فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياءً}
قرأ الأكثرون: {ضياءً} بهمزة واحدة.
وقرأ ابن كثير: {ضئاءً} بهمزتين في كل القرآن، أي: ذات ضياء.
{والقمر نورًا} أي: ذات نور.
{وقدَّره منازلَ} أي: قدَّر له، فحذف الجار، والمعنى: هيَّأ ويسَّر له منازل.
قال الزجاج: الهاء ترجع إِلى {القمر} لأنه المقدّر لعلم السنين والحساب.
وقد يجوز أن يعود إِلى الشمس والقمر، فحذف أحدهما اختصارًا.
وقال الفراء: إن شئتَ جعلت تقدير المنازل للقمر خاصة، لأن به تُعلمَ الشهور.
وإن شئت جعلت التقدير لهما، فاكتفي بذكر أحدهما من صاحبه، كقوله: {واللهُ ورسولُه أحقُّ أن يُرْضُوه} [التوبة 62].
قال ابن قتيبة: منازل القمر ثمانية وعشرون منزلًا من أول الشهر إلى ثماني وعشرين ليلة، ثم يستسرُّ.
وهذه المنازل، هي النجوم التي كانت العرب تنسب إِليها الأنواء، وأسماؤها عندهم: الشِّرَطان، والبُطَيْن، والثُّرَيَّا، والدَّبَرَان، والهَقْعة، والهَنْعة، والذِّراع، والنَّثْرة، والطَّرْفُ، والجبهة، والزُّبْرة، والصَّرْفة، والعَوَّاء، والسِّماك، والغَفْر، والزُّبَانَى، والإِكليل، والقلب، والشَّوْلَة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذَّابح، وسعد بُلَعْ، وسعد السُّعود، وسعد الأخبية، وفَرْغ الدَّلو المقدَّم، وفرغ الدلو المؤخَّر، والرِّشاء وهو الحوت.
قوله تعالى: {ما خلق الله ذلك إِلا بالحق} أي: للحق، من إِظهار صنعه وقدرته والدليل على وحدانيته.
{يفصِّل الآيات} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: {يفصِّل} بالياء.
وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: {نفصِّل الآيات} بالنون، والمعنى: نُبَيِّنُها.
{لقوم يعلمون} يستدلُّون بالأمارات على قدرته.
قوله تعالى: {لآيات لقوم يتقون} فيه قولان: أحدهما: يتقون الشرك.
والثاني: عقوبةَ الله.
فيكون المعنى: إِن الآيات لمن لم يحمله هواه على خلاف ما وضح له من الحق. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَاءً} مفعولان، أي مضيئة، ولم يؤنّث لأنه مصدر؛ أو ذات ضياء {والقمر نُورًا} عطف، أي منيرًا، أو ذا نور، فالضياء ما يضيء الأشياء، والنور ما يبين فيخفى، لأنه من النار من أصل واحد.
والضياء جمع ضوء؛ كالسياط والحياض جمع سَوط وحَوض.
وقرأ قُنْبُل عن ابن كثير {ضئَاءً} بهمز الياء ولا وجه له؛ لأن ياءه كانت واوًا مفتوحة وهي عين الفعل، أصلها ضواء فقلبت وجعلت ياء كما جعلت في الصيام والقيام.
قال المهدويّ: ومن قرأ ضئاء بالهمز فهو مقلوب، قدّمت الهمزة التي بعد الألف فصارت قبل الألف فصار ضئايا، ثم قلبت الياء همزة لوقوعها بعد ألف زائدة.
وكذلك إن قدّرت أن الياء حين تأخرت رجعت إلى الواو التي انقلبت عنها فإنها تقلب همزة أيضًا فوزنه فلاع مقلوب من فعال.
ويقال: إن الشمس والقمر تضيء وجوههما لأهل السموات السبع وظهورهما لأهل الأرضين السبع.
قوله تعالى: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} أي ذا منازل، أو قدر له منازل.
ثم قيل: المعنى وقدّرهما، فوحّد إيجازًا واختصارًا؛ كما قال: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفضوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11].
وكما قال:
نحن بما عندنا وأنت بما ** عندك راضٍ والرأي مختلِفُ

وقيل: إن الإخبار عن القمر وحده؛ إذ به تحصى الشهور التي عليها العمل في المعاملات ونحوها، كما تقدّم في البقرة.
وفي سورة يس: {والقمر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس: 39] أي على عدد الشهر، وهو ثمانية وعشرون منزلًا.
ويومان للنقصان والمحاق، وهناك يأتي بيانه.
قوله تعالى: {لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب} قال ابن عباس: لو جعل شمسين، شمسًا بالنهار وشمسًا بالليل ليس فيهما ظلمة ولا ليل، لم يُعلم عدد السنين وحسابُ الشهور.
وواحد {السِّنين} سنة، ومن العرب من يقول: سنوات في الجمع.
ومنهم من يقول: سنهات.
والتصغير سُنَيّة وسُنَيْهة.
قوله تعالى: {مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق} أي ما أراد الله عز وجل بخلق ذلك إلا الحكمةَ والصواب، وإظهارًا لصنعته وحكمته، ودلالةً على قدرته وعلمه، ولتجزى كل نفس بما كسبت؛ فهذا هو الحق.
قوله تعالى: {يُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} تفصيل الآيات تبيينها ليُستدلّ بها على قدرته تعالى، لاختصاص الليل بظلامه والنهار بضيائه من غير استحقاق لهما ولا إيجاب؛ فيكون هذا لهم دليلًا على أن ذلك بإرادة مريد.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب {يفصل} بالياء، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لقوله من قبله: {مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق} وبعده {وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} فيكون متبعًا له.
وقرأ ابن السَّمَيْقع {تفصل} بضم التاء وفتح الصاد على الفعل المجهول، و{الآيات} رفعًا.
الباقون {نفصل} بالنون على التعظيم. اهـ.

.قال الخازن:

{هو الذي جعل الشمس ضياء} يعني ذات ضياء {والقمر نورًا} يعني ذا نور.
واختلف العلماء أصحاب الكلام في أن الشعاع الفائض من الشمس هل هو جسم أو عرض، والحق أنه عرض وهو كيفية مخصوصة فالنور اسم لأصل هذه الكيفية والضوء اسم لهذه الكيفية إذا كانت كاملة تامة قوية فلهذا خص الشمس بالضياء لأنها أقوى وأكمل من النور وخص القمر بالنور لأنه أضعف من الضياء ولأنهما لو تساويًا لم يعرف الليل من النهار فدل ذلك على أن الضياء المختص بالشمس أكمل وأقوى من النور المختص بالقمر {وقدَّره منازل} قيل: الضمير في وقدَّره يرجع إلى الشمس والقمر والمعنى قدر لهما منازل أو قدر لسيرهما منازل لا يجاوزانهما في السير ولا يقصران عنهما وإنما وحد الضمير في وقدره للإيجاز أو اكتفى بذكر أحدهما دون الآخر فهو كقوله سبحانه وتعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} وقيل: الضمير في وقدره يرجع إلى القمر وحده لأن سير القمر في المنازل أسرع وبه يعرف انقضاء الشهور والسنين وذلك لأن الشهور المعتبرة في الشرع مبنية على رؤية الأهلة والسنة المعتبرة في الشرع هي السنة القمرية لا الشمسية.
ومنازل القمر ثمان وعشرون منزلة: وهي الشرطين، والبطين، والثرايا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف والجبهة، والزبرة، والصفرة، والعواء، والسماك، والغفر، والزباني، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، وفرغ الدلو المقدم، وفرغ الدلو المؤخر، وبطن الحوت، فهذه منازل القمر وهي مقسومة على اثني عشر برجًا وهي: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، لكل برج منزلان وثلث منزل وينزل القمر كل ليلة منزلًا منهما إلى انقضاء ثمانية وعشرين ليلة ثم يستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين وإن كان تسعًا وعشرين اختفى ليلة واحدة {لتعلموا عدد السنين} يعني قدر هذه المنازل لتعلموا بها عدد السنين ووقت دخولها وانقضائها {والحساب} يعني: ولتعلموا حساب الشهور والإيام والساعات ونقصانها وزيادتها {ما خلق الله ذلك إلا بالحق} يعني للحق وإظهار قدرته ودلائل وحدانيته ولم يخلق ذلك باطلًا ولا عبثًا {يفصل الآيات لقوم يعلمون} يعني يبين دلائل التوحيد بالبراهين القاطعة لقوم يستدلون بها على قدرة الله ووحدانيته. اهـ.

.قال أبو حيان:

