فصل: تفسير الآية رقم (29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (29):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يجعل لكم فرقاناً} قال: نجاة.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يجعل لكم فرقاناً} قال: نصراً.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {يجعل لكم فرقاناً} يقول: مخرجاً في الدنيا والآخرة.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)}
أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والخطيب عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} قال: تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق- يريدون النبي صلى الله عليه وسلم- وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه. فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فبات علي رضي الله عنه على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً رضي الله عنه يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوه علياً رضي الله عنه رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري... ! فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما. أن نفراً من قريش ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة، واعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال: شيخ من أهل نجد، سمعت بما اجتمعتم له فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم مني رأي ونصح. قالوا: أجل فادخل فدخل معهم فقال: انظروا في شأن هذا الرجل- فوالله- ليوشكن أن يواتيكم في أمركم بأمره. فقال قائل: احبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء: زهير ونابغة، فإنما هو كأحدهم فقال عدوّ الله الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي، والله ليخرجن رائد من محبسه لأصحابه، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم ثم يمنعوه منكم، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم فانظروا في غير هذا الرأي. فقال قائل: فأخرجوه من بين أظهركم فاستريحوا منه، فإنه إذا خرج لم يضركم ما صنع وأين وقع، وإذا غاب عنكم أذاه استرحتم منه فإنه إذا خرج لم يضركم ما صنع وكان أمره في غيركم. فقال الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حلاوة قوله، وطلاقة لسانه، وأخذه القلوب بما تستمع من حديث؟ والله لئن فعلتم ثم استعرض العرب لتجتمعن إليه، ثم ليسيرن إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم. قالوا: صدق- والله- فانظروا رأياً غير هذا. فقال أبو جهل: والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره.
قالوا: وما هذا؟ قال: تأخذوا من كل قبيلة غلاماً وسطاً شاباً مهداً، ثم يعطى كل غلام منهم سيفاً صارماً، ثم يضربوه به- يعني ضربة رجل واحد- فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل كلها، فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلهم، وإنهم إذا أرادوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النجدي: هذا- والله- هو الرأي، القول ما قال الفتى لا أرى غيره، فتفرقوا على ذلك وهم مجتمعون له. فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه، وأخبره بمكر القوم، فلم يبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته تلك الليلة، وأذن الله له عند ذلك في الخروج وأمرهم بالهجرة وافترض عليهم القتال، فأنزل الله: {أُذن للذين يقاتلون} [ الحج: 39] فكانت هاتان الآيتان أول ما نزل في الحرب، وأنزل بعد قدومه المدينة يذكره نعمته عليه {وإذ يمكر بك الذين كفروا} الآية.
وأخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال: لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال: «يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني. قال: من حدثك بهذا؟» قال: ربي. قال: نعم الرب ربك استوص به خيراً... ! قال: «أنا استوصي به بل هو يستوصي بي».
وأخرج ابن جرير من طريق عبيد بن عمير رضي الله عنه عن المطلب بن أبي وداعة «أنا أبا طالب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يأتمر بك قومك؟ قال: يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني. قال: من حدثك بهذا؟ قال: ربي. قال: نعم الرب ربك فاستوص به خيراً... ! قال: أنا أستوصي به بل هو يستوصي بي: فنزلت {وإذ يمكر بك الذين كفروا}».
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه {وإذ يمكر بك الذين كفروا} قال: هي مكية.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأيام، سئل عن يوم السبت فقال» هو يوم مكر وخديعة «. قالوا: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: فيه مكرت قريش في دار الندوة إذ قال الله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {ليثبتوك} يعني ليوثقوك.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال: دخلوا دار الندوة يأتمرون بالنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لا يدخل عليكم أحد ليس منكم، فدخل معهم الشيطان في صورة شيخ من أهل نجد، فتشاوروا فقال أحدهم: نخرجه: فقال الشيطان: بئسما رأى هذا هو قد كاد أن يفسد فيما بينكم وهو بين أظهركم فكيف إذا أخرجتموه فأفسد الناس ثم حملهم عليكم يقاتلونكم.
قالوا: نعم ما رأى هذا... ! فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فخرج هو وأبو بكر رضي الله عنه إلى غار في جبل يقال له ثور، وقام علي بن أبي طالب على فراش النبي صلى الله عليه وسلم وباتوا يحرسونه يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه فإذا هم بعلي رضي الله عنه. فقالوا: أين صاحبك؟ فقال: لا أدري... ! فاقتصوا أثره حتى بلغوا الغار ثم رجعوا، ومكث فيه هو وأبو بكر رضي الله عنه ثلاث ليال.
وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة رضي الله عنه. أن قريشاً اجتمعت في بيت وقالوا: لا يدخل معكم اليوم إلا من هو منكم، فجاء إبليس فقال له: من أنت؟ قال: شيخ من أهل نجد وأنا ابن أختكم. فقالوا: ابن أخت القوم منهم. فقال بعضهم: أوثقوه. فقال: أيرضى بنو هاشم بذلك؟ فقال بعضهم: أخرجوه. فقال: يؤويه غيركم. فقال أبو جهل: ليجتمع من كل بني أب رجل فيقتلوه. فقال إبليس: هذا الأمر الذي قال الفتى. فأنزل الله تعالى هذه الآية {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} إلى آخر الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} قال: كفار قريش أرادوا ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من مكة.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: شرى علي رضي الله عنه نفسه ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه، وكان المشركون يحسبون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت من قريش تريد أن تقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يرمقون علياً ويرونه النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل علي رضي الله عنه يتصور فإذا هو علي رضي الله عنه، فقالوا: إنك للئيم، إنك لتتصوّر وكان صاحبك لا يتصوّرك ولقد استنكرناه منك.
وأخرج الحاكم وصححه عن علي بن الحسين رضي الله عنه وقال في ذلك:
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى ** ومن طاف بالبيت العتيق والحجر

رسول الإِله خاف أن يمكروا به ** فنجاه ذو الطول الإِله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمنا ** وفي حفظ من الله وفي ستر

وبت اراعيه وما يتهمونني ** وقد وطنت نفسي على القتل والاسر

.تفسير الآية رقم (31):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)}
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: «قتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبراً عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وكان المقداد أسر النضر فلما أمر بقتله قال المقداد: يا رسول الله أسيري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول: وفيه أنزلت هذه الآية {وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين}».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: كان النضر بن الحارث يختلف إلى الحيرة فيسمع سجع أهلها وكلامهم، فلما قدم إلى مكة سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن فقال: {قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا، إن هذا إلا أساطير الأولين}.

.تفسير الآيات (32- 34):

{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34)}
أخرج البخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو جهل بن هشام {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} فنزلت {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: ذكر لنا أنها أنزلت في أبي جهل بن هشام.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك} قال: نزلت في النضر بن الحارث.
وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: نزلت في النضر {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} {وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب} [ ص: 16]. {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} [ الأنعام: 94] و {سأل سائل بعذاب واقع} [ المعارج: 1] قال عطاء رضي الله عنه: لقد نزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله.
وأخرج ابن مروديه عن بريدة رضي الله عنه قال: رأيت عمرو بن العاص واقفاً على فرس يوم أحد وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فاخسف بي وبفرسي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون: لبيك لا شريك لك لبيك. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: قد، قد. ويقولون: لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، ويقولون: غفرانك غفرانك. فأنزل الله تعالى {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم...} الآية. فقال ابن عباس رضي الله عنه: كان فيهم أمانان النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار {وما لهم ألا يعذبهم الله} قال: هو عذاب الآخرة وذلك عذاب الدنيا.
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيس قالا: قالت قريش بعضها لبعض: محمد صلى الله عليه وسلم أكرمه الله من بيننا {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء...} الآية. فلما أمسوا ندموا على ما قالوا فقالوا: غفرانك اللهم. فأنزل الله: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} إلى قوله: {لا يعلمون}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن أبزى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فأنزل الله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأنزل الله: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فلما خرجوا أنزل الله: {وما لهم ألا يعذبهم الله...} الآية فأذن في فتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطية رضي الله عنه في قوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} يعني المشركين حتى يخرجك منهم {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} قال: يعني المؤمنين، ثم أعاد المشركين فقال: {وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} يقول: لو استغفروا وأقروا بالذنوب لكانوا مؤمنين. وفي قوله: {وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} يقول: وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} قال: بين أظهرهم {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} يقول: وما كان الله معذبهم وهو لا يزال الرجل منهم يدخل في الإِسلام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} قال: وهم يدخلون في الإِسلام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار رضي الله عنه قال: سئل سعيد بن جبير رضي الله عنه عن الاستغفار؟ فقال: قال الله: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} يقول: يعملون على الغفران، وعلمت أن ناساً سيدخلون جهنم ممن يستغفرون بألسنتهم ممن يدعي الإِسلام وسائر الملل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة والحسن رضي الله عنهما في قوله: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} قالا: نسختها الآية التي تليها {وما لهم ألا يعذبهم الله} فقوتلوا بمكة فأصابهم فيها الجوع والحصر.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه. مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي مالك رضي الله عنه {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} يعني أهل مكة {وما كان الله معذبهم} وفيهم المؤمنون يستغفرون.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن قتادة رضي الله عنه قال: إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، أما داءكم فذنوبكم، وأما دواؤكم فالاستغفار.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن كعب رضي الله عنه قال: إن العبد ليذنب الذنب الصغير فيحتقره ولا يندم عليه ولا يستغفر منه، فيعظم عند الله حتى يكون مثل الطود، ويذنب الذنب فيندم عليه ويستغفر منه فيصغر عند الله عز وجل حتى يعفو له.
وأخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزل الله علي أمانين لأمتي {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة».
وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان فيكم أمانان مضى أحدهما وبقي الآخر.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم، فأمان قبضه الله تعالى إليه، وأمان بقي فيكم قوله: {وما كان الله ليعذبهم...} الآية.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والحاكم وابن عساكر عن أبي موسى رضي الله عنه قال: إنه قد كان فيكم أمانان، مضى أحدهما وبقي الآخر {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد مضى لسبيله، وأما الاستغفار فهو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان في هذه الأمة أمانان: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، فذهب أمان- يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- وبقي أمان، يعني الاستغفار.
وأخرج أحمد عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله».
وأخرج أحمد والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان قال: وعزتك يا رب، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم. قال الرب: وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني».
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أكثر من الاستغفار، جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والنسائي وابن ماجة عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً».
وأخرج الحكيم الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن استطعتم أن تكثروا من الاستغفار فافعلوا، فإنه ليس شيء أنجح عند الله ولا أحب إليه منه».
وأخرج أحمد في الزهد عن مغيث بن أسماء رضي الله عنه قال: كان رجل ممن كان قبلكم يعمل بالمعاصي، فبينما هو ذات يوم يسير إذ تفكر فيما سلف منه فقال: اللهم غفرانك.
فادركه الموت على تلك الحال فغفر له.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: طوبى لمن وجد في صحيفته بنداً من الاستغفار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: من قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه خمس مرات، غفر له وإن كان عليه مثل زبد البحر.
وأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله، فقام فلم يكد يركع، ثم ركع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم نفخ في آخر سجوده، ثم قال: رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم، رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك. ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقد انمخضت الشمس».
وأخرج الديلمي عن عثمان ابن أبي العاص قال: قال رسول الله «في الأرض أمانان: أنا امان، والاستغفار أمان، وأنا مذهوب بي ويبقى أمان الاستغفار، فعليكم بالاستغفار عند كل حدث وذنب».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} قال: ما كان الله ليعذب قوماً وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} يقول: وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإِيمان: وهو الاستغفار. وقال للكافر {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} [ آل عمران: 179] فيميز الله أهل السعادة من أهل الشقاوة {وما لهم ألا يعذبهم الله} فعذبهم يوم بدر بالسيف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} ثم استثنى أهل الشرك فقال: {وما لهم ألا يعذبهم الله}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والنحاس وأبو الشيخ عن الضحاك {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} قال: المشركين الذين بمكة {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} قال: المؤمنين بمكة {وما لهم ألا يعذبهم الله} قال: كفار مكة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {وما لهم ألا يعذبهم الله} قال: عذابهم فتح مكة.
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه {وما لهم ألا يعذبهم الله} وهم يجحدون آيات الله ويكذبون رسله، وإن كان فيهم ما يدعون.
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله: {وهم يصدون عن المسجد الحرام} أي من آمن بالله وعبده أنت ومن اتبعك. {وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون} الذين يخرجون منه ويقيمون الصلاة عنده، أي أنت ومن آمن بك.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إن أولياؤه إلا المتقون} قال: من كانوا حيث كانوا.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والطبراني والحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: «اجمع لي قومك، فجمعهم فلما حضروا باب النبي صلى الله عليه وسلم دخل عمر رضي الله عنه عليه فقال: قد جمعت لك قومي. فسمع ذلك الأنصار فقالوا: قد نزل في قريش الوحي. فجاء المستمع والناظر ما يقال لهم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقام بين أظهرهم فقال: هل فيكم من غيركم؟ قالوا: نعم، فينا حليفنا وابن أختنا وموالينا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: حليفنا منا، وابن أختنا منا، ومولانا منا، أنتم تسمعون أن أوليائي منكم إلا المتقون، فإن كنتم أولئك فذلك، وإلا فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالأثقال فيعرض عنكم».
وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أوليائي يوم القيامة المتقون وإن كان نسب أقرب من نسب، فلا يأتيني الناس بالأعمال، وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم فأقول هكذا وهكذا إلا وأعرض في كل عطفيه».
وأخرج ابن مردويه والطبراني والبيهقي في سننه عن أنس رضي الله عنه قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من آلك؟ فقال: كل تقي، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن أولياؤه إلا المتقون}».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين».
وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أولى الناس بي المتقون، من كانوا وحيث كانوا».