فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

وقوله: {وإنها لكبيرة} اختلف المفسرون في معاد ضمير {إنها} فقيل عائد إلى الصلاة والمعنى إن الصلاة تصعب على النفوس لأنها سجن للنفس وقيل الضمير للاستعانة بالصبر والصلاة المأخوذة من {استعينوا} على حد {اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8].
وقيل راجع إلى المأمورات المتقدمة من قوله تعالى: {اذكروا نعمتي} [البقرة: 40] إلى قوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} [البقرة: 45] وهذا الأخير مما جوزه صاحب الكشاف ولعله من مبتكراته وهذا أوضح الأقوال وأجمعها والمحامل مُرادة. اهـ.
وقال في الميزان واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها الضمير راجع إلى الصلاة، وأما إرجاعه إلى الاستعانة لتضمنه قوله: {استعينوا} ذلك ينافيه ظاهرًا قوله: {إلى على الخاشعين} فإن الخشوع لا يلائم الصبر كثير ملائمة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {عَلَى الخاشعين} الخاشعون جمع خاشع وهو المتواضع.
والخشوع: هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع.
وقال قتادة: الخشوع في القلب، وهو الخوف وغض البصر في الصلاة.
قال الزجاج: الخاشع الذي يُرَى أثر الذل والخشوع عليه؛ كخشوع الدار بعد الإقواء.
هذا هو الأصل.
قال النابغة:
رَمَادٌ ككُحْل العين لأْيًا أُبَيّنه ** ونؤيٌ كجِذْم الحوض أَثْلَمُ خاشِعُ

ومكان خاشع: لا يُهتَدى له.
وخَشَعت الأصوات أي سكنت.
وخَشَعت خَراشِيُّ صدرِه إذا ألقى بُصاقًا لزِجًا.
وخَشَع ببصره إذا غَضّه.
والخُشْعة: قطعة من الأرض رِخوة؛ وفي الحديث: كانت خُشْعة على الماء ثم دُحيت بعد وبلدة خاشعة: مغبرّة لا منزل بها.
قال سفيان الثورِيّ: سألت الأعمش عن الخشوع فقال: يا ثوريّ، أنت تريد أن تكون إمامًا للناس ولا تعرف الخشوع! سألت إبراهيم النخعِيّ عن الخشوع؛ فقال: أُعَيْمِش! تريد أن تكون إمامًا للناس ولا تعرف الخشوع! ليس الخشوع بأكل الخشن ولبس الخشن وتطأطؤ الرأس! لكن الخشوع أن ترى الشريف والدنيء في الحق سواء، وتخشع لله في كل فرض افترض عليك.
ونظر عمر بن الخطاب إلى شاب قد نكس رأسه فقال: يا هذا! ارفع رأسك، فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب.
وقال عليّ بن أبي طالب: الخشوع في القلب، وأن تلين كفّيك للمرء المسلم، وألاّ تلتفت في صلاتك.
وسيأتي هذا المعنى مجوَّدًا عند قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1 2].
فمن أظهر للناس خشوعًا فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقًا على نفاق.
قال سهل بن عبد اللَّه: لا يكون خاشعًا حتى تخشع كل شعرة على جسده؛ لقول الله تبارك وتعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: 23].
قلت: هذا هو الخشوع المحمود؛ لأن الخوف إذا سكن القلب أوجب خشوع الظاهر فلا يملك صاحبه دفعه، فتراه مطرقًا متأدّبًا متذلّلًا.
وقد كان السلف يجتهدون في ستر ما يظهر من ذلك؛ وأما المذموم فتكلّفه والتباكي ومطأطأة الرأس كما يفعله الجهال ليُرَوْا بعين البر والإجلال، وذلك خدع من الشيطان، وتسويل من نفس الإنسان.
روى الحسن أن رجلًا تنفّس عند عمر بن الخطاب كأنه يتحازن؛ فلكزه عمر، أو قال لكمه.
وكان عمر رضي الله عنه إذا تكلّم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وكان ناسكًا صدقًا، وخاشعًا حقًّا.
وروى ابن أبي نَجِيح عن مجاهد قال: الخاشعون هم المؤمنون حقًا. اهـ.

.قال ابن كثير:

{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)}.
يقول تعالى آمرًا عبيده، فيما يؤمّلون من خير الدنيا والآخرة، بالاستعانة بالصبر والصلاة، كما قال مقاتل بن حَيَّان في تفسير هذه الآية: استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض، والصلاة.
فأما الصبر فقيل: إنه الصيام، نص عليه مجاهد.
قال القرطبي وغيره: ولهذا سمي رمضان شهر الصبر كما نطق به الحديث.
وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن جُرَيّ بن كُليب، عن رجل من بني سليم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصوم نصف الصبر».
وقيل: المراد بالصبر الكف عن المعاصي؛ ولهذا قرنه بأداء العبادات وأعلاها: فعل الصلاة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن حمزة بن إسماعيل، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي سِنان، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن، وأحسن منه الصبر عن محارم الله.
قال وروي عن الحسن البصري نحو قول عمر.
وقال ابن المبارك عن ابن لَهِيعة عن مالك بن دينار، عن سعيد بن جبير، قال: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب فيه، واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو يتجلد، لا يرى منه إلا الصبر.
وقال أبو العالية في قوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} على مرضاة الله، واعلموا أنها من طاعة الله.
وأما قوله: {وَالصَّلاةِ} فإن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر، كما قال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} الآية [العنكبوت: 45].
وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبد الله الدؤلي، قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة، قال حذيفة، يعني ابن اليمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. ورواه أبو داود عن محمد بن عيسى عن يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار كما سيأتي.
وقد رواه ابن جرير، من حديث ابن جُرَيج، عن عِكْرِمة بن عمار، عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة، عن عبد العزيز بن اليمان، عن حذيفة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
ورواه بعضهم عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة؛ ويقال: أخي حذيفة مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقال محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة: حدثنا سهل بن عثمان أبو مسعود العسكري، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: قال عكرمة بن عمار: قال محمد بن عبد الله الدؤلي: قال عبد العزيز: قال حذيفة: رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وهو مشتمل في شملة يصلي، وكان إذا حزبه أمر صلى. وحدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع حارثة بن مضرب سمع عليا يقول: لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى أصبح.
قال ابن جرير: وروي عنه، عليه الصلاة والسلام، أنه مر بأبي هريرة، وهو منبطح على بطنه، فقال له: «اشكنب درد» قال: نعم. قال: «قم فصل فإن الصلاة شفاء» ومعناه: أيوجعك بطنك؟ قال: نعم. قال ابن جرير: وقد حدثنا محمد بن العلاء ويعقوب بن إبراهيم، قالا حدثنا ابن عُلَيَّة، حدثنا عُيَينة بن عبد الرحمن، عن أبيه: أن ابن عباس نُعي إليه أخوه قُثَم وهو في سفر، فاسترجع، ثم تنحَّى عن الطريق، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ}.
وقال سُنَيد، عن حجاج، عن ابن جرير: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} قال: إنهما مَعُونتان على رحمة الله.
والضمير في قوله: {وَإِنَّهَا} عائد إلى الصلاة، نص عليه مجاهد، واختاره ابن جرير.
ويحتمل أن يكون عائدا على ما يدل عليه الكلام، وهو الوصية بذلك، كقوله تعالى في قصة قارون: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80] وقال تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34، 35] أي: وما يلقى هذه الوصية إلا الذين صبروا {وَمَا يُلَقَّاهَا} أي: يؤتاها ويلهمها {إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
وعلى كل تقدير، فقوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} أي: مشقة ثقيلة إلا على الخاشعين. قال ابن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني المصدّقين بما أنزل الله. وقال مجاهد: المؤمنين حقا. وقال أبو العالية: إلا على الخاشعين الخائفين، وقال مقاتل بن حيان: إلا على الخاشعين يعني به المتواضعين. وقال الضحاك: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} قال: إنها لثقيلة إلا على الخاضعين لطاعته، الخائفين سَطَواته، المصدقين بوعده ووعيده.
وهذا يشبه ما جاء في الحديث: «لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه».
وقال ابن جرير: معنى الآية: واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب، بحبس أنفسكم على طاعة الله وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر، المقربة من رضا الله، العظيمة إقامتها إلا على المتواضعين لله المستكينين لطاعته المتذللين من مخافته.
هكذا قال، والظاهر أن الآية وإن كانت خطابًا في سياق إنذار بني إسرائيل، فإنهم لم يقصدوا بها على سبيل التخصيص، وإنما هي عامة لهم، ولغيرهم. والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والمراد بالكبيرة هنا الصعبة التي تشق على النفوس، وإطلاق الكبر على الأمر الصعب والشاق مجاز مشهور في كلام العرب لأن المشقة من لوازم الأمر الكبير في حمله أو تحصيله قال تعالى: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} [البقرة: 143] وقال: {وإن كان كبر عليك إعراضهم} [الأنعام: 35] الآية.
وقال: {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه} [الشورى: 13].
وقوله: {إلا على الخاشعين} أي الذين اتصفوا بالخشوع، والخشوع لغة هو الانزواء والانخفاض قال النابغة:
ونُؤْيٌ كجِذْم الحَوْض أَثلم خَاشِع ** أي زال ارتفاع جوانبه

والتذلل خشوع، قال جعفر بن عبلة الحارثي:
فلا تحسبي أني تَخَشعت بعدكم ** لَشْيءٍ ولا أني من الموت أفرق

وهو مجاز في خشوع النفس وهو سكون وانقباض عن التوجه إلى الإباية أو العصيان.
والمراد بالخاشع هنا الذي ذلل نفسه وكسر سورتها وعودها أن تطمئن إلى أمر الله وتطلب حسن العواقب وأن لا تغتر بما تزينه الشهوة الحاضرة فهذا الذي كانت تلك صفته قد استعدت نفسه لقبول الخير.
وكأن المراد بالخاشعين هنا الخائفون الناظرون في العواقب فتخف عليهم الاستعانة بالصبر والصلاة مع ما في الصبر من القمع للنفس وما في الصلاة من التزام أوقات معينة وطهارة في أوقات قد يكون للعبد فيها اشتغال بما يهوى أو بما يحصِّل منه مالًا أو لذة.
وقريب منه قول كثير:
فقلت لها يا عز كل مصيبة ** إذا وُطنت يومًا لها النفس ذلت

وأحسب أن مشروعية أحكام كثيرة قصد الشارع منها هذا المعنى وأعظمها الصوم.
ولا يصح حمل الخشوع هنا على خصوص الخشوع في الصلاة بسبب الحال الحاصل في النفس باستشعار العبد الوقوف بين يدي الله تعالى حسبما شرحه ابن رشد في أول مسألة من كتاب الصلاة الأول من البيان والتحصيل وهو المعنى المشار إليه بقوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون: 1، 2]، فإن ذلك كله من صفات الصلاة وكمال المصلي فلا يصح كونه هو المخفف لكلفة الصلاة على المستعين بالصلاة كما لا يخفى. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} قال: إنهما معونتان من الله فاستعينوا بهما.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العزاء وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال: الصبر صبران، الصبر عند المصيبة حسن، وأحسن منه الصبر عن محارم الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: الصبر في بابين، الصبر لله فيما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الاهواء، فمن كان هكذا فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم إن شاء الله تعالى.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر أبو الشيخ في الثواب والديلمي في مسند الفردوس عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصبر ثلاثة: فصبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر على المعصية».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والترمذي وحسنه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان وفي ال أسماء والصفات عن ابن عباس قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ قلت: بلى: قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم ليصيبك، وإن الخلائق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئًا لم يرد الله أن يعطيكه لم يقدروا على ذلك، أو أن يصرفوا عنك شيئًا أراد الله أن يعطيكه لم يقدروا على ذلك، وأن قد جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فإذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وإذا اعتصمت فاعتصم بالله، واعمل لله بالشكر في اليقين، واعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا».