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا}
لما ذكر تعالى الدلائل على ربوبيته من إيجاد هذا العالم العلوي والسفلي، ذكر ما أودع في العالم العلوي من هذين الجوهرين النيرين المشرقين، فجعل الشمس ضياءً أي: ذات ضياء أو مضيئة، أو نفس الضياء مبالغة.
وجعل يحتمل أن تكون بمعنى صير، فيكون ضياء مفعولًا ثانيًا.
ويحتمل أنْ تكون بمعنى خلق فيكون حالًا، والقمر نورًا أي: ذا نور، أو منور، أو نفس النور مبالغة، أو هما مصدران.
وقيل: يجوز أنْ يكون ضياء جمع كحوض وحياض، وهذا فيه بعد.
ولما كانت الشمسُ أعظم جرمًا خصت بالضياء لأنه هو الذي له سطوع ولمعان، وهو أعظم من النور.
قال أرباب علم الهيئة: الشمس قدر الأرض مائة مرة وأربعًا وستين مرة، والقمر ليس كذلك، فخص الأعظم بالأعظم.
وقد تقدم الفرق بين الضياء والنور في قوله: {فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم} وقوله تعالى: {الله نور السموات والأرض} يقتضي أنّ النور أعظم وأبلغ في الشروق، وإلا فلم عدل إلى الأقل الذي هو النور.
فقال ابن عطية: لفظة النور أحكم أبلغ، وذلك أنه شبه هداه ولطفه الذي يصيبه لقوم يهتدون، وآخرين يضلون معه بالنور الذي هو أبدًا موجود في الليل وأثناء الظلام.
ولو شبهه بالضياء لوجب أنْ لا يضل أحدًا، إذ كان الهدى يكون كالشمس التي لا تبقى معها ظلمة.
فمعنى الآية: أنه تعالى جعل هداه في الكفر كالنور في الظلام، فيهتدي قوم ويضل قوم آخرون.
ولو جعله كالضياء لوجب أن لا يضل أحد، وبقي الضياء على هذا أبلغ في الشروق كما اقضت هذه الآية.
وقرأ قنبل: ضياء هنا، وفي الأنبياء والقصص بهمزة قبل الألف بدل الياء.
ووجهت على أنه من المقلوب جعلت لأمه عينًا، فكانت همزة.
وتطرفت الواو التي كانت عينًا بعد ألف زائدة فانقلبت همزة، وضعف ذلك بأنّ القياس الفرار من اجتماع همزتين إلى تخفيف إحداهما، فكيف يتخيل إلى تقديم وتأخير يؤدي إلى اجتماعهما ولم يكونا في الأصل، والظاهر عود الضمير على القمر أي: مسيره منازل، أو قدره ذا منازل، أو قدر له منازل، فحذف وأوصل الفعل، فانتصب بحسب هذه التقادير على الظرف أو الحال أو المفعول كقوله: {والقمر قدرناه منازل} وعاد الضمير عليه وحده لأنه هو المراعى في معرفة عدد السنين والحساب عند العرب.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يريدهما معًا بحسب أنهما مصرفان في معرفة عدد السنين والحساب، لكنه اجتزئ بذكر أحدهما كما قال: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} وكما قال الشاعر:
رماني بأمر كنت منه ووالدي ** بريئًا ومن أجل الطوى رماني

والمنازل هي البروج، وكانت العرب تنسب إليها الأنواء، وهي ثمانية وعشرون منزلة: الشرطين، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والدبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزبانان، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلغ، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرع المؤخر، والرشاء وهو الحوت.
واللام متعلقة بقوله: {وقدره منازل}.
قال الأصمعي: سئل أبو عمرو عن الحساب، أفبنصبه أو بجره؟ فقال: ومن يدري ما عدد الحساب؟ انتهى.
يريد أنّ الجر إنما يكون مقتضيًا أنّ الحساب يكون يعلم عدده، والحساب لا يمكن أن يعلم منتهى عدده والحساب حساب الأوقات من الأشهر والأيام والليالي مما ينتفع به في المعاش والإجارات وغير ذلك مما يضطر فيه إلى معرفة التواريخ.
وقيل: اكتفى بذكر عدد السنين من عدد الشهور، وكنى بالحساب عن المعاملات، والإشارة بذلك إلى مخلوقه.
وذلك يشار بها إلى الواحد، وقد يشار بها إلى الجمع.
ومعنى بالحق متلبسًا بالحق الذي هو الحكمة البالغة، ولم يخلقه عبثًا كما جاء {ربنا ما خلقت هذا باطلًا} {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق} وقال ابن جرير: الحق هنا هو الله تعالى، والمعنى: ما خلق الله ذلك إلا بالله وحده لا شريك معه انتهى.
وما قاله تركيب قلق، إذ يصير ما ضرب زيد عمرًا إلا بزيد.
وقيل: الباء بمعنى اللام، أي للحق، وهو إظهار صنعته وبيان قدرته ودلالة على وحدانيته.
وقرأ ابن مصرف: والحساب بفتح الحاء، ورواه أبو توبة عن العرب.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص: يفصل بالياء جريًا على لفظة الله، وباقي السبعة بالنون على سبيل الالتفات والإخبار بنون العظمة، وخص من يعلم بتفصيل الآيات لهم، لأنهم الذين ينتفعون بتفصيل الآيات، ويتدبرون بها في الاستدلال والنظر الصحيح.
والآيات العلامات الدالة أو آيات القرآن. اهـ.