فصل: تفسير الآيات (167- 168):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (167- 168):

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وإذ تأذن ربك...} الآية. قال: الذين يسومونهم سوء العذاب محمد وأمته إلى يوم القيامة، وسوء العذاب الجزية.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وإذ تأذن ربك} الآية. قال: هم اليهود، بعث عليهم العرب يجبونهم الخراج فهو سوء العذاب، ولم يكن من نبي جبا الخراج إلا موسى، جباه ثلاث عشرة سنة ثم كفَّ عنه ولا النبي صلى الله عليه وسلم. وفي قوله: {وقطعناهم...} الآية. قال: هم اليهود بسطهم الله في الأرض، فليس في الأرض بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وإذ تأذن ربك} يقول: قال ربك: ليبعثن عليهم قال: على اليهود والنصارى إلى يوم القيامة {من يسومهم سوء العذاب} فبعث الله عليهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم يأخذون منهم الجزية وهم صاغرون {وقطعناهم في الأرض أمماً} قال: يهود {منهم الصالحون} وهم مسلمة أهل الكتاب {ومنهم دون ذلك} قال: اليهود {وبلوناهم بالحسنات} قال: الرخاء والعافية {والسيئات} قال: البلاء والعقوبة.
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قول الله: {وقطعناهم في الأرض أمماً} ما الأمم؟ قال: الفرق، وقال فيه بشر بن أبي حازم:
من قيس غيلان في ذوائبها ** منهم وهم بعد قادة الأمم

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} قال: بالخصب والجدب.

.تفسير الآيات (169- 170):

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)}
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى} قال: أقوام يقبلون على الدنيا فيأكلونها ويتبعون رخص القرآن ويقولون: سيغفر لنا، ولا يعرض لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه، ويقولون: سيغفر لنا.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فخلف من بعدهم خلف} قال: النصارى {يأخذون عرض هذا الأدنى} قال: ما أشرف لهم شيء من الدنيا حلالاً أو حراماً يشتهونه أخذوه ويتمنون المغفرة، وإن يجدوا آخر مثله يأخذونه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فخلف من بعدهم خلف...} الآية. يقول: يأخذون ما أصابوا ويتركون ما شاؤوا من حلال أو حرام، ويقولون سيغفر لنا.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {فخلف من بعدهم خلف} قال: خلف سوء {ورثوا الكتاب} بعد أنبيائهم ورسلهم أورثهم الله الكتاب وعهد إليهم {يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا} قال: آمانيٌّ تمنوها على الله وغرة يغترون بها {وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه} ولا يشغلهم شيء عن شيء ولا ينهاهم شيء عن ذلك، كلما أشرف لهم شيء من الدنيا أخذوه ولا يبالون حلالاً كان أو حراماً.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب، عن سعيد بن جبير في قوله: {يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا} قال: كانوا يعملون بالذنوب، ويقولون: سيغفر لنا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء في قوله: {يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا} قال: يأخذون ما عرض لهم من الدنيا، ويقولون: نستغفر الله ونتوب إليه.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضياً إلا ارتشى في الحكم، فإذا قيل له يقول: سيغفر لي.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الجلد قال: يأتي على الناس زمان تخرب صدورهم من القرآن، وتتهافت وتبلى كما تبلى ثيابهم، لا يجدون لهم حلاوة ولا لذاذة، إن قصروا عما أُمروا به قالوا: إن الله غفور رحيم، وإن عملوا بما نهوا عنه قالوا: سيغفر لنا إنا لا نشرك بالله شيئاً أمرهم كله طمع ليس فيه خوف، لبسوا جلود الضان على قلوب الذئاب أفضلهم في نفسه المدهن.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: المؤمن يعلم أن ما قال الله كما قال الله، والمؤمن أحسن عملاً وأشدَّ الناس خوفاً لو أنفق جبلاً من مال ما أمن دون أن يعاين، لا يزداد صلاحاً وبرّاً وعبادة إلا ازداد فرقاً يقول: ألا أنجو...؟ والمنافق يقول: سواد الناس كثير وسيغفر لي ولا بأس عليَّ، فيسيء العمل ويتمنى على الله.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق} فيما يوجهون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون إليها ولا يتوبون منها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {ودرسوا ما فيه} قال: علموا ما في الكتاب لم يأتوه بجهالة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {والذين يمسكون بالكتاب} قال: هي لأهل الأيمان منهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {والذين يمسكون بالكتاب} قال: من اليهود والنصارى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {والذين يمسكون بالكتاب} قال: الذي جاء به موسى عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (171):

{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة} يقول: رفعناه وهو قوله: {ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم} [ النساء: 154] فقال: {خذوا ما آتيناكم بقوة} وإلا أرسلته عليكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإذ نتقنا الجبل} قال: رفعته الملائكة فوق رؤوسهم فقيل لهم {خذوا ما آتيناكم بقوة} فكانوا إذا نظروا إلى الجبل قالوا: سمعنا وأطعنا، وإذا نظروا إلى الكتاب قالوا: سمعنا وعصينا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: إني لأعلم لم تسجد اليهود على حرف قال الله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم} قال: لتأخذن أمري أو لأرمينكم به، فسجدوا وهم ينظرون إليه مخافة أن يسقط عليهم، فكانت سجدة رضيها الله تعالى فاتخذوها سنة.
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال: أتى ابن عباس يهودي ونصراني فقال لليهودي:
ما دعاكم أن تسجدوا بجباهكم؟ فلم يدر ما يجيبه، فقال: سجدتم بجباهكم لقول الله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة} فخررتم لجباهكم تنظرون إليه، وقال للنصراني: سجدتم إلى الشرق لقول الله: {انتبذت به مكاناً شرقياً} [ مريم: 16].
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: إن هذا الجبل، جبل الطور، هو الذي رفع على بني إسرائيل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وإذ نتقنا الجبل} قال: كما تنتق الزبدة أخرجنا الجبل.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ثابت بن الحجاج قال: جاءتهم التوراة جملة واحدة، فكبر عليهم فأبوا أن يأخذوه حتى ظلَّل الله عليهم الجبل، فأخذوه عند ذلك.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة {وإذ نتقنا الجبل} قال: انتزعه الله من أصله ثم جعله فوق رؤوسهم، ثم قال: لتأخذن أمري أو لأرمينكم به.
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن الكلبي قال: كتب هرقل ملك الروم إلى معاوية يسأله عن الشيء ولا شيء، وعن دين لا يقبل الله غيره، وعن مفتاح الصلاة، وعن غرس الجنة، وعن صلاة كل شيء، وعن أربعة فيهم الروح ولم يركضوا في اصلاب الرجال ولا ارحام النساء، وعن رجل لا أب له، وعن رجل لا قوم له، وعن قبر جرى بصاحبه، وعن قوس قزح، وعن بقعة طلعت عليها الشمس مرة لم تطلع عليها قبلها ولا بعدها، وعن ظاعن ظعن مرة لم يظعن قبلها ولا بعدها، وعن شجرة نبتت بغير ماء، وعن شيء يتنفس لا روح له، وعن اليوم وأمس وغد وبعد غد ما أجزاؤها في الكلام، وعن الرعد والبرق وصوته، وعن المجرة، وعن المحو الذي في القمر؟ فقيل له: لست هناك وإنك متى تخطئ شيئاً في كتابك إليه يغتمزه فيك، فاكتب إلى ابن عباس.
فكتب إليه فأجابه ابن عباس: أما الشيء: فالماء، قال الله: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} واما لا شيء: فالدنيا تبيد وتفنى، وأما الدين الذي لا يقبل الله غيره: فلا إله إلا الله، وأما مفتاح الصلاة: فالله أكبر، وأما غرس الجنة. فلا حول ولا قوة إلا بالله، وأما صلاة كل شيء: فسبحان الله وبحمده، وأما الأربعة التي فيها الروح ولم يرتكضوا في أصلاب الرجال ولا أرحام النساء: فآدم، وحواء، وعصا موسى، والكبش الذي فدى الله به إسحق، واما الرجل الذي لا أب له: فعيسى ابن مريم، وأما الرجل الذي لا قوم له: فآدم، وأما القبر الذي جرى بصاحبه: فالحوت حيث سار بيونس في البحر، وأما قوس قزح: فأمان الله لعباده من الغرق، وأما البقعة التي طلعت عليها الشمس ولم تطلع عليها قبلها ولا بعدها: فالبحر حيث انفلق لبني إسرائيل، وأما الظاعن الذي ظعن مرة لم يظعن قبلها ولا بعدها: فجبل طور سيناء، كان بينه وبين الأرض المقدسة أربع ليال، فلما عصت بنو إسرائيل أطاره الله بجناحين من نور فيه ألوان العذاب، فأظله الله عليهم وناداهم مناد إن قبلتم التوراة كشفته عنكم وإلا ألقيته عليكم، فأخذوا التوراة معذورين فرده الله إلى موضعه، فذلك قوله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة...} الآية، وأما الشجرة التي نبتت من غير ماء: فاليقطينة التي أنبتت على يونس، وأما الذي تنفس بلا روح فالصبح. قال الله: {والصبح إذا تنفس} [ التكوير: 18]، وأما اليوم: فعمل، وأما أمس: فمثل، وأما غد: فأجل وبعد غد فأمل، وأما البرق: فمخاريق بأيدي الملائكة تضرب بها السحاب، وأما الرعد: فاسم الملك الذي يسوق السحاب وصوته زجره، وأما المجرة: فأبواب السماء ومنها تفتح الأبواب، وأما المحو الذي في القمر فقول الله: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل} [ الإِسراء: 12] ولولا ذلك المحو لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل. فبعث بها معاوية إلى قيصر، وكتب إليه جواب مسائله. فقال قيصر: ما يعلم هذا إلا نبي أو رجل من أهل بيت نبي. والله تعالى أعلم.

.تفسير الآيات (172- 174):

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم...} الآية. قال: خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه، وكتب أجله ورزقه ومصيبته، ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة الذر فأخذ مواثيقهم أنه ربهم، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم...} الآية. قال: لما خلق الله آدم أخذ ذريته من ظهره كهيئة الذر، ثم سماهم بأسمائهم فقال: هذا فلان بن فلان يعمل كذا وكذا، وهذا فلان بن فلان يعمل كذا وكذا، ثم أخذ بيده قبضتين فقال: هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم واللالكائي في السنة عن ابن عباس في قوله: {وإذ أخذ ربك} الآية. قال: إن الله خلق آدم ثم أخرج ذريته من صلبه مثل الذر، فقال لهم: من ربكم؟ فقالوا: الله ربنا. ثم أعادهم في صلبه حتى يولد كل من أخذ ميثاقه لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: لما أهبط آدم عليه السلام حين أهبط بدحناء، فمسح الله ظهره فأخرج كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، ثم قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. فيومئذ جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: مسح الله على صلب آدم فأخرج من صلبه ما يكون من ذريته إلى يوم القيامة، وأخذ ميثاقهم أنه ربهم وأعطوه ذلك، فلا يسأل أحد كافر ولا غيره من ربك؟ إلا قال: الله.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ واللالكائي في السنة عن عبد الله بن عمرو في قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم} قال: أخذهم من ظهرهم كما يؤخذ بالمشط من الرأس.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن منده في كتاب الرد على الجهمية وأبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال: أخرج ذريته من صلبه كأنهم الذر في آذي من الماء.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في الآية قال: إن الله ضرب بيمينه على منكب آدم فخرج منه مثل اللؤلؤ في كفه، فقال: هذا للجنة. وضرب بيده الأخرى على منكبه الشمال فخرج منه سواد مثل الحمم فقال: هذا ذرء النار. قال: وهي هذه الآية {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإِنس} [ الأعراف: 179].
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال: مسح الله ظهر آدم وهو ببطن نعمان- واد إلى جنب عرفة- فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، ثم أخذ عليهم الميثاق وتلا {أن يقولوا يوم القيامة} هكذا قرأها يقولوا بالياء.
وأخرج أبو الشيخ عن عبد الكريم بن أبي أمية قال: أخرجوا من ظهره مثل طريق النمل.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال: أقروا له بالإِيمان والمعرفة الأرواح قبل أن يخلق أجسادها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن كعب قال: خلق الله الأرواح قبل أن يخلق الأجساد، فأخذ ميثاقهم.
وأخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله تعالى {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم} قالوا: لما أخرج الله آدم من الجنة قبل تهبيطه من السماء، مسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج منه ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذر، فقال لهم: ادخلوا الجنة برحمتي. ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر، فقال: ادخلوا النار ولا أبالي. فذلك قوله: أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، ثم أخذ منهم الميثاق فقال: {ألست بربكم قالوا بلى} فأعطاه طائفة طائعين وطائفة كارهين على وجه التقية، فقال: هو والملائكة {شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنَّا كنا عن هذا غافلين، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل} قالوا: فليس أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف الله أنه ربه، وذلك قوله عز وجل {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً} [ آل عمران: 83] وذلك قوله: {فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} [ الأنعام: 149] يعني يوم أخذ الميثاق.
وأخرج ابن جرير عن أبي محمد رجل من أهل المدينة قال: سألت عمر بن الخطاب عن قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم} قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: «خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه، ثم أجلسه فمسح ظهره بيده اليمنى فأخرج ذراً، فقال: ذرء ذرأتهم للجنة، ثم مسح ظهره بيده الأخرى- وكلتا يديه يمين- فقال: ذرء ذرأتهم للنار يعملون فيما شئت من عمل، ثم اختم لهم بأسوأ أعمالهم فأدخلهم النار».
وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن منده في كتاب الرد على الجهمية واللالكائي وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر في تاريخه عن أبي بن كعب في قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم} إلى قوله: {بما فعل المبطلون} جميعاً فجعلهم أرواحاً في صورهم، ثم استنطقهم فتكلموا، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} قال: فإني أشهد عليكم السموات السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم {أن تقولوا يوم القيامة} انَّا لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري ولا تشركوا بي شيئاً، إني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي قالوا: شهدنا بأنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك ولا إله لنا غيرك، فأقروا ورفع عليهم آدم ينظر إليهم، فرأى الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك، فقال: يا رب لولا سوّيت بين عبادك؟ قال: إني أحببت أن أشكر.
ورأى الأنبياء فيهم مثل السرج عليهم النور، وخصوا بميثاق آخر في الرسالة والنبوة أن يبلغوا وهو قوله: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم} [ الأحزاب: 7] الآية وهو قوله: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} [ الروم: 30] وفي ذلك قال: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} [ الأعراف: 102] وفي ذلك قال: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل} [ الأعراف: 101] قال: فكان في علم الله يومئذ من يكذب به ومن يصدق به، فكان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عهدها وميثاقها في زمن آدم، فأرسله الله إلى مريم في صورة بشر فتمثل لها بشراً سوياً. قال: أبي فدخل من فيها.
وأخرج مالك في الموطأ وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والآجري في الشريعة وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه واللالكائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن مسلم بن يسار الجهني، أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم...} الآية. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال: «أن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون. فقال الرجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الله الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار».
وأخرج أحمد والنسائي وابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلاً قال: {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} إلى قوله: {المبطلون}».
وأخرج ابن جرير وابن منده في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم} قال «أخذ من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس. فقال لهم {ألست بربكم قالوا بلى} قالت الملائكة {شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنَّا كنا عن هذا غافلين}».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن منده وأبو الشيخ في العظمة وابن عساكر عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله لما خلق آدم مسح ظهره فخرت منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، ونزع ضلعاً من أضلاعه فخلق منه حواء، ثم أخذ عليهم العهد {ألست بربكم قالوا بلى} ثم اختلس كل نسمة من بني آدم بنوره في وجهه، وجعل فيه البلوى الذي كتب أنه يبتليه بها في الدنيا من الأسقام، ثم عرضهم على آدم فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك. وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع الأسقام، فقال آدم: يا رب لم فعلت هذا بذريتي؟ قال: كي تشكر نعمتي. وقال آدم: يا رب من هؤلاء الذين أراهم أظهر الناس نوراً؟ قال: هؤلاء الأنبياء من ذريتك. قال: من هذا الذي أراه أظهرهم نوراً؟ قال: هذا داود يكون في آخر الأمم. قال: يا رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة. قال: يا رب كم جعلت عمري؟ قال: كذا وكذا. قال: يا رب فزده من عمري أربعين سنة حتى يكون عمره مائة سنة. قال: أتفعل يا آدم؟ قال: نعم يا رب. قال: فيكتب ويختم إنَّا كتبنا وختمنا ولم نغير. قال: فافعل أي رب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما جاء ملك الموت إلى آدم ليقبض روحه قال: ماذا تريد يا ملك الموت؟ قال: أريد قبض روحك. قال: ألم يبق من أجلي أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال: لا. قال: فكان أبو هريرة يقول: نسي آدم ونسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته».
وأخرج ابن جرير عن جويبر قال: مات ابن الضحاك بن مزاحم ابن ستة أيام، فقال: إذا وضعت ابني في لحده فأبرز وجهه وحل عقده، فإن ابني مجلس ومسؤول. فقلت: عمَّ يسأل؟! قال: عن ميثاق الذي أقرَّ به في صلب آدم، حدثني ابن عباس: أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وتكفل لهم بالأرزاق، ثم أعادهم في صلبه فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطي الميثاق يومئذ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به نفعه الميثاق الأوّل، ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يقر به لم ينفعه الميثاق الأول، ومن مات صغيراً قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة.
وأخرج عبد بن حميد عن سلمان قال: إن الله لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة، فكتب الآجال والأرزاق والأعمال والشقوة والسعادة، فمن علم السعادة فعل الخير ومجالس الخير، ومن علم الشقاوة فعل الشر ومجالس الشر.
وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله الخلق وقضى القضية، وأخذ ميثاق النبيين وعرشه على الماء، فأخذ أهل اليمين بيمينه وأخذ أهل الشمال بيده الأخرى- وكلتا يدي الرحمن يمين- فقال: يا أصحاب اليمين. فاستجابوا له، فقالوا: لبيك ربنا وسعديك. قال: {ألست بربكم قالوا بلى} قال: يا أصحاب الشمال. فاستجابوا له، فقالوا: لبيك ربنا وسعديك. قال: {ألست بربكم قالوا بلى} فخلط بعضهم ببعض فقال قائل منهم: رب لم خلطت بيننا؟! قال: {ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون} [ المؤمنون الآية 63]. {أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} ثم ردهم في صلب آدم، فأهل الجنة أهلها، وأهل النار أهلها، فقال قائل: يا رسول الله فما الأعمال؟ قال: «يعمل كل قوم لمنازلهم». فقال عمر بن الخطاب: إذا نجتهد.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك. فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟! فقال: رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود. قال: أي رب وكم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة. فلما انقضى عمر آدم جاء ملك الموت فقال: أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته».
وأخرج ابن أبي الدنيا في الشكر وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن الحسن قال: لما خلق الله آدم عليه السلام، وأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى فدبوا على وجه الأرض، منهم الأعمى والأصم والأبرص والمقعد والمبتلى بأنواع البلاء، فقال آدم: يا رب ألا سويت بين ولدي؟ قال: يا آدم إني أردت أن أشكر ثم ردهم في صلبه.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن قتادة والحسن قالا: لما عرضت على آدم ذريته فرأى فضل بعضهم على بعض قال: أي رب أفهلا سوّيت بينهم؟ قال: إني أحب أن أشكر، يرى ذو الفضل فضله فيحمدني ويشكرني.
وأخرج أحمد في الزهد عن بكر. مثله.
وأخرج ابن جرير والبزار والطبراني والآجري في الشريعة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن هشام بن حكيم أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أَتُبتدأ الأعمال أم قد قضي القضاء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله أخذ ذرية آدم من ظهورهم، ثم أشهدهم على أنفسهم، ثم أفاض بهم في كفيه فقال: هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار. فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار».
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه حتى ملأوا الأرض وكانوا هكذا، فضم إحدى يديه على الأخرى».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي فأعطاني أولاد المشركين خدماً لأهل الجنة، وذلك أنهم لم يدركوا ما أدرك آباؤهم من الشرك، وهم في الميثاق الأوّل».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا أن تشرك بي».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن علي بن حسين. أنه كان يعزل ويتأوّل هذه الآية {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل؟ فقال «لا عليكم أن لا تفعلوا، إن تكن مما أخذ الله منها الميثاق فكانت على صخرة نفخ فيها الروح».
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: «لو أن الماء الذي يكون منه الولد صب على صخرة لأخرج الله منها ما قدر، ليخلق الله نفساً هو خالقها».
وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود. أنه سئل عن العزل؟ فقال: لو أخذ الله ميثاق نسمة من صلب رجل ثم أفرغه على صفا لأخرجه من ذلك الصفا، فإن شئت فأعزل وإن شئت فلا تعزل.
وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يقولون: إن النطفة التي قضى الله فيها الولد لو وقعت على صخرة لأخرج الله منها الولد.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وأبو الشيخ عن فاطمة بنت حسين قالت: لما أخذ الله الميثاق من بني آدم جعله في الركن، فمن الوفاء بعهد الله استلام الحجر.
وأخرج أبو الشيخ عن جعفر بن محمد قال: كنت مع أبي محمد بن علي فقال له رجل: يا أبا جعفر ما بدء خلق هذا الركن؟ فقال: إن الله لما خلق الخلق قال لبني آدم {ألست بربكم؟ قالوا بلى} فأقروا، وأجرى نهراً أحلى من العسل وألين من الزبد، ثم أمر القلم فاستمد من ذلك النهر، فكتب إقرارهم وما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر، فهذا الإِستلام الذي ترى إنما هو بيعه على إقرارهم الذي كانوا أقروا به.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ضرب الله متن آدم فخرجت كل نفس مخلوقة للجنة بيضاء نقية، فقال: هؤلاء أهل الجنة، وخرجت كل نفس مخلوقة للنار سوداء فقال: هؤلاء أهل النار أمثال الخردل في صور الذر، فقال: يا عباد الله أجيبوا الله: يا عباد الله أطيعوا الله. قالوا: لبيك اللهم أطعناك، اللهم أطعناك، اللهم أطعناك. وهي التي أعطى الله إبراهيم في المناسك: لبيك اللهم لبيك. فأخذ عليهم العهد بالإِيمان به، والإِقرار والمعرفة بالله وأمره.
وأخرج الجندي في فضائل مكة وأبو الحسن القطان في الطوالات والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان وضعفه عن أبي سعيد الخدري قال: حججنا مع عمر بن الخطاب، فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك، ثم قبله فقال له علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين إنه يضر وينفع قال: بم...؟ قال: بكتاب الله عز وجل قال: وأين ذلك من كتاب الله؟ قال الله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم} إلى قوله: {بلى} خلق الله آدم ومسح على ظهره فقررهم بأنه الرب وإنهم العبيد، وأخذ عهودهم ومواثيقهم وكتب ذلك في رق، وكان لهذا الحجر عينان ولسان، فقال له، افتح فاك. ففتح فاه فألقمه ذلك الرق، فقال: أشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة، وإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق، يشهد لمن يستلمه بالتوحيد» فهو يا أمير المؤمنين يضر وينفع. فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا حسن.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وإذ أخذ ربك...} الآية. قال: أخذهم في كفه كأنهم الخردل الأولين والآخرين، فقبلهم في يده مرتين أو ثلاثاً، يرفع ويطأطئها ما شاء الله من ذلك، ثم ردهم في أصلاب آبائهم حتى أخرجهم قرناً بعد قرن، ثم قال بعد ذلك {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} [ الأعراف: 102] الآية. ثم نزل بعد ذلك {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم، وميثاقه الذي واثقكم به} [ المائدة: 7].
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن عمر قال: لما خلق الله آدم نفضه نفض المزود فخر منه مثل النغف، فقبض منه قبضتين فقال لما في اليمين: في الجنة، وقال لما في الأخرى: في النار.
وأخرج ابن سعد وأحمد عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم أخذ الخلق من ظهره فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي. فقال رجل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر».
وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحممة، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي».
وأخرج البزار والطبراني والآجري وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله جل ذكره يوم خلق آدم قبض من صلبه قبضتين، فوقع كل طيب في يمينه وكل خبيث بيده الأخرى، فقال: هؤلاء أصحاب الجنة ولا أبالي وهؤلاء أصحاب النار ولا أبالي، ثم أعادهم في صلب آدم فهم ينسلون على ذلك إلى الآن».
وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في القبضتين «هذه في الجنة ولا أبالي».
وأخرج البزار والطبراني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في القبضتين «هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه. قال: فتفرق الناس وهم لا يختلفون في القدر».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والآجري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله آدم ضرب بيده على شق آدم الأيمن، فأخرج ذرأ كالذر فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك من أهل الجنة، ثم ضرب بيده على شق آدم الأيسر فأخرج ذرأ كالحمم، ثم قال: هؤلاء ذريتك من أهل النار».
وأخرج أحمد عن أبي نضر. فإن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له أبو عبد الله، دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي فقالوا له: ما يبكيك؟ قال: سمعت رسول الله يقول: «إن الله قبض بيمينه قبضة وأخرى باليد الأخرى، فقال: هذه لهذه وهذه لهذه ولا أبالي، فلا أدري في أي القبضتين أنا؟».
وأخرج ابن مردويه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله قبض قبضة فقال: للجنة برحمتي، وقبض قبضة فقال: إلى النار ولا أبالي».
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: إن الله أخرج من ظهر آدم يوم خلقه ما يكون إلى يوم القيامة، فأخرجهم مثل الذر ثم قال: {ألست بربكم قالوا بلى} قالت الملائكة: شهدنا. ثم قبض قبضة بيمينه فقال: هؤلاء في الجنة. ثم قبض قبضة أخرى فقال: هؤلاء في النار ولا أبالي.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} قال: عن الميثاق الذي أخذ عليهم {أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل} فلا يستطيع أحد من خلق الله من الذرية {أن يقولوا إنما أشرك آباؤنا} ونقضوا الميثاق {وكن نحن ذرية من بعدهم أفتهلكنا} بذنوب آبائنا وبما فعل المبطلون. والله تعالى أعلم.