فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن قيل: كيف يليق ذكر الشفيع بصفة مبدئية الخلق، وإنما يليق ذكره بأحوال القيامة؟
والجواب من وجوه:
الوجه الأول: ما ذكره الزجاج: وهو أن الكفار الذين كانوا مخاطبين بهذه الآية كانوا يقولون: إن الأصنام شفعاؤنا عند الله، فالمراد منه الرد عليهم في هذا القول وهو كقوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفًّا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن} [النبأ: 38].
والوجه الثاني: وهو يمكن أن يقال إنه تعالى لما بين كونه إلهًا للعالم مستقلًا بالتصرف فيه من غير شريك ولا منازع، بين أمر المبدأ بقوله: {يُدَبّرُ الأمر} وبين حال المعاد بقوله: {مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ}.
والوجه الثالث: يمكن أيضًا أن يقال إنه تعالى وضع تدبير الأمور في أول خلق العالم على أحسن الوجوه وأقربها من رعاية المصالح، مع أنه ما كان هناك شفيع يشفع في طلب تحصيل المصالح، فدل هذا على أن إله العالم ناظر لعباده محسن إليهم مريد للخير والرأفة بهم، ولا حاجة في كونه سبحانه كذلك إلى حضور شفيع يشفع فيه.
والقول الثاني: في تفسير هذا الشفيع ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني، فقال: الشفيع هاهنا هو الثاني، وهو مأخوذ من الشفع الذي يخالف الوتر، كما يقال الزوج والفرد، فمعنى الآية خلق السموات والأرض وحده ولا حي معه ولا شريك يعينه، ثم خلق الملائكة والجن والبشر، وهو المراد من قوله: {إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} أي لم يحدث أحد ولم يدخل في الوجود، إلا من بعد أن قال له: كن، حتى كان وحصل.
واعلم أنه تعالى لما بين هذه الدلائل وشرح هذه الأحوال، ختمها بعد ذلك بقوله: {ذلكم الله رَبُّكُمْ فاعبدوه} مبينًا بذلك أن العبادة لا تصلح إلا له، ومنبهًا على أنه سبحانه هو المستحق لجميع العبادات لأجل أنه هو المنعم بجميع النعم التي ذكرها ووصفها.
ثم قال بعده: {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} دالًا بذلك على وجوب التفكر في تلك الدلائل القاهرة الباهرة، وذلك يدل على أن التفكر في مخلوقات الله تعالى والاستدلال بها على جلالته وعزته وعظمته، أعلى المراتب وأكمل الدرجات. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش}
وقد ذكرناه ثم قال: {يُدَبّرُ الأمر}، يعني: يقضي القضاء وينظر في تدبير الخلق.
وروى الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن ابن سابق قال: يدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل.
أما جبريل، فعلى الرياح والوحي والجنود، وأما ميكائيل، فعلى النبات والمطر، وأما ملك الموت، فعلى الأنفس؛ وأما إسرافيل، فينزل إليهم بما يؤمرون.
{مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ}، لأن الكفار كانوا يعبدون الأصنام ويقولون: هم شفعاؤنا عند الله، وبعضهم كانوا يعبدون الملائكة فأخبر الله تعالى أنه لا شفاعة لأحد إلاَّ بإذن الله تعالى؛ ويقال: {مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} يعني: لا يشفع أحد لأحد يوم القيامة من الملائكة ولا من المرسلين، إلا من بعد إذنه في الشفاعة لهم.
{ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ}، يعني: الذي يفعل هذا من خلق السموات والأرض وتدبير الخلق هو ربكم وخالقكم، {فاعبدوه}؛ فدل أولًا على وحدانيته وتدبيره، ثم أمرهم بالتوحيد والطاعة فقال: {فاعبدوه}، يعني: وحدوه وأطيعوه.
{أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}، يعني: أفلا تتعظون بالقرآن؟ ويقال: أفلا تتعظون بأن لا تعبدوا من لا يملك شيئًا، وتعبدون من يملك الدنيا وما فيها؟ قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص {تَذَكَّرُونَ} بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد، لأن أصله تتذكرون فأدغم إحدى التاءين في الذال وأقيم التشديد مقامه. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يُدَبِّرُ الأمْرَ} فيه وجهان:
أحدهما: يقضيه وحده، قاله مجاهد.
الثاني: يأمر به ويمضيه.
{مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ما من شفيع يشفع إلا من بعد أن يأذن الله تعالى له في الشفاعة.
الثاني: ما من أحد يتكلم عنده إلا بإذنه، قاله سعيد بن جبير.
الثالث: لا ثاني معه، مأخوذ من الشفع الذي هو الزوج لأنه خلق السموات والأرض وهو واحد فرد لا حي معه، ثم خلق الملائكة والبشر.
وقوله: {إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} يعني من بعد أمره أن يكون الخلق فكان، قاله ابن بحر. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} هذا ابتداء دعاء إلى عبادة الله عز وجل وإعلام بصفاته، والخطاب بها لجميع الناس، و{خلق السماوات والأرض} هو على ما تقرر أن الله عز وجل خلق الأرض {ثم استوى} إلى السماء وهي دخان فخلقها، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وقوله: {في ستة أيام} قيل هي من أيام الآخرة، وقال الجمهور، وهو الصواب: بل من أيام الدنيا.
قال القاضي أبو محمد: وذلك في التقدير لأن الشمس وجريها لم يتقدم حينئذ وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خلق الله المخلوقات إن الله ابتدأ يوم الأحد كذا ويوم كذا كذا إنما هو على أن نقدر ذلك الزمان ونعكس إليه التجربة من حين ابتدأ ترتيب اليوم والليلة والمشهور أن الله ابتدأ بالخلق يوم الأحد، ووقع في بعض الأحاديث في كتاب مسلم وفي الدلائل أن البداءة وقعت يوم السبت وذكر بعض الناس أن الحكمة في خلق الله تعالى هذه الأشياء في مدة محدودة ممتدة وفي القدرة أن يقول كن فيكون إنما هو ليعلم عباده التؤدة والتماهل في الأمور.
قال القاضي أبو محمد: وهذا مما لا يوصل تعليله وعلى هذا هي الأجنة في البطون وخلق الثمار وغير ذلك والله عز وجل قد جعل لكل شيء قدرًا وهو أعلم بوجه الحكمة وقوله: {ثم استوى على العرش} قد تقدم القول فيه في {المص} [الأعراف: 1] وقوله: {يدبر الأمر} يصح أن يريد بـ {الأمر} اسم الجنس من الأمور ويحتمل أن يريد {الأمر} الذي هو مصدر أمر يأمر، وتدبيره لا إله إلا هو إنما هو الإنفاذ لأنه قد أحاط بكل شيء علمًا، وقال مجاهد: {يدبر الأمر} معناه يقضيه وحده، وقوله: {ما من شفيع الا من بعد إذنه} رد على العرب في اعتقادها أن الأصنام تشفع لها، وقوله: {ذلكم} إشارة الى الله تعالى أي هذا الذي هذه صفاته فاعبدوه، ثم قررهم على هذه الآيات والعبر فقال: {أفلا تذكرون} أي فيكون التذكر سببًا للاهتداء، واختصار القول في قوله: {ثم استوى على العرش} إما أن يكون {استوى} بقهره وغلبته وإما أن يكون {استوى} بمعنى استولى إن صحت اللفظة في اللسان، فقد قيل في قول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق ** من غير سيف ودم مهراق

إنه بيت مصنوع. وإما أن يكون فعل فعلًا في العرش سماه {استوى} واستعياب القول قد تقدم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قال الزجاج: لما أنذرهم بالبعث والنشور، فقالوا: هذا سحر، أخبرهم أن الذي خلق السموات والأرض قادر على بعثهم بقوله: {إن ربكم الله} وقد سبق تفسيره في [الأعراف: 54].
قوله تعالى: {يدبِّر الأمر} قال مجاهد: يقضيه.
وقال غيره: يأمر به ويمضيه.
قوله تعالى: {مامن شفيع إِلا من بعد إِذنه} فيه قولان:
أحدهما: لا يشفع أحد إِلا أن يأذن له، قاله ابن عباس.
قال الزجاج: لم يَجْرِ للشفيع ذِكر قبل هذا، ولكنَّ الذين خوطبوا كانوا يقولون: الأصنام شفعاؤنا.
والثاني: أن المعنى: لا ثانيَ معه، مأخوذ من الشَّفْع، لأنه لم يكن معه أحد، ثم خلق الأشياء.
فقوله: {إِلا من بعد إِذنه} أي: من بعد أمره أن يكون الخلق فكان، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {فاعبدوه} قال مقاتل: وحِّدوه.
وقال الزجاج: المعنى: فاعبدوه وحده.
وقوله: {تذكَّرون} معناه: تتَّعظون. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش} تقدّم في الأعراف.
{يُدَبِّرُ الأمر} قال مجاهد: يقضيه ويقدّره وحْدَه.
ابن عباس: لا يَشركه في تدبير خلقه أحد.
وقيل: يبعث بالأمر.
وقيل: ينزل به.
وقيل: يأمر به ويمضيه؛ والمعنى متقارب.
فجبريل للوحي، وميكائيل للقَطْر، وإسرافيل للصُّور، وعزرائيل للقبض.
وحقيقته تنزيل الأُمور في مراتبها على أحكام عواقبها، واشتقاقه من الدُّبْر.
والأمر اسم لجنس الأُمور.
{مَا مِن شَفِيعٍ} في موضع رفع، والمعنى ما شفيع {إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} وقد تقدم في البقرة معنى الشفاعة.
فلا يشفع أحدٌ نبيٌّ ولا غيره إلا بإذنه سبحانه، وهذا ردّ على الكفار في قولهم فيما عبدوه من دون الله: {هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله} [يونس: 18] فأعلمهم الله أن أحدًا لا يشفع لأحد إلا بإذنه، فكيف بشفاعة أصنام لا تعقل.
قوله تعالى: {ذلكم الله رَبُّكُمْ فاعبدوه} أي ذلكم الذي فعل هذه الأشياء من خلق السموات والأرض هو ربكم لا رب لكم غيره.
{فاعبدوه} أي وحدوه وأخلصوا له العبادة.
{أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أي أنها مخلوقاته فتستدلوا بها عليه. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش}
تقدم تفسير هذا في سورة الأعراف بما فيه كفاية.
وقوله سبحانه وتعالى: {يدبر الأمر} قال مجاهد: يقضيه وحده.
وقيل: معنى التدبير، تنزيل الأمور في مراتبها وعلى أحكام عواقبها.
وقيل: إنه سبحانه وتعالى يقضي ويقدر على حسب مقتضى الحكمة وهو النظر في أدبار الأمور وعواقبها لئلا يدخل في الوجود ما لا ينبغي.
وقيل: معناه إنه سبحانه وتعالى يدبر أحوال الخلق وأحوال ملكوت السموات والأرض فلا يحدث حدث في العالم العلوي ولا في العالم السفلي إلا بإرادته وتدبيره وقضائه وحكمته {ما من شفيع إلا من بعد إذنه} يعني: لا يشفع عنده شافع يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن له في الشفاعة لأنه عالم بمصالح عباده وبموضع الصواب والحكمة في تدبيرهم فلا يجوز لأحد أن يسأله ما ليس له به علم فإذا أذن له في الشفاعة كان له أن يشفع فيمن يأذن له فيه وفيه رد على كفار قريش في قولهم: إن الأصنام تشفع لهم عند الله يوم القيامة فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لأن له التصرف المطلق في جميع العالم {ذلكم الله ربكم} يعني الذي خلق هذه الأشياء ودبرها هو ربكم وسيدكم لا رب لكم سواه {فاعبدوه} أي فاجعلوا عبادتكم له لا لغيره لأنه المستحق للعبادة بما أنعم عليكم من النعم العظيمة {أفلا تذكرون} يعني أفلا تتعظون وتعتبرون بهذه الدلائل والآيات التي تدل على وحدانيته سبحانه وتعالى. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش}
تقدم تفسير مثل هذه الجملة في سورة الأعراف وجاءتا عقب ذكر القرآن والتنبيه على المعاد.
ففي الأعراف: {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه} وقوله: {يوم يأتي تأويله} وهنا تلك آيات الكتاب.
وذكر الإنذار والتبشير وثمرتهما لا تظهر إلا في المعاد.
ومناسبة هذه لما قبلها أنّ من كان قادرًا على إيجاد هذا الخلق العلوي والسفلي العظيمين وهو ربكم الناظر في مصالحكم، فلا يتعجب أن يبعث إلى خلقه من يحذر من مخالفته ويبشر على طاعته، إذ ليس خلقهم عبثًا بل على ما اقتضته حكمته وسبقت به إرادته، إذ القادر العظيم قادر على ما دونه بطريق الأولى.
{يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه}: قال مجاهد: أي يقضيه وحده.
والتدبير تنزيل الأمور في مراتبها والنظر في أدبارها وعواقبها، والأمر قيل: الخلق كله علويه وسفليه.
وقيل: يبعث بالأمر ملائكة، فجبريل للوحي، وميكائيل للقطر، وعزرائيل للقبض، وإسرافيل للصور.
وهذه الجملة بيان لعظيم شأنه وملكه.
ولما ذكر الإيجاد ذكر ما يكون فيه من الأمور، وأنه لمنفرد به إيجادًا وتدبيرًا لا يشركه أحد في ذلك، وأنه لا يجترئ أحد على الشفاعة عنده إلا بإذنه، إذ هو تعالى أعلم بموضع الحكمة والصواب.
وفي هذه دليل على عظم عزته وكبريائه كما قال: {يوم يقوم الروح والملائكة صفًا} الآية.
ولما كان الخطاب عامًا وكان الكفار يقولون عن أصنامهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ردّ ذلك تعالى عليهم، وناسب ذكر الشفاعة التي تكون في القيامة بعد ذكر المبدأ ليجمع بين الطرفين: الابتداء والانتهاء.
وقال أبو مسلم الأصبهاني: الشفيع هنا من الشفع الذي يخالف الوتر، فمعنى الآية: أنه أوجد العالم وحده لا شريك يعينه، ولم يحدث شيء في الوجود إلا من بعد أن قال له: كن.
وقال أبو البقاء: يدبر الأمر، يجوز أن يكون مستأنفًا وخبرًا ثانيًا وحالًا.
{ذلكم الله ربكم فاعبدوه}: أي المتصف بالإيجاد والتدبير والكبرياء هو ربكم الناظر في مصالحكم، فهو المستحق للعبادة، إذ لا يصلح لأن يعبد إلا هو تعالى، فلا تشركوا به بعض خلقه.
{أفلا تذكرون}: حض على التدبير والتفكر في الدلائل الدالة على ربوبيته وإمحاض العبادة له. اهـ.