيل: المصدرُ إذا كان بمعنى اسم الفاعلِ أو اسمِ المفعول جاز تقديمُ معمولِه عليه، وقيل: متعلقةٌ بكان وهو مبنيٌّ على دلالة كان الناقصةِ على الحدث {أَنْ أَوْحَيْنَا} اسمُ كان قُدِّم عليه خبرُها اهتمامًا بشأنه لكونه مدارَ الإنكارِ والتعجيبِ وتشويقًا إلى المؤخَّر ولأن في الاسم ضربَ تفصيلٍ ففي مراعاة الأصلِ نوعُ إخلالٍ يتجاوب أطرافِ الكلام، وقرئ برفع عجب على أنه الاسمُ وهو نكرةٌ والخبرُ أن أوحينا وهو معرفةٌ لأن أن مع الفعل في تأويل المصدرِ المضافِ إلى المعرفة ألبتةَ والمختارُ حينئذ أن تجعل كان تامةٌ وأن أوحينا متعلقًا بعجبٌ على حذف حرف التعليل أي أحدث للناس عجبٌ لأن أوحينا أو من أن أوحينا، أو بدلًا من عجبٌ لكن لا على توجيه الإنكارِ والتعجيب إلى حدوثه بل إلى كونه عجبًا، فإن كونَ الإبدال في حكم تنحيةِ المبدَلِ منه ليس معناه إهدارَه بالمرة وإنما قيل: للناس لا عند الناس للدِلالة على أنهم اتخذوه أعجوبةً لهم، وفيه من زيادة تقبيحِ حالِهم ما لا يخفى {إلى رَجُلٍ مّنْهُمْ} أي إلى بشر من جنسهم كقولهم: أبعث الله بشرًا رسولًا أو من حيث المال لا من عظمائهم كقولهم: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} وكلا الوجهين من ظهور البطلانِ بحيث لا مزيد عليه. أما الأولُ فلأن بعثَ الملَكِ إنما يكون عند كون المبعوثِ إليهم ملائكةً كما قال سبحانه: {قُل لَوْ كَانَ في الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولًا} وأما عامة البشر فهم بمعزل من استحقاق المفاوضةِ الملكية كيف لا وهي منوطةٌ بالتناسب والتجانس، فبعثُ الملَكِ إليهم مزاحِمٌ للحكمة التي عليها يدور فلكُ التكوين والتشريع وإنما الذي تقتضيه الحكمةُ أن يُبعث الملكُ من بينهم إلى الخواصّ المختصين بالنفوس الزكية المؤيَّدين بالقوة القدسيةِ المتعلّقين بكلا العالَمين الروحانيِّ والجُسماني ليتلقَّوْا من جانب ويُلْقوا إلى جانب. وأما الثاني فلما أن مناطَ الاصطفاء للنبوة والرسالةِ هو التقدُم في الاتصاف بما ذكر من النعوت الجميلةِ والصفاتِ الجليلة والسبْقِ في إحراز الفضائلِ العلية وحيازةِ الملَكات السنية جِبِلّةً واكتسابًا، ولا ريب لأحد منهم في أنه عليه الصلاة والسلام في ذلك الشأنِ في غاية الغاياتِ القاصيةِ ونهايةِ النهاياتِ النائيةِ، وأما التقدمُ في الرياسات الدنيويةِ والسبْقِ في نيل الحظوظِ الدنية فلا دخلَ له في ذلك قطعًا بل له إخلالٌ به غالبًا قال عليه الصلاة والسلام: «لو كانت الدنيا تزنُ عند الله جَناحَ بعوضةٍ ما سقى الكافرَ منها شربةَ ماء».
{أَنْ أَنذِرِ الناس} أن مصدريةٌ لجواز كونِ صلتِها أمرًا كما في قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ} وذلك لأن الخبرَ والإنشاءَ في الدلالة على المصدر سيانِ فساغ وقوعُ الأمرِ والنهي صلةً حسبَ وقوعِ الفعل فلا يجرد عند ذلك عن معنى الأمرِ والنهي نحوَ تجرُّدِ الصلةِ الفعليةِ عن معنى المضيِّ والاستقبالِ، ووجوبُ كونِ الصلةِ في الموصول الاسميِّ خبريةً إنما هو للتوصل بها إلى وصف المعارفِ بالجمل لا لقصور في دلالة الإنشاءِ على المصدر، أو مفسرةٌ إذ الإيحاءُ فيه معنى القولِ وقد جوز كونُها مخفّفة من المثقّلة على حذف ضميرِ الشأنِ والقولِ من الخبر والمعنى أن الشأنَ قولُنا: أنذر الناسَ، والمرادُ به جميعُ الناسِ كافةً لا ما أريد بالأول وهو النكتةُ في إيثار الإظهارِ على الإضمار، وكونُ الثاني عينَ الأولِ عند إعادة المعرفةِ ليس على الإطلاق {وَبَشّرِ الذين ءامَنُواْ} بما أوحيناه وصدّقوه {أَنَّ لَهُمْ} أي بأن لهم {قَدَمَ صِدْقٍ} أي سابقةً ومنزلةً رفيعة {عِندَ رَبّهِمْ} وإنما عبر عنها بها إذ بها يحصُل السبْقُ والوصولُ إلى المنازل الرفيعةِ كما يعبر عن النعمة باليد لأنها تعطى بها، وقيل: مقامَ صدقٍ، والوجهُ أن الوصولَ إلى المقام إنما يحصُل بالقدم وإضافتُها إلى الصدق للدلالة على تحققها وثباتِها، وللتنبيه على أن مدارَ نيلِ ما نالوه من المراتب العليةِ هو صدقُهم فإن التصديقَ لا ينفك عن الصدق {قَالَ الكافرون} هم المتعجبون، وإيرادُهم هاهنا بعنوان الكفر مما لا حاجة إلى ذكر سببِه، وتركُ العاطفِ لجرَيانه مَجرى البيانِ للجملة التي دخلت عليها همزةُ الإنكار أو لكونه استئنافًا مبنيًا على السؤال، كأنه قيل: ماذا صنعوا بعد التعجبِ هل بقُوا على التردد والاستبعادِ أو قطعوا فيه بشيء؟ فقيل: قال: الكافرون على طريقة التأكيدِ: {إِنَّ هَذَا} يعنون به ما أوحيَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن الحكيم المنطوي على الإنذار والتبشير {لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} أي ظاهرٌ وقرئ لساحْر على أن الإشارةَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرئ ما هذا إلا سحرٌ مبينٌ، وهذا اعترافٌ من حيث لا يشعرون بأن ما عاينوه خارجٌ عن طَوْق البشر نازلٌ من جناب خلاق القُوى والقدَر ولكنهم سمَّوه بما قالوا تماديًا في العناد كما هو ديدنُ المكابرِ اللَّجوجِ ودأبُ المُفحَمِ المحجوج. اهـ.