فصل: تفسير الآيات (10- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (3- 9):

{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {والذين هم عن اللغو معرضون} قال: الباطل.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله: {والذين هم عن اللغو} قال: عن المعاصي.
وأخرج ابن المبارك عن قتادة في قوله: {والذين هم عن اللغو معرضون} قال: أتاهم والله من أمر الله ما وقذهم عن الباطل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {والذين هم للزكاة فاعلون} يعني: الأموال {والذين هم لفروجهم حافظون} يعني: الفواحش {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} يعني. ولائدهم {فإنهم غير ملومين} قال: لا يلامون على جماع أزواجهم وولائدهم {فمن ابتغى وراء ذلك} يعني: فمن طلب الفواحش بعد الأزواج والولائد طلب مالم يحل {فأولئك هم العادون} يعني: المعتدين في دينهم {والذين هم لأماناتهم} يعني: بهذا ما ائتمنوا عليه فيما بينهم وبين الناس {وعهدهم} قال: يوفون العهد {راعون} قال: حافظوْن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {إلا على أزواجهم} يعني. إلا من امرأته {أو ما ملكت أيمانهم} قال: أمته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال: كل فرج عليك حرام إلا فرجين. قال الله: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} يقول: من تعدى الحلال أصابه الحرام.
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الرحمن في قوله: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} قال: الزنا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن أبي مليكة قال: سئلت عائشة عن متعة النساء فقالت: بيني وبينكم كتاب الله وقرأت {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا.
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه عن القاسم بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: إني لا أرى تحريمها في القرآن، ثم تلا {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قال: تسرت امرأة غلاماً لها فذكرت لعمر رضي الله عنه فسألها: ما حملك على هذا؟ فقالت: كنت أرى أنه يحل لي ما يحل للرجل من ملك اليمين. فاستشار عمر رضي الله عنه فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: تأولت كتاب الله غير تأويله. فقال عمر: لا جرم، والله لا أُحِلُّكِ لحر بعده أبداً. كأنه عاقبها بذلك ودرأ الحد عنها، وأمر العبد أن لا يقربها.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي بكر بن عبدالله أنه سمع أباه يقول: حضرت عمر بن عبد العزيز جاءته إمرأة من العرب بغلام لها رومي فقالت: إني استسريته فمنعني بنو عمي، وإنما أنا بمنزلة الرجل تكون له الوليدة فيطؤها، فأبى علي بنو عمي فقال لها عمر: أتزوجت قبله؟ قالت: نعم.
قال: أما والله لولا منزلتك من الجهالة لرجمتك بالحجارة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه سئل عن امرأة أحلت جاريتها لزوجها فقال: لا يحل لك أن تطأ فرجاً إلا فرجاً، إن شئت بعت، وإن شئت وهبت، وإن شئت أعتقت.
وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن وهب قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: إن أمي كانت لها جارية وأنها أحلتها إلي أطوف عليها. فقال: لا تحل لك إلا أن تشتريها أو تهبها لك.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال: إذا أحلت امرأة الرجل، أو ابنته، أو أخته، له جاريتها فليصبها وهي لها.
وأخرج عبد الرزاق عن طاوس أنه قال: هو أحل من الطعام، فإن ولدت فولدها للذي أحلت له، وهي لسيدها الأول.
وأخرج عبد الرزاق عن عطاء قال: كان يفعل يحل الرجل وليدته لغلامه، وابنه، وأخيه، وأبيه، والمرأة لزوجها، ولقد بلغني أن الرجل يرسل وليدته إلى ضيفه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: الفرج لا يعار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: لا يعار الفرج.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والذين هم على صلواتهم يحافظون} قال: أي على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها، وسجودها.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن مسروق قال: ما كان في القرآن {يحافظون} فهو على مواقيت الصلاة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني عن ابن مسعود أنه قيل له: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن {الذين هم على صلاتهم دائمون} [ المعارج: 23] {والذين هم على صلاتهم يحافظون} قال: ذاك على مواقيتها. قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على تركها الكفر.
واخرج ابن المنذر عن أبي صالح في قوله: {والذين هم على صلواتهم يحافظون} قال: المكتوبة. والذي في سأل، التطّوع.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله: {والذين هم على صلواتهم يحافظون} قال: على المكتوبة.

.تفسير الآيات (10- 11):

{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)}
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه عن أبي هريرة في قوله: {الوارثون} قال: يرثون مساكنهم ومساكن إخوانهم التي أعدت لهم لو أطاعوا الله.
وأخرج سعيد بن منصور وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وله منزلان، منزل في الجنة، ومنزل في النار. فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله: {أؤلئك هم الوارثون}».
وأخرج عبد بن حميد عن أنس أن الربيع بنت النضر أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابنها الحارث بن سراقة أصيب يوم بدر أصابه سهم غرب فقالت: أخبرني عن حارثة فإن كان أصاب الجنة احتسبت وصبرت، وإن كان لم يصب الجنة اجتهدت في الدعاء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أم حارثة انها جنان في جنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى، والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها».

.تفسير الآيات (12- 16):

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)}
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} قال بدء آدم خلق من طين {ثم جعلناه نطفة} قال: ذرية آدم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} قال: هو الطين إذا قبضت عليه خرج ماؤه من بين أصابعك.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة} قال: استل استلالاً.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {من سلالة} قال: السلالة صفو الماء الرقيق الذي يكون منه الولد.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {من سلالة} قال: من مني آدم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن معدان قال: الإنسان خلق من طين، وإنما تلين القلوب في الشتاء.
وأخرج عبد الزراق وابن جرير عن قتادة في الآية قال: استل آدم من طين، وخلقت ذريته من ماء مهين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: إن النطفة إذا وقعت في الرحم طارت في كل شعر وظفر فتمكث أربعين يوماً ثم تنحدر في الرحم فتكون علقة.
وأخرج الديلمي بسند واه عن ابن عباس مرفوعاً: «النطفة التي يخلق منها الولد ترعد لها الأعضاء والعروق كلها، إذا خرجت وقعت في الرحم».
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: سألنا ابن عباس عن العزل فقال: اذهبوا فاسألوا الناس ثم ائتوني واخبروني، فسألوا ثم اخبروه أنهم قالوا أنها الموءودة الصغرى وتلا هذه الآية {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة} حتى فرغ منها، ثم قال: كيف تكون من الموءودة حتى تمر على هذه الخلق؟.
وأخرج عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن عزل النساء فقال: ذلك الوأد الخفي.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال في العزل: هي الموءودة الخفية.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ {فخلقنا المضغة عظاماً}.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن قتادة أنه كان يقرأ {فخلقنا المضعة عظماً فكسونا العظام لحماً}.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {فخلقنا المضغة عظما} بغير ألف {فكسونا العظم} على واحده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {ثم أنشأناه خلقاً آخر} قال: نفخ فيه الروح.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية {ثم أنشأناه خلقاً آخر} قال: جعل فيه الروح.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وعكرمة مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {ثم أنشأناه خلقاً آخر} قال: حين استوى به الشباب.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك {ثم أشأناه خلقاً آخر} قال: الأسنان، والشعر، قيل أليس قد يولد وعلى رأسه الشعر؟ قال: فأين العانة والإِبط؟.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن صالح أبي الخليل قال: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} إلى قوله: {ثم أنشأناه خلقاً آخر} قال عمر {فتبارك الله أحسن الخالقين} فقال: «والذي نفسي بيده إنها ختمت بالذي تكلمت يا عمر».
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: قال عزير: يارب أمرت الماء فجمد في وسط الهواء فجعلت منه سبعاً وسميتها السموات، ثم أمرت الماء ينفتق على التراب، وأمرت التراب أن يتميز من الماء فكان كذلك، فسميت ذلك جميع الأرضين وجميع الماء البحار، ثم خلقت من الماء أعمى عين بصرته، ومنها أصم آذان أسمعته، ومنها ميت أنفس أحييته، خلقت ذلك بكلمة واحدة، منها ما عيشه الماء ومنها ما لا صبر له على الماء خلقاً مختلفاً في الأجسام والألوان، جنسته أجناساً، وزوجته أزواجاً، وخلقت أصنافاً، وألهمته الذي خلقته، ثم خلقت من التراب والماء دواب الأرض وماشيتها وسباعها {فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع} [ النور: 45] ومنهم العظم الصغير ثم وعظته بكتابك وحكمتك، ثم قضيت عليه الموت لا محالة. ثم أنت تعيده كما بدأته وقال عزير: اللهم بكلمتك خلقت جميع خلقك فأتى على مشيئتك، ثم زرعت في أرضك كل نبات فيها بكلمة واحدة وتراب واحد تسقى بماء واحد، فجاء على مشيئتك، ثم زرعت في أرضك كل نبات فيها بكلمة واحدة وتراب واحد تسقى بماء واحد، فجاء على مشيئتك مختلفاً أكله ولونه وريحه وطعمه، منه الحلو، ومنه الحامض، والمر، والطيب ريحه، والمنتن، والقبيح، والحسن، وقال عزير: يارب إنما نحن خلقك وعمل يديك، خلقت أجسادنا في أرحام أمهاتنا، وصورتنا كيف تشاء بقدرتك. جعلت لنا أركاناً، وجعلت فيها عظاماً، وفتقت لنا أسماعاً وأبصاراً، ثم جعلت لنا في تلك الظلمة نوراً، وفي ذلك الضيق سعة، وفي ذلك الفم روحاً، ثم هيأت لنا من فضلك رزقاً متفاوتاً على مشيئتك، لم تأن في ذلك مؤنة ولم تعي منه نصباً، كان عرشك على الماء، والظلمة على الهواء، والملائكة يحملون عرشك ويسبحون بحمدك، والخلق مطيع لك خاشع من خوفك لا يرى فيه نور إلا نورك، ولا يسمع فيه صوت إلا سمعك، ثم فتحت خزانة النور وطريق الظلمة فكانا ليلاً ونهاراً يختلفان بأمرك.
وأخرج بن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: خلق الله آدم كما شاء ومما شاء، فكان كذلك {فتبارك الله أحسن الخالقين} خلق من التراب والماء، فمنه شعره ولحمه ودمه وعظامه وجسده، فذلك بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم، ثم جعلت فيه النفس فيها يقوم ويقعد ويسمع ويبصر ويعلم ما تعلم الدواب، ويتقي ما تتقي ثم جعلت فيه الروح، فيه عرف الحق من الباطل، والرشد من الغي، وبه حذر وتقدم واستتر وتعلم ودبر الأمور كلها فمن التراب يبوسته، ومن الماء رطوبته، فهذا بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم كما أحب أن يكون، ثم جعلت فيه من هذه الفطر الأربع أنواعاً من الخلق أربعة في جسد ابن آدم، فهي قوام جسده وملاكه بإذن الله وهي: الْمِرَّةُ السوداء، والْمِرَّةُ الصفراء، والدم، والبلغم، فيبوسته وحرارته من النفس ومسكنها في الدم، وبرودته من قبل الروح ومسكنه في البلغم، فإذا اعتدلت هذه الفطر في الجسد فكان من كل واحد ربع كان جسداً كاملاً، وجسماً صحيحاً، أو إن كثر واحد منها على صاحبه قهرها وعلاها وأدخل عليها السقم من ناحيته، وإن قل عنها وأخذ عنها غلبت عليه وقهرته ومالت به وضعفت عن قوتها وعجزت عن طاقتها وأدخل عليها السقم من ناحيته، فالطبيب العالم بالداء يعلم من الجسد حيث أتي سقمه، أمن نقصان أم من زيادة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال: إذا نمت النطفة أربعة أشهر بعث إليها ملك فنفح فيها الروح في الظلمات الثلاث، فذلك قوله: {ثم أنشأناه خلقاً آخر} يعني نفخ الروح فيه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ثم أنشأناه خلقاً آخر} يقول: خرج من بطن أمه بعد ما خلق فكان من بدء خلقه الآخر أن استهل، ثم كان من خلقه أن دله على ثدي أمه، ثم كان من خلقه أن علم كيف يبسط رجليه إلى أن قعد، إلى أن حبا، إلى أن قام على رجليه، إلى أن مشى، إلى أن فطم، تعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام، إلى أن بلغ الحلم، إلى أن بلغ أن يتقلب في البلاد.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة {ثم أنشأناه خلقاً آخر} قال: يقول بعضهم هو نبات الشعر، وبعضهم يقول: هو نفخ الروح.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {فتبارك الله أحسن الخالقين} قال: يصنعون، ويصنع الله والله خير الصانعين.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {فتبارك الله أحسن الخالقين} قال: عيسى ابن مريم يخلق.
وأخرج الطيالسي وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في أربع. قلت: يا رسول الله لو صليت خلف المقام. فأنزل الله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مُصَلَّى} [ البقرة: 125] وقلت: يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجاباً فإنه يدخل عليك البر والفاجر. فأنزل الله: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب} [ الأحزاب: 53] وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن. فأنزلت {عسى ربه إن طلقكن} [ التحريم: 5]. ونزلت {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين}. إلى قوله: {ثم أنشأناه خلقاً آخر} فقلت أنا: فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت {فتبارك الله أحسن الخالقين}.
وأخرج ابن راهويه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال: أملى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} إلى قوله: {خلقاً آخر} فقال معاذ بن جبل فتبارك الله أحسن الخالقين، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له معاذ: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: إنها ختمت {فتبارك الله أحسن الخالقين}.