فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{دَعْوَاهُمْ} قولهم وكلامهم {فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهم}.
قال طلحة بن عبد الله سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبحان الله، فقال: هو تنزيه الله من كل سوء، وسأل ابن الكوّا عليًا عن ذلك فقال: كلمة رضيها الله لنفسه.
قال المفسرون: هذه نعمة علم بين له وعين الخدام في الطعام فإذا اشتهوا شيئًا من الطعام والشراب قالوا: سبحانك اللهم. فيأتوهم في الوقت بما يشتهون على مائدة، فإذا فرغوا من الطعام والشراب حمدوا الله على ما أعطاهم فذلك قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ} قولهم: {أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} وما يريد آخر كلام يتكلّمون به ولكن أراد ما قبله.
قال الحسن: بلغني بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأ هذه الآية: «إن أهل الجنة يلهمون الحمد والتسبيح كما يلهمون النفس» وذلك قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهم وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا} في الجنة {سَلاَمٌ} يحيّي بعضهم بعضًا بالسلام وتأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام.
قال ابن كيسان: يفتحون كلامهم بالتوحيد ويختمون بالتحميد.
وقرأ العامة: {أَنِ الحمد للَّهِ} بالتخفيف والرفع، وقرأ بلال بن أبي بردة وابن محيصن أنّ مثقلا الحمد نصبًا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ}
فيه وجهان:
أحدهما: أن أهل الجنة إذا اشتهوا الشيء أو أرادوا أن يدعوا بالشيء قالوا سبحانك اللهم فيأتيهم، ذلك الشيء، قاله الربيع وسفيان.
الثاني: أنهم إذا أرادوا الرغبة إلى الله في دعاء يدعونه كان دعاؤهم له: سبحانك اللهم: قاله قتادة.
{وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} فيه وجهان:
أحدهما: معناه وملكهم فيها سالم. والتحية الملك، ومنه قول زهير بن جنان الكلبي:
ولكلُّ ما نال الفتى ** قد نِلتُه إلا التحية

الثاني: أن تحية بعضهم لبعض فيها سلام. أي: سلمت وأمنت مما بلي به أهل النار، قاله ابن جرير الطبري.
{وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: أن آخر دعائهم: الحمد لله رب العالمين، كما كان أول دعائهم: سبحانك اللهم، ويشبه أن يكون هذا قول قتادة.
الثاني: أنهم إذا أجابهم فيما دعوه وآتاهم ما اشتهوا حين طلبوه بالتسبيح قالوا بعده: شكرًا لله والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {دعواهم} الآية.
الدعوى بمعنى الدعاء يقال دعا الرجل وادعى بمعنى واحد، قاله سيبويه، {وسبحانك اللهم} تقديس وتسبيح وتنزيه لجلاله عن كل ما لا يليق به، وقال علي بن أبي طالب في ذلك: هي كلمات رضيها الله تعالى لنفسه، وقال طلحة بن عبيد الله: قلت يا رسول الله، ما معنى سبحان الله؟ فقال: معناها تنزيه الله من السوء، وقد تقدم ذكر خلاف النحاة في {اللهم}، وحكي عن بعض المفسرين أنهم رأوا أن هذه الكلمة إنما يقولها المؤمن في الجنة عندما يشتهي الطعام فإنه إذا رأى طائرًا أو غير ذلك قال: {سبحانك اللهم} فنزلت تلك الإرادة بين يديه فوق ما اشتهى، رواه ابن جريج وسفيان بن عيينة، وقوله: {وتحيتهم فيها سلام} يريد تسليم بعضهم على بعض، والتحية مأخوذة من تمني الحياة للإنسان والدعاء بها، يقال حياه يحييه، ومنه قول زهير بن جناب: [مجزوء الكامل]
من كل ما نال الفتى ** قد نلته إلا التحية

يريد دعاء الناس للملوك بالحياة، وقد سمي الملك تحية بهذا التدريج ومنه قول عمرو بن معديكرب:
أزور أبا قابوس حتى ** أنيخ على تحيته بجندي

أراد علي مملكته وقال بعض العلماء {وتحيتهم} يريد أن تسليم الله عز وجل عليهم، والسلام مأخوذ من السلامة، وقوله: {وآخر دعواهم} يريد وخاتمة دعواهم في كل موطن وكلامهم شكر الله تعالى وحمده على سابغ نعمه، وكانت بدأتهم بالتنزيه والتعظيم، وقرأ جمهور الناس {أن الحمد لله} وهي عند سيبويه أن المخففة من الثقيلة، وقرأ ابن محيصن وبلال بن أبي بردة ويعقوب وأبو حيوة {أنّ الحمد لله}، وهي على الوجهين رفع على خبر الابتداء، قال أبو الفتح: هذه القراءة تدل على أن قراءة الجماعة هي أن المخففة من الثقيلة بمنزلة الأعشى: [البسيط]
في فتية كسيوف الهند قد علموا ** أنْ هالك كلُّ من يحفى وينتعل

اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {دعواهم فيها} أي: دعاؤهم.
وقد شرحنا ذلك في أول [الأعراف: 5].
وفي المراد بهذا الدعاء قولان:
أحدهما: أنه استدعاؤهم ما يشتهون.
قال ابن عباس: كلما اشتهى أهل الجنة شيئًا، قالوا: {سبحانك اللهم} فيأتيهم ما يشتهون؛ فإذا طعموا، قالوا: {الحمد لله رب العالمين} فذلك آخر دعواهم.
وقال ابن جريج: إِذا مرَّ بهم الطير يشتهونه، قالوا: {سبحانك اللهم} فيأتيهم المَلَكُ بما اشتَهَوْا، فيسلِّم عليهم، فيردُّون عليه: فذلك قوله: {وتحيتهم فيها سلام}.
فإذا أكلوا، حمِدوا ربهم؛ فذلك قوله: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}.
والثاني: أنهم إِذا أرادوا الرغبة إِلى الله تعالى في دعاءٍ يدعونه به، قالوا: {سبحانك اللهم}، قاله قتادة.
قوله تعالى: {وتحيتهم فيها سلام} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تحية بعضهم لبعض، وتحيَّة الملائكة لهم، قاله ابن عباس.
والثاني: أن الله تعالى يُحَيِّيهم بالسلام.
والثالث: أن التحية: المُلْك، فالمعنى: مُلكهم فيها سالم، ذكرهما الماوردي.
قوله تعالى: {وآخر دعواهم} أي: دعاؤهم وقولهم: {أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين} قرأ أبو مجلز، وعكرمة، ومجاهد، وابن يعمر، وقتادة، ويعقوب: {أنَّ الحمدَ لله} بتشديد النون ونصب الدال.
قال الزجاج: أعلم الله أنهم يبتدؤون بتعظيم الله وتنزيهه، ويختمون بشكره والثناء عليه.
وقال ابن كيسان: يفتتحون كلامهم بالتوحيد، ويختمونه بالتوحيد. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهم}
{دعواهم} أي دعاؤهم؛ والدعوى مصدر دعا يدعو، كالشكوى مصدر شكا يشكو؛ أي دعاؤهم في الجنة أن يقولوا سبحانك اللهم وقيل: إذا أرادوا أن يسألوا شيئًا أخرجوا السؤال بلفظ التسبيح ويختمون بالحمد.
وقيل: نداؤهم الخدم ليأتوهم بما شاؤوا ثم سبحوا.
وقيل: إن الدعاء هنا بمعنى التمني قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: 31] أي ما تتمنون.
والله أعلم.
قوله تعالى: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} أي تحية الله لهم أو تحية الملك أو تحية بعضهم لبعض: سلام.
وقد مضى في النساء معنى التحية مستوفى والحمد لله.
قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} فيه أربع مسائل:
الأولى قيل: إن أهل الجنة إذا مرّ بهم الطير واشتهوه قالوا: سبحانك اللهم.
فيأتيهم الملك بما اشتهوا، فإذا أكلوا حمدوا الله فسؤالهم بلفظ التسبيح والختم بلفظ الحمد.
ولم يحكِ أبو عبيد إلا تخفيف أن ورفع ما بعدها؛ قال: وإنما نراهم اختاروا هذا وفرقوا بينها وبين قوله عز وجل: {أن لعنة الله} و{أنّ غضب الله} لأنهم أرادوا الحكاية حين يقال الحمد لله.
قال النحاس: مذهب الخليل وسيبويه أن أنْ هذه مخففة من الثقيلة، والمعنى أنه الحمد لله.
قال محمد بن يزيد: ويجوز أن الحمد لله يعملها خفيفة عملها ثقيلة؛ والرفع أقيس.
قال النحاس: وحكى أبو حاتم أن بلال بن أبي بردة قرأ {وآخر دعواهم أنّ الحمد لله رب العالمين}.
قلت: وهي قراءة ابن مُحَيْصن، حكاها الغَزْنَويّ لأنه يحكي عنه.
الثانية التسبيح والحمد والتهليل قد يسمى دعاء؛ روى مسلم والبخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا اللَّهُ ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربّ السموات وربُّ الأرض وربّ العرش الكريم» قال الطبريّ: كان السلف يدعون بهذا الدعاء ويسمُّونه دعاء الكرب.
وقال ابن عيينة وقد سئل عن هذا فقال: أما علمت أن الله تعالى يقول: «إذا شغل عبدي ثناؤه عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» والذي يقطع النزاع وأن هذا يسمى دعاء وإن لم يكن فيه من معنى الدعاء شيء وإنما هو تعظيم لله تعالى وثناءٌ عليه ما رواه النّسائي عن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوة ذي النُّون إذ دعا بها في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنه لن يدعو بها مسلم في شيء إلا استجيب له».
الثالثة من السُّنَّة لمن بدأ بالأكل أن يسمّي الله عند أكله وشربه ويحمده عند فراغه اقتداء بأهل الجنة؛ وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشَّربة فيحمَده عليها».
الرابعة يستحبّ للداعي أن يقول في آخر دعائه كما قال أهل الجنة: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين؛ وحَسُن أن يقرأ آخر والصافات فإنها جمعت تنزيه البارئ تعالى عما نسب إليه، والتسليم على المرسلين، والختم بالحمد لله رب العالمين. اهـ.