وأخرج الدارقطني في الإِفراد وابن مردويه والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن سهل بن سعد الساعدي. أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال لعبد الله بن عباس «ألا أعلمك كلمات تنتفع بهن؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جف القلم بما هو كائن، فلو جهد العباد أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، ولو جهد العباد أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل لله بصدق في اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن بن عباس قال: كنت ذات يوم رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أعلمك خصالًا ينفعك الله بهن؟ قلت: بلى. قال: عليك بالعلم فإن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله، والعمل قيمه، والرفق أبوه، واللين أخوه، والصبر أمير جنوده».
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان والخرائطي في كتاب الشكر عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإِيمان نصفان: فنصف في الصبر، ونصف في الشكر».
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصبر نصف الإِيمان، واليقين الإِيمان كله».
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود موقوفًا مثله. وقال البيهقي: أنه المحفوظ.
وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب قال: الإِيمان على أربع دعائم: على الصبر والعدل واليقين والجهاد.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال: قيل يا رسول الله أي الإِيمان أفضل؟ قال: «الصبر والسماحة». قيل: فأي المؤمنين أكمل إيمانًا؟ قال: «أحسنهم خلقًا».
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن أبيه عن جده قال: بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل فقال: يا رسول الله ما الإِيمان؟ قال: «الصبر والسماحة». قال: فأي الإِسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده». قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: «من هجر السوء». قال: فأي الجهاد أفضل؟ قال: «من أهرق دمه وعقر جواده». قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال: «جهد المقل» قال: فأي الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت».
وأخرج أحمد والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال: قال رجل: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: «الصبر والسماحة». قال: أريد أفضل من ذلك. قال: «لا تتهم الله في شيء من قضائه».
وأخرج البيهقي عن الحسن قال: الإِيمان الصبر والسماحة الصبر عن محارم الله وأداء فرائض الله.
وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب الإِيمان والبيهقي عن علي قال: الصبر من الإِيمان بمنزلة الرأس من الجسد، إذا قطع الرأس نتن باقي الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ادخل نفسك في هموم الدنيا وأخرج منها بالصبر، وليردك عن الناس ما تعلم من نفسك».
وأخرج البيهقي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قضى نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة، ومن مد عينيه إلى زينة المترفين كان مهينًا في ملكوت السماء، ومن صبر على القوت الشديد أسكنه الله الفردوس حيث شاء».
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة والبيهقي واللفظ له عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافًا وصبر على ذلك».
وأخرج البيهقي عن أبي الحويرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «طوبى لمن رزقه الله الكفاف وصبر عليه».
وأخرج البيهقي عن عسعس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رجلًا فسأل عنه، فجاء فقال: يا رسول الله إني اردت أن آتي هذا الجبل فأخلوا فيه واتعبد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لصبر أحدكم ساعة على ما يكره في بعض مواطن الإِسلام خير من عبادته خاليًا أربعين سنة».
وأخرج البيهقي من طريق عسعس بن سلامة عن أبي حاضر الأسدي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رجلًا فسأل عنه، فقيل: إنه قد تفرد يتعبد. فبعث إليه فأتى إليه فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن موطنًا من مواطن المسلمين أفضل من عبادة الرجل وحده ستين سنة. قالها ثلاثًا».
وأخرج البخاري في الأدب والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم».
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم يسره أن يقيه الله من فيح جهنم، ثم قال: ألا إن عمل الجنة خزن بربوة ثلاثًا، ألا إن عمل النار سهل لشهوة ثلاثًا، والسعيد من وقى الفتن ومن ابتلى فصبر، فيا لها ثم يا لها...!».
وأخرج البيهقي وضعفه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما صبر أهل بين على جهد ثلاثًا إلا أتاهم الله برزق».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من حديث ابن عمر. مثله.
وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جاع أو احتاج فكتمه الناس كان حقًا على الله أن يرزقه رزق سنة من حلال».
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: ما من مؤمن تقي يحبس الله عنه الدنيا ثلاثة أيام وهو في ذلك راض عن الله من غير جزع إلا وجبت له الجنة.
وأخرج البيهقي عن شريح قال: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات. أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجوا فيه من الثواب، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: «هل منكم من يريد أن يؤتيه الله علمًا بغير تعلم وهديًا بغير هداية، هل منكم من يريد أن يذهب الله عنه العمى ويجعله بصيرًا، ألا إنه من زهد الدنيا وقصر أمله فيها أعطاه الله علمًا بغير تعلم وهدى بغير هداية، ألا إنه سيكون بعدكم قوم لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل والتجبر، ولا الغني إلا بالبخل والفجر، ولا المحبة إلا بالاستجرام في الدين واتباع الهوى، إلا فمن أدرك ذلك الزمان منكم فصبر للفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر للبغضاء وهو يقدر على المحبة، وصبر على الذل وهو يقدر على العز، لا يريد بذلك إلا وجه الله أعطاه الله ثواب خمسين صديقًا».
وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الإِيمان الصبر والسماحة».
وأخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه من يستعف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، ولم تعطوا عطاء خيرًا وأوسع من الصبر».
وأخرج أحمد في الزهد عن عمر بن الخطاب قال: وجدنا خير عيشنا الصبر.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مهران قال: ما نال رجلًا من جسيم الخير شيء إلا بالصبر.
وأما قوله تعالى: {والصلاة}.
أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} قال: على مرضاة الله، واعلموا أنهما من طاعة الله.
وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير عن حذيفة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة.
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عاساكر عن أبي الدرداء قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة ريح كان مفزعه إلى المسجد حتى يسكن، وإذا حدث في السماء حدث من كسوف شمس أو قمر كان مفزعه إلى الصلاة.
وأخرج أحمد والنسائي وابن حبان عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانوا- يعني الأنبياء- يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة».
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم والبيهقي في الشعب الإِيمان عن ابن عباس.
أنه كان في مسير له، فنعي إليه ابن له، فنزل فصلى ركعتين ثم استرجع وقال: فعلنا كما أمرنا الله فقال: {واستعينوا بالصبر والصلاة}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن ابن عباس. أنه نعي إليه أخوه قثم وهو في مسير فاسترجع، ثم تنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عبادة بن محمد بن عبادة بن الصامت قال: لما حضرت عبادة الوفاة قال: أحرج على إنسان منكم يبكي، فإذا خرجت نفسي فتوضئوا وأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجدًا فيصلي، ثم يستغفر لعباده ولنفسه فإن الله تبارك وتعالى قال: {واستعينوا بالصبر والصلاة} ثم أسرعوا بي إلى حفرتي.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي من طريق معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة وكانت من المهاجرات الأول في وقوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} قالت: غشي على عبد الرحمن بن عبد الرحمن غشية، فظنوا أنه افاض نفسه فيها، فخرجت امرأته أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة، فلما أفاق قال: أغشي عليّ آنفًا؟ قالوا: نعم. قال: صدقتم، إنه جاءني ملكان فقالا لي: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين، فقال ملك آخر: ارجعا فإن هذا ممن كتبت له السعادة وهم في بطون أمهاتهم ويستمتع به بنوه ما شاء الله، فعاش بعد ذلك شهرًا ثم مات.
وأخرج البيهقي في الشعب عن مقاتل بن حبان في قوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} يقول: استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلاة، فحافظوا عليها وعلى مواقيتها وتلاوة القرآن فيها، وركوعها وسجودها وتكبيرها والتشهد فيها والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإكمال ظهورها فذلك إقامتها، وإتمامها قوله: {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} يقول: صرفك عن بيت المقدس إلى الكعبة كبر ذلك على المنافقين واليهود {إلا على الخاشعين} يعني المتواضعين.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {وإنها لكبيرة} قال: لثقيلة.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {وإنها لكبيرة} قال: قال المشركون: والله يا محمد إنك لتدعونا إلى أمر كبير. قال: إلى الصلاة والإِيمان بالله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إلا على الخاشعين} قل: المصدقين بما أنزل الله.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {إلا على الخاشعين} قال: المؤمنين حقًا.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {إلا على الخاشعين} قال: الخائفين. اهـ.