فصل: تفسير الآيات (63- 66):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (63- 66):

{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه قال: كل شيء في القرآن {وما يدريك} فلم يخبره به، وما كان (ما أدراك) فقد أخبره.

.تفسير الآيات (67- 68):

{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا} أي رؤوسنا في الشر والشرك {ربنا آتهم ضعفين من العذاب} يعني بذلك جهنم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {سادتنا وكبراءنا} قال: منهم أبو جهل بن هشام.

.تفسير الآية رقم (69):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)}
أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن موسى عليه السلام كان رجلاً حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فأذاه من أذاه من بني إسرائيل، وقالوا ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده. إما برص، وإما أدرة، وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا، وان موسى عليه السلام خلا يوماً وحده، فوضع ثيابه على حجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عليه السلام عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر! حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضرباً بعصاه، فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه. ثلاثاً. أو أربعاً أو خمساً. فذلك قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا}».
وأخرج البزار وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان موسى رجلاً حيياً، وإنه أتى ليغتسل، فوضع ثيابه على صخرة، وكان لا يكاد تبدو عورته، فقالت بنو إسرائيل: إن موسى عليه السلام آدر به آفة- يعنون أنه لا يضع ثيابه- فاحتملت الصخرة ثيابه حتى صارت بحذاء مجالس بني إسرائيل، فنظروا إلى موسى عليه السلام كأحسن الرجال، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً}».
وأخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن موسى بن عمران كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يواري عورته في الماء».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {لا تكونوا كالذين آذوا موسى} قال: قال له قومه: إنه آدر. فخرج ذات يوم يغتسل، فوضع ثيابه على صخرة، فخرجت الصخرة تشتد بثيابه، فخرج موسى عليه السلام يتبعها عرياناً حتى انتهت به إلى مجالس بني إسرائيل، فرأوه وليس بآدر، فذلك قوله: {فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً}.
وأخرج ابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: {لا تكونوا كالذين آذوا موسى} قال: صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون عليه السلام فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: أنت قتلته، كان أشد حباً لنا منك وألين، فآذوه من ذلك، فأمر الله الملائكة عليهم السلام، فحملته فمروا به على مجالس بني إسرائيل، وتكلمت الملائكة عليهم السلام بموته، فبرأه الله من ذلك، فانطلقوا به فدفنوه ولم يعرف قبره إلا الرُخَّم، وأن الله جعله أصم أبكم.
وأخرج الحاكم وصححه من طريق السدي رضي الله عنه عن أبي مالك عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن مرة عن ابن مسعود رضي الله عنه وناس من الصحابة. أن الله أوحى إلى موسى عليه السلام: إني متوفِ هارون، فائت به جبل كذا وكذا.. فانطلقا نحو الجبل، فإذا هم بشجرة وبيت فيه سرير عليه فرش وريح طيب، فلما نظر هارون عليه السلام إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه قال: يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير قال: نم عليه قال: نم معي. فلما ناما أخذ هارون عليه السلام الموت، فلما قبض رفع ذلك البيت، وذهبت تلك الشجرة، ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل قالوا: قتل هارون عليه السلام وحسده حب بني إسرائيل له، وكان هارون عليه السلام أكف عنهم وألين لهم، وكان موسى عليه السلام فيه بعض الغلظة عليهم، فلما بلغه ذلك قال: ويحكم انه كان أخي أفتروني أقتله! فلما أكثروا عليه قام يصلي ركعتين، ثم دعا الله، فنزلت الملائكة بالسرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا} قال: لا تؤذوا محمداً، كما آذى قوم موسى. موسى.
وأخرج البخاري ومسلم وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً فقال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فاحمر وجهه ثم قال:رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {وكان عند الله وجيهاً} قال: مستجاب الدعوة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سنان عمن حدثه في قوله: {وكان عند الله وجيهاً} قال: ما سأل موسى عليه السلام ربه شيئاً قط إلا أعطاه إياه إلا النظر.

.تفسير الآيات (70- 71):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}
أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، ثم قال: «على مكانكم اثبتوا، ثم أتى الرجال فقال: إن الله أمرني أن آمركم أن تتقوا الله، وأن تقولوا قولاً سديداً، ثم أتى النساء فقال: إن الله أمرني أن آمركن أن تتقين الله، وأن تقلن قولاً سديداً».
وأخرج أحمد في الزهد وأبو داود في المراسيل عن عروة رضي الله عنه قال: أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول {اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً}.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر إلا سمعته يقول {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً}.
وأخرج سمويه في فوائده عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس أو علمهم لا يدع هذه الآية أن يتلوها {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً} إلى قوله: {فقد فاز فوزاً عظيماً}.
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: ما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المنبر قط إلا تلا هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً}.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {قولاً سديداً} قال: قولاً عدلاً حقاً. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول حمزة بن عبد المطلب:
أمين على ما استودع الله قلبه ** فإن قال قولاً كان فيه مسددا

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {وقولوا قولاً سديداً} قال: صدقاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {قولاً سديداً} قال: عدلاً.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {قولاً سديداً} قال: سداداً.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {وقولوا قولاً سديداً} قال: قولوا لا إله إلا الله.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وقولوا قولاً سديداً} قال: قولوا لا إله إلا الله.

.تفسير الآيات (72- 73):

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنا عرضنا الأمانة...} الآية. قال: الامانة الفرائض، عرضها الله على السموات والأرض والجبال إن أدُّوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك واشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيماً لدين الله أن لا يقوموا بها، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها. وهو قوله: {وحملها الإِنسان إنه كان ظلوماً جهولاً} يعني غراً بأمر الله.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض} قال: الأمانة: ما أمروا به ونهوا عنه. وفي قوله: {وحملها الإِنسان} قال: آدم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم قال: إن الله عرض الأمانة على السماء الدنيا فأبت، ثم التي تليها حتى فرغ منها، ثم الأرض، ثم الجبال، ثم عرضها على آدم عليه السلام فقال: نعم. بين أذني وعاتقي قال الله «فثلاث آمرك بهن فإنهن لك عون. إني جعلت لك بصراً، وجعلت لك شفرتين، ففضهما عن كل شيء نهيتك عنه، وجعلت لك لساناً بين لحيين، فكفه عن كل شيء نهيتك عنه، وجعلت لك فرجاً وواريته، فلا تكشفه إلى ما حرمت عليك».
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن ابن جريج رضي الله عنه في الآية قال: بلغني أن الله تعالى لما خلق السموات والأرض والجبال قال: «إني فارض فريضة، وخالق جنة وناراً، وثواباً لمن أطاعني وعقاباً لمن عصاني فقالت السماء: خلقتني فسخرت فيَّ الشمس والقمر، والنجوم والسحاب والريح والغيوم، فانا مسخرة على ما خلقتني، لا أتحمل فريضة، ولا أبغي ثواباً ولا عقاباً، وقالت الأرض، خلقتني وسخرتني فجرت فيَّ الأنهار، فأخرجت مني الثمار، وخلقتني لما شئت، فأنا مسخرة على ما خلقتني، لا أتحمل فريضة، ولا أبغي ثواباً ولا عقاباً، وقالت الجبال: خلقتني رواسي الأرض، فأنا على ما خلقتني، لا أتحمل فريضة، ولا أبغي ثواباً ولا عقاباً، فلما خلق الله آدم عرض عليه، فحمله {إنه كان ظلوماً} ظلمه نفسه في خطيئته {جهولاً} بعاقبة ما تحمل».
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال: لما خلق الله السموات والأرض والجبال، عرض الأمانة عليهن فلم يقبلوها، فلما خلق آدم عليه السلام عرضها عليه قال: يا رب وما هي؟ قال: هي إن أحسنت أجرتك، وإن أسأت عذبتك، قال: فقد تحملت يا رب قال: فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج إلا قدر ما بين الظهر والعصر.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنا عرضنا الأمانة} قال: عرضت على آدم عليه السلام فقيل: خذها بما فيها، فإن أطعت غفرت لك، وإن عصيت عذبتك، قال: قبلتها بما فيها، فما كان إلا قدر ما بين الظهر إلى الليل من ذلك اليوم حتى أصاب الذنب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن أشوع في الآية قال عرض عليهن العمل، وجعل لهن الثواب، فضججن إلى الله ثلاثة أيام ولياليهن، فقلن: ربنا لا طاقة لنا بالعمل، ولا نريد الثواب.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عرض العمل على محمد بن كعب فأبى، فقال له عمر رضي الله عنه: أتعصي؟ فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تعالى حين عرض {الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها}، هل كان ذلك منها معصية؟ قال: لا. فتركه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الله قال لآدم عليه السلام «إني عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال فلم تطقها فهل أنت حاملها بما فيها؟ قال: أي رب وما فيها؟ قال: إن حملتها أجرت، وإن ضيعتها عذبت، قال: قد حملتها بما فيها قال: فما عبر في الجنة إلا قدر ما بين الأولى والعصر حتى أخرجه إبليس من الجنة» قيل للضحاك: وما الأمانة؟ قال: هي الفرائض، وحق على كل مؤمن أن لا يَغُشَّ مؤمناً، ولا معاهداً، في شيء قليل ولا كثير، فمن فعل فقد خان أمانته، ومن انتقص من الفرائض شيئاً فقد خان أمانته.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال} قال: يعني به الدين، والفرائض، والحدود، {فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} قيل لهن: أن تحملنها، وتؤدين حقها. فقلنا: لا نطيق ذلك {وحملها الإِنسان} قيل له: أتحملها؟ قال: نعم. قيل: أتؤدي حقها؟ فقال: أطيق ذلك قال الله: {إنه كان ظلوماً جهولاً} أي ظلوماً بها، جهولاً عن حقها {ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} قال: هذان اللذان خاناها {ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات} قال: هذان اللذان أدياها {وكان الله غفوراً رحيماً}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه {إنا عرضنا الأمانة} قال: الفرائض.
وأخرج الفريابي عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {إنَّا عرضنا الأمانة} قال: الدين.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأمانة ثلاث: الصلاة، والصيام، والغسل من الجنابة».
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها.
وأخرج ابن أبي الدنيا في الورع والحكيم الترمذي عن عبدالله بن عمرو قال: أول ما خلق الله من الإِنسان فرجه، ثم قال: هذه أمانتي عندك فلا تضيعها إلا في حقها. فالفرج أمانة، والسمع أمانة، والبصر أمانة.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمرو رضي الله عنه قال: من تضييع الأمانة: النظر في الحجرات والدور.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الا ومن الأمانة، الا ومن الخيانة، أن يحدث الرجل أخاه بالحديث فيقول: اكتم عني. فيفشيه».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها».
وأخرج الطبراني وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وأبو يعلى والبيهقي والضياء عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حدث الرجل بالحديث، ثم التفت فهي أمانة».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {ليعذب الله المنافقين...} قال: هما اللذان ظلماها واللذان خاناها: المنافق والمشرك.
وأخرج ابن جرير بسند ضعيف عن الحكم بن عمير وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الأمانة والوفاء نزلا على ابن آدم مع الأنبياء، فأرسلوا به فمنهم رسول الله، ومنهم نبي، ومنهم نبي رسول الله، ونزل القرآن وهو كلام الله، ونزلت العربية والعجمية، فعلموا أمر القرآن، وعلموا أمر السنن بألسنتهم، ولن يدع الله شيئاً من أمره مما يأتون، ومما يجتنبون، وهي الحجج عليهم إلا بينت لهم، فليس أهل لسان إلا وهم يعرفون الحسن من القبيح، ثم الأمانة أول شيء يرفع، ويبقى أثرها في جذور قلوب الناس، ثم يرفع الوفاء والعهد والذمم، وتبقى الكتب لعالم يعلمها، وجاهل يعرفها وينكرها، ولا يحملها حتى وصل إليّ وإلى أمتي، فلا يهلك على الله إلا هالك، ولا يغفله إلا تارك، والحذر أيها الناس، وإياكم والوسواس الخناس، فإنما يبلوكم أيكم أحسن عملاً» والله أعلم.