فصل: تفسير الآية رقم (80):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (80):

{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم «عن عروة أن عبد الله بن أبي قال لأصحابه: لولا أنكم تنفقون على محمد وأصحابه لانفضوا من حوله، وهو القائل {ليخرجن الأعز منها الأذل} [ المنافقون: 8] فأنزل الله عز وجل {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} قال النبي» لأزيدن على السبعين. فأنزل الله: {سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم} [ المنافقون: 6].
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: لما نزلت {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} قال النبي صلى الله عليه وسلم «سأزيد على سبعين، فأنزل الله في السورة التي يذكر فيها المنافقون {لن يغفر الله لهم} [ المنافقون: 6]».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما نزلت هذه الآية أسمع ربي قد رخص لي فيهم، فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم. فقال الله من شدة غضبه عليهم {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين} [ المنافقون: 6]».
وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم والنحاس وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: لما توفي عبد الله بن أبي، دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام عليه فلما وقف قلت أعلى عدوّ الله عبد الله بن أبي القائل كذا وكذا، والقائل كذا وكذا؟! أعدد أيامه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم، حتى إذا أكثرت قال: «يا عمر أخر عني اني قد خيرت، قد قيل لي {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة} فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها، ثم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه، فعجبت لي ولجراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم- والله رسوله أعلم- فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت هاتان الآيتان {ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره} [ التوبة: 84] فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق بعده حتى قبضه الله عز وجل».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لقد أصبت في الإِسلام هفوة ما أصبت مثلها قط، «أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي على عبد الله بن أبي، فأخذت بثوبه فقلت: والله ما أمرك الله بهذا، لقد قال الله: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد خيرني ربي فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر، فجعل الناس يقولون لابنه: يا حباب افعل كذا يا حباب افعل كذا: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحباب اسم شيطان أنت عبد الله».
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: {استغفر لهم...} الآية. قال: نزلت في الصلاة على المنافقين قال: «لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق قال النبي صلى الله عليه وسلم لو أعلم إن استغفرت له إحدى وسبعين مرة غفر له لفعلت فصلى عليه الله الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم، فأنزل الله: {ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره} [ التوبة: 84] ونزلت العزمة في سورة المنافقين {سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} [ المنافقون: 6] الآية».

.تفسير الآية رقم (81):

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)}
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {بمقعدهم خلاف رسول الله} قال: عن غزوة تبوك.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية قال: يعني المتخلفون بأن قعدوا خلاف رسول الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كانت تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي غزوة الحر. قالوا: لا تنفروا في الحر، وهي غزوة العسرة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا معه وذلك في الصيف. فقال رجال: يا رسول الله الحر شديد ولا نستطيع الخروج فلا تنفروا في الحر. فقال الله: {قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون} فأمره بالخروج».
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {لا تنفروا في الحر} قال: قول المنافقين يوم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد إلى تبوك، فقال رجل من بني سلمة: لا تنفروا في الحر. فأنزل الله: {قل نار جهنم أشد حراً...} الآية.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: استدار برسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من المنافقين حين أذن للجد بن قيس ليستأذنوه ويقولوا: يا رسول الله ائذن لنا فإنا لا نستطيع أن ننفر في الحر، فأذن لهم واعرض عنهم. فأنزل الله: {قل نار جهنم أشد حراً...} الآية.

.تفسير الآية رقم (82):

{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً} قال: هم المنافقون والكفار الذين اتخذوا من دينهم هزواً ولعباً، يقول الله تعالى {فليضحكوا قليلاً} في الدنيا {وليبكوا كثيراً} في الآخرة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {فليضحكوا قليلاً} قال: الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤوا، فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله تعالى استأنفوا بكاء لا ينقطع أبداً.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين. مثله.
وأخرج البخاري والترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً».
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجداً، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجارون إلى الله، لوددت أني كنت شجرة تعضد».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وأبو يعلى عن أنس «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فتسيل فتقرح العيون، فلو أن سفناً أرخيت فيها لجرت».
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة النار عن زيد بن رفيع رفعه قال: إن أهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زماناً، ثم بكوا القيح زماناً فتقول لهم الخزنة: يا معشر الأشقياء تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في الدنيا، هل تجدون اليوم من تستغيثون به؟ فيرفعون أصواتهم: يا أهل الجنة يا معشر الآباء والأمهات والأولاد خرجنا من القبور عطاشاً، وكنا طول الموقف، عطاشاً ونحن عطاشاً، فافيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله. فيدعون أربعين سنة لا يجيبهم، ثم يجيبهم إنكم ماكثون. فييأسون من كل خير.
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي موسى الأشعري. أنه خطب الناس بالبصرة فقال: يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع، ثم يبكون الدماء حتى لو أجري فيها السفن لجرت.
وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الله بن عمر قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولو تعلمون حق العلم لصرخ أحدكم حتى ينقطع صوته، ولسجد حتى ينقطع صلبه.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم تبكون لا تدرون تنجون أو لا تنجون.

.تفسير الآية رقم (83):

{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {فإن رجعك الله إلى طائفة منهم} قال: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلاً من المنافقين، وفيهم قيل ما قيل.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية يقول: أرأيت إن نفرت فاستأذنوك أن ينفروا معك؟ فقل: لن تخرجوا معي أبداً.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فاقعدوا مع الخالفين} قال: هم الرجال الذين تخلفوا عن النفور.

.تفسير الآيات (84- 85):

{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)}
أخرج البخاري ومسلم وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول أتى ابنه عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه. فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام عمر بن الخطاب فأخذ ثوبه فقال: يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال: «إن ربي خيَّرني وقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [ التوبة: 80] وