فصل: (سورة يونس: الآيات 9- 10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة يونس: الآيات 9- 10]:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10)}
{يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ} يسدّدهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك السبيل المؤدّى إلى الثواب، ولذلك جعل {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ} بيانا له وتفسيرا، لأنّ التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها. ويجوز أن يريد: يهديهم في الآخرة بنور إيمانهم إلى طريق الجنة، كقوله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ} ومنه الحديث: «إنّ المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة، فيقول له: أنا عملك، فيكون له نورًا وقائدًا إلى الجنة. والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة فيقول له: أنا عملك، فينطلق به حتى يدخله النار» فإن قلت: فلقد دلت هذه الآية على أنّ الإيمان الذي يستحق به العبد الهداية والتوفيق والنور يوم القيامة، هو إيمان مقيد، وهو الإيمان المقرون بالعمل الصالح.
والإيمان الذي لم يقرن بالعمل الصالح فصاحبه لا توفيق له ولا نور. قلت: الأمر كذلك. ألا ترى كيف أوقع الصلة مجموعا فيها بين الإيمان والعمل، كأنه قال: إنّ الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، ثم قال: بإيمانهم، أي بإيمانهم هذا المضموم إليه العمل الصالح، وهو بين واضح لا شبهة فيه دَعْواهُمْ دعاؤهم، لأن {اللهمّ} نداء للّه ومعناه: اللهمّ إنا نسبحك، كقول القانت في دعاء القنوت: اللهمّ إياك نعبد ولك نصلى ونسجد. ويجوز أن يراد بالدعاء: العبادة {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} على معنى أن لا تكليف في الجنة ولا عبادة، وما عبادتهم إلا أن يسبحوا اللّه ويحمدوه، وذلك ليس بعبادة، إنما يلهمونه فينطقون به تلذذًا بلا كلفة، كقوله تعالى: {وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً}. {وَآخِرُ دَعْواهُمْ} وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح أَنِ يقولوا {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}. ومعنى {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ} أنّ بعضهم يحيى بعضا بالسلام. وقيل: هي تحية الملائكة إياهم، إضافة للمصدر إلى المفعول. وقيل: تحية اللّه لهم. وأن هي المخففة من الثقيلة، وأصله: أنه الحمد للّه، على أن الضمير للشأن، كقوله:
أَنْ هالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ

وقرئ: {أنّ الحمد للّه}، بالتشديد ونصب الحمد. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيتين:

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} أي يزيد في هواهم بسبب إيمانهم السابق وتثبتهم، فأما الذين آمنوا فزادتهم أو يهديهم إلى طريق الجنة بنور إيمانهم كما قال: {يسعى نورهم بين أيديهم وبإيمانهم} قال مجاهد: يكون لهم إيمانهم نورًا يمشون به.
وفي الحديث: «إذا قام من قبره يمثل له رجل جميل الوجه طيب الرائحة فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقوده إلى الجنة» وبعكس هذا في الكافر.
وقال ابن الأنباري: إيمانهم يهديهم إلى خصائص المعرفة، ومزايا في الألطاف تسر بها قلوبهم وتزول بها الشكوك والشبهات عنهم كقوله: {والذين اهتدوا زادهم هدى} وهذه الزوائد والفوائد يجوز حصولها في الدنيا قبل الموت، ويجوز حصولها بعد الموت.
قال القفال: وإذا حملنا الآية على هذا كان المعنى يهديهم ربهم بإيمانهم، وتجري من تحتهم الأنهار، إلا أنه حذف الواو.
وقيل: معناه تقدّمهم إلى الثواب من قول العرب: القدم تهدي الساق.
وقال الحسن: يرحمهم.
وقال الكلبي: يدعوهم.
والظاهر أنّ تجري مستأنفًا فيكون قد أخبر عنهم بخبرين عظيمين: أحدهما هداية الله لهم وذلك في الدنيا والآخر بجريان الأنهار، وذلك في الآخرة.
كما تضمنت الآية في الكفار شيئين: أحدهما: اتصافهم بانتفاء رجاء لقاء الله وما عطف عليه، والثاني: مقرهم ومأواهم وذلك النار، فصار تقسيمًا للفريقين في المعنى.
وتقدّم قول القفال: أن يكون تجري معطوفًا حذف منه الحرف، وأن يكون حالًا ومعنى من تحتهم أي: من تحت منازلهم.
وقيل: من بين أيديهم، وليس التحت الذي هو بالمسافة، بل يكون إلى ناحية من الإنسان.
ومنه: {قد جعل ربك تحتك سريًا} وقال: وهذه الأنهار تجري من تحتي.
قال الزمخشري: (فإن قلت): دلت هذه الآية على أنّ الإيمان الذي يستحق به العبد الهداية والتوفيق والنور يوم القيامة هو الإيمان المقيد، وهو الإيمان المقرون بالعمل الصالح، والإيمان الذي لم يقترن بالعمل الصالح فصاحبه لا توفيق له ولا نور.
(قلت): الأمر كذلك، ألا ترى كيف أوقع الصلة مجموعًا فيها بين الإيمان والعمل كأنه قال: إنّ الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ثم قال: بإيمانهم، أي بإيمانهم المضموم إليه هذا العمل الصالح، وهو بين واضح لا شبهة فيه انتهى.
وهو على طريقة الاعتزال.
وجوزوا في جنات النعيم أن يتعلق بتجري، وأن يكون حالًا من الأنهار، وأن يكون خبرًا بعد خبر، لأنّ ومعنى دعواهم: دعاؤهم ونداؤهم، لأنّ اللهم نداء الله، والمعنى: اللهم إنا نسبحك كقول القانت في دعاء القنوت: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد.
وقيل: عبادتهم كقوله: {وأعتزلكم وما تدعون من دون الله} ولا تكليف في الجنة، فيكون ذلك على سبيل الابتهاج والالتذاذ، وأطلق عليه العبادة مجازًا.
وقال أبو مسلم: فعلهم وإقرارهم.
وقال القاضي: طريقهم في تقديس الله وتحميده.
وتحيتهم أي ما يحيي به بعضهم بعضًا، فيكون مصدرًا مضافًا للمجموع لا على سبيل العمل، بل يكون كقوله: {وكنا لحكمهم شاهدين} وقيل: يكون مضافًا إلى المفعول، والفاعل الله تعالى أو الملائكة أي: تحية الله إياهم، أو تحية الملائكة إياهم.
وآخر دعواهم أي: خاتمة دعائهم وذكرهم.
قال الزجاج: أعلم تعالى أنهم يبتدئون بتنزيهه وتعظيمه، ويختمون بشكره والثناء عليه.
وقال ابن كيسان: يفتتحون بالتوحيد، ويختمون بالتحميد.
وعن الحسن البصري: يعزوه إلى الرسول أنّ أهل الجنة يلهمون التحميد والتسبيح.
وأن المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن لازم الحذف، والجملة بعدها خبر إنْ، وأن وصلتها خبر قوله: وآخر.
وقرأ عكرمة ومجاهد وقتادة وابن يعمر وبلال بن أبي بردة وأبو مجلز وأبو حيوة وابن محيصن ويعقوب: أن الحمد بالتشديد ونصب الحمد.
قال ابن جني: ودلت على أنّ قراءة الجمهور بالتخفيف، ورفع الحمد هي على أنّ هي المخففة كقول الأعشى:
في فتية كسيوف الهند قد علموا ** أن هالك كل من يحفى وينتعل

يريد أنه هالك إذا خففت لم تعمل في غير ضمير أمر محذوف.
وأجاز المبرد إعمالها كحالها مشددة، وزعم صاحب النظم أنّ أنْ هنا زائدة، والحمد لله خبر، وآخر دعواهم.
وهو مخالف لنص سيبويه والنحويين، وليس هذا من محال زيادتها. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)} إلى قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)}
التفسير:
اتفقوا على أن قوله: {الر} ليس بآية وعلى أن {طه} آية. ولعل الفرق أن {الر} لا يشاكل مقاطع الآية التي بعده، عن ابن عباس {آلر} معناه انا الله أرى. وقيل: لا رب غيري. وقيل: آلر وحم ون اسم الرحمن {تلك} إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات، والتبعيد للتعظيم، والكتاب السورة، والحكيم ذو الحكمة لاشتماله عليها أو وصف بصفة من تكلم به ومنه قولهم للقصيدة حكيمة.
وقيل: فعيل بمعنى فاعل لأنه يحكم بين الحق والباطل، أو يحكم بأن محمدًا صادق لأن القرآن أظهر معجزاته وأبقاها. وقيل: بمعنى مفعول أي حكم فيه بجميع المأمورات والمنهيات وقيل: بمعنى المحكم والإحكام المنع من الفساد وذلك أنه لا يمحوه الماء ولا يحرقه النار ولا يغيره الدهور. ويحتمل أن يقال: الكتاب الحكيم هو القرآن أو اللوح المحفوظ أو التوراة والإنجيل، لأن جميع الكتب الإلهية متوافقة في الأصول، ويجوز أن يكون {تلك} إشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن. واعلم أنه سبحانه لما ختم السورة المتقدمة بقوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: 127] صدر هذه السورة بتعديد بعض الحروف على طريق التحدي، وذلك أن حروف القرآن من جنس الحروف التي يتلفظون بها فلولا أنه معجز لعارضوه وناقضوه. ولما بين بهذا الطريق أن محمدًا رسول حق من عند الله أنكر على كفار قريش تعجبهم من كونه رسولًا فقال: {أكان للناس عجبًا} نصب على أنه خبر كان واسمه {أن أوحينا} وفائدة اللام في قوله: {للناس} مع تقديمه هي أنهم جعلوه لهم أعجوبة يتحدثون بها، ثم إن تعجبهم إما أن يكون من جعل البشر رسولا أو من تخصيص محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي والنبوة فقد روي أنهم كانوا يقولون العجب أن الله لم يجد رسولًا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب، وكلا الأمرين ليس بعجب، أما الأول فلأن الجنس إلى الجنس أميل.
{ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلًا} [الأنعام: 9] {قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكًا رسولًا} [الاسراء: 95]. وأما الثاني فلأن الفقر واليتم لا يوجب في النبوة قدحًا لأن الله غني عن العالمين {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى} [سبأ: 37] وإنما المعتبر في الاستنباء كونه متصفًا بالصدق والأمانة والتقوى، وكان لمحمد صلى الله عليه وسلم في ذلك قبل بعثه اليد الطولى إذ كان يدعى محمدًا الأمين. و{أن} في قوله: {أن أنذر الناس} هي المفسرة لأن الإيحاء فيه معنى القول، أو مخففة من الثقيلة وقد عملت في ضمير شأن مقدر معناه إنه أي إن الشأن قولنا أنذر النس. وقوله: {وبشر الذين آمنوا أن لهم} أي بأن لهم، والإنذار إخبار مع تخويف وإنه عام للناس كلهم، ولكن البشارة خاصة بالمؤمنين. ويحتمل أن يراد بالناس الكفار فقط ويمكن أن يكون تعجبهم عائدًا إلى الإنذار والتبشير وليس ذلك بعجب بل المنكر في العقول تعطيل الأعمال وأن يترك الإنسان سدىً، وإرسال الرسل أمر ما أخلى الله تعالى المكلفين عنه شيئًا من الأزمنة، وبه تتم الماليكة والأمر والنهي والإذن والمنع والثواب والجزاء. وإنما قدم الإنذار على التبشير لأن الإنذار تحذير عن فعل ما لا ينبغي، والتبشير ترغيب في فعل ما ينبغي والتخلية مقدمة على التحلية. ومعنى {قدم صدق} سابقة فضل ومنزلة رفيعة أي سبق لهم عند الله خير.
قال أحمد بن يحيى: القدم كل ما قدمت من خير. وقال ابن الأنباري: كناية عن العمل الذي لا يقع فيه تأخير ولا إبطاء. والسبب في إطلاق القدم على السابقة أن السعي والسبق لا يحصل إلا بالقدم فسمي المسبب باسم السبب كما سميت النعمة يدًا لأنها تعطى باليد، وإضافة القدم إلى صدق لأجل المبالغة وللتنبيه على أنها من السوابق العظيمة أي القدم التي يصدق ويحق أن تسمى قدمًا. وأما عبارات المفسرين فمنهم من قال:
قدم صدق هي الأعمال الصالحة، ومنهم من قال الثواب، ومنها من قال شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. أما قوله: {قال الكافرون} فقال القفال: فيه إضمار والتقدير: فلما أنذرهم قالوا ذلك. ثم من قرأ لساحر بالألف فقوله هذا إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قرأ السحر إشارة إلى القرآن وفيه دليل على عجزهم واعترافهم بأنهم قاصرون عن معارضته كالسحر، ومن هنا جوز بعضهم أن يكونوا أرادوا به المدح أي إنه لكمال فصاحته وتعذر الإتيان بمثله جارٍ مجرى السحر.
ثم لما أنكر عليهم تعجبهم من الأمور المذكورة وهي الواسطة أراد أن يقيم البرهان عليها بإثبات المبدأ ويبين غايتها بإثبات المعاد وذلك في آيتين متواليتين. وقد مر في الأعراف تفسير قوله: {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} فلا حاجة إلى الإعادة.
ثم ذكر ما يدل على مزيد عظمته وجلاله وأنه لا يخرج أمر من الأمور من قضائه وتقديره فقال: {يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه} وإنما فقد العاطف لأنهما كالتفسير والتفصيل لما دل عليه قوله: {إن ربكم الله} الخ. والأمر الشأن أراد به أحوال الخلق وأحوال ملكوت المسوات والأرض والعرش. والمعنى أنه يقضي ويقدر بمقتضى الحكمة ويفعل ما يفعله المصيب في أفعاله الناظر في أدبار الأمور وعواقبها لئلا يدخل في الوجود ما لا ينبغي.
قال الزجاج: إن الكفار الذين خوطبوا بهذه الآية كانوا يقولون إن الأصنام شفعاؤنا عند الله فرد الله عليهم بأنه ليس لأحد أن يشفع إليه في شيء إلا بعد إذنه لأنه أعلم بموضع الحكمة والصواب فلا يجوز لهم أن يسألوه ما لا يعلمون أنه صواب وصلاح. ففي قوله: {يدبر الأمر} إشارة إلى استقلاله في التصرف جانب المبدإ، وفي قوله: {ما من شفيع} إشارة إلى استقلاله في طرف المعاد. ويمكن أن يقال: المراد أنه خلق العالم على أحسن الوجوه وأقربها من الأصلح مع أنه ما كان هناك شفيع يشفع في تحصيل المصالح فدل ذلك على أنه محسن إلى عباده مريد للخير والرأفة بهم كامل العناية بأحوالهم.
قال أبو مسلم: الشفيع معناه الثاني من الشفع الذي يخالف الوتر أي خلق السموات والأرض وحده ولا حي معه ولا شريك يعينه ثم خلق الملائكة والثقلين، والمراد أنه لم يدخل في الوجود أحد إلا من بعد أن قال له: كن حتى كان وحصل. ثم أشار إلى المعلوم بالأوصاف المذكورة فقال: {ذلكم الله ربكم} الذي يستأهل منكم العبادة بإزاء النعم الجسام من خلق السموات والأرض بما فيهما وعليهما {فاعبدوه} وحده {أفلا تذكرون} فيه تنبيه على وجوب الاعتبار والنظر في الدلائل الدالة على عظمته وجلاله. ثم شرع في إثبات المعاد فقال: {إليه مرجعكم} أي رجوعكم {جميعًا} مجموعين. وتقديم الجار والمجرور للاختصاص والمعنى لا ترجعون في العاقبة إلا إلى جزائه وحكمه فاستعدوا للقائه، ثم أكد ذلك بقوله: {وعد الله حقًا} وفيه تأكيدان كما مر. ثم قال: {إنه يبدأ الخلق ثم يعيده} وهو استئناف فيه معنى التعليل كأنه قال إن الذي قدر على الإبداء يقدر على الإعادة بالطريق الأولى كقوله: {وننشئكم فيما لا تعلمون} [الواقعة: 61] يعني أنه سبحانه لما كان قادرًا على إنشاء ذواتكم أوّلًا ثم على إنشاء أجزائكم حال حياتكم ثانيًا شيئًا فشيئًا من غير أن تكونوا عالمين بوقت حدوثه وبوقت نموّه، وجب القطع بأنه لا يمتنع عليه إعادة تلك الأجزاء بعد البلى والتفرق. ومن قرأ {أنه} بالفتح فعلى حذف لام التعليل أي لأنه، أو على أنه منصوب بالفعل الذي نصب وعد الله أي وعد الله وعدًا بدء الخلق ثم إعادته، ويجوز أن يكون مرفوعًا بما نصب حقًا أي حق حقًا بدء الخلق.