فصل: تفسير الآية رقم (74):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (74):

{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)}
أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال: «لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس: والله لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شر من الحمير. فسمعه عمير بن سعد فقال: والله يا جلاس إنك لأحب الناس إليَّ وأحسنهم عندي أشراً وأعزهم علي أن يدخل عليه شيء يكرهه، ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن سكت عنها لتهلكني، ولأحدهما أشد عليَّ من الأخرى. فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال، فأتى الجلاس فجعل يحلف بالله ما قال، ولقد كذب على عمير فأنزل الله: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} الآية».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «كان الجلاس بن سويد بن الصامت ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وقال: لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شر من الحمير. فرفع عمير بن سعد مقالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلف الجلاس بالله لقد كذب عليَّ وما قلت. فأنزل الله: {يحلفون بالله ما قالوا} الآية. فزعموا أنه تاب، وحسنت توبته».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «سمع زيد بن أرقم رضي الله عنه رجلاً من المنافقين يقول- والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب-: إن كان هذا صادقاً لنحن شر من الحمير. فقال زيد رضي الله عنه: هو- والله- صادق ولأنت أشر من الحمار، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجحد القائل، فأنزل الله: {يحلفون بالله ما قالوا...} الآية. فكانت الآية في تصديق زيد».
وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل شجرة فقال: إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاء فلا تكلموه. فلم يلبثوا إلا أن طلع رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم، وأنزل الله: {يحلفون بالله ما قالوا...} الآية».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: «ذكر لنا أن رجلين اقتتلا، أحدهما من جهينة والآخر من غفار، وكانت جهينة حلفاء الأنصار، فظهر الغفاري على الجهني فقال عبد الله بن أبي للأوس: انصروا أخاكم، والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك.
والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله، فأنزل الله: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر...} الآية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} قال: نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عروة»
أن رجلاً من الأنصار يقال له الجلاس بن سويد قال ليلة في غزوة تبوك «والله لئن كان ما يقول محمد حقاً لنحن شر من الحمير. فسمعه غلام يقال له عمير بن سعد وكان ربيبه فقال له: أي عم، تب إلى الله. وجاء الغلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه فجعل يحلف ويقول: والله ما قلت يا رسول الله. فقال الغلام: بلى، والله لقد قلته فتب إلى الله، ولولا أن ينزل القرآن فيجعلني معك ما قلته، فجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا فلا يتحركون إذا نزل الوحي، فرفع عن النبي فقال: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} إلى قوله: {فإن يتوبوا يك خيراً لهم} فقال: قد قلته وقد عرض الله عليّ التوبة فأنا أتوب، فقبل ذلك منه، وقتل له قتيل في الإِسلام فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ديته فاستغنى بذلك وكان همَّ أن يلحق بالمشركين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام: وعت أذنك».
وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين رضي الله عنه قال: لما نزل القرآن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير فقال: «وعت أذنك يا غلام وصدقك ربك».
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن سيرين رضي الله عنه قال: قال رجل من المنافقين: لئن كان محمد صادقاً فيما يقول لنحن شر من الحمير. فقال له زيد بن أرقم رضي الله عنهما: إن محمداً صادق ولأنت شر من الحمار. فكان فيما بينهما في ذلك كلام، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأتاه الآخر فحلف بالله ما قال، فنزلت {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن أرقم «وعت أذناك».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال: قال أحدهم: إن كان ما يقول محمد حقاً لنحن شر من الحمير.
فقال رجل من المؤمنين: فوالله إن ما يقول محمد لحق، ولأنت شر من الحمار. فهمَّ بقتله المنافق، فذلك همهم بما لم ينالوا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {يحلفون بالله ما قالوا} قال: «هم الذين أرادوا أن يدفعوا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وكانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم معه في بعض أسفاره، فجعلوا يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة، فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك ليلاً قالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فسمع حذيفة رضي الله عنه وهو يسوق النبي صلى الله عليه وسلم وكان قائده تلك الليلة عمار، وسائقه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فسمع حذيفة وقع اخفاف الابل، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين: فقال: إليكم إليكم يا أعداء الله فأمسكوا. ومضى النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل منزله الذي أراد، فلما أصبح أرسل إليهم كلهم فقال: أردتم كذا وكذا؟ فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي سألهم عنه، فذلك قوله: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} الآية».
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وهموا بما لم ينالوا} قال: همَّ رجل يقال له الأسود بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة رضي الله عنه قال: «رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مَكَرَ برسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر خبرهم فقال: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وعمار بن ياسر رضي الله عنه فمشيا معه شيئاً، فأمر عمار أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة بسوقها.
فبينما هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم، وأبصر حذيفة رضي الله عنه غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضرباً بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعرون إنما ذلك فعل المسافر، فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة رضي الله عنه وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خالطوا الناس وأقبل حذيفة رضي الله عنه حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أدركه قال: اضرب الراحلة يا حذيفة وامشِ أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استووا بأعلاها، فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة: هل عرفت يا حذيفة من هؤلاء الرهط أحداً؟ قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل علمتم ما كان شأنهم وما أرادوا؟ قالوا: لا والله يا رسول الله... ! قال: فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا طلعت في العقبة طرحوني منها. قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله فنضرب أعناقهم؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما، وقال: اكتماهم»
.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن إسحاق نحوه وزاد بعد قوله لحذيفة «هل عرفت من القوم أحدا» فقال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبرك بهم إن شاء الله عند وجه الصبح، فلما أصبح سماهم له: عبد الله بن أبي سعد، وسعد بن أبي سرح، وأبا حاصر الأعرابي، وعامراً، وأبا عامر، والجلاس بن سويد بن صامت، ومجمع بن حارثة، ومليحاً التيمي، وحصين بن نمير، وطعمة بن أبيرق، وعبد الله بن عيينة، ومرة بن ربيع. فهم اثنا عشر رجلاً حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، وذلك قوله عز وجل {وهموا بما لم ينالوا} وكان أبو عامر رأسهم، وله بنوا مسجد الضرار وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة».
وأخرج ابن سعد عن نافع بن جبير بن مطعم قال: لم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين الذين تحسوه ليلة العقبة بتبوك غير حذيفة رضي الله عنه، وهم اثنا عشر رجلاً ليس فيهم قرشي، وكلهم من الأنصار ومن حلفائهم.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنت آخذاً بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به وعمار يسوقه أو أنا أسوقه وعمار يقوده، حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا باثني عشر راكباً قد اعترضوا فيها قال: فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل عرفتم القوم؟ قلنا لا يا رسول الله كانوا متلثمين ولكنا قد عرفنا الركاب. قال: هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة. هل تدرون ما أرادوا؟ قلنا: لا. قال: أرادوا أن يزحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة فيلقوه منها. قلنا يا رسول الله، ألا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال: لا، إني أكره أن تحدث العرب بينها: أن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم، ثم قال: اللهمَّ ارمهم بالدبيلة. قلنا يا رسول الله، وما الدبيلة؟ قال: شهاب من نار يوضع على نياط قلب أحدهم فيهلك».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وهموا بما لم ينالوا} قال: أرادوا أن يتوّجوا عبد الله بن أبي وإن لم يرض محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح {وهموا بما لم ينالوا} قال: هموا أن يتوجوا عبد الله بن أبي بتاج.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه. أن مولى لبني عدي بن كعب قتل رجلاً من الأنصار، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية اثني عشر ألفاً، وفيه نزلت {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}.
وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قتل رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ديته اثني عشر ألفاً، وذلك قوله: {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} قال: بأخذهم الدية.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} قال: كانت له دية قد غلب عليها فأخرجها له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال: كان جلاس يحمل حمالة أو كان عليه دين فأدى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: ثم دعاهم إلى التوبة فقال: {فإن يتوبوا يك خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة} فاما عذاب الدنيا فالقتل، وأما عذاب الآخرة فالنار.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان قوماً قد هموا بهم سوءاً وأرادوا أمراً فليقوموا فليستغفروا فلم يقم أحد ثلاث مرار، فقال: قم يا فلان قم يا فلان. فقالوا: نستغفر الله تعالى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لانا دعوتكم إلى التوبة والله أسرع إليكم بها وأنا أطيب لكم نفساً بالاستغفار أخرجوا».
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: احفظ عني كل شيء في القرآن {وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير} فهي للمشركين، فأما المؤمنون فما أكثر شفعاءهم وأنصارهم.