فصل: تفسير الآية رقم (47):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (47):

{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)}
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} قال: تجرد وجوههم للنار، فإذا رأوا أهل الجنة ذهب ذلك عنهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} فرأوا وجوههم مسودة وأعينهم مرزقة {قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز {وإذا صرفت أبصارهم} قال: إذا صرفت أبصار أهل الجنة {تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}.

.تفسير الآيات (48- 49):

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {ونادى أصحاب الأعراف رجالاً} قال: في النار {يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم} وتكبركم {وما كنتم تستكبرون} قال الله لأهل التكبر {أهولاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة} يعني أصحاب الأعراف {أدخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {يعرفونهم بسيماهم} قال: سواد الوجوه وزرقة العيون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي مجلز في قوله: {ونادى أصحاب الأعراف رجالاً} قال: هذا حين دخل أهل الجنة الجنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ونادى أصحاب الأعراف} قال: مرَّ بهم ناس من الجبارين عرفوهم بسيماهم، فناداهم أصحاب الأعراف {قالوا: ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون، أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة} قال: هم الضعفاء.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: {أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة أدخلوا الجنة} قال: دخلوا الجنة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس في قوله: {ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون} قال: كان رجال في النار قد أقسموا بالله لا ينال أصحاب الأعراف من الله رحمة، فاكذبهم الله فكانوا آخر أهل الجنة دخولاً، فيما سمعناه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (50):

{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس. أنه سئل أي الصدقة أفضل؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة سقي الماء، ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا: أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله».
وأخرج أحمد عن سعد بن عبادة «أن أمَةً ماتت فقال: يا رسول الله أتصدق عليها؟ قال نعم. قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء».
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {ونادى أصحاب الجنة...} الآية. قال: ينادي الرجل أخاه فيقول: يا أخي أغثني فإني قد احترقت فأفض عليّ من الماء. فيقال: أجبه. فيقول {إن الله حرَّمهما على الكافرين}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {افيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله} قال: من الطعام.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: لما مرض أبو طالب قالوا له: لو أرسلت إلى ابن أخيك فيرسل إليك بعنقود من جنة لعلَّه يشفيك، فجاءه الرسول وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: إن الله حرَّمهما على الكافرين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله} قال: يستسقونهم ويستطعمونهم. وفي قوله: {إن الله حرَّمهما على الكافرين} قال: طعام الجنة وشرابها.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد والبيهقي في شعب الإِيمان عن عقيل بن شهر الرياحي قال: شرب عبد الله بن عمر ماء بارداً فبكى فاشتد بكاؤه، فقيل له: ما يبكيك؟! قال: ذكرت آية في كتاب الله {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} [ سبأ: 54] فعرفت أن أهل النار لا يشتهون إلا الماء البارد، وقد قال الله عز وجل {أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله}.
وأخرج البخاري وابن مردويه عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يلقى إبراهيم أباه يوم القيامة وعلى وجهه قترة وغبرة، فيقول: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني فأي خزي أخزى من أبي إلا بعد في النار، فيقول الله: إني حرَّمت الجنة على الكافرين».

.تفسير الآيات (51- 52):

{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا} يقول: نتركهم في النار كما تركوا لقاء يومهم هذا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: نسيهم الله من الخير ولم ينسهم من الشر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فاليوم ننساهم} قال: نؤخِّرهم في النار.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {فاليوم ننساهم} قال: نتركهم من الرحمة {كما نسوا لقاء يومهم هذا} قال: كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي مالك قال: إن في جهنم لآباراً، من ألقيَ فيها نسي، يتردى فيها سبعين عاماً قبل أن يبلغ القرار.

.تفسير الآية رقم (53):

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {هل ينظرون إلا تأويله} قال: عاقبته.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {يوم يأتي تأويله} قال: جزاؤه {يقول الذين نسوه من قبل} أعرضوا عنه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يوم يأتي تأويله} قال: يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {يوم يأتي تأويله} قال: عواقبه مثل وقعة بدر والقيامة وما وعد فيه من موعد.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس في الآية قال: لا يزال يقع من تأويله أمر حتى يتم تأويله يوم القيامة، حتى يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فيتم تأويله يومئذ، ففي ذلك أنزل {يوم يأتي تأويله} حيث أثاب الله أولياءه وأعداءه ثواب أعمالهم. يقول يومئذ {الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {يوم يأتي تأويله} قال: تحقيقه. وقرأ {هذا تأويل رؤياي من قبل} [ يوسف: 100] قال: هذا تحقيقها، وقرأ {وما يعلم تأويله إلا الله} [ آل عمران: 7] قال: ما يعلم تحقيقه إلا الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وضل عنهم ما كانوا يفترون} قال: ما كانوا يكذبون في الدنيا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ما كانوا يفترون} أي يشركون.

.تفسير الآيات (54- 55):

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}
أخرج أبو الشيخ عن سميط قال: دلنا ربنا تبارك وتعالى على نفسه في هذه الآية {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض...} الآية.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء والخطيب في تاريخه عن الحسن بن علي قال: أنا ضامن لمن قرأ هذه العشرين آية أن يعصمه الله من كل سلطان ظالم، ومن كل شيطان مريد، ومن كل سبع ضار، ومن كل لص عاد: آية الكرسي، وثلاث آيات من الأعراف {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض} وعشراً من أول الصافات، وثلاث آيات من الرحمن {يا معشر الجن} [ الرحمن: 33] وخاتمة سورة الحشر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة قال: نزلت هذه الآية {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} [ آل عمران: 7] لقي ركب عظيم لا يرون أنهم من العرب، فقالوا لهم: من أنتم؟ قالوا: من الجنة، خرجنا من المدينة أخرجتنا هذه الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن عبيد بن أبي مرزوق قال: من قرأ عند نومه {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض...} الآية. بسط عليه ملك جناحه حتى يصبح، وعوفي من السرق.
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن قيس صاحب عمر بن عبد العزيز قال: مرض رجل من أهل المدينة فجاءه زمرة من أصحابه يعوذونه، فقرأ رجل منهم {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض...} الآية كلها. وقد أصمت الرجل، فتحرك ثم استوى جالساً، ثم سجد يومه وليلته حتى كان من الغد من الساعة التي سجد فيها قال له أهله: الحمد لله الذي عافاك. قال: بعث إلى نفسي ملك يتوفاها، فلما قرأ صاحبكم الآية التي قرأ، سجد الملك وسجدت بسجوده فهذا حين رفع رأسه، ثم مال فقضى.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {خلق السماوات والأرض في ستة أيام} لكل يوم منها اسم: أبي جاد، هواز، حطى، كلمون، صعفص، قرشات.
وأخرج سمويه في فوائده عن زيد بن أرقم قال: إن الله عزَّ وجلَّ خلق السموات والأرض في ستة أيام، قال: كل يوم مقداره ألف سنة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد قال: بدء الخلق العرش والماء والهواء، وخلقت الأرض من الماء، وكان بدء الخلق يوم الأحد ويوم الإِثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وجميع الخلق في يوم الجمعة، وتهودت اليهود يوم السبت، ويوم من الستة أيام كألف سنة مما تعدون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: إن الله بدأ خلق السموات والأرض وما بينهما يوم الأحد، ثم استوى على العرش يوم الجمعة في ثلاث ساعات، فخلق في ساعة منها الشموس كي يرغب الناس إلى ربهم في الدعاء والمسألة، وخلق في ساعة النتن الذي يقع على ابن آدم إذا مات لكي يقبر.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن حيان الأعرج قال: كتب يزيد بن أبي سلم إلى جابر بن زيد يسأله عن بدء الخلق؟ قال: العرش والماء والقلم، والله أعلم أي ذلك بدأ قبل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، وجعل كل يوم ألف سنة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: «يا أبا هريرة إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش فخلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد، والشجر يوم الاثنين، وآدم يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء، والدواب يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة، في اخر ساعة من النهار».
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ثم استوى على العرش} قال: يوم السابع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار قال: إن الله حين خلق الخلق استوى على العرش فسبَّحه العرش.
وأخرج ابن مردويه واللالكائي في السنة عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها في قوله: {ثم استوى على العرش} قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والاقرار به ايمان، والجحود به كفر.
وأخرج اللالكائي عن ابن عيينة قال: سئل ربيعة عن قوله: {استوى على العرش} كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق.
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عبد الله بن صالح بن مسلم قال: سئل ربيعة... فذكره.
وأخرج اللالكائي عن جعفر بن عبد الله قال: جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال له: يا أبا عبد الله استوى على العرش كيف استوى؟ قال: فما رأيت مالكاً وجد من شيء كموجدته من مقالته وعلاه الرُّحَضاء يعني العرق وأطرق القوم قام: فسرى عن مالك فقال: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والايمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني أخاف أن تكون ضالاً وأمر به فأخرج.
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك بن أنس، فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرحمن على العرش استوى} كيف استواؤه؟ فاطرق مالك وأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه فقال: {الرحمن على العرش استوى} كما وصف نفسه، ولا يقال له كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه.
قال: فأخرج الرجل.
وأخرج البيهقي عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت سفيان بن عيينه يقول: كلما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه.
وأخرج البيهقي عن إسحاق بن موسى قال: سمعت ابن عيينه يقول: ما وصف الله به نفسه فتفسيره قراءته، ليس إلا لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسله صلوات الله عليهم.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عيسى قال: لما استوى على العرش خر ملك ساجداً، فهو ساجد إلى أن تقوم الساعة، فإذا كان يوم القيامة رفع رأسه فقال: سبحانك ما عبدتك حق عبادتك إلا اني لم أشرك بك شيئاً، ولم اتخذ من دونك ولياً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {يغشي الليل النهار} قال: يغشي الليل النهار فيذهب بضوئه، ويطلبه سريعاً حتى يدركه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {حثيثاً} قال: سريعاً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {يغشى الليل النهار} قال: يلبس الليل النهار.
أما قوله: {والشمس والقمر والنجوم}.
أخرج الطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشمس والقمر والنجوم خلقن من نور العرش».
أخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينه في قوله: {ألا له الخلق والأمر} قال: الخلق: ما دون العرش، والأمر: ما فوق ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن سفيان بن عيينه قال: الخلق: هو الخلق، والأمر، هو الكلام.
وأخرج ابن جرير عن عبد العزيز الشامي عن أبيه وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط ما عمل: ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئاً فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية} قال: السر. {إنه لا يحب المعتدين} في الدعاء ولا في غيره.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: التضرع: علانية، والخفية: سر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ادعوا ربكم تضرعاً} يعني مستكيناً {وخفية} يعني في خفض وسكون في حاجاتكم من أمر الدنيا والآخرة {إنه لا يحب المعتدين} يقول: لا تدعوا على المؤمن والمؤمنه بالشر: اللهمَّ اخزه والعنه ونحو ذلك، فإن ذلك عدوان.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي مجلز في قوله: {إنه لا يحب المعتدين} قال: لا تسألوا منازل الأنبياء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم: كان يرى أن الجهر بالدعاء الاعتداء.
وأخرج عبد بن حميد وأبو والشيخ عن قتادة {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض} إلى قوله: {تبارك الله رب العالمين} قال: لما أنبأكم الله بقدرته وعظمته وجلاله، بيَّن لكم كيف تدعونه على تفئه ذلك فقال: {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين} قال: تعلموا إن في بعض الدعاء اعتداء فاجتنبوا العدوان والاعتداء إن استطعتم ولا قوة إلا بالله. قال: وذكر لنا أن مجالد بن مسعود أخا بني سليم سمع قوماً يعجون في دعائهم، فمشى إليهم فقال: أيها القوم لقد أصبتم فضلاً على من كان قبلكم أو لقد هلكتم، فجعلوا يتسللون رجلاً رجلاً حتى تركوا بقعتهم التي كانوا فيها قال: وذكر لنا أن ابن عمر أتى على قوم يرفعون أيديهم فقال: ما يتناول هؤلاء القوم؟ فوالله لو كانوا على أطول جبل في الأرض ما ازدادوا من الله قرباً. قال قتادة: وإن الله إنما يتقرب إليه بطاعته، فما كان من دعائكم الله فليكن في سكينة، ووقار، وحسن سمت، وزي وهدي، وحسن دعة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن مغفل. أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها. فقال: أي بني سل الله الجنة وتعوّذ به من النار، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور».
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعد بن أبي وقَّاص. أنه سمع ابناً له يدعو ويقول: اللهمَّ إني أسألك الجنة ونعيمها واستبرقها ونحو هذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، فقال: لقد سألت الله خيراً وتعوّذت به من شر كثير، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء» وقرأ هذه الآية {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين} وأن بحسبك أن تقول: اللهم إني أسلك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في الآية قال: إياك أن تسأل ربك أمراً قد نهيت عنه أو ما ينبغي لك.
وأخرج ابن المبارك وابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن قال: لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية} وذلك أن الله ذكر عبداً صالحاً فرضي له قوله، فقال: {إذ نادى ربه نداء خفياً} [ مريم: 2].
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في الآية قال: إن من الدعاء اعتداء، يكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء، ويؤمر بالتضرع والاستكانة.