فصل: تفسير الآية رقم (143):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (143):

{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {قال رب أرني} يقول: أعطني أنظر إليك.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة {قال رب أرني أنظر إليك} قال: لما سمع الكلام طمع في الرؤية.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: حين قال موسى لربه تبارك وتعالى {رب أرني أنظر إليك} قال الله له: يا موسى إنك لن تراني. قال: يقول ليس تراني. قال: لا يكون ذلك أبداً يا موسى إنه لا يراني أحد فيحيا. فقال موسى: رب أن أراك ثم أموت أحبُ إليَّ من أن لا أراك ثم أحيا. فقال الله لموسى: يا موسى أنظر إلى الجبل العظيم الطويل الشديد {فإن استقر مكانه} يقول: فإن ثبت مكانه لم يتضعضع ولم ينهد لبعض ما يرى عظمى {فسوف تراني} أنت لضعفك وذلتك، وإن الجبل تضعضع وأنهد بقوّته وشدته وعظمه فأنت أضعف وأذل.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {رب أرني أنظر إليك} قال: «قال الله عز وجل: يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده، ولا رطب إلا تفرق، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم».
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإنه أكبر منك وأشد خلقاً. قال: {فلما تجلى ربه للجبل} فنظر إلى الجبل لا يتمالك وأقبل الجبل يندك على أوّله، فلما رأى موسى ما يصنع الجبل خرَّ موسى صعقاً.
وأخرج أبو مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أوحى الله إلى موسى بن عمران: إني مكلمك على جبل طور سيناء، صار من مقام موسى إلى جبل طور سيناء أربعة فراسخ في أربعة فراسخ، رعد وبرق وصواعق فكانت ليلة قر، فجاء موسى حتى وقف بين يدي صخرة جبل صور سيناء، فإذا هو بشجرة خضراء، الماء يقطر منها وتكاد النار تلفح من جوفها، فوقف متعجباً فنودي من جوف الشجرة: يا ميشا. فوقف موسى مستمعاً للصوت...؟! فقال موسى: من هذا الصوت العبراني يكلمني؟! فقال الله له: يا موسى إني لست بعبراني، إني أنا الله رب العالمين. فكلم الله موسى في ذلك المقام بسبعين لغة، ليس منها لغة إلا وهي مخالفة للغة الأخرى، وكتب له التوراة في ذلك المقام، فقال موسى: إلهي أرني أنظر إليك. قال: يا موسى إنه لا يراني أحد إلا مات. فقال موسى: إلهي أرني إليك وأموت فأجاب موسى جبل طور سيناء: يا موسى بن عمران لقد سألت أمراً عظيماً، لقد ارتعدت السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن، وزالت الجبال واضطربت البحار لعظم ما سألت يا ابن عمران. فقال موسى وأعاد الكلام: رب أرني أنظر إليك. فقال: يا موسى أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فإنك تراني {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخرّ موسى صعقاً} مقدار جمعة، فلما أفاق موسى مسح التراب عن وجهه وهو يقول {سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} فكان موسى بعد مقامه لا يراه أحد إلا مات، واتخذ موسى على وجهه البرقع فجعل يكلم الناس بقفاه، فبينا موسى ذات يوم في الصحراء فإذا هو بثلاثة نفر يحفرون قبراً حتى انتهوا إلى الضريح، فجاء موسى حتى أشرف عليهم فقال لهم: لمن تحفرون هذا القبر؟ قالوا له: الرجل كأنه أنت أو مثلك أو في طولك أو نحوك. فلو نزلت فقدرنا عليك هذا الضريح. فنزل موسى فتمدد في الضريح، فأمر الله الأرض فانطبقت عليه».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك. أن النبي صلى الله عليه وسلم «قرأ هذه الآية {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قال هكذا، وأشار بأصبعيه ووضع طرف إبهامه على أنملة الخنصر. وفي لفظ: على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبل {وخرّ موسى صعقاً} وفي لفظ: فساخ الجبل في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة».
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه من طريق ثابت عن أنس «عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {فلما تجلى ربه للجبل} قال أظهر مقدار هذا، ووضع الإِبهام على خنصر الأصبع الصغرى، فقال حميد: يا أبا محمد ما تريد إلى هذا؟ فضرب في صدره وقال: من أنت يا حميد، وما أنت يا حميد؟! يحدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول أنت؟ ما تريد إلى هذا؟».
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: الجبل الذي أمر الله ينظر إليه: الطور.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس {فلما تجلى ربه للجبل} قال: ما تجلى إلا قدر الخنصر {جعله دكاً} قال: تراباً {وخرّ موسى صعقاً} قال: مغشياً عليه.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما تجلى الله لموسى كان يبصر دبيب النملة على الصفا في الليلة الظلماء من مسيرة عشرة فراسخ».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس بن مالك. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بالمدينة، أحد، وورقان، ورضوى. وبمكة حراء، وثبير، وثور».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما تجلى الله لموسى تطايرت سبعة جبال. ففي الحجاز منها خمسة وفي اليمن إثنان، وفي الحجاز أحد، وثبير وحراء، وثور، وورقان، وفي اليمن حصور، وصير».
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب في قوله: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قال: اسمع موسى قال له: إني أنا الله قال: وذاك عشية عرفة، وكان الجبل بالموقف فانقطع على سبع قطع: قطعة سقطت بين يديه وهو الذي يقوم الإِمام عنده في الموقف يوم عرفة، وبالمدينة ثلاثة طيبة، وأحد، ورضوى، وطور سيناء بالشام. وإنما سمي الطور: لأنه طار في الهواء إلى الشام.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قال «أخرج خنصره».
وأخرج ابن مردويه عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاء} مثقلة ممدودة».
وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {دكاً} منوّنة ولم يمده».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلما تجلى ربه للجبل طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعن بالمدينة: أحد، وورقان، ورضوى، ووقع بمكة ثور، وثبير، وحراء».
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس. أن موسى لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه، فسأله فقال: {لن تراني ولكن انظر إلى الجبل} قال: فحف حول الجبل بالملائكة، وحف حول الملائكة بنار، وحف حول النار بملائكة، وحف حولهم بنار، ثم تجلى ربك للجبل تجلى منه مثل الخنصر، فجعل الجبل دكاً وخر موسى صعقاً، فلم يزل صعقاً ما شاء الله، ثم إنه أفاق فقال: {سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} يعني أوّل المؤمنين من بني إسرائيل.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فلما تجلى ربه للجبل} قال: كشف بعض الحجب.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة أنه كان يقرأ هذا الحرف {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قال: كان حجراً أصم، فلما تجلى له صار تلاً تراباً دكاً من الدكوات.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن سفيان في قوله: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قال: ساخ الجبل إلى الأرض حتى وقع البحر فهو يذهب بعد.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي معشر قال: مكث موسى أربعين ليلة لا ينظر إليه أحد إلا مات من نور رب العالمين، ومصداق ذلك في كتاب الله {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قال: تراباً.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عروة بن رويم قال: كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى على الطور صماً ملساً ليس فيها كهوف ولا شقوق، فلما تجلى الله لموسى على الطور صار الطور دكاً، وتفطرت الجبال فصارت فيها هذه الكهوف والشقوق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله: {دكاً} قال: الأرض المستوية.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {جعله دكاً} قال: دك بعضه بعضاً.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {وخر موسى صعقاً} قال: غشي عليه إلا أن روحه في جسده {فلما أفاق قال} لعظم ما رأى {سبحانك} تنزيهاً لله من أن يراه {تبت إليك} رجعت عن الأمر الذي كنت عليه {وأنا أول المؤمنين} يقول: أول المصدقين الآن لا يراك أحد.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس {وأنا أوّل المؤمنين} يقول: أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وخر موسى صعقاً} أي ميتاً {فلما أفاق} قال: ردَّ الله عليه روحه ونفسه {قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المومنين} أنه لن تراك نفس فتحيا وإليها يفزع كل عالم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {تبت إليك} قال: من سؤالي إياك الرؤية {وأنا أول المؤمنين} قال: أول قومي إيماناً.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي العالية في قوله: {وأنا أوّل المؤمنين} قال: قد كان إذن قبله مؤمنون ولكن يقول: أنا أول من آمن بأنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن مردويه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوِزيَ بصعقة الطور».

.تفسير الآيات (144- 145):

{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)}
أخرج أبو الشيخ عن ابن شودب قال: أوحى الله إلى موسى أتدري لم اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي؟ قال: لا يا رب. قال إنه لم يتواضع لي تواضعك أحد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: قال موسى: يا رب دلني على عمل إذا عملته كان شكراً لك فيما اصطنعت إلى قال: يا موسى قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. قال: فكان موسى أراد من العمل ما هو أنهك لجسمه مما أمر به، فقال له: يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن.
قوله تعالى {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء}.
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كتبت التوراة بأقلام من ذهب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: كتب الله الألواح لموسى وهو يسمع صريف الأقلام في الألواح.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة، كان طول اللوح إثني عشر ذراعاً».
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال: أخبرت أن الألواح من زبرجد ومن زمرد الجنة، أمر الرب تعالى جبريل فجاء بها من عدن، وكتبها بيده بالقلم الذي كتب به الذكر، واستمد الرب من نهر النور وكتب به الألواح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانوا يقولون: كانت الألواح من ياقوتة، وانا أقول: إنما كانت من زبرجد وكتابها الذهب، كتبها الله بيده فسمع أهل السموات صريف القلم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية قال: كانت ألواح موسى من برد.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: كانت الألواح من زمرد أخضر، أمر الرب تعالى جبريل فجاء بها من عدن، فكتب الرب بيده بالقلم الذي كتب به الذكر، واستمد الرب من نهر النور وكتب به الألواح.
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء قال: كتب الله التوراة لموسى بيده وهو مسند ظهره إلى الصخرة يسمع صريف القلم، في ألواح من زمرد ليس بينه وبينه إلا الحجاب.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: إن الله لم يمس شيئاً إلا ثلاثة: خلق آدم بيده، وغرس الجنة بيده، وكتب التوراة بيده.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن حكيم بن جابر قال: أخبرت أن الله تبارك وتعالى لم يمس من خلقه بيده شيئاً إلا ثلاثة: غرس الجنة بيده وجعل ترابها الورس والزعفران وجبالها المسك، وخلق آدم بيده، وكتب التوراة لموسى بيده.
وأخرج عبد بن حميد عن وردان بن خالد قال خلق الله آدم بيده، وخلق جبريل بيده، وخلق القلم بيده، وخلق عرشه بيده، وكتب الكتاب الذي عنده لا يطلع عليه غيره بيده، وكتب التوراة بيده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أعطيَ موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد، فيها تبيان لكل شيء وموعظة، فلما جاء بها فرأى بن إسرائيل عكوفاً على عبادة العجل، رمى بالتوراة من يده فتحطمت، فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع.
وأخرج عبد بن حميد عن مغيث الشامي قال: بلغني أن الله تعالى لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء: الجنة غرسها بيده، وآدم خلقه بيده، والتوراة كتبها بيده.
وأخرج الطبراني في السنة عن ابن عمر قال: خلق الله آدم بيده، وخلق جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده، ثم قال لسائر الأشياء: كن فكان.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي {وكتبنا له في الألواح من كل شيء} أمروا به ونهوا عنه.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء} قال: مما أمروا به ونهوا عنه.
وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه وضعفه الذهبي عن ابن عباس قال: إن الله يقول في كتابه لموسى {إني اصطفيتك على الناس} [ الأعراف: 144]. {وكتبنا له في الألواح من كل شيء} قال: فكان يرى أن جميع الأشياء قد أثبتت له كما ترون أنتم علماءكم، فلما انتهى إلى ساحل البحر لقي العالم فاستنطقه، فأقر له بفضل علمه ولم يحسده الحديث.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس. أن موسى لما كربه الموت قال: هذا من أجل آدم قد كان الله جعلنا في دار مثوى لا نموت فخطا آدم انزلنا هنا. فقال الله لموسى: ابعث إليك آدم فتخاصمه؟ قال: نعم. فلما بعث الله آدم سأله موسى فقال: لولا أنت لم نكن ههنا. فقال له آدم: قد أتاك الله من كل شيء موعظة وتفصيلاً أفلست تعلم أنه {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [ الحديد: 22] قال: موسى بلى فخصمه آدم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الله عز وجل كتب في الألواح ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر أمته وما ذخر لهم عنده، وما يسر عليهم في دينهم وما وسع عليهم فيما أحل لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران قال: فيما كتب الله لموسى في الألواح: يا موسى لا تحلف بي كاذباً فإني لا أزكي عمل من حلف بي كاذباً.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في قوله: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء} قال: كتب له اعبدني ولا تشرك بي شيئاً من أهل السماء ولا من أهل الأرض فإن كل ذلك خلقي، فإذا أشرك بي غضبت، وإذا غضبت لعنت، وإن لعنتي تدرك الرابع من الولد، وإني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت والبركة مني تدرك الأمة بعد الأمة، ولا تحلف باسمي كاذباً فإني لا أزكي من حلف باسمي كاذباً، ووقر والديك فإنه من وقر والديه مددت له عمره ووهبت له ولداً يبره، ومن عق والديه قصرت له في عمره ووهب له ولداً يعقه، واحفظ السبت فإنه آخر يوم فرغت فيه من خلقي، ولا تزن، ولا تسرق، ولا تولّ وجهك عن عدوي، ولا تزن بامرأة جارك الذي يأمنك، ولا تغلب جارك على ماله، ولا تخلفه على امرأته.
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي حرزة القاص، ان العشر الآيات التي كتب الله تعالى لموسى في الألواح: أن اعبدني ولا تشرك بي شيئاً، ولا تحلف باسمي كاذباً فإني لا أزكي ولا أطهر من حلف باسمي كاذباً، واشكر لي ولوالديك أنسألك في أجلك وأقيك المتالف، ولا تسرق ولا تزن فأحجب عنك نور وجهي، وتغلق عن دعائك أبواب سماواتي، ولا تغدر بحليل جارك، واحب للناس ما تحب لنفسك، ولا تشهد بما لم يعِ سمعك ويفقه قلبك، فإني واقف أهل الشهادات على شهادتهم يوم القيامة ثم سائلهم عنها، ولا تذبح لغيري لا يَصعد إلى من قربان أهل الأرض إلا ما ذكر عليه اسمي.
وأخرج البيهقي عن عطاء قال: بلغني أن فيما أنزل الله على موسى عليه السلام: لا تجالسوا أهل الاهواء فيحدثوا في قلبك ما لم يكن.
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية وابن لال في مكارم الأخلاق عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كان فيما أعطى الله موسى في الألواح الأول في أول ما كتب عشرة أبواب: يا موسى لا تشرك بي شيئاً فقد حق القول مني لتلفحن وجوه المشركين النار، واشكر لي ولوالديك أقك المتالف وانسأ في عمرك وأحييك حياة طيبة وأقلبك إلى خير منها، ولا تقتل النفس التي حرمت إلا بالحق فتضيق عليك الأرض برحبها والسماء باقطارها وتبوء بسخطي والنار، ولا تحلف باسمي كذباً ولا آثماً فإني لا أطهر ولا أركي من لم ينزهني ويعظم أسمائي، ولا تحسد الناس على ما أعطيتهم من فضيلي، ولا تنفس عليهم نعمتي ورزقي فإن الحاسد عدو نعمتي راد لقضائي ساخط لقسمتي التي أقسم بين عبادي، ومن لم يكن كذلك فلست منه وليس مني، ولا تشهد بما لم يع سمعك ويحفظ عقلك وتعقد عليه قلبك، فإني واقف أهل الشهادات على شهادتهم يوم القيامة ثم سائلهم عنها سؤلاً حثيثاً، ولا تزن، ولا تسرق، ولا تزن بحليلة جارك فأحجب عنك وجهي، وتغلق عنك أبواب السماء، وأحبب للناس ما تحب لنفسك، ولا تذبحن لغيري فإني لا أقبل من القربان إلا ما ذكر عليه اسمي وكان لخالصاً لوجهي، وتفرغ لي يوم السبت وفرغ لي نفسك وجميع أهل بيتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل السبت لموسى عيداً، واختار لنا الجمعة فجعلها لنا عيداً».
وأخرج أبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال: مما كتب الله لموسى في الألواح لا تتمن مال أخيك ولا أمراة أخيك.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن وهب بن منبه قال: مكتوب في التوراة: شوّقناكم فلم تشتافوا، ونُحْنَا لكم فلم تبكوا، ألا وان لله ملكاً ينادي في السماء كل ليلة: بشر القتَّالين بأن لهم عند الله سيفاً لا ينام وهو نار جهنم، أبناء الأربعين رزع قددنا حصاده، أبناء الخمسين هلموا إلى الحساب لا عذر لكم، أبناء الستين ماذا قدمتم وماذا أخرتم، أبناء السبعين ما تنتظرون ألا ليت الخلق لم يخلقوا فإذا خلقوا علموا لما خلقوا، ألا أتتكم الساعة فخذوا حذركم.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: قال موسى: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون يوم القيامة، الآخرون في الخلق والسابقون في دخول الجنة فاجعلهم أمتي: قال: تلك أمة أحمد. قال: رب أني أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر ويقاتلون فضول الضلالة حتى يقاتلوا الأعور والكذاب فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في قلوبهم يقرأونها قال قتادة: وكان من قبلكم إنما يقرأون كتابهم نظراً، فإذا رفعوها لم يحفظوا منها شيئاً ولم يعوه، وإن الله اعطاكم ايتها الأمة من الحفظ شيئاً لم يعطه أحداً من الأمم قبلكم، فالله خصكم بها وكرامة أكرمكم بها قال: فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها قال قتادة: وكان من قبلكم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها ناراً فأكلتها وإن ردت تركت فأكلتها السباع والطير، وإن الله أخذ صدقاتكم من غنيكم لفقيركم رحمة رحمكم بها وتخفيفاً خفف به عنكم فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب أني أجد في الألواح أمة إذا همَّ أحدم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فاجعلهم أمتي. قالت تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة إذا همَّ أحدهم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها فإن عملها كتبت سيئة واحدة فاجعلهم أمتي. قال تلك أمة أحمد. قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم فاجعلهم أمتي. قال تلك أمة أحمد. قال قتادة: فذكر لنا أن نبي الله موسى نبذ الألواح وقال: اللهم إذاً فاجعلني من أمة أحمد. قال فاعطى اثنتين لم يعطهما {قال: يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} [ الأعراف: 144] قال: فرضي نبي الله، ثم أعطى الثانية {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} [ الأعراف: 159] قال: فرضي نبي الله موسى كل الرضا.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال موسى: يا رب أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي. قال تلك أمة أحمد. قال: رب أجد في الألواح أمة إذا همَّ بالحسنة كتبت له حسنة وإذا عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بالسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه وإذا عملها كتبت سيئة واحدة فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب أجد في الألواح أمة هم المشفعون والمشفع لهم فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال رب أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم يوم القيامة فاجعلهم أمتي. قالت تلك أمة أحمد. قال: رب أجد في الألواح أمة ينصرون على من ناوأهم حتى يقاتلوا الأعور الدجال فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: فانتبذ الألواح من يده وقال: رب فاجعلني من أمة أحمد. فأنزل الله: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} [ الأعراف: 159] فرضي نبي الله موسى عليه السلام.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: فيما ناجى موسى ربه فيما وهب الله لمحمد وأمته حيث قرأ التوراة وأصاب فيها نعت النبي وأمته قال: يا رب من هذا النبي الذي جعلته وأمته أولاً وآخراً؟ قال: هذا محمد النبي الأمي العربي الحرمي التهامي من ولد قاذر بن اسمعيل، جعلته أوّلاً في المحشر، وجعلته آخراً ختمت به الرسل، يا موسى ختمت بشريعته الشرائع، وبكتابه الكتب، وبسنته السنن، وبدينه الأديان.
قال: يا رب إنك اصطفيتني وكلمتني؟ قال: يا موسى إنك صفيّ وهو حبيبي أبعثه يوم القيامة على كوم أجعل حوضه أعرض الحياض وأكثرهم وارداً وأكثرهم تبعاً قال: رب لقد كرمته وشرفته. قال: يا موسى حق لي أن أكرمه وأفضله وأفضل أمته، لأنهم يؤمنون بي وبرسلي كلهم وكلمتي كلها وبغيبي كله ما كان فيهم شاهداً يعني النبي صلى لله عليه وسلم ومن بعد موته إلى يوم القيامة. قال: يا رب هذا نعتهم؟ قال: نعم. قال: يا رب وهبت لهم الجمعة أو لأمتي؟ قال: بل لهم الجمعة دون أمتك. قال: يا رب إني نظرت في التوراة إلى نعت قوم غير محجلين فمن هم، أمن بني إسرائيل هم أمن من غيرهم؟ قال: تلك أمة أحمد الغر المحجلون من آثار الوضوء. قال: يا رب إني وجدت في التوراة قوماً يمرون على الصراط كالبرق والريح فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة قوماً يصلون الصلوات الخمس فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة قوماً يتزرون إلى أنصافهم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت قوماً يراعون الشمس مناديهم في جوّ السماء فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني وجدت في التوراة قوماً الحسنة منهم بعشرة والسيئة بواحدة فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم شاهرين سيوفهم لا ترد لهم حاجة؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة قوماً إذا أرادوا أمراً استخاروك ثم ركبوه فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في التوراة نعت قوم يشفع محسنهم في مسيئهم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يحجون البيت الحرام لا ينأون عنه أبداً لا يقضون منه وطراً ابداً فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم قربانهم دماؤهم فمن هم؟ قال تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يقاتلون في سبيلك صفوفاً زحوفاً يفرغ عليهم الصبر افراغاً فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يذنب أحدهم الذنب فيتوضأ فيغفر له، ويصلي فتجعل الصلاة له نافلة بلا ذنب فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يشهدون لرسلك بما بلغوا فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يجعلون الصدقة في بطونهم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم العنائم لهم حلال وهي محرمة على الأمم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم جعلت الأرض لهم طهوراً ومسجداً فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت نعت قوم الرجل منهم خير من ثلاثين ممن كان قبلهم فمن هم؟ تلك أمة أحمد يا موسى الرجل من الأمم السالفة أعبد من الرجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بثلاثين ضعفاً، وهم خير منه بثلاثين ضعفاً بايمانه بالكتب كلها.
قال: يا رب إني وجدت نعت قوم يأوون إلى ذكرك ويتحابون عليه كما تأوي النسور إلى وكورها فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت إذا غضبوا هللوك وإذا تنازعوا سبحوك فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يغضبون لك كما يغضب النمر الحرب لنفسه فمن هم؟ قال: تلك أحمد. قال يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تفتح أبواب السماء لأعمالهم وأرواحهم وتباشر بهم الملائكة فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تتباشر بهم الأشجار والجبال بممرهم عليها لتسبيحهم لك وتقديسهم لك فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم وهبت لهم الاسترجاع عند المصيبة، ووهب لهم عند المصيبة الصلاة والرحمة والهدى فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تصلي عليهم أنت وملائكتك فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يدخل محسنهم الجنة بغير حساب، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وظالمهم يغفر له فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب فاجعلني منهم. قال: يا موسى أنت منهم وهم منك لأنك على ديني وهم على ديني، ولكن قد فضلتك برسالاتي وبكلامي فكن من الشاكرين.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يبعثون يوم القيامة قد ملأت صفوفهم ما بين المشرق والمغرب صفوفاً يهوّن عليهم الموقف لا يدرك فضلهم أحد من الأمم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تقبضهم على فرشهم وهم شهداء عندك فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم لا يخافون فيك لومة لائم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم أذلة على المؤمنين أعزة على الكفارين فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم صديقهم أفضل الصديقين فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب لقد كرمته وفضلتهُ. قال: يا موسى هو كذلك نبي وصفي وحبيبي وأمته خير أمة.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم محرمة على الأمم الجنة إن يدخلوها حتى يدخلها نبيهم وأمته فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب لبني إسرائيل ما بالهم؟ قال: يا موسى إن قومك من بني إسرائيل يبدلون دينك من بعدك، ويغيرون كتابك الذي أنزلت عليك، وأن أمة محمد لا يغيرون سنته ولا يبطلون الكتاب الذي أنزلت عليه إلى أن تقوم الساعة، فلذلك بلغتهم سنام كرامتي، وفضلتهم على الأمم، وجعلت نبيهم أفضل الأنبياء. أولهم في الحشر، وأوّلهم في انشقاق الأرض، وأولهم شافعاً، وأوّلهم مشفعاً.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم حلماء علماء كادوا أن يبلغوا بفقههم حتى يكونوا أنبياء فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا موسى أعطوا العلم الأول والآخر. قال: يا رب إني وجدت في التوراة قوماً توضع المائدة بين أيديهم فما يرفعونها حتى يغفر لهم فمن هم؟ قال: أولئك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يلبس أحدهم الثوب فما ينفضه حتى يغفر لهم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم إذا استووا على ظهور دوابهم حمدوك فيغفر لهم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد، أوليائي يا موسى الذي انتقم بهم من عبدة النيران والأوثان.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن موسى لما نزلت عليه التوراة وقرأها فوجد فيها ذكر هذه الأمة قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون فاجعلها أمتي. قال تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم فاجعلها أمتي. قال تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونه ظاهراً فاجعلها أمتي. قال تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يأكلون الفيء فاجعلها أمتي. قال تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم يؤجرون عليها فاجعلها أمتي. قال تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة إذاً هم أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشر حسنات فاجعلها أمتي. قال تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يؤتون العلم الأول والعلم الآخر، فيقتلون قرون الضلالة والمسيح الدجال فاجعلها أمتي. قال تلك أمة أحمد. قال: يا رب فاجعلني من أمة أحمد، فاعطي عند ذلك خصلتين {فقال: يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} قال: قد رضيت يا رب».
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عبد الرحمن المغافري أن كعب الأحبار رأى حبر اليهود يبكي فقال له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت بعض الأمور فقال له كعب: أنشدك بالله لئن أخبرتك ما أبكاك لتصدقني؟ قال: نعم. قال: أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة، فقال: رب إني أجد أمة في التوراة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر، ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال، فقال: موسى رب أجعلهم أمتي. قال: هم أمة أحمد؟ قال الحبر: نعم. قال كعب: فأنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة، فقال: رب إني أجد أمة هم الحمادون رعاة الشمس المحكمون، إذا أرادوا أمراً قال افعله إن شاء الله فاجعلهم أمتي. قال: هم أمة أحمد؟ قال الحبر: نعم. قال كعب: فأنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة، فقال: يا رب إني أجد أمة إذا أشرف أحدهم على شرف كبر الله، وإذا هبط وادياً حمد الله، الصعيد لهم طهور، والأرض لهم مسجداً حيثما كانوا يتطهرون من الجنابة، طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء، غر محجلون من آثار الوضوء فاجعلهم أمتي. قال: هم أمة أحمد؟ قال الحبر نعم.
قال كعب: انشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة، فقال: رب إني أجد أمة مرحومة ضعفاء يرثون الكتاب، واصطفيتهم {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} [ فاطر: 32] ولا أجد أحداً منه إلا مرحوماً فاجعلهم أمتي. قال: هم أمة أحمد؟ قال الحبر: نعم. قال كعب: أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة، فقال: رب إني أجد في التوراة أمة مصاحفهم في صدورهم يلبسون الوان ثياب أهل الجنة، يصفّون في صلاتهم كصفوف الملائكة أصواتهم في مساجدهم كدوي النحل، لا يدخل النار منهم أحد إلا من بري من الحسنات مثل ما بري الحجر من ورق الشجر فاجعلهم أمتي. قال هم أمة أحمد؟ قال الحبر: نعم. فلما عجب موسى من الخير الذي أعطاه الله محمداً وأمته قال: يا ليتني من أمة أحمد، فأوحى الله إليه ثلاث آيات يرضيه بهن {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} [ الأعراف: 144] الآية فرضي موسى كل الرضا.
وأخرج أبو نعيم عن سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن عمرو قال لكعب: أخبرني عن صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته؟ قال: أجدهم في كتاب الله: أن أحمد وأمته حمَّادون يحمدون الله على كل خير وشر، يكبرون الله على كل شرف يسبحون الله في كل منزل، نداؤهم في جو السماء، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل على الصخر، يصفون في الصلاة كصفوف الملائكة، وصفَّون في القتال كصفوفهم في الصلاة، وإذا غزوا في سبيل الله كانت الملائكة بين أيديهم ومن خلفهم برماح شداد، إذا حضروا الصفّ في سبيل الله كان الله عليهم مظلاً كما تظل النسور على وكورها، لا يتأخرون زحفاً أبداً حتى يحضرهم جبريل عليه السلام.
وأخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل عن محمد بن يزيد الثقفي قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب الأحبار، حتى إذا بلغا صفين وقف كعب ثم نظر ساعة، ثم قال: ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله؟ فقال قيس: ما يدريك فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به؟! فقال كعب: ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة الذي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن خالد الربعي قال: قرأت في كتاب الله المنزل أن عثمان بن عفان رافع يديه إلى الله يقول: يا رب قتلني عبادك المؤمنون.
وأخرج أحمد في الزهد عن خالد الربعي قال: قرأت في التوراة إتق الله يا ابن آدم، وإذا شبعت فاذكر الجائع.
وأخرج أحمد عن قتادة قال: بلغنا أنه مكتوب في التوراة ابن آدم ارحم ترحم إنه من لا يَرحم لا يُرحم، كيف ترجو أن ارحمك وأنت لا ترحم عبادي؟
وأخرج أحمد وأبو نعيم في الحلية عن مالك بن دينار قال: قرأت في التوراة يا ابن آدم لا تعجز أن تقوم بين يدي في صلاتك باكياً فإني أنا الله الذي اقترتب لقلبك وبالغيب رأيت نوري. قال مالك: يعني الحلاوة والسرور الذي يجد المؤمن.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال: أربعة أحرف في التوراة مكتوب من لم يشاور يندم، ومن استغنى استأثر، والفقر الموت الأحمر وكما تدين تدان.
وأخرج أحمد وأبو نعيم عن خيثمة قال: مكتوب في التوراة ابن آدم تفرغ لعبادتي املأ قلبك غنى وأسدّ فقرك، وإن لا تفعل املأ قلبك شغلاً ولا أسد فقرك.
وأخرج أحمد في الزهد عن بيان قال: بلغني أن في التوراة مكتوب ابن آدم كسيرة تكفيك، وخرقة تواريك، وحجر يأويك.
وأخرج أحمد عن وهيب المكي قال: بلغني أنه مكتوب في التوراة يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت اذكرك إذا غضبت فلا أمحقك مع من أمحق، وإذا ظلمت فارض بنصرتي لك فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك.
وأخرج أحمد عن الحسن بن أبي الحسن قال: انتهت بنو اسرائيل إلى موسى عليه السلام فقالوا: إن التوراة تكبر علينا فأنبئنا بجماع من الأمر فيه تخفيف. فاوحى الله إليه: ما سألك قومك؟ قال: يا رب أنت أعلم. قال: إنما بعثتك لتبلغني عنهم وتبلغهم عني. قال: فإنهم سألوني جماعاً من الأمر فيه تخفيف، ويزعمون أن التوراة تكبر عليهم فقال الله عز وجل: قل لهم لا تظالموا في المواريث، ولا يدخلن عليكم عبد بيتاً حتى يستأذن، وليتوضأ من الطعام ما يتوضأ للصلاة، فاستخفوها يسيراً ثم إنهم لم يقوموا بها. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك «تقبلوا إلي بستٍ أتقبل لكم بالجنة، من حدث فلا يكذب، ومن وعد فلا يخلف، ومن ائتمن فلا يخون، احفظوا أيديكم وأبصاركم وفروجكم».
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال: قرأت في التوراة من يزدد علماً يزدد وجفاً. وقال: مكتوب في التوراة من كان له جار يعمل بالمعاصي فلم ينهه فهو شريكه.
وأخرج أحمد عن قتادة قال: إن التوراة مكتوباً يا ابن آدم تذكرني وتنساني، وتدعو إلي وتفر مني، وأرزقك وتعبد غيري.
وأخرج عبد الله وابنه عن الوليد بن عمر قال: بلغني أنه مكتوب في التوراة ابن آدم حرك يديك افتح لك باباً من الرزق، وأطعني فيما آمرك فما أعلمني بما يصلحك.
وأخرج عبد الله عن عقبة بن زينب قال: في التوراة مكتوب لا تتوكل على ابن آدم فإن ابن آدم لليس ولكن توكل على الحي الذي لا يموت، وفي التوراة مكتوب مات موسى كليم الله فمن ذا الذي لا يموت؟
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال: وجدت فيما أنزل الله على موسى أن من أحب الدنيا أبغضه الله، ومن أبغض الدنيا أحبه الله، ومن أكرم الدنيا أهانه الله، ومن أهان الدنيا أكرمه الله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة قال: مكتوب في التوراة ليكن وجهك بسطاً وكلمتك طيبة تكن أحب إلى الناس من الذين يعطونهم العطاء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة قال: بلغني أنه مكتوب في التوراة كما تَرحمون تُرحمون.
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: والذي فلق البحر لبني إسرائيل في التوراة مكتوب: يا ابن آدم اتق ربك، وابرر والديك، وصل رحمك، أمدَّ لك في عمرك، وأيسر لك يسرك، واصرف عنك عسرك.
وأخرج ابن أبي شيبة عن كردوس الثعلبي قال: مكتوب في التوراة اتق توقه إنما التوقي في التقوى، ارحموا ترحموا توبوا يتاب عليكم.
وأخرج الحكيم في نوادر الأصول عن أبي الجوزاء قال: قرأت في التوراة أن سرَّك أن تحيا وتبلغ علم اليقين فاحتمل في كل حين أن تغلب شهوات الدنيا، فإن من يغلب شهوات الدنيا يفرق الشيطان من ظله.
وأخرج الطبراني في السنة وأبو الشيخ عن كعب قال: لما أراد الله أن يكتب لموسى التوراة قال: يا جبريل ادخل الجنة فائتني بلوحين من شجرة الجنة، فدخل جبريل فاستقبلته شجرة من شجر الجنة من ياقوت الجنة، فقطع منها لوحين فتابعته على ما أمره الرحمن تبارك وتعالى، فأتى بهما الرحمن فأخذهما بيده، فعاد اللوحان نوراً لما مسّهما الرحمن تبارك وتعالى، وتحت العرش نهر يجري من نور لا يدري حملة العرش أين يجيء ولا أين يذهب منذ خلق الله الخلق، فلما استمد منه الرحمن جف فلم يجر، فلما كتب لموسى التوراة بيده ناول اللوحين موسى، فلما أخذهما موسى عاداً حجارة، فلما رجع إلى بني إسرائيل والى هرون وهو مغضب أخذ بلحيته ورأسه يجره إليه فقال له هرون: يا ابن آدم {إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني} [ الأعراف: 155] ومع ذلك إني خفت أن آتيك فتقول: فرقت بين بني إسرائيل ولم تنتظر قولي، فاستغفر موسى ربه تبارك وتعالى، واستغفر لأخيه وقد تكسرت الألواح لما ألقاها من يده.
وأخرج أحمد في الزهد عن كعب الأحبار. أن موسى عليه السلام كان يقول في دعائه: اللهم ليّن قلبي بالتوراة ولا تجعل قلبي قاسياً كالحجر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: سأل موسى جماعاً من العمل؟ فقيل له: انظر ما تريد أن يصاحبك به الناس فصاحب الناس به.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {فخذها بقوّة} قال: بجد وحزم {سأوريكم دار الفاسقين} قال: دار الكفار.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فخذها بقوّة} قال: بجد {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} قال: أمر موسى أن يأخذوها بأشد مما أمر به قومه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فخذها بقوة} قال: إن الله تعالى يحب أن يؤخذ أمره بقوة وجد.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله: {فخذها بقوة} قال: بطاعة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {فخذها بقوة} يعني بجد واجتهاد {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} قال: بأحسن ما يجدون منها.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {سأوريكم دار الفاسقين} قال مصيرهم في الآخرة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {دار الفاسقين} قال: منازلهم في الدنيا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {سأوريكم دار الفاسقين} قال: جهنم.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {سأوريكم دار الفاسقين} قال: رفعت لموسى حتى نظر إليها.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله: {سأوريكم دار الفاسقين} قال: مصر.