فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا}
قوله تعالى: {وَعْدَ الله}: منصوبٌ على المصدر المؤكِّدِ، لأنَّ معنى {إليه مَرْجِعُكُمْ}: وَعَدَكم بذلك.
وقوله: {حَقًّا} مصدرٌ آخرُ مؤكِّدٌ لمعنى هذا الوعد، وناصبُه مضمر، أي: أَحُقُّ ذلك حقًا. وقيل: انتصب {حقًا} بـ {وَعْدَ} على تقدير في، أي: وَعْدَ الله في حق، يعني على التشبيه بالظرف. وقال الأخفش الصغير: التقدير: وقتَ حق وأنشد:
أحقًا عبادَ الله أنْ لَسْتُ ذاهبًا ** ولا والِجًا إلا عليَّ رقيبُ

قوله: {إِنَّهُ يَبْدَأُ} الجمهورُ على كسر الهمزة للاستئناف.
وقرأ عبد الله وابن القعقاع والأعمش وسهل بن شعيب بفتحها. وفيها تأويلاتٌ، أحدها: أن تكونَ فاعلًا بما نصب {حقًا}، أي: حَقَّ حَقًّا بَدْءُ الخلق، ثم إعادتُه، كقوله:
أحقًا عبادَ الله أَنْ لستُ جائِيًا **.............................

البيت. وهو مذهبُ الفراء فإنه قال: والتقدير: يحقُّ أنه يبدأ الخلق.
الثاني: أنه منصوبٌ بالفعل الذي نَصَبَ {وعد الله} أي: وَعَدَ الله تعالى بَدْء الخلق ثم إعادتَه، والمعنى إعادة الخلق بعد بَدْئه. الثالث: أنه على حَذْف لام الجر أي: لأنه، ذكر هذا الأوجهَ الثلاثة الزمخشري وغيره. الرابع: أنه بدلٌ من {وَعْدَ الله} قاله ابن عطية. الخامس: أنه مرفوعٌ بنفس {حقًا} أي: بالمصدر المنون، وهذا إنما يتأتى على جَعْل {حقًا} غيرَ مؤكدٍ؛ لأنَّ المصدر المؤكدَ لا عملَ له إلا إذا ناب عن فعلِه، وفيه بحثٌ. السادس: أن يكونَ {حقًا} مشبهًا بالظرف خبرًا مقدمًا و{أنَّه} في محلِّ رفعٍ مبتدأً مؤخرًا كقولهم: أحقًا أنك ذاهب قالوا: تقديره: أفي حقٍ ذهابك.
وقرأ ابن أبي عبلة: {حَقٌّ أنه} برفع {حق} وفتح أن على الابتداء والخبر.
قال الشيخ: وكونُ حق خبرَ مبتدأ، وأنه هو المبتدأ هو الوجه في الإِعراب، كما تقول: صحيحٌ أنك تخرج لأن اسم أن معرفة، والذي تقدَّمها في هذا المثال نكرة. قلت: فظاهرُ هذه العبارةِ يُشعر بجواز العكس، وهذا قد ورد في باب إن كقوله:
وإن حرامًا أن أَسُبَّ مُجاشعًا ** بآبائيَ الشُّمِّ الكرامِ الخَضَارمِ

وقوله:
وإن شفاءً عَبْرَةٌ أَنْ سَفَحْتُها ** وهل عند رسمٍ دارسٍ مِنْ مُعَوَّل

على جَعْل أنْ سفحتُها بدلًا من عبرة. وقد أخبر في كان عن نكرةٍ بمعرفةٍ كقوله:
...................... ** ولا يكُ موقفٌ منكِ الوَدَاعا

وقوله:
....................... ** يكون مزاجَها عَسَلٌ وماءُ

وقال مكي: وأجاز الفراء رفع وعد، يجعله خبرًا لـ {مرجعكم}.
وأجاز رفعَ وعد وحق على الابتداء والخبر، وهو حسنٌ، ولم يقرأ به أحد.
قلت: نعم لم يرفع وعد وحق معًا أحد، وأمَّا رفعُ حق وحده فقد تقدم أن ابن أبي عبلة قرأه، وتقدَّم توجيهُه. ولا يجوز أن يكون {وعدَ الله} عاملًا في {أنه} لأنه قد وُصِف بقوله: {حقًا} قاله أبو الفتح.
وقرئ {وَعَدَ اللَّهُ} بلفظ الفعل الماضي ورفعِ الجلالة فاعلةً، وعلى هذه يكون {أنه يَبْدَأ} معمولًا له إنْ كان هذا القارئُ يفتح {أنه}.
والجمهور على {يَبْدأُ} بفتح الياء مِنْ بدأ، وابن أبي طلحة {يُبْدِئ} مِنْ أَبْدأ، وبَدَأ وأبدأ بمعنى.
قوله: {لِيَجْزِيَ} متعلق بقوله: {ثم يُعيده}، و{بالقسطِ} متعلقٌ بـ {يَجْزي}. ويجوز أن يكونَ حالًا: إمَّا من الفاعلِ أو المفعول أي: يَجْزيهم ملتبسًا بالقسط أو ملتبسين به. والقِسْط: العدل.
قوله: {والذين كَفَرُواْ} يحتمل وجهين، أحدهما: أن يكون مرفوعًا بالابتداء، والجملةُ بعده خبره. الثاني: أن يكون منصوبًا عطفًا على الموصول قبلَه، وتكونُ الجملةُ بعده مبيِّنَةً لجزائهم. و{شراب} يجوز أَنْ يكونَ فاعلًا، وأن يكون مبتدأ، والأولُ أولى.
قوله: {بِمَا كَانُواْ} الظاهرُ تعلُّقُه بالاستقرار المضمر في الجارِّ الواقع خبرًا، والتقدير: استقر لهم شراب من جهنم وعذاب أليم بما كانوا. وجَوَّز أبو البقاء فيه وجهين ولم يذكر غيرهما:
الأول: أن يكونَ صفةً أخرى لـ {عذاب}.
والثاني: أن يكونَ خبر مبتدأ محذوف، وهذا لا معنى له ولا حاجةَ إلى العُدول عن الأول. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ} الرجوع يقتضي ابتداء الأرواح قبل حصولها في الأشباح، فإن لها في مواطن التسبيح والتقديس إقامة، والغائب إذا رجع إلى وطنه من سفره فلقدومه أثر عند مُحبِّيه وذويه، كما قيل:
أيا قدامًا من سَفْرةِ الهجر مرحبًا ** أناديك لا أنساك ما هبَّت الصِّبا

ويقال المطيع إذا رجع إلى الله فله الزُّلفى، والثواب والحسنى، والعاصي إذا رجع إلى ربِّه فَبَنَعْتِ الإفلاس وخسران الطريق؛ فيتلقى لِباس الغفران، وحُلَةَ الصفح والأمان، فرحمةُ مولاه خيرٌ له من نُسْكِه وتقواه.
قوله: {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا}: موعودُ المطيع الفرادِيسُ العَلَى، وموعودُ العاصي الرحمة والرِّضى. والجنَّةُ لُطْفُ الحقِّ والرَّحمةُ وصفُ الحق؛ فاللُّطفُ فِعْلٌ لم يكن ثم حصل، والنَّعْتُ لم يزل.
قوله: {إنَّهُ يَبْدَؤُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}: مَنْ كان له في جميع عمره نَفَسٌ على وصفِ ما ابتدأَ الحقُّ سبحانه به ففي الإشارة: تكون لذلك إعادة، وأنشدوا:
كلُّ نَهْرٍ فيه ماءٌ قد جَرَى ** فإِليه الماءُ يومًا سيعودُ

اهـ.

.تفسير الآية رقم (5):

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم شرع سبحانه يقرر أمر بدئه للخلق وإعادته في سياق مذكر بالنعم التي يجب شكرها، ويسمى المعرض عن شكره كافرًا فقال: {هو} أي غيره {الذي جعل} أي بما هيأ من الأسباب {الشمس}.
ولما كان النور كيفية قابلة للشدة والضعف، خالف سبحانه في الأسماء مما يدل على ذلك فقال نور الشمس: {ضياء} أي ذات نور قوي ساطع وقدرها منازل، هكذا التقدير، لكن لما كانت في تقلبها بطيئة بالنسبة إلى القمر ذكره دونها فقال: {والقمر} أي وجعل القمر {نورًا} أي ذا نور من نورها {وقدره} أي وزاده عليها بأن قدره مسيرة {منازل} سريعًا يقلبه فيها، وباختلاف حاله في زيادة نوره ونقصانه تختلف أحوال الرطوبات والحرارات التي دبر الله بها هذا الوجود- إلى غير ذلك من الأسرار التي هي فرع وجود الليل والنهار {لتعلموا} بذلك علمًا سهلًا {عدد السنين} أي المنقسمة إلى الفصول الأربعة وما يتصل بذلك من الشهور وغيرها ليمكن لكم تدبير المعاش في أحوال الفصول وغيرها {والحساب} أي غير ذلك مما يدل على بعض تدبيره سبحانه.
ولما كان ذلك مشاهدًا لا مرية فيه، وصل به قوله: {ما خلق الله} أي الذي له الكمال كله {ذلك} أي الأمر العظيم جدًا {إلا بالحق} أي خلقًا ملتبسًا بالحق الكامل في الحقية لا مرية فيه، فعلم أنه قادر على إيجاد الساعة كذلك إذ لا فرق، وإذا كان خلقه كذلك فكيف يكون أمره الناشيء عنه الخلق غير الخلق بأن يكون من السحر الذي مبناه على التمويه والتخييل الذي هو عين الباطل، أو ما خلقه إلا بسبب إظهار الحق من العدل بين العباد بإعزاز الطائع وإذلال العاصي، فإنه لا نعيم كالانتصار على المعادي والانتقام من المشانئ، والجعل: وجود ما به يكون الشيء على صفة لم يكن عليها، والشمس: جسم عظيم النور فإنه يكون ضياء النهار؛ والقمر: جسم نير يبسط نوره على جميع الظاهر من الأرض ويكسفه نور الشمس؛ والنور: شعاع فيه ما ينافي الظلام؛ والحساب: عدد يحصل به مقدار الشيء من غيره.
ولما كان النظر في هذه الآيات من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى كثير من الاتصاف بقابلية العلم، ختم الآية بقوله: {يفصل} أي الله في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحفص عن عاصم بالياء التحتية، وبالالتفات إلى أسلوب العظمة تعظيمًا للبيان في قراءة الباقين بالنون {الآيات} أي يبين الدلائل الباهرة واحدة في إثر واحدة متفاصلة بيانًا شافيًا.
ولما كان البيان لمن لا علم له كالعدم، قال: {لقوم} أي لهم قوة المحاولة لما يريدون {يعلمون} أي لهم هذا الوصف على سبيل التجدد والاستمرار؛ ولما كانت لهم المعرفة التامة والنظر الثاقب في منازل القمر عدت من الجلي. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا}
في الآية مسائل:

.المسألة الأولى: [في ذكر الدلائل الدالة على الإلهية]:

اعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل الدالة على الإلهية، ثم فرع عليها صحة القول بالحشر والنشر، عاد مرة أخرى إلى ذكر الدلائل الدالة على الإلهية.
واعلم أن الدلائل المتقدمة في إثبات التوحيد والإلهية هي التمسك بخلق السموات والأرض، وهذا النوع إشارة إلى التمسك بأحوال الشمس والقمر، وهذا النوع الأخير إشارة إلى ما يؤكد الدليل الدال على صحة الحشر والنشر، وذلك لأنه تعالى أثبت القول بصحة الحشر والنشر، بناء على أنه لابد من إيصال الثواب إلى أهل الطاعة، وإيصال العقاب إلى أهل الكفر، وأنه يجب في الحكمة تمييز المحسن عن المسيء، ثم إنه تعالى ذكر في هذه الآية أنه جعل الشمس ضياء والقمر نورًا وقدره منازل ليتوصل المكلف بذلك إلى معرفة السنين والحساب، فيمكنه ترتيب مهمات معاشه من الزراعة والحراثة، وإعداد مهمات الشتاء والصيف، فكأنه تعالى يقول: تمييز المحسن عن المسيء والمطيع عن العاصي، أوجب في الحكمة من تعليم أحوال السنين والشهور.
فلما اقتضت الحكمة والرحمة خلق الشمس والقمر لهذا المهم الذي لا نفع له إلا في الدنيا.
فبأن تقتضي الحكمة والرحمة تمييز المحسن عن المسيء بعد الموت، مع أنه يقتضي النفع الأبدي والسعادة السرمدية، كان ذلك أولى.
فلما كان الاستدلال بأحوال الشمس والقمر من الوجه المذكور في هذه الآية مما يدل على التوحيد من وجه، وعلى صحة القول بالمعاد من الوجه الذي ذكرناه، لا جرم ذكر الله هذا الدليل بعد ذكر الدليل على صحة المعاد.

.المسألة الثانية: الاستدلال بأحوال الشمس والقمر على وجود الصانع المقدر:

هو أن يقال: الأجسام في ذواتها متماثلة، وفي ماهياتها متساوية، ومتى كان الأمر كذلك كان اختصاص جسم الشمس بضوئه الباهر وشعاعه القاهر، واختصاص جسم القمر بنوره المخصوص لأجل الفاعل الحكيم المختار، أما بيان أن الأجسام متماثلة في ذواتها وماهياتها، فالدليل عليه أن الأجسام لا شك أنها متساوية في الحجمية والتحيز والجرمية، فلو خالف بعضها بعضًا لكانت تلك المخالفة في أمر وراء الحجمية والجرمية ضرورة أن ما به المخالفة غير ما به المشاركة، وإذا كان كذلك فنقول أن ما به حصلت المخالفة من الأجسام إما أن يكون صفة لها أو موصوفًا بها أو لا صفة لها ولا موصوفًا بها والكل باطل.