فصل: تفسير الآية رقم (77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (77):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)}
أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس. أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة. فقال: «إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم. فلما حوله الله إلى المدينة أمره الله بالقتال فكفوا. فأنزل الله: {ألم ترَ إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم...} الآية».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: «كان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- وهم يومئذ بمكة قبل الهجرة- يسارعون إلى القتال، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ذرنا نتخذ معاول نقاتل بها المشركين. وذكر لنا أن عبد الرحمن بن عوف كان فيمن قال ذلك، فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال: لم أومر بذلك. فلما كانت الهجرة وأمروا بالقتال كره القوم ذلك وصنعوا فيه ما تسمعون، قال الله تعالى {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً}».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: هم قوم أسلموا قبل أن يفرض عليهم القتال، ولم يكن عليهم إلا الصلاة والزكاة، فسألوا الله أن يفرض عليهم القتال.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ألم ترَ إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم} إلى قوله: {لاتّبعتم الشيطان إلا قليلاً} ما بين ذلك في يهود.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم} الآية. قال: نهى الله هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {إلى أجل قريب} قال: هو الموت.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج {إلى أجل قريب} أي إلى أن يموت موتاً.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن هشام قال: قرأ الحسن {قل متاع الدنيا قليل} قال: رحم الله عبداً صحبها على ذلك، ما الدنيا كلها من أولها إلى آخرها إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه فلم يرَ شيئاً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران قال: الدنيا قليل، وقد مضى أكثر القليل، وبقي قليل من قليل.

.تفسير الآيات (78- 79):

{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)}
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {أينما تكونوا...} قال: من الأرض.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {ولو كنتم في بروج مشيدة} يقول: في قصور محصنة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة {في بروج مشيدة} قال: المجصصة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي {في بروج مشيدة} قال: هي قصور بيض في سماء الدنيا مبنية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية {في بروج مشيدة} قال: قصور في السماء.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سفيان في الآية قال: يرون أن هذه البروج في السماء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال: كان قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم امرأة، وكان لها أجير فولدت المرأة فقالت لأجيرها: انطلق فاقتبس لي ناراً، فانطلق الأجير فإذا هو برجلين قائمين على الباب! فقال أحدهما لصاحبه: وما ولدت؟ فقال: ولدت جارية. فقال أحدهما لصاحبه: لا تموت هذه الجارية حتى تزني بمائة ويتزوّجها الأجير، ويكون موتها بعنكبوت. فقال الأجير: أما والله لأكذبن حديثهما، فرمى بما في يده وأخذ السكين فشحذها وقال: ألا تراني أتزوجها بعدما تزني بمائة، ففرى كبدها ورمى بالسكين وظن أنه قد قتلها، فصاحت الصبية، فقامت أمها فرأت بطنها قد شق فخاطته وداوته حتى برئت.
وركب الأجير رأسه فلبس ما شاء الله أن يلبث، وأصاب الأجير مالاً، فأراد أن يطلع أرضه فينظر من مات منهم ومن بقي، فأقبل حتى نزل على عجوز وقال للعجوز: أبغي لي أحسن امرأة في البلد أصيب منها وأعطيها، فانطلقت العجوز إلى تلك المرأة، وهي أحسن جارية في البلد، فدعتها إلى الرجل وقالت: تصيبين منه معروفاً؟ فأبت عليها وقالت: إنه قد كان ذاك مني فيما مضى، فأما اليوم فقد بدا لي أن لا أفعل. فرجعت إلى الرجل فأخبرته فقال: فاخطبيها لي. فخطبها وتزوّجها فأعجب بها. فلما أنس إليها حدثها حديثه فقالت: والله لئن كنت صادقاً لقد حدثتني أمي حديثك، وإني لتلك الجارية. قال: أنتِ؟! قالت: أنا... قال: والله لئن كنتِ أنتِ إن بكِ لعلامة لا تخفى. فكشف بطنها، فإذا هو بأثر السكين فقال: صدقني والله الرجلان، والله لقد زنيت بمائة، وإني أنا الأجير، وقد تزوّجتك ولتكونن الثالثة، وليكونن موتك بعنكبوت. فقالت: والله لقد كان ذاك مني، ولكن لا أدري مائة أو أقل أو أكثر. فقال: والله ما نقص واحداً ولا زاد واحداً، ثم انطلق إلى ناحية القرية، فبنى فيه مخافة العنكبوت، فلبث ما شاء الله أن يلبث، حتى إذا جاء الأجل، ذهب ينظر فإذا هو بعنكبوت في سقف البيت وهي إلى جانبه فقال: والله إني لأرى العنكبوت في سقف البيت.
فقالت: هذه التي تزعمون أنها تقتلني، والله لأقتلنها قبل أن تقتلني. فقام الرجل فزاولها وألقاها فقالت: والله لا يقتلها أحد غيري، فوضعت أصبعها عليها فشدختها، فطار السم حتى وقع بين الظفر واللحم، فاسودت رجلها فماتت، وأنزل الله على نبيه حين بعث {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وإن تصبهم حسنة} يقول: {وإن تصبهم سيئة} قال: مصيبة {قل كل من عند الله} قال: النعم والمصائب.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} قال: هذه في السراء والضراء. وفي قوله: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال: هذه في الحسنات والسيئات.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {وإن تصبهم حسنة...} الآية. قال: إن هذه الآيات نزلت في شأن الحرب {قل كل من عند الله} قال: النصر والهزيمة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {قل كل من عند الله} يقول: الحسنة والسيئة من عند الله، أما الحسنة فأنعم بها عليك، وأما السيئة فابتلاك الله بها. وفي قوله: {ما أصابك من حسنة فمن الله} قال: ما فتح الله عليه يوم بدر وما أصاب من الغنيمة والفتح {وما أصابك من سيئة} قال: ما أصابه يوم أحد أن شج في وجهه وكسرت رباعيته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مطرف بن عبد الله قال: ما تريدون من القدر ما يكفيكم، الآية التي في سورة النساء {وإن تصبهم حسنة..} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطية العوفي عن ابن عباس في قوله: {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال: هذا يوم أحد يقول: ما كانت من نكبة فبذنبك وأنا قدرت ذلك عليك.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} وأنا قدرتها عليك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال: عقوبة بذنبك يا ابن آدم. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا يصيب رجلاً خدش عود، ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرق، إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر».
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال: بذنبك كما قال لأهل أحد {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [ التوبة: 122] بذنوبكم.
وأخرج ابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن مجاهد قال: هي في قراءة أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود «ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك».
وأخرج ابن المنذر من طريق مجاهد. أن ابن عباس كان يقرأ «وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك» قال مجاهد: وكذلك في قراءة أبي وابن مسعود.

.تفسير الآية رقم (80):

{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)}
أخرج ابن المنذر والخطيب عن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال: «يا هؤلاء ألستم تعلمون أني رسول الله إليكم؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أن الله أنزل في كتابه أنه من أطاعني فقد أطاع الله؟ قالوا: بلى، نشهد أنه من أطاعك فقد أطاع الله، وإن من طاعته طاعتك. قال: فإن من طاعة الله أن تطيعوني، وإن من طاعتي أن تطيعوا أئمتكم، وإن صلوا قعوداً فصلوا قعوداً أجمعين».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن المنذر عن ربيع بن خثيم، قال: حرف، وأيما حرف {من يطع الرسول فقد أطاع الله} فوض إليه فلا يأمر إلا بخير.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد. أنه سئل عن قوله: {فما أرسلناك عليهم حفيظاً} قال: هذا أول ما بعثه قال: إن عليك إلا البلاغ، ثم جاء بعد هذا يأمره بجهادهم والغلظة عليهم حتى يسلموا.

.تفسير الآية رقم (81):

{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {ويقولون طاعة...} الآية. قال: هم أناس كانوا يقولون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمنا بالله ورسوله ليأمنوا على دمائهم وأموالهم {فإذا برزوا} من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم {بيت طائفة منهم} يقول: خالفوهم إلى غير ما قالوا عنك، فعابهم الله فقال: {بيت طائفة منهم غير الذي تقول} قال: يغيرون ما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ويقولون طاعة} قال: هؤلاء المنافقون الذين يقولون، إذا حضروا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بأمر قالوا: طاعة فإذا خرجوا غيرت طائفة منهم ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم {والله يكتب ما يبيتون} يقول: ما يقولون.
وأخرج ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله: {بيت طائفة منهم غير الذي تقول} قال: غير أولئك ما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس {بيت طائفة منهم غير الذي تقول} يغيرون ما قال النبي صلى الله عليه وسلم {والله يكتب ما يبيتون} يغيرون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك {بيت طائفة منهم} قال: هم أهل النفاق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {بيت طائفة منهم غير الذي تقول} قال: يغيرون ما عهدوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه {والله يكتب ما يبيتون} قال: يغيرون ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (82):

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك {أفلا يتدبرون القرآن} قال: يتدبرون النظر فيه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} يقول: إن قول الله لا يختلف، وهو حق ليس فيه باطل، وإن قول الناس يختلف.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: سمعت ابن المنكدر يقول وقرأ {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} فقال: إنما يأتي الاختلاف من قلوب العباد، فأما من جاء من عند الله فليس فيه اختلاف.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: إن القرآن لا يكذب بعضه بعضاً، ولا ينقض بعضه بعضاً، ما جهل الناس من أمره فإنما هو من تقصير عقولهم وجهالتهم، وقرأ {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} قال: فحق على المؤمن أن يقول: كل من عند الله، يؤمن بالمتشابه ولا يضرب بعضه ببعض إذا جهل أمراً ولم يعرفه، أن يقول: الذي قال الله حق، ويعرف أن الله لم يقل قولاً وينقص، ينبغي أن يؤمن بحقيقة ما جاء من عند الله.