.قال الخازن:

{دعواهم فيها} أي قولهم وكلامهم فيها.
وقيل: الدعوى بمعنى الدعاء أي دعاؤهم فيها {سبحانك اللهم} وهي كلمة تنزيه لله تعالى من كل سوء ونقيصة.
قال أهل التفسير: هذه الكلمة علامة بين أهل الجنة والخدم في الطعام فإذا أرادوا الطعام قالوا: سبحانك اللهم فيأتونهم في الوقت بما يشتهون على الموائد كل مائدة ميل في ميل على كل مائدة سبعون ألف صحفة في كل صحفة لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضًا فإذا فرغوا من الطعام حمدوا الله على ما أعطاهم فذلك قوله تبارك وتعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} وقيل: إن المراد بقوله سبحانك اللهم اشتغال أهل الجنة بالتسبيح والتحميد والتقديس لله والثناء عليه بما هو أهله وفي هذا الذكر والتحميد سرورهم وابتهاجهم وكمال لذتهم ويدل عليه ما روي عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون قالوا فما بال الطعام قال جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس وفي رواية التسبيح والحمد» أخرجه مسلم.
قوله جشاء أي يخرج ذلك الطعام جشاء وعرقًا.
وقوله سبحانه وتعالى: {وتحيتهم فيها سلام} يعني يحيي بعضهم بعضًا بالسلام.
وقيل: تحييهم الملائكة بالسلام وقيل تأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} قد ذكرنا أن جماعة من المفسرين حملوا التسبيح والتحميد على أحوال أهل الجنة بسبب المأكول والمشروب وأنهم إذا اشتهوا شيئًا قالوا: سبحانك الله فيحضر ذلك الشيء وإذا فرغوا منه.
قالوا: الحمد لله رب العالمين فترفع الموائد عند ذلك وقال الزجاج: أعلم الله أهل الجنة يبتدئون بتعظيم الله وتنزيهه ويختمون بشكره والثناء عليه.
وقيل: إنهم يفتتحون كلامهم بالتسبيح ويختمونه بالتحميد.
وقيل: إنهم يلهمون ذلك كما ذكر في الحديث. اهـ.

