فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (4):

قوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
فلما تقرر أنه هو الذي بدأ الخلق، تقرر بذلك أنه قادر على إعادته فقال: {إليه} أي خاصة {مرجعكم} أي رجوعكم وموضع رجوعكم ووقته حال كونكم {جميعًا} لا يتخلف منكم أحد، تقدم وعده لكم بذلك {وعد الله} أي الذي له الكمال كله {حقًا} فهو تعليل لعبادته لوحدانيته، فيحيون بعد الموت ويحشرون إلى موضع جزاء الله تعالى لهم زمانه الذي قدره له، ويرفع ما كان لهم من المكنة في الدنيا، فعلم قطعًا أنه لابد من الرسول، فاستعدوا للقاء هذا الملك الأعظم بكل ما أمركم به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ثم أوضح التنبيه على قدرته مضمنًا له بيان حكمته فقال معللًا لوجوب المرجع إليه مؤكدًا عدًا لهم في عداد المنكر للابتداء لأجل إنكارهم ما يلزم عنه من تمام القدرة على البعث وغيره: {إنه يبدأ الخلق} أي ينشئه النشأة الأولى، له هذه الصفة متجددة التعلق على سبيل الاستمرار {ثم يعيده} ليقيم العدل في خلقه بأن ينجز لمن عبده، وعده بأن يعزه ويذل عدوه وذلك معنى قوله: {ليجزي}.
ولما كان في سياق البعث، قدم أهل الجزاء وبدأ بأشرافهم فقال: {الذين آمنوا} أي أوجدوا هذا الوصف الذي هو الأساس المتقن لكل عمل صالح {وعملوا} أي وصدقوا إيمانهم بأن عملوا {الصالحات} جزاء كائنًا {بالقسط}، واقتصر على العدل دون الفضل ليفهم أن ترك الحشو مخل بالعمل الذي هو محط الحكمة التي هي أعظم مصالح السورة، والجزاء: الإعطاء بالعمل ما يقتضيه من خير أو شر، فلو كان الإعطاء ابتداء لم يكن جزاء، ولو كان ما لا يقتضيه العمل لم يكن جزاء مطلقًا والقسط: العدل {والذين كفروا} أي أوجدوا هذا الوصف {لهم} أي في الجزاء على جهة الاستحقاق {شراب من حميم} أي مسخن بالنار أشد الإسخان {وعذاب أليم} أي بالغ الإيلام {بما كانوا} أي جبلة وطبعًا {يكفرون} فإن عذابهم من أعظم نعيم المؤمنين الذين عادوهم فيه سبحانه: {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون} [سورة المطففين: 34-36] وكأنه قال: {يبدأ} مضارعًا لا كما قال في آية أخرى {كما بدأكم تعودون} [الأنفال: 29] حكاية للحال وتصويرًا لها تنبيهًا على تأمل ما يتجدد إنشاءه ليكون أدعى لهم إلى تصور القدرة على الإعادة؛ قال الرماني: وقد تضمنت الآية البيان عما يوجبه التمكين في الدنيا من تجديد النشأة للجزاء لأنه لابد- مع التمكين من الحسن والقبيح- من ترغيب وترهيب لا يؤمن معه العذاب على الخلود ليخرج المكلف بالزجر عن القبيح عن حال الإباحة له يرفع التبعة عليه- انتهى.
فقد لاح بما ذكر ما تعين في أثناء السورة بتكريره لتوضيحه وتقريره- أن مقصودها وصف الكتاب بما يدل قطعًا على أنه من عنده سبحانه وبإذنه، لأنه لا غائب عن علمه ولا مداني لقدرته ولا مجترئ على عظمته، وأنه تام القدرة متفرد بالخلق والأمر فهو قادر على الإعادة كما قدر على الابتداء، وأن المراد بالكتاب البشارة والنذارة للفوز عند البعث والنجاة من غوائل يوم الحشر مع أنه سبحانه نافذ القضاء، فلا تغني الآيات والدلالات البينات عمن حكم بشقاوته وقضى بغوايته، وأن ذلك من حكمته وعدله فيجب التسليم لأمره وقطع الهمم عن سواه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا}
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما ذكر الدلائل الدالة على إثبات المبدأ، أردفه بما يدل على صحة القول بالمعاد.
وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: في بيان أن إنكار الحشر والنشر ليس من العلوم البديهية:

ويدل عليه وجوه: الأول: أن العقلاء اختلفوا في وقوعه وعدم وقوعه.
وقال بإمكانه عالم من الناس، وهم جمهور أرباب الملل والأديان.
وما كان معلوم الامتناع بالبديهة امتنع وقوع الاختلاف فيه.
الثاني: أنا إذا رجعنا إلى عقولنا السليمة، وعرضنا عليها أن الواحد ضعف الاثنين، وعرضنا عليها أيضًا هذه القضية، لم نجد هذه القضية في قوة الامتناع مثل القضية الأولى.
الثالث: أنا إما أن نقول بثبوت النفس الناطقة أولا نقول به.
فإن قلنا به فقد زال الإشكال بالكلية، فإنه كما لا يمتنع تعلق هذه النفس بالبدن في المرة الأولى، لم يمتنع تعلقها بالبدن مرة أخرى.
وإن أنكرنا القول بالنفس فالاحتمال أيضًا قائم، لأنه لا يبعد أن يقال إنه سبحانه يركب تلك الأجزاء المفرقة تركيبًا ثانيًا، ويخلق الإنسان الأول مرة أخرى.
والرابع: أنه سبحانه ذكر أمثلة كثيرة دالة على إمكان الحشر والنشر ونحن نجمعها ههنا.
فالمثال الأول: أنا نرى الأرض خاشعة وقت الخريف، ونرى اليبس مستوليًا عليها بسبب شدة الحر في الصيف.
ثم إنه تعالى ينزل المطر عليها وقت الشتاء والربيع، فتصير بعد ذلك متحلية بالأزهار العجيبة والأنوار الغريبة كما قال تعالى: {والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سحابا فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النشور} [فاطر: 9] وثانيها: قوله تعالى: {وَتَرَى الأرض هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت وَرَبَتْ} [الحج: 5] إلى قوله: {ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّهُ يُحْىِ الموتى} [الحج: 6] وثالثها: قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ في الأرض ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يهيج فتراه مصفرًا ثم يجعله حطامًا إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب} [الزمر: 21] والمراد كونه منبهًا على أمر المعاد.
ورابعها: قوله: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ} [عبس: 21 24] وقال عليه السلام: «إذا رأيتم الربيع فأكثروا ذكر النشور» ولم تحصل المشابهة بين الربيع وبين النشور إلا من الوجه الذي ذكرناه.
المثال الثاني: ما يجده كل واحد منا من نفسه من الزيادة والنمو بسبب السمن، ومن النقصان والذبول بسبب الهزال، ثم إنه قد يعود إلى حالته الأولى بالسمن.
وإذا ثبت هذا فنقول: ما جاز تكون بعضه لم يمتنع أيضًا تكون كله، ولما ثبت ذلك ظهر أن الإعادة غير ممتنعة، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَنُنشِئَكُمْ فِيمَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الواقعة: 61] يعني أنه سبحانه لما كان قادرًا على إنشاء ذواتكم أولًا ثم على إنشاء أجزائكم حال حياتكم ثانيًا شيئًا فشيئًا من غير أن تكونوا عالمين بوقت حدوثه وبوقت نقصانه.
فوجب القطع أيضًا بأنه لا يمتنع عليه سبحانه إعادتكم بعد البلى في القبور لحشر يوم القيامة.
المثال الثالث: أنه تعالى لما كان قادرًا على أن يخلقنا ابتداء من غير مثال سبق، فلأن يكون قادرًا على إيجادنا مرة أخرى مع سبق الإيجاد الأول كان أولى، وهذا الكلام قرره تعالى في آيات كثيرة، منها في هذه الآية وهو قوله: {إِنَّهُ يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} وثانيها: قوله تعالى في سورة يس: {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79] وثالثها: قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 62] ورابعها: قوله تعالى: {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15] وخامسها: قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مَّنِىّ يمنى} [القيامة: 36، 37] إلى قوله: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بقادر على أَن يُحْيِىَ الموتى} [القيامة: 40] وسادسها: قوله تعالى: {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مّنَ البعث فَإِنَّا خلقناكم مّن تُرَابٍ} [الحج: 5] إلى قوله: {ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّهُ يُحْىِ الموتى وَأَنَّهُ على كُلّ شيء قَدِيرٌ وَأَنَّ الساعة ءاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن في القبور} [الحج: 6، 7] فاستشهد تعالى في هذه الآية على صحة الحشر بأمور: الأول: أنه استدل بالخلق الأول على إمكان الخلق الثاني وهو قوله: {إِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مّنَ البعث فَإِنَّا خلقناكم مّن تُرَابٍ} كأنه تعالى يقول: لما حصل الخلق الأول بانتقال هذه الأجسام من أحوال إلى أحوال أخرى فلم لا يجوز أن يحصل الخلق الثاني بعد تغيرات كثيرة، واختلافات متعاقبة؟ والثاني: أنه تعالى شبهها بإحياء الأرض الميتة.
والثالث: أنه تعالى هو الحق وإنما يكون كذلك لو كان كامل القدرة تام العلم والحكمة.
فهذه هي الوجوه المستنبطة من هذه الآية على إمكان صحة الحشر والنشر.
والآية السابعة: في هذا الباب قوله تعالى: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ في صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: 50، 51].
المثال الرابع: أنه تعالى لما قدر على تخليق ما هو أعظم من أبدان الناس فكيف يقال: إنه لا يقدر على إعادتها؟ فإن من كان الفعل الأصعب عليه سهلًا، فلأن يكون الفعل السهل الحقير عليه سهلًا كان أولى وهذا المعنى مذكور في آيات كثيرة: منها: قوله تعالى: {أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} [يس: 81] وثانيها: قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السموات والارض وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ على أَن يُحْىِ الموتى} [الأحقاف: 33] وثالثها: {أَأَنتُم أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السماء بناها} [النازعات: 27].
المثال الخامس: الاستدلال بحصول اليقظة شبيهة بالحياة بعد النوم على جواز الحشر والنشر، فإن النوم أخو الموت، واليقظة شبيهة بالحياة بعد الموت.
قال تعالى: {وَهُوَ الذي يتوفاكم باليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار} [الأنعام: 60] ثم ذكر عقيبه أمر الموت والبعث، فقال: {وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حتى إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله مولاهم الحق} [الأنعام: 61، 62] وقال في آية أخرى {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتى لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا} إلى قوله: {إِنَّ في ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر: 42] والمراد منه الاستدلال بحصول هذه الأحوال على صحة البعث والحشر والنشر.
المثال السادس: أن الإحياء بعد الموت لا يستنكر إلا من حيث إنه يحصل الضد بعد حصول الضد، إلا أن ذلك غير مستنكر في قدرة الله تعالى، لأنه لما جاز حصول الموت عقيب الحياة فكيف يستبعد حصول الحياة مرة أخرى بعد الموت؟ فإن حكم الضدين واحد.
قال تعالى مقررًا لهذا المعنى: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} [الواقعة: 60] وأيضًا نجد النار مع حرها ويبسها تتولد من الشجر الأخضر مع برده ورطوبته فقال: {الذى جَعَلَ لَكُم مّنَ الشجر الأخضر نَارًا فَإِذَا أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ} [يس: 80] فكذا ههنا، فهذا جملة الكلام في بيان أن القول بالمعاد، وحصول الحشر والنشر غير مستبعد في العقول.

.المسألة الثانية: في إقامة الدلالة على أن المعاد حق واجب:

اعلم أن الأمة فريقان منهم من يقول: يجب عقلًا أن يكون إله العالم رحيمًا عادلًا منزهًا عن الإيلام والإضرار، إلا لمنافع أجل وأعظم منها، ومنهم من ينكر هذه القاعدة ويقول: لا يجب على الله تعالى شيء أصلًا، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
أما الفريق الأول: فقد احتجوا على وجود المعاد من وجوه.
الحجة الأولى: أنه تعالى خلق الخلق وأعطاهم عقولًا بها يميزون بين الحسن والقبيح، وأعطاهم قدرًا بها يقدرون على الخير والشر.
وإذا ثبت هذا فمن الواجب في حكمة الله تعالى وعدله أن يمنع الخلق عن شتم الله وذكره بالسوء، وأن يمنعهم عن الجهل والكذب وإيذاء أنبيائه وأوليائه، والصالحين من خلقه.
ومن الواجب في حكمته أن يرغبهم في الطاعات والخيرات والحسنات، فإنه لو لم يمنع عن تلك القبائح، ولم يرغب في هذه الخيرات، قدح ذلك في كونه محسنًا عادلًا ناظرًا لعباده.
ومن المعلوم أن الترغيب في الطاعات لا يمكن إلا بربط الثواب بفعلها، والزجر عن القبائح لا يمكن إلا بربط العقاب بفعلها، وذلك الثواب المرغب فيه، والعقاب المهدد به غير حاصل في دار الدنيا.
فلابد من دار أخرى يحصل فيها هذا الثواب، وهذا العقاب، وهو المطلوب، وإلا لزم كونه كاذبًا، وأنه باطل.
وهذا هو المراد من الآية التي نحن فيها وهي قوله تعالى: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط}.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: إنه يكفي في الترغيب في فعل الخيرات، وفي الردع عن المنكرات ما أودع الله في العقول من تحسين الخيرات وتقبيح المنكرات ولا حاجة مع ذلك إلى الوعد والوعيد؟ سلمنا أنه لابد من الوعد والوعيد، فلم لا يجوز أن يقال: الغرض منه مجرد الترغيب والترهيب ليحصل به نظام العالم كما قال تعالى: {ذلك يُخَوّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ ياعباد فاتقون} [الزمر: 16] فإما أن يفعل تعالى ذلك فما الدليل عليه؟ قوله لو لم يفعل ما أخبر عنه من الوعد والوعيد لصار كلامه كذبًا فنقول: ألستم تخصصون أكثر عمومات القرآن لقيام الدلالة على وجوب ذلك التخصيص فإن كان هذا كذبًا وجب فيما تحكمون به من تلك التخصيصات أن يكون كذبًا؟ سلمنا أنه لابد وأن يفعل الله تعالى ذلك لكن لم لا يجوز أن يقال: إن ذلك الثواب والعقاب عبارة عما يصل إلى الإنسان من أنواع الراحات واللذات ومن أنواع الآلام والأسقام، وأقسام الهموم والغموم؟
والجواب عن السؤال الأول: أن العقل وإن كان يدعوه إلى فعل الخير وترك الشر إلا أن الهوى والنفس يدعوانه إلى الانهماك في الشهوات الجسمانية واللذات الجسدانية، وإذا حصل هذا التعارض فلابد من مرجح قوي ومعاضد كامل، وما ذاك إلا ترتيب الوعد والوعيد والثواب والعقاب على الفعل والترك.