فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} فيه إضمار واختصار أي يهديهم ربهم بإيمانهم إلى مكان {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} قال أبو روق: يهديهم ربهم بإيمانهم إلى الجنة، قال عطية: يهديهم ويثيبهم ويجزيهم، وقيل ينجيهم.
مجاهد ومقاتل: يهديهم بالنور على الصراط إلى الجنة يجعل لهم نورًا يمشون به.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة وبشارة حسنة فيقول له. من أنت فو الله أني لأراك أمرء صدق؟ فيقول له: أنا عملك، فيكون له نورًا وقائدًا إلى الجنة، والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيقول: من أنت فوالله إني لأراك امرء سوء؟ فيقول: أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار».
وقيل: معنى الآية: بإيمانهم يهديهم ربهم لدينه أي بتصديقهم هداهم تجري من تحتهم الأنهار لم يرد أنها تجري تحتهم وهم فوقها، لأن أنهار الجنة تجري من غير أخاديد. وإنما معناه أنها تجري من دونهم وبين أيديهم وتحت أمرهم كقوله تعالى: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم: 24] ومعلوم أنه لم يجعل السري تحتها وهي عليه قاعدة وإنما أراد به بين يديها، وكقوله تعالى مخبرًا عن فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتي} [الزخرف: 51]، أو من دوني وتحت أمري {فِي جَنَّاتِ النعيم}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بإِيمَانِهِمْ}
فيه أربعة أوجه:
أحدها: يجعل لهم نورًا يمشون به، قاله مجاهد.
الثاني: يجعل عملهم هاديًا لهم إلى الجنة، وهذا معنى قول ابن جريج.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَتَلَقَّى الْمُؤْمِنَ عَمَلُهُ فِي أَحْسَنِ صُوَرَةٍ فَيُؤْنِسُهُ وَيَهْدَيهِ، وَيَتَلَقَّى الْكَافِرَ عَمَلُهُ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ فَيُوحِشُهُ وَيُضِلُّهُ».
الثالث: أن الله يهديهم إلى طريق الجنة.
الرابع: أنه وصفهم بالهداية على طريق المدح لهم.
{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} فيه وجهان:
أحدهما: من تحت منازلهم قاله أبو مالك.
الثاني: تجري بين أيديهم وهم يرونها من علو لقوله تعالى: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51] يعني بين يدي.
وحكى أبو عبيدة عن مسروق أن أنهار الجنة تجري في غير أخدود. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {إن الذين آمنوا} الآية.
لما قرر تبارك وتعالى حالة الفرقة الهالكة عقب ذلك بذكر حالة الفرقة الناجية ليتضح الطريقان ويرى الناظر فرق ما بين الهدى والضلال، وهذا كله لطف منه بعباده، وقوله: {يهديهم} لا يترتب أن يكون معناه يرشدهم إلى الإيمان لأنه قد قررهم مؤمنين فإنما الهدى في هذه الآية على أحد وجهين: إما أن يريد أنه يديمهم ويثبتهم، كما قال: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا} [النساء: 136] فإنما معناه اثبتوا، وإما أن يريد يرشدهم إلى طرق الجنان في الآخرة، وقوله: {بإيمانهم} يحتمل أن يريد بسبب إيمانهم ويكون مقابلًا لقوله قبل {مأواهم النار بما كانوا يكسبون}، ويحتمل أن يكون الإيمان هو نفس الهدى، أي يهديهم إلى طرق الجنة بنور إيمانهم، قال مجاهد: يكون لهم إيمانهم نورًا يمشون به ويتركب هذا التأويل على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد المؤمن إذا قام من قبره للحشر تمثل له رجل جميل الوجه طيب الرائحة فيقول: من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح فيقوده إلى الجنة، وبعكس هذا في الكافر»، ونحو هذا مما أسنده الطبري وغيره وقوله: {تجري من تحتهم الأنهار} يريد من تحت علياتهم وغرفهم وليس التحت الذي هو بالمما سة بل يكون إلى الناحية من الإنسان كما قال تعالى: {جعل ربك تحتك سريًا} [مريم: 24] وكما قال حكاية عن فرعون {وهذه الأنهار تجري من تحتي} [الزخرف: 51]. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {يهديهم ربهم بأيمانهم} فيه أربعة أقوال:
أحدها: يهديهم إِلى الجنة ثوابًا بإيمانهم.
والثاني: يجعل لهم نورًا يمشون به بإيمانهم.
والثالث: يزيدهم هدى بإيمانهم.
والرابع: يثيبهم بإيمانهم.
فأما الهداية، فقد سبقت لهم.
قوله تعالى: {تجري من تحتهم الأنهار} أي: تجري بين أيديهم وهم يرونها من علو. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ} أي صدّقوا.
{وَعَمِلُواْ الصالحات يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} أي يزيدهم هداية؛ كقوله: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17].
وقيل: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بإيمانِهِمْ} إلى مكان تجري من تحتهم الأنهار.
وقال أبو رَوْق: يهديهم ربهم بإيمانهم إلى الجنة.
وقال عطية: {يَهْدِيهِمْ} يثيبهم ويجزيهم.
وقال مجاهد: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ} بالنور على الصراط إلى الجنة، يجعل لهم نورًا يمشون به.
ويُروى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ما يقوّي هذا أنه قال: «يتلقى المؤمن عملهُ في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه ويتلقى الكافر عملهُ في أقبح صورة فيوحشه ويضله» هذا معنى الحديث.
وقال ابن جريج: يجعل عملهم هاديًا لهم.
الحسن: {يهديهم} يرحمهم.
قوله تعالى: {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} قيل: في الكلام واو محذوفة، أي وتجري من تحتهم، أي من تحت بساتينهم.
وقيل: من تحت أسِرتهم؛ وهذا أحسن في النزهة والفرجة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم} يعني يهديهم ربهم إلى الجنان ثوابًا لهم بإيمانهم وإعمالهم الصالحة وقال مجاهد: يهديهم على الصراط إلى الجنة: يجعل لهم نورًا يمشون به.
وقال قتادة: بلغنا أن المؤمن إذا خرج من قبره يصور له عمله في صورة حسنة فيقول له: من أنت فيقول: أنا عملك.
فيكون له نورًا وقائدًا إلى الجنة، والكافر بالضد، فلا يزال به عمله حتى يدخله النار وقال ابن الأنباري: يجوز أن يكون المعنى أن الله يزيدهم هداية بخصائص ولطائف وبصائر ينور بها قلوبهم ويزيل بها الشكوك عنهم ويجوز أن يكون المعنى ويثبتهم على الهداية وقيل معناه بإيمانهم يهديهم ربهم لدينه أي بتصديقهم هداهم {تجري من تحتهم الأنهار} يعني بين أيديهم ينظرون إليها من أعالي أسرتهم وقصورهم فهو كقوله سبحانه وتعالى: {قد جعل ربك تحتك سريًا} لم يرد به أنه تحتها وهي قاعدة عليه بل أراد بين يديها.
وقيل: تجري بأمرهم {في جنات النعيم} يعني ذلك لهم جنات النعيم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ الذين ءامَنُواْ} أي فعلوا الإيمانَ أو آمنوا بما يشهَد به الآياتُ التي غفَل عنها الغافلون أو بكل ما يجب أن يؤمَنَ به فيندرجُ فيه ذلك اندراجًا أوليًا {وَعَمِلُواْ الصالحات} أي الأعمالَ الصالحةَ في أنفسها اللائقةَ بالإيمان، وإنما تُرك ذكرُ الموصوف لجريانها مَجرى الأسماءِ {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ} أُوثر الالتفاتُ تشريفًا لهم بإضافة الربِّ وإشعارًا بعلة الهِداية {بِإِيمَانِهِمْ} أي يهديهم بسبب إيمانِهم إلى مأواهم ومقصِدِهم وهي الجنةُ، وإنما لم تُذكر تعويلًا على ظهورها وانسياقِ النفسِ إليها لاسيما بملاحظة ما سبق من بيان مأوى الكفَرة وما آواهم إليه من أعمالهم السيئةِ ومشاهدةِ ما لحق من التلويح والتصريحِ، وفي النظم الكريم إشعارٌ بأن مجردَ الإيمانِ والعملِ الصالحِ لا يكفي في الوصول إلى الجنةَ بل لابد بعد ذلك من الهداية الربانية وأن الكفرَ والمعاصيَ كافيةٌ في دخول النارِ ثم إنه لا نزاعَ في أن المرادَ بالإيمان الذي جعل سببًا لتلك الهداية هو إيمانُهم الخاصُّ المشفوعُ بالأعمال الصالحةِ لا الإيمانُ المجردُ عنها ولا ما هو أعمُّ منهما، إلا أن ذلك بمعزل عن الدِلالة على خلاف ما عليه أهلُ السنةِ والجماعة من أن الإيمانَ الخاليَ عن العمل الصالحِ يُفضي إلى الجنة في الجملة ولا يخلّد صاحبُه في النار فإن منطوقَ الآيةِ الكريمةِ أن الإيمانَ المقرونَ بالعمل الصالحِ سببٌ للهداية إلى الجنة، وأما أن كلَّ ما هو سببٌ لها يجب أن يكون كذلك فلا دلالةَ لها ولا لغيرها عليه قطعًا، كيف لا وقولُه عز وجل: {الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الامن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} منادٍ بخلافه فإن المرادَ بالظلم هو الشركُ كما أطبق عليه المفسرون والمعنى لم يخلِطوا إيمانَهم بشرك، ولئن حُمل على ظاهره أيضًا يدخُل في الاهتداء من آمن ولم يعمل صالحًا ثم مات قبل أن يظلم بفعل حرامٍ أو بترك واجب {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} أي بين أيديهم كقوله سبحانه: {وهذه الأنهار تَجْرِى مِن تَحْتِى} وهم على سرر مرفوعةٍ وأرائِكَ مصفوفةٍ، والجملةُ مستأنفةٌ أو خبرٌ ثانٍ لإن أو حالٌ من مفعول يهديهم على تقدير كون المهديِّ إليه ما يريدونه في الجنة كما قيل، وقيل: يهديهم ويسدّدهم للاستقامة على سلوك السبيلِ المؤدي إلى الثواب والجنة، وقوله: {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} جارٍ مجرى التفسيرِ والبيان فإن التمسكَ بحبل السعادةِ في حكم الوصولِ إليها وقيل: يهديهم إلي إدراك الحقائقِ البديعةِ بحسب القوةِ العملية كما قال عليه الصلاة والسلام: «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم» {فِي جنات النعيم} خبر آخر أو حال أخرى منه أو من الأنهار أو متعلق بتجري أو بيهدي فالمراد بالمهدى إليه إما منازلهم في الجنة أو ما يريدونه فيها. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الذين ءامَنُواْ} بما يجب الإيمان به ويندرج فيه الإيمان بالآيات التي غفل عنها الغافلون اندراجًا أوليًا وقد يخص المتعلق بذلك نظرًا للمقام {وَعَمِلُواْ الصالحات} أي الأعمال الصالحة في أنفسها اللائقة بالإيمان وترك ذكر الموصوف لجريان الصفة مجرى الأسماء {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} أي يهديهم بسبب إيمانهم إلى مأواهم ومقصدهم وهي الجنة وإنما لم تذكر تعويلًا على ظهورها وانسياق النفس إليها لاسيما مع ملاحظة ما سبق من بيان مأوى الكفرة وما أداهم إليه من الأعمال السيئة ومشاهدة ما لحق من التلويح والتصريح.
والمراد بهذا الإيمان الذي جعل سببًا لما ذكر الإيمان الخاص المشفوع بالأعمال الصالحة لا المجرد عنها ولا ما هو الأعم ولا ينبغي أن ينتطح في ذلك كبشان، والآية عليه بمعزل عن الدلالة على خلاف ما عليه الجماعة من أن الإيمان الخالي عن العمل الصالح يفضي إلى الجنة في الجملة ولا يخلد صاحبه في النار فإن منطوقها أن الإيمان المقرون بالعمل الصالح سبب للهداية إلى الجنة، وأما إن كل ما هو سبب لها يجب أن يكون كذلك فلا دلالة لها ولا لغيرها عليه كيف لا وقوله سبحانه: {الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] مناد بخلافه بناءً على ما أطبقوا عليه من تفسير الظلم بالشرك ولئن حمل على ظاهره أيضًا يدخل في الاهتداء من آمن ولم يعمل صالحًا ثم مات قبل أن يظلم بفعل حرام أو بترك واجب، وإلى حمل الإيمان على ما قلنا ذهب الزمخشري وقال: إن الآية تدل على أن الإيمان المعتبر في الهداية إلى الجنة هو الإيمان المقيد بالعمل الصالح، ووجه ذلك بأنه جعل فيها الصلة مجموع الأمرين فكأنه قيل: إن الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ثم قيل: بإيمانهم أي هذا المضموم إليه العمل الصالح.
وزعم بعضهم أن ذلك منه مبني على الاعتزال وخلود غير الصالح في النار، ثم قال إنه لا دلالة في الآية على ما ذكره لأنه جعل سبب الهداية إلى الجنة مطلق الإيمان، وأما إن إضافته إلى ضمير الصالحين يقتضي أخذ الصلاح قيدًا في التسبب فممنوع فإن الضمير يعود على الذوات بقطع النظر عن الصفات، وأيضًا فإن كون الصلة علة للخبر بطريق المفهوم فلا يعارض السبب الصريح المنطوق على أنه ليس كل خبر عن الموصول يلزم فيه ذلك، ألا ترى أن نحو الذي كان معنا بالأمس فعل كذا خال عما يذكرونه في نحو الذي يؤمن يدخل الجنة، وانتصر للزمخشري بأن الجمع بين الإيمان والعمل الصالح ظاهر في أنهما السبب والتصريح بسببية الإيمان المضاف إلى ضمير الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالتنصيص على أنه ذلك الإيمان المقرون بما معه لا المطلق لكنه ذكر لأصالته وزيادة شرفه، ولا يلزم على هذا استدراك ذكره ولا استقلاله بالسببية.
وفيه رد على القاضي البيضاوي حيث ادعى أن مفهوم الترتيب وإن دل على أن سبب الهداية الإيمان والعمل الصالح لكن منطوق قوله سبحانه: {بِإِيمَانِهِمْ} دل على استقلال الإيمان.
ومنع في الكشف أيضًا كون المنطوق ذلك وفرعه على كون الاستدلال من جعل الإيمان والعمل الصالح واقعين في الصلة ليجريا مجرى العلة ثم لما أعيد الإيمان مضافًا كان إشارة إلى الإيمان المقرون لما ثبت أن استعمال ذلك إنما يكون حيث معهود والمعهود السابق هو هذا والأصل عدم غيره، ثم قال: ولو سلم أن المنطوق ذلك لم يضر الزمخشري لأن العمل يعد شرطًا حينئذٍ جمعًا بين المنطوق والمفهوم بقدر الإمكان فلم يلغ اقتران العمل ولا دلالة السببية، وهذا فائدة إفراده بالذكر ثانيًا مع ما فيه من الأصالة وزيادة الشرف، ولا مخالف له من الجماعة لأن العصاة غير مهديين، وأما أن كل من ليس مهتديًا فهو خالد في النار فهو ممنوع غاية المنع انتهى وفي القلب: من هذا المنع شيء والأولى التعويل على ما قدمناه في تقرير كون الآية بمعزل عن الدلالة على خلاف ما عليه الجماعة، والهداية على هذا الوجه يحتمل أن تفسر بالدلالة الموصلة إلى البغية وبمجرد الدلالة والمختار الأول، واختار الثاني من قال: إن المعنى يهديهم طريق الجنة بنور إيمانهم، وذلك أما على تقدير المضاف أو على أن إيمانهم يظهر نورًا بين أيديهم، وقيل: إن المعنى يسددهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك السبيل المؤدي إلى الثواب والهداية عليه بالمعنى الأول، وقيل: المراد يهديهم إلى إدراك حقائق الأمور فتنكشف لهم بسبب ذلك، وأيًا ما كان فالالتفات في قوله سبحان: {رَّبُّهُمْ} لتشريفهم بإضافة الرب إليهم مع الإشعار بعلة الهداية وقوله تعالى: {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} أي من تحت منازلهم أو من بين أيديهم، استئناف نحوي أو بياني فلا محل له من الإعراب أو خبر ثان لأن فمحله الرفع.
وجوز أن يكون في محل النصب على الحال من مفعول {يَهْدِيهِمُ} على تقدير كون المهدي إليه ما يريدون في الجنة كما قال أبو البقاء، وإن جعل حالًا منتظرة لم يحتج إلى القول بهذا التقدير لكنه خلاف الظاهر، والزمخشري لما فسر {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ} بيسددهم الخ جعل هذه الجملة بيانًا له وتفسيرًا لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها، ولا يخفى أن سبيل هذا البيان سبيل البدل وبذلك صرح الطيبي وحينئذٍ فمحلها الرفع لأنه محل الجملة المبدل منها وقوله سبحانه: {فِي جنات النعيم} خبر آخر أو حال أخرى من مفعول {يَهْدِيهِمُ} فتكون حالًا مترادفة أو من {الأنهار} فتكون متداخلة أو متعلق بتجري أو بيهدي والمراد على ما قيل بالمهدي إليه إما منازلهم في الجنة أو ما يريدونه فيها. اهـ.