.قال أبو السعود:

{دَعْوَاهُمْ} أي دعاؤُهم وهو مبتدأٌ وقوله عز وجل: {فِيهَا} متعلقٌ به وقوله تعالى: {سبحانك اللهم} خبرُه أي دعاؤهم هذا الكلامُ وهو معمولٌ لمقدر لا يجوز إظهارُه والمعنى اللهم إنا نسبّحك تسبيحًا، ولعلهم يقولونه عندما عاينوا فيها من تعاجيبِ آثارِ قدرتِه تعالى ونتائجِ رحمتِه ورأفتِه ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلب بشر تقديسًا لمقامه تعالى عن شوائب العجز والنقصانِ وتنزيهًا لوعده الكريمِ عن سمات الخُلف {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا} التحيةُ التكرمةُ بالحالة الجليلة أصلُها أحياك الله حياةً طيبة، أي ما يحيي به بعضُهم بعضًا أو تحيةُ الملائكةِ إياهم كما في قوله تعالى: {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام} أو تحيةُ الله عز وجل لهم كما في قوله تعالى: {سَلاَمٌ قَوْلًا مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} {سلام} أي سلامةٌ من كل مكروه {دعواهم فِيهَا} أي خاتمةُ دعائِهم {أَنِ الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} أي أن يقولوا ذلك نعتًا له عز وجل بصفات الإكرام إثرَ نعتِه تعالى بصفات الجلال، أي دعاؤهم منحصِرٌ فيما ذُكر إذ ليس لهم مطلبٌ مترقّبٌ حتى ينتظموا في سلك الدعاء، وأن هي المخففةُ من أنّ المثقلة أصلُه أنه الحمدُ لله فحُذف ضميرُ الشأنِ كما في قوله:
أنْ هالكٌ كلُّ من يحفى وينتعلُ

وقرئ أنّ الحمدَ لله بالتشديد ونصبِ الحمدُ ولعل توسيط ذكرِ تحيتِهم عند الحكايةِ بين دعائِهم وخاتمتِه للتوسل إلى ختم الحكايةِ بالتحميد تبرّكًا مع أن التحيةَ ليست بأجنبية على الإطلاق، ودعوى كونِ ترتيبِ الوقوعِ أيضًا كذاك بأن كانوا حين دخلوا الجنةَ وعاينوا عظمة الله تعالى وكبرياءَه مجدّوه ونعتوه بنعوت الجلالِ ثم حياهم الملائكةُ بالسلامة من الآفات والفوزِ بأصناف الكراماتِ أو حياهم بذلك ربُّ العزةِ فحمِدوه تعالى وأثنَوا عليه يأباها إضافةُ الآخرِ إلى دعواهم وقد جوز أن يكون المرادُ بالدعاء العبادةَ كما في قوله تعالى: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ} الخ، إيذانًا بأنْ لا تكليفَ في الجنة أي ما عبادتُهم إلا أن يسبحوه ويحمَدوه وليس ذلك بعبادة إنما يُلْهمونه وينطِقونه تلذذًا ولا يساعده تعيينُ الخاتمة. اهـ.