فصل: تفسير الآيات (21- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (21- 22):

{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)}
أخرج أبو الشيخ عن طلحة بن مصرف رضي الله عنه أنه قرأ {يبشرهم ربهم}.

.تفسير الآيات (23- 24):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}
أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: أمروا بالهجرة فقال العباس بن عبد المطلب: أنا أسقي الحاج. وقال طلحة أخو بني عبد الدار، أنا أحجب الكعبة فلا نهاجر، فانزلت {لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإِيمان}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه في هذه الآية قال: هي في الهجرة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وأموال اقترفتموها} قال: أصبتموها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وتجارة تخشون كسادها} يقول: تخشون أن تكسد فتبيعونها {ومساكن ترضونها} قال: هي القصور والمنازل.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} قال: بالفتح في أمره بالهجرة هذا كله قبل فتح مكة.
وأخرج أحمد والبخاري عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: والله لأنت يا رسول الله أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه» والله أعلم.

.تفسير الآيات (25- 27):

{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)}
أخرج الفريابي عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} قال: هي أول ما أنزل الله تعالى من سورة براءة.
وأخرج ابن أبي شيبة وسنيد وابن حرب وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال أول ما نزل من براءة {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} يعرفهم نصره ويوطنهم لغزوة تبوك.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} قال: هذا مما يمن الله به عليهم من نصره إياهم في مواطن كثيرة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال: {حنين} ماء بين مكة والطائف، قاتل النبي صلى الله عليه وسلم هوازن وثقيف، وعلى هوازن مالك بن عوف، وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام عام الفتح نصف شهر، ولم يزد على ذلك حتى جاءته هوازن وثقيف فنزلوا بحنين، وحنين واد إلى جنب ذي المجاز».
وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال: «لما اجتمع أهل مكة وأهل المدينة قالوا: الآن والله نقاتل حين اجتمعنا، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم، فالتقوا فهزمهم الله حتى ما يقوم منهم أحد على أحد، حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي أحياء العرب إليَّ فوالله ما يعرج إليه أحد حتى أعرى موضعه، فالتفت إلى الأنصار وهم ناحية ناحية فناداهم: يا أنصار الله وأنصار رسوله إلى عباد الله أنا رسول الله، فعطفوا وقالوا: يا رسول الله ورب الكعبة إليك والله، فنكسوا رؤوسهم يبكون وقدموا أسيافهم يضربون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليهم».
وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع رضي الله عنه «أن رجلاً قال يوم حنين: لن نغلب من قلة. فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم} قال الربيع: وكانوا اثني عشر ألفاً، منهم ألفان من أهل مكة».
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد البغوي في معجمه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي عبد الرحمن الفهري رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس لبست لامتي وركبت فرسي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، قد حان الرواح يا رسول الله. قال أجل، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال... فثار من تحت سمرة كان ظله ظل طائر فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك. ثم قال: أسرج لي فرسي. فأتاه بدفتين من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر قال: فركب فرسه ثم سرنا يومنا فلقينا العدوّ وتشامت الخيلان فقاتلناهم، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله، فاقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه، وحدثني من كان أقرب إليه مني: أنه أخذ حفنة من تراب فحثاها في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه... ! قال يعلى بن عطاء رضي الله عنه: فأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب، وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست الحديد، فهزمهم الله عز وجل».
وأخرج الطبراني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فولى الناس عنه وبقيت معه في ثمانين رجلاً من المهاجرين والأنصار، فكنا على أقدامنا نحواً من ثمانين قدماً ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، فمضى قدماً فقال «ناولني كفاً من تراب. فناولته فضرب وجوههم، فامتلأت أعينهم تراباً وولى المشركون أدبارهم».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه.
أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإِبل والغنم، فجعلوهم صفوفاً ليكثروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتقى المسلمون والمشركون، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله، ثم قال: يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله، فهزم الله المشركين ولم يضرب بسيف ولم يطعن برمح».
وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وأحمد ومسلم والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، فلزمنا رسول الله فلم نفارقه وهو على بغلته الشهباء التي أهداها له فروة بن معاوية الجذامي، فلما التقى المسلمون والمشركون ولي المسلمون مدبرين وطفق النبي صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين، وأبو سفيان بن الحرث آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عباس نادي أصحاب السمرة يا أصحاب البقرة»، فوالله لكأني عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقرة على أولادها ينادون يا لبيك يا لبيك، فأقبل المسلمون فاقتتلوا هم والكفار، وارتفعت الأصوات وهم يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار. ثم قصرت الدعوة على بني الحرث بن الخزرج، فتطاول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته فقال: هذا حين حمي الوطيس، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: «انهزموا ورب الكعبة». فذهبت أنظر فإذا القتال على هينته فيما أرى، فما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصيات، فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً حتى هزمهم الله عز وجل.
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر رضي الله عنه قال: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين الأنصار فقال: يا معشر الأنصار. فأجابوه لبيك- بأبينا أنت وأمنا- يا رسول الله. قال «أقبلوا بوجوهكم إلى الله ورسوله يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار. فأقبلوا ولهم حنين حتى أحدقوا به كبكبة تحاك مناكبهم يقاتلون حتى هزم الله المشركين».
وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: لما اجتمع يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة أعجبتهم كثرتهم، فقال القوم: اليوم والله نقاتل، فلما التقوا واشتد القتال ولوا مدبرين، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار، فقال: «يا معشر المسلمين إلي عباد الله، أنا رسول الله. فقالوا: إليك- والله- جئنا، فنكسوا رؤوسهم ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم».
وأخرج الحاكم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من بعير، ثم قال: أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة، وعليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الأنفال، ويقول: ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيتنا يوم حنين وإن الفئتين لموليتان، وعن عكرمة قال: لما كان يوم حنين ولى المسلمون وولى المشركون، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «أنا محمد رسول الله ثلاث مرات- وإلى جنبه عمه العباس- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه: يا عباس أذن يا أهل الشجرة، فأجابوه من كل مكان لبيك لبيك حتى أظلوه برماحهم، ثم مضى فوهب الله له الظفر، فأنزل الله: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم} الآية».
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن عبيد الله بن عمير الليثي رضي الله عنه قال: كان مع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف من الأنصار، وألف من جهينة، وألف من مزينة، وألف من أسلم، وألف من غفار، وألف من أشجع، وألف من المهاجرين وغيرهم، فكان معه عشرة آلاف. وخرج بإثني عشر ألفاً، وفيها قال الله تعالى في كتابه {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً}.
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن مردويه عن البراء بن عازب رضي الله عنه. أنه قيل له: هل كنتم وليتم يوم حنين؟ قال: والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسراً ليس عليهم سلاح، فلقوا جمعاً رماة هوازن وبني النضر ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقاً ما كادوا يخطئون، فأقبلوا هنالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب يقود به، فنزل ودعا واستنصر ثم قال:
أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب

ثم صف أصحابه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا} قال: قتلهم بالسيف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: في يوم حنين أمد الله رسوله صلى الله عليه وسلم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، ويومئذ سمى الله تعالى الأنصار مؤمنين قال: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين}.
وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: رأيت قبل هزيمة القوم- والناس يقتتلون- مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي، لم أشك أنها الملائكة عليهم السلام، ولم يكن إلا هزيمة القوم... !.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {وعذب الذين كفروا} قال: بالهزيمة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن أبزى رضي الله عنه في قوله: {وعذب الذين كفروا} قال: بالهزيمة والقتل. وفي قوله: {ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء} قال: على الذين انهزموا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين.
وأخرج ابن سعد والبخاري في التاريخ والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن عياض بن الحرث عن أبيه. قال: إن رسول صلى الله عليه وسلم أتى هوازن في إثني عشر ألفاً، فقتل من الطائف يوم حنين مثل قتلى يوم بدر، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فرمى بها وجوهنا فانهزمنا.
وأخرج أحمد ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً، فلما واجهنا العدو وتقدمت فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من العدو فأرميته بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع، فنظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وأصحاب والنبي صلى الله عليه وسلم وأنا متزر وأرجع منهزماً وعليَّ بردتان متزراً بأحدهما مرتدياً بالأخرى، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعاً ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزماً وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لقد رأى ابن الأكوع فزعاً، فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال: شاهت الوجوه. فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله تعالى، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين».
وأخرج البخاري في التاريخ والبيهقي في الدلائل عن عمرو بن سفيان الثقفي رضي الله عنه قال: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبضة من الحصى فرمى بها في وجوهنا فانهزمنا، فما خيل إلينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا».
وأخرج البخاري في التاريخ وابن مردويه والبيهقي عن يزيد بن عامر السوائي- وكان شهد حنيناً مع المشركين ثم أسلم- قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبضة من الأرض فرمى بها في وجوه المشركين وقال: ارجعوا شاهت الوجوه، فما أحد يلقاه أخوه إلا وهو يشكو قذى في عينيه ويمسح عينيه.
وأخرج مسدد في مسنده والبيهقي وابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال: حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة إلا كفيناهم، فبينا نحن نسوقهم في أدبارهم إذ التقينا إلى صاحب البغلة البيضاء فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقينا عنده رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا. فرجعنا وركبوا أكتافنا وكانت إياها.
وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحق، حدثنا أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، أنه حدث أن مالك بن عوف رضي الله عنه بعث عيوناً فأتوه وقد تقطعت أوصالهم فقال: ويلكم ما شأنكم؟ فقالوا: أتانا رجال بيض على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن مصعب بن شيبة بن عثمان الحجبي عن أبيه قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، والله ما خرجت إسلاماً ولكن خرجت إتقاء أن تظهر هوازن على قريش، فوالله إني لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قلت: يا نبي الله إني لأرى خيراً بلقاً... ! قال: يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر. فضرب بيده عند صدري حتى ما أجد من خلق الله تعالى أحب إليَّ منه قال: فالتقى المسلمون فقتل من قتل، ثم أقبل النبي وعمر رضي الله عنه آخذ باللجام، والعباس آخذ بالغرز، فنادى العباس رضي الله عنه: أين المهاجرون، أين أصحاب سورة البقرة؟- بصوت عال- هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأقبل الناس والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
أنا النبي غير كذب ** أنا ابن عبد المطلب

فأقبل المسلمون فاصطكّوا بالسيوف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن حمي الوطيس».