فصل: الْوَصِيَّةُ بِالْمَمَالِيكِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الْوَصِيَّةُ بِالْمَمَالِيكِ:

أَضِفْ إِلَى هَذَا وَصَايَا اللهِ وَرَسُولِهِ بِالْمَمَالِيكِ، وَمِنْهَا تَخْفِيفُ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِمْ، وَجَعْلُ حَدِّ الْمَمْلُوكِ فِي الْعُقُوبَاتِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ، وَقَدْ قَرَنَ اللهُ الْوَصِيَّةَ بِهِمْ بِالْوَصِيَّةِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِ السَّيِّدِ: «عَبْدِي وَأَمَتِي» وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: «فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلَامِي» وَأَمَرَ بِأَنْ يُطْعِمُوهُمْ مِمَّا يَأْكُلُونَ وَيُلْبِسُوهُمْ مِمَّا يَلْبَسُونَ وَيُعِينُوهُمْ عَلَى خِدْمَتِهِمْ إِنْ كَلَّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ يُوصِي بِالنِّسَاءِ وَمَا مَلَكَتِ الْأَيْمَانُ حَتَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إِلَى أَنِ الْتَحَقَ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى صلى الله عليه وسلم. وَسَأَلَهُ ابْنُ عُمَرَ كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ قَالَ: «اعْفُ عَنْهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً» وَهَذَا مُبَالَغَةٌ، أَيْ كُلَّمَا أَذْنَبَ.
وَلِهَذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ يُبَالِغُونَ فِي تَكْرِيمِ الرَّقِيقِ وَمُعَامَلَتِهِمْ بِالْحِلْمِ حَتَّى صَارُوا يُقَصِّرُونَ فِي الْخِدْمَةِ. وَلَعَمْرُ الْحَقِّ إِنَّ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ الْأَوَّلِ أَعَزُّ نَفْسًا وَأَطْيَبُ عَيْشًا مِنْ جَمِيعِ الْأَحْرَارِ الَّذِينَ ابْتُلُوا فِي هَذِهِ الْعُصُورِ بِحُكْمِ دُوَلِ الْإِفْرِنْجِ مَنْ غَيْرِهِمْ أَوْ نُفُوذِهِمْ، وَإِنَّ حُكُومَةَ الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ لَتُعَامِلُ الْجِنْسَ الْأَحْمَرَ مِنْ سُكَّانِ الْبِلَادِ الْأَصْلِيِّينَ الَّذِينَ تَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِالْحُرِّيَّةِ بِغَيْرِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تُعَامِلُ بِهَا الْجِنْسَ الْأَبْيَضَ، حَتَّى إِنَّ مَنِ اعْتَدَى مِنْهُمْ عَلَى امْرَأَةٍ بَيْضَاءَ يُقْتَلُ شَرَّ قِتْلَةٍ- إِنْ لَمْ تَقْتُلْهُ الْحُكُومَةُ قَتَلَهُ الشَّعْبُ- بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَلَا يَتَّسِعُ هَذَا الْمَقَامُ لِتَفْصِيلِ ذَلِكَ وَالشَّوَاهِدِ عَلَيْهِ.

.خُلَاصَةُ الْبَحْثِ:

رَاجِعْ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْوَحْيِ وَالنُّبُوَّةِ وَآيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ النَّصَارَى، وَمِنَ الْكَلَامِ فِي تَنْفِيذِ شُبْهَةِ الْوَحْيِ النَّفْسِيِّ، وَالْكَلَامِ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ اللُّغَوِيِّ وَالْعِلْمِيِّ، وَمَا أَحْدَثَهُ مِنَ الِانْقِلَابِ الْبَشَرِيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، ثُمَّ أَضِفْ إِلَيْهَا هَذِهِ الْعَشْرَةَ الْأَنْوَاعَ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ، فِي إِصْلَاحِ الْبَشَرِ وَتَكْمِيلِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ، مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِي التَّشْرِيعِ الرُّوحِيِّ وَالْأَدَبِيِّ وَالِاجْتِمَاعِيِّ وَالْمَالِيِّ وَالسِّيَاسِيِّ، وَهِي الَّتِي اشْتَدَّتْ حَاجَةُ الشُّعُوبِ وَالدُّوَلِ فِي هَذَا الْعَصْرِ إِلَيْهَا، مُوَضَّحَةً بِأُصُولٍ وَقَوَاعِدَ هِيَ أَصَحُّ وَأَكْمَلُ وَأَكْفَلُ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ الْقَدِيمَةِ وَالطَّارِئَةِ، مِنْ كُلِّ مَا سَبَقَهَا مِنْ تَعَالِيمِ الْأَنْبِيَاءِ، وَفَلْسَفَةِ الْحُكَمَاءِ، وَقَوَانِينِ الْمُلُوكِ وَالْحُكَّامِ، عَلَى اخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ، مَعَ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ مِنْ تَارِيخِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا يُؤْثِرُ بِطَبْعِهِ عِيشَةَ الْعُزْلَةِ، فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَى كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا غَيْرِهَا مِنَ الْكُتُبِ وَالْقَوَانِينِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَبْحَثُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعُلُومِ، وَلَا أَنَّهُ نَطَقَ بِشَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِهَا، وَالْعِلْمِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ بِهَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ سِنِّ الْأَرْبَعِينَ وَهِيَ سِنٌّ لَمْ يُعْرَفْ فِي اسْتِعْدَادِ أَنْفُسِ الْبَشَرِ وَمُدْرَكَاتِ عُقُولِهِمْ، وَلَا فِي تَارِيخِهِمْ أَنَّ صَاحِبَهَا يَأْتَنِفُ مِثْلَهَا ائْتِنَافًا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ الْبَدْءُ بِشَيْءٍ مِنْهُ فِي أَنْفِ عُمْرِهِ، وَآنِفَةِ شَبَابِهِ وَشَرْخِهِ، رَاجِعْ هَذَا كُلَّهُ وَتَأَمَّلْهُ جُمْلَةً وَاحِدَةً تَجِدْ عَقْلَكَ مُضْطَرًّا إِلَى الْجَزْمِ بِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ فَوْقَ اسْتِعْدَادِ بَشَرٍ أُمِّيٍّ أَوْ مُتَعَلِّمٍ، وَأَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى.
فَإِذَا فَرَضْنَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَسَرَّبَ إِلَى ذِهْنِهِ بَعْضُ مَسَائِلِهَا مِنْ أَفْوَاهِ عُقَلَاءِ قَوْمِهِ، أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَقِيَ فِي أَسْفَارِهِ الْقَلِيلَةِ، أَوْ أَنَّهُ فَكَّرَ فِي حَاجَةِ الْبَشَرِ إِلَى مِثْلِهَا مِمَّا أَدْرَكَهُ بِذَكَائِهِ الْفِطْرِيِّ مِنْ سُوءِ حَالِهِمْ. فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْفَلَتَاتُ الشَّارِدَةُ، وَهَذِهِ الْخَطَرَاتُ الْوَارِدَةُ، تَبْلُغُ هَذَا الْحَدَّ مِنَ التَّحْقِيقِ وَالْوَفَاءِ بِحَاجَةِ الْأُمَمِ كُلِّهَا، وَأَنْ تَظَلَّ كُلُّهَا مَكْتُومَةً مِنْ سِنِّ الصِّبَا وَعَهْدِ حُبِّ الظُّهُورِ إِلَى أَنْ تَظْهَرَ فِي سِنِّ الْكُهُولَةِ، بِهَذِهِ الرَّوْعَةِ مِنَ الْبَيَانِ، وَسُلْطَانِ الْبَلَاغَةِ عَلَى الْقُلُوبِ، وَقُوَّةِ الْبُرْهَانِ فِي الْعُقُولِ، فَتُحْدِثَ هَذِهِ الثَّوْرَةَ فِي الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُغَيِّرَةِ لِطِبَاعِهَا، الْمُبَدِّلَةِ لِأَوْضَاعِهَا، بِحَيْثُ تَسُودُ بِهَا شُعُوبُ الْمَدَنِيَّةِ كُلِّهَا وَيَتْلُو ذَلِكَ مَا قَصَّهُ التَّارِيخُ مِنَ الِانْقِلَابِ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ؟ وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يَظْهَرَ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَنَّ أُمَمَ الْعِلْمِ وَالْحَضَارَةِ الْعَجِيبَةِ أَشَدُّ حَاجَةً إِلَيْهَا مِمَّنْ قَبْلَهُمْ؟ كَلَّا إِنَّ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ مِثْلُهُ فِي الْبَشَرِ.
وَإِذْ قَدْ ثَبَتَ هَذَا؛ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ بَلَغَهُ مِنَ الْبَشَرِ أَنْ يَتْبَعَهُ وَيَهْتَدِيَ بِهِ لِتَكْمِيلِ إِنْسَانِيَّتِهِ وَإِعْدَادِهَا لِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَإِنِ اعْتَرَضَتْهُ شُبْهَةٌ عَلَيْهِ فَلْيَبْحَثْ عَنْهَا أَوْ لِيَنْبِذْهَا، فَمَا كَانَ لِعَاقِلٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَفْعُ عِلْمِ الطَّلَبِ أَنْ يَتْرُكَ مُرَاعَاتَهُ فِي حِفْظِ صِحَّتِهِ أَوْ مُدَاوَاةِ مَرَضِهِ لِشُبْهَةٍ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ، أَوْ خَيْبَةِ الْأَطِبَّاءِ فِي بَعْضِ مُعَالَجَاتِهِمْ لِلْمَرْضَى، وَإِنَّ حَاجَةَ الْبَشَرِ إِلَى طِبِّ الْأَرْوَاحِ وَالِاجْتِمَاعِ، لَأَشَدُّ مِنْ حَاجَتِهِمْ إِلَى طِبِّ الْأَبْدَانِ. {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لِهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (الْأَنْعَامِ 6: 149).
(رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا)، (وَنَعُودُ إِلَى نَسَقِ التَّفْسِيرِ بِاسْمِ اللهِ وَحَمْدِهِ). اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا أنكرت العرب ذلك، ومن أنكر منهم قالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا مثل محمد. فأنزل الله: {أكان للناس عجبًا أن أوحينا إلى رجل منهم...} الآية.
{وما أرسلنا قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم...} [الأنبياء: 7] الآية. فلما كرر الله عليهم الحجج قالوا: وإذا كان بشرًا فغير محمد كان أحق بالرسالة {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: 31] يقولون: أشرف من محمد يعني الوليد بن المغيرة من مكة، ومسعود بن عمرو الثقفي من الطائف، فأنزل الله ردًا عليهم {أهم يقسمون رحمة ربك} [الزخرف: 32] الآية. والله أعلم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال: ما سبق لهم من السعادة في الذكر الأول.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال: أجرًا حسنًا بما قدموا من أعمالهم.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {قدم صدق عند ربهم} قال: القدم هو العمل الذي قدموا.
قال الله: {ونكتب ما قدموا وآثارهم} [يس: 12] والآثار ممشاهم قال: مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اسطوانتين من مسجدهم، ثم قال هذا أثر مكتوب.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع في قوله: {قدم صدق} قال: ثواب صدق.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله: {قدم صدق} قال: يقدمون عليه عند ربهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {قدم صدق} قال: خير.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {قدم صدق} قال: سلف صدق.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {قدم صدق} أي سلف صدق.
وأخرج أبو الشيخ عن بكار بن مالك رضي الله عنه في قوله: {قدم صدق عند ربهم} قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال: محمد صلى الله عليه وسلم شفيع لهم يوم القيامة.
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: {أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال: محمد صلى الله عليه وسلم شفيع لهم يوم القيامة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري في قوله: {قدم صدق عند ربهم} قال: محمد صلى الله عليه وسلم شفيع صدق لهم يوم القيامة.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي بن كعب في قوله: {لهم قدم صدق} قال: سلف صدق.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال: مصيبتهم في نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم في قوله: {قدم صدق} قال: محمد صلى الله عليه وسلم.
أما قوله تعالى: {قال الكافرون إن هذا لسحر مبين}.
وأخرج أبو الشيخ عن زائدة قال: قرأ سليمان في يونس عند الآيتين {ساحر مبين}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا} الهمزة للإِنكار و{أن أوحينا} اسمُها. و{عجبًا} خبرها.
و{للناس} متعلق بمحذوف على أنه حالٌ مِنْ {عَجَبًا} لأنه في الأصل صفة له، أو متعلِّقٌ بـ {عَجَبًا}، ولا يَضُرُّ كونُه مصدرًا لأنه يُتَّسع في الظرف وعديلهِ ما لا يُتَّسع في غيرهما. وقيل: لأن {عجبًا} مصدرٌ واقعٌ موقعَ اسمِ الفاعل أو اسم المفعول، ومتى كان كذلك جاز تقديمُ معمولِه. وقيل: هو متعلق بـ {كان} الناقصة، وهذا على رأيِ مَن يُجيز فيها ذلك. وهذا مرتَّبٌ على الخلاف في دلالة {كان} الناقصة على الحدث، فإن قلنا: إنها تدلُّ على ذلك فيجوز وإلا فلا وقيل: هو متعلقٌ بمحذوفٍ على التبين، والتقدير في الآية: أكان إيحاؤنا إلى رجلٍ منهم عجبًا لهم. و{منهم} صفة لـ {رجل}.
وقرأ رؤبة: {رَجْل} بسكون الجيم، وهي لغة تميم، يُسَكِّنون فَعُلًا نحو: سَبُع وعَضُد.
وقرأ عبد الله بن مسعود {عَجَبٌ}. وفيها تخريجان، أظهرهما: أنها التامة، أي: أَحَدَثَ للناس عجب، و{أنْ أَوْحَيْنا} متعلق بـ {عَجَب} على حَذْف لامِ العلة، أي: عَجَبٌ لأَنْ أوحينا، أو يكون على حَذْف {مِنْ}، أي: مِنْ أَنْ أوحينا. والثاني: أن تكون الناقصة، ويكون قد جعل اسمَها النكرةَ وخبرَها المعرفةَ، على حَدِّ قوله:
........................ ** يكونُ مزاجَها عَسَلٌ وماءُ

وقال الزمخشري: والأجودُ أن تكونَ التامةَ، و{أنْ أَوْحَيْنا} بدلٌ من عجب. يعني به بدلَ اشتمال أو كل من كل؛ لأنه جُعِل هذا نفسَ العَجَب مبالغةً. والتخريج الثاني لابن عطية.
قوله: {أَنْ أَنذِرِ} يجوز أن تكونَ المصدرية، وأن تكونَ التفسيريةَ. ثم لك في المصدرية اعتباران، أحدهما: أن تجعلَها المخففةَ مِن الثقيلة، واسمها ضمير الأمر والشأن محذوف. كذا قال الشيخ، وفيه نظر من حيث إن أخبارَ هذه الأحرف لا تكون جملةً طلبية، حتى لو ورد ما يُوهم ذلك يُؤوَّل على إضمار القول كقوله:
ولو أصابَتْ لقالَتْ وَهْي صادقةٌ ** إنَّ الرياضةَ لا تُنْصِبْكَ للشِّيبِ

وقول الآخر:
إنَّ الذين قتلتُمْ أمسِ سَيِّدَهُمْ ** لا تحسَبوا ليلَهم عن ليلِكم ناما

وأيضًا فإن الخبرَ في هذا البابِ إذا وقع جملةً فعلية فلابد من الفصلِ بأشياءَ ذكرتُها في المائدة، ولكن ذلك الفاصلَ هنا متعذَّرٌ. والثاني: أنها التي بصدد أن تنصِبَ الفعلَ المضارعَ، وهي تُوصل بالفعل المتصرِّف مطلقًا نحو: كتبت إليه بأَنْ قم. وقد تقدَّم لنا في ذلك بحث أيضًا ولم يُذْكر المُنْذَرُ به، وقد ذكر المُبَشَّرَ به كما سيأتي لأنَّ المقامَ يقتضي ذلك.
قوله: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ} {أنَّ} وما في حَيِّزها هي المبشَّرُ بها، أي: بَشِّرهم باستقرارِ قَدَمِ صِدْق، فَحُذفت الباء، فجرى في محلِّها المذهبان. والمرادُ بقدَمِ صِدْقٍ السابقةُ والفضلُ والمنزلةُ الرفيعة. وإليه ذهب الزجاج والزمخشري ومنه قولُ ذي الرمة:
لهمْ قَدَمٌ لا يُنْكِرُ الناسُ أنها ** مع الحَسَبِ العاديِّ طَمَّتْ على البحر

لمَّا كان السعي والسَّبْقُ بالقدم سُمِّي السَّعْيُ المحمود قَدَمًا، كما سُمِّيت اليدُ نِعْمة لمَّا كانت صادرةً عنها، وأُضيف إلى الصدق دلالةً على فضلِه، وهو من باب رجلُ صدقٍ ورجلُ سوءٍ. وقيل: هو سابقةُ الخير التي قَدَّموها، ومنه قول وضَّاح اليمني:
مالك وضَّاحُ دائمَ الغَزَلِ ** أَلَسْتَ تخشى تقارُبَ الأَجَلِ

صَلِّ لذي العرشِ واتَّخِذْ قَدَمًا ** تُنْجيك يوم العِثارِ والزَّلَلِ

وقيل: هو التقدُّمُ في الشرف، ومنه قول العجاج:
ذَلَّ بنو العَوَّامِ مِنْ آل الحَكَمْ ** وتركوا المُلْكَ لمَلْكٍ ذي قَدَمْ

أي: ذي تقدُّمٍ وشرفٍ. و{لهم} خبر مقدم، و{قَدَمَ} اسمُها، و{عند ربهم} صفةٌ لـ {قَدَم}. ومن جَوَّز أن يتقدَّمَ معمولُ خبرِ {أن} على اسمها إذا كان حرف جر كقوله:
فلا تَلْحَني فيها فإنَّ بحبِّها ** أخاك مصابُ القلب جَمٌّ بَلابلُهْ

قال: فبحبها متعلقٌ بمُصاب، وقد تقدَّم على الاسم فكذلك {لهم} يجوز أن يكونَ متعلقًا بـ {عند ربهم} لِما تَضَمَّنَ من الاستقرار، ويكونُ {عند ربهم} هو الخبر.
وقرأ نافعٌ وأبو عمرو وابن عامر {لَسِحْرٌ} والباقون {لَساحر}، فـ {هذا} يجوزُ أن يكونَ إشارةً للقرآن، وأن يكونَ إشارة للرسول على القراءة الأولى، ولكن لابد من تأويل على قولنا: إن المشار إليه هو النبي عليه السلام، أي: ذو سحر أو جعلوه إياه مبالغةً. وأمَّا على القراءةِ الثانيةِ فالإِشارةُ للرسولِ عليه السلام فقط. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في قدم:
القَدَم: السّابقة في الأَمر، كالقُدْمة، والرّجُل له مرتبة في الخير، والرِّجْل- مؤَنثة- والجمع: أَقدام؛ والشجاع كالقُدْم والقُدُم.
وقَدَم القومَ يقدُمهم قَدْمًا وقُدُومًا، وقدّمهم واستقدمهم: تقدّمهم.