فصل: تفسير الآيات (97- 99):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (97- 99):

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}
أخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس. أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي السهم يرمي به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل. فأنزل الله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة اسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر، فأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت هذه الآية {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى آخر الآية. قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية وأنه لا عذر لهم فخرجوا، فلحقهم المشركون فاعطوهم الفتنة، فأنزلت فيهم هذه الآية {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله} [ العنكبوت: 10] إلى آخر الآية. فكتب المسلمون إليهم بذلك، فحزنوا وأيسوا من كل خير، فنزلت فيهم {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} [ النحل: 110] فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجاً فاخرجوا، فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن جرير عن عكرمة في قوله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} إلى قوله: {وساءت مصيراً} قال: نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وأبي العاص بن منية بن الحجاج، وعلي بن أمية بن خلف. قال: لما خرج المشركون من قريش وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وعير قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة، خرجوا معهم بشبان كارهين، كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدر على غير موعد، فقتلوا ببدر كفاراً ورجعوا عن الإسلام، وهم هؤلاء الذين سميناهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق في قوله: {إن الذين توفاهم الملائكة} قال: هم خمسة فتية من قريش: علي بن أمية، وأبو قيس بن الفاكه، وزمعة بن الأسود، وأبو العاصي بن منية بن الحجاج. قال: ونسيت الخامس.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: هم قوم تخلفوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتركوا أن يخرجوا معه، فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ضربت الملائكة وجهه ودبره.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كان قوم بمكة قد أسلموا، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا، فأنزل الله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله: {إلا المستضعفين}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: هم أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فلم يخرجوا معه إلى المدينة، وخرجوا مع مشركي قريش إلى بدر، فأصيبوا يوم بدر فيمن أصيب. فأنزل الله فيهم هذه الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما أسر العباس، وعقيل، ونوفل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افد نفسك وابن أخيك. قال: يا رسول الله ألم نصل قبلتك ونشهد شهادتك؟ قال: يا عباس إنكم خاصمتم فخصمتم ثم تلا عليه هذه الآية {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً} فيوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر {إلا المستضعفين} الذين {لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً} حيلة في المال، والسبيل الطريق. قال ابن عباس: كنت أنا منهم من الولدان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: حدثت أن هذه الآية أنزلت في أناس تكلموا بالإسلام من أهل مكة، فخرجوا مع عدو الله أبي جهل، فقتلوا يوم بدر فاعتذروا بغير عذر، فأبى الله أن يقبل منهم، وقوله: {إلا المستضعفين} قال: أناس من أهل مكة عذرهم الله فاستثناهم. قال: وكان ابن عباس يقول: كنت أنا وأمي من الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية: نزلت هذه الآية فيمن قتل يوم بدر من الضعفاء، في كفار قريش.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وظهروا ونبع الإيمان نبع النفاق معه فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال فقالوا: يا رسول الله لولا أنا نخاف هؤلاء القوم يعذبونا، ويفعلون ويفعلون لأسلمنا، ولكنا نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فكانوا يقولون ذلك له، فلما كان يوم بدر قام المشركون فقالوا: لا يتخلف عنا أحد إلا هدمنا داره، واستبحنا ماله. فخرج أولئك الذين كانوا يقولون ذلك القول للنبي صلى الله عليه وسلم معهم، فقتلت طائفة منهم وأسرت طائفة، قال: فأما الذين قتلوا فهم الذين قال الله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية كلها {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} وتتركوا هؤلاء الذين يستضعفونكم {أولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً} ثم عذر الله أهل الصدق فقال: {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً} يتوجهون له لو خرجوا لهلكوا {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم} اقامتهم بين ظهري المشركين.
وقال الذين أسروا: يا رسول الله انك تعلم انا كنا نأتيك فنشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأن هؤلاء القوم خرجنا معهم خوفاً؟ فقال الله: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم} [ الأنفال: 70] صنيعكم الذي صنعتم خروجكم مع المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم. {وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل} [ الأنفال: 71] خرجوا مع المشركين فأمكن منهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين. أنا من الولدان، وأمي من النساء.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري وابن جرير والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه تلا {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانو يدعو في دبر كل صلاة: «اللهم خلص الوليد وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين من أيدي المشركين، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً».
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: «بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال: سمع الله لمن حمده. ثم قال قبل أن يسجد: اللهم نج عياش بن أبي ربيعة، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {إلا المستضعفين} يعني الشيخ الكبير، والعجوز، والجواري الصغار، والغلمان.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن يحيى قال: «مكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعين صباحاً يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع، وكان يقول في قنوته: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، والعاصي بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين بمكة الذين {لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً}».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: {الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله: {وساءت مصيراً} قال: كانوا قوماً من المسلمين بمكة، فخرجوا مع قومهم من المشركين في قتال، فقتلوا معهم، فنزلت هذه الآية {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} فعذر الله أهل العذر منهم، وهلك من لا عذر له قال ابن عباس: وكنت أنا وأمي ممن كان له عذر.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {لا يستطيعون حيلة} قوة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {لا يستطيعون حيلة} قال: نهوضاً إلى المدينة {ولا يهتدون سبيلاً} طريقاً إلى المدينة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد {ولا يهتدون سبيلاً} طريقاً إلى المدينة. والله تعالى أعلم.

.تفسير الآية رقم (100):

{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)}
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {مراغماً كثيراً وسعة} قال: المراغم التحول من أرض إلى أرض. والسعة الرزق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {مراغماً} قال: متزحزحاً عما يكره.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {مراغماً} قال: منفسحاً بلغة هذيل. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
واترك أرض جهرة إن عندي ** رجاء في المراغم والتعادي

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: المراغم المهاجر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي، مراغماً قال: مبتغى للمعيشة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر مراغماً قال منفسحاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة {يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة} قال: متحولاً من الضلالة إلى الهدى، ومن العيلة إلى الغنى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: {وسعة} قال: ورخاء.
وأخرج عن ابن القاسم قال: سئل مالك عن قول الله: {وسعة}؟! قال: سعة البلاء.
وأخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني بسند رجاله ثقات عن ابن عباس قال: خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجراً فقال لأهله: احملوني فاخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل الوحي {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله} الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال: كان بمكة رجل يقال له ضمرة من بني بكر، وكان مريضاً فقال لأهله: أخرجوني من مكة فإني أجد الحر. فقالوا أين نخرجك؟ فأشار بيده نحو طريق المدينة، فخرجوا به فمات على ميلين من مكة، فنزلت هذه الآية {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت}.
وأخرج أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين عن عامر الشعبي قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى {ومن يخرج من بيته مهاجراً...} الآية. قال: نزلت في أكثم بن صيفي قلت: فأين الليثي؟ قال: هذا قبل الليثي بزمان، وهي خاصة عامة.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في سننه عن سعيد بن جبير. أن رجلاً من خزاعة كان بمكة فمرض، وهو ضمرة بن العيص، أو العيص بن ضمرة بن زنباع، فلما أمروا بالهجرة كان مريضاً، فأمر أهله أن يفرشوا له على سريره، ففرشوا له وحملوه وانطلقوا به متوجهاً إلى المدينة، فلما كان بالتنعيم مات، فنزل {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله}.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة بن العيص الزرقي الذي كان مصاب البصر وكان بمكة، فلما نزلت {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة} [ النساء: 98] فقال: إني لغني، وإني لذو حيلة. فتجهز يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فأدركه الموت بالتنعيم، فنزلت هذه الآية {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله}.
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت هذه الآية {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} [ النساء: 95] رخَّص فيها لقوم من المسلمين ممن بمكة من أهل الضرر حتى نزلت فضيلة المجاهدين على القاعدين، ورخص لأهل الضرر حتى نزلت {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [ النساء: 97] إلى قوله: {وساءت مصيراً} [ النساء: 97] قالوا: هذه موجبة حتى نزلت {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً} [ النساء: 98] فقال ضمرة بن العيص أحد بني ليث وكان مصاب البصر: إني لذو حيلة لي مال فاحملوني، فخرج وهو مريض، فأدركه الموت عند التنعيم، فدفن عند مسجد التنعيم، فنزلت فيه هذه الآية {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال لما أنزل الله هؤلاء الآيات ورجل من المؤمنين يقال له ضمره، ولفظ عبد سبرة بمكة، قال: والله إن لي من المال ما يبلغني إلى المدينة وأبعد منها، وإني لأهتدي إلى المدينة، فقال لأهله: أخرجوني- وهو مريض يومئذ- فلما جاوز الحرم قبضه الله فمات، فأنزل الله: {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله...} الآية.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير من وجه آخر عن قتادة قال: لما نزلت {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [ النساء: 97] قال رجل من المسلمين يومئذ وهومريض: والله ما لي من عذر، إني لدليل بالطريق، وإني لموسر فاحملوني، فحملوه فأدركه الموت بالطريق، فنزل فيه {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله}.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: لما أنزل الله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [ النساء: 97] الآيتين. قال رجل من بني ضمرة- وكان مريضاً- أخرجوني إلى الروح، فأخرجوه حتى إذا كان بالحصحاص مات، فنزل فيه {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله...} الآية.
وأخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر قوله: {ومن يخرج من بيته...} الآية. قال: نزلت في رجل من خزاعة.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لما سمع- هذه يعني {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم...} [ النساء: 97] الآية- ضمرة بن جندب الضمري قال لأهله- وكان وجعاً-: أرحلوا راحلتي فإن الأخشبين قد غماني- يعني جبلي مكة- لعلّي أن أخرج فيصيبني روح، فقعد على راحلته ثم توجه نحو المدينة فمات في الطريق، فأنزل الله: {ومن يخرج من بيته مهاجراً} الآية. وأما حين توجه إلى المدينة فإنه قال: اللهم إني مهاجر إليك وإلى رسولك.
وأخرج سنيد وابن جرير عن عكرمة قال: لما نزلت {إن الذين توفاهم الملائكة...} [ النساء: 97] الآية. قال ضمرة بن جندب الجندعي: اللهم أبلغت المعذرة والحجة، ولا معذرة لي ولا حجة. ثم خرج وهو شيخ كبير فمات ببعض الطريق، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مات قبل أن يهاجر، فلا ندري أعلى أم لا؟ فنزلت {ومن يخرج من بيته...} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك قال: لما أنزل الله في الذين قتلوا مع مشركي قريش ببدر {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [ النساء: 97] الآية. سمع بما أنزل الله فيهم رجل من بني ليث كان على دين النبي صلى الله عليه وسلم مقيماً بمكة، وكان ممن عذر الله، كان شيخاً كبيراً، فقال لأهله: ما أنا ببائت الليلة بمكة. فخرجوا به حتى إذا بلغ التنعيم من طريق المدينة أدركه الموت، فنزل فيه {ومن يخرج من بيته} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في الآية قال: نزلت في رجل من بني ليث أحد بني جندع.
وأخرج ابن سعد وابن المنذر عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، أن جندع بن ضمرة الجندعي كان بمكة، فمرض فقال لبنيه: أخرجوني من مكة فقد قتلني غمها. فقالوا إلى أين؟ فأومأ بيده نحو المدينة يريد الهجرة؟ فخرجوا به فلما بلغوا اضاة بني غفار مات، فأنزل الله فيه {ومن يخرج من بيته...} الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: هاجر رجل من بني كنانة يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فمات في الطريق، فسخر به قوم واستهزؤوا به، وقالوا: لا هو بلغ الذي يريد ولا هو أقام في أهله يقومون عليه ويدفن. فنزل القرآن {ومن يخرج من بيته} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: خرج رجل من مكة بعد ما أسلم وهو يريد النبي وأصحابه فأدركه الموت في الطريق فمات، فقالوا: ما أدرك هذا من شيء. فأنزل الله: {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام قال: هاجر خالد بن حزام إلى أرض الحبشة، فنهشته حية في الطريق فمات، فنزلت فيه {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً}.
قال الزبير: وكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة، فما أحزنني شيء حزني لوفاته حين بلغني، لأنه قلَّ أن هاجر أحدٌ من قريش إلا ومعه بعض أهله أو ذي رحمه، ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبد العزى، ولا أرجو غيره.
وأخرج ابن سعد عن المغيرة بن عبد الرحمن الخزاعي عن أبيه قال: خرج خالد بن حزام مهاجراً إلى أرض الحبشة في المرة الثانية، فنهش في الطريق فمات قبل أن يدخل أرض الحبشة، فنزلت فيه {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله...} الآية.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب. أن أهل المدينة يقولون: من خرج فاصلاً وجب سهمه، وتأولوا قوله تعالى {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله} يعني من مات ممن خرج إلى الغزو بعد انفصاله من منزله قبل أن يشهد الوقعة، فله سهمه من المغنم.
وأخرج ابن سعد وأحمد والحاكم وصححه عن عبد الله بن عتيك «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من خرج من بيته مجاهداً في سبيل الله- وأين المجاهدون في سبيل الله- فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله- يعني بحتف أنفه على فراشه، والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم- ومن قتل قعصاً فقد استوجب الجنة».
وأخرج أبو يعلى والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً في سبيل الله كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة».