فصل: تفسير الآيات (15- 16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (15- 16):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)}
أخرج البخاري في تاريخه والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن نافع رضي الله عنه أنه سأل ابن عمر رضي الله عنهما قال: إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا ولا ندري من الفئة أمامنا أو عسكرنا؟ فقال لي: الفئة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: إن الله تعالى يقول {إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار} قال: إنما أنزلت هذه الآية في أهل بدر لا قبلها ولا بعدها.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قوله: {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: إنها كانت لأهل بدر خاصة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي نضرة رضي الله عنه في قوله: {ومن يولهم يومئذ دبره} الآية. قال: نزلت يوم بدر ولم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحازوا لم ينحازوا إلا للمشركين.
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا تغرنكم هذه الآية فإنها كانت يوم بدر، وأنا فئة لكل مسلم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: ذاكم يوم بدر لأنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: نزلت في أهل بدر خاصة، ما كان لهم أن يهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتركوه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: إنما كانت يوم بدر خاصة، ليس الفرار من الزحف من الكبائر.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: ذاك في يوم بدر.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال: إنما كان يوم بدر ولم يكن للمسلمين فئة ينحازون إليها.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: يرون أن ذلك في بدر، ألا ترى أنه يقول {ومن يولهم يومئذ دبره}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه قال: أوجب الله تعالى لمن فر يوم بدر النار. قال: ومن يولهم يومئذ دبره إلى قوله: {فقد باء بغضب من الله} فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال: {إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم} [ آل عمران: 155] ثم كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين فقال: {ثم وليتم مدبرين} [ التوبة: 25]. {ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء} [ التوبة: 27].
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: يعني يوم بدر خاصة منهزماً {إلا متحرفاً لقتال} يعني مستطرداً يريد الكرة على المشركين {أو متحيزاً إلى فئة} يعني أو ينحاز إلى أصحابه من غير هزيمة {فقد باء بغضب من الله} يقول: استوجب سخطاً من الله {ومأواه جهنم وبئس المصير} فهذا يوم بدر خاصة، كأن الله شدد على المسلمين يومئذ ليقطع دابر الكافرين، وهو أول قتال قاتل فيه المشركين من أهل مكة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال: المتحرف: المتقدم في أصحابه، إنه يرى غرة من العدو فيصيبها، والمتحيز: الفار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكذلك من فر اليوم إلى أميره وأصحابه قال: وإنما هذه وعيد من الله تعالى لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يفروا، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم ثبتهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه في قوله: {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: هذه منسوخة بالآية التي في الأنفال {الآن خفف الله عنكم} [ الأنفال: 66].
وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الفرار من الزحف من الكبائر لأن الله تعالى قال: {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: الفرار من الزحف من الكبائر.
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد واللفظ له وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا في غزاة، فحاص الناس حيصه قلنا: كيف نلقى النبي صلى الله عليه وسلم وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟! فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر، فخرج فقال «من القوم...؟ فقلنا: نحن الفرارون. فقال: لا بل أنتم العكارون. فقبلنا يده فقال: أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين، ثم قرأ {إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة}».
وأخرج ابن مردويه عن أمامة رضي الله عنها مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كنت أوضئ النبي صلى الله عليه وسلم أفرغ على يديه، إذ دخل عليه رجل فقال: يا رسول الله أريد اللحوق بأهلي فأوصني بوصية أحفظها عنك.
قال: «لا تفر يوم الزحف، فإنه من فرَّ يوم الزحف فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير».
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من فر من اثنين فقد فر.
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار...} الآية. قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «قاتلوا كما قال الله».
وأخرج أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه استعاذ من سبع موتات. موت الفجأة، ومن لدغ الحية، ومن السبع، ومن الغرق، ومن الحرق، ومن أن يخر عليه شيء، ومن القتل عند فرار الزحف».
وأخرج أحمد عن أبي اليسر رضي الله عنه «أن رسول الله كان يدعو بهؤلاء الكلمات السبع يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من الغم والغرق والحرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً».
وأخرج ابن سعد وأبو داود والترمذي والبيهقي في الأسماء والصفات عن بلال بن يسار عن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه عن جده «أنه سمع رسول الله يقول: من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف».
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله «من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاثاً غفرت ذنوبه وإن كان فر من الزحف».
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مثله موقوفاً، وله حكم الرفع. والله تعالى أعلم.

.تفسير الآيات (17- 18):

{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)}
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فلم تقتلوهم} قال: لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين قال هذا قتلت وهذا قتلت {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} قال: محمد صلى الله عليه وسلم حين حصب الكفار.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وما رميت إذ رميت} قال: رماهم يوم بدر بالحصباء.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال: ما وقع شيء من الحصباء إلا في عين رجل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} قال: هذا يوم بدر، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصيات فرمى بحصاة بين أظهرهم، فقال: شاهت الوجوه فانهزموا.
وأخرج ابن عساكر عن محكول رضي الله عنه قال: لما كرَّ علي وحمزة على شيبة بن ربيعة، غضب المشركون وقالوا: اثنان بواحد؟! فاشتغل القتال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنك أمرتني بالقتال ووعدتني النصر ولا خلف لوعدك، وأخذ قبضة من حصى فرمى بها في وجوههم فانهزموا بإذن الله تعالى، فذلك قوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: «لما كان يوم بدر سمعنا صوتاً وقع من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طست، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الحصباء وقال: شاهت الوجوه. فانهزمنا، فذلك قول الله تعالى {وما رميت إذ رميت} الآية».
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت صوت حصيات وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن في طست، فلما اصطف الناس أخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى بهن في وجوه المشركين فانهزموا، فذلك قوله: {وما رميت إذ رميت} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه «ناولني قبضة من حصباء». فناوله فرمى بها في وجوه القوم، فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء، فنزلت هذه الآية {وما رميت إذ رميت} الآية.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي رضي الله عنهما قالا: لما دنا القوم بعضهم من بعض، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه.
فدخلت في أعينهم كلهم، وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} إلى قوله: {سميع عليم}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد أخذ أبي بن خلف يركض فرسه حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعترض رجال من المسلمين لأبي بن خلف ليقتلوه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استأخروا» فاستأخروا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حربته في يده، فرمى بها أبي بن خلف وكسر ضلعاً من أضلاعه، فرجع أبي بن خلف إلى أصحابه ثقيلاً فاحتملوه حين ولوا قافلين، فطفقوا يقولون: لا بأس، فقال أبي حين قالوا له ذلك: والله لو كانت بالناس لقتلتهم، ألم يقل إني أقتلك إن شاء الله؟ فانطلق به أصحابه ينعشونه حتى مات ببعض الطريق فدفنوه، قال ابن المسيب رضي الله عنه: وفي ذلك أنزل الله تعالى {وما رميت إذ رميت...} الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب والزهري رضي الله عنهما قالا: أنزلت في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبي بن خلف بالحربة وهو في لامته، فخدشه في ترقوته فجعل يتدأدأ عن فرسه مراراً حتى كانت وفاته بها بعد أيام، قاسى فيها العذاب الأليم موصولاً بعذاب البرزخ المتصل بعذاب الآخرة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الزهري رضي الله عنه في قوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} قال: حيث رمى أبي بن خلف يوم أحد بحربته فقيل له: إن يك الأجحش. قال: أليس قال: أنا أقتلك؟ والله لو قالها لجميع الخلق لماتوا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه «أن رسول الله- يوم ابن أبي الحقيق- دعا بقوس: فأتى بقوس طويلة فقال: جيئوني بقوس غيرها. فجاءوه بقوس كيداء، فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصن، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق في فراشه، فأنزل الله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}».
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله: {ولكن الله رمى} أي لم يكن ذلك برميتك لولا الذي جعل الله تعالى من نصرك وما ألقى في صدور عدوك منها حتى هزمتهم {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً} أي يعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم عدوّهم مع كثرة عدوّهم وقلة عددهم، ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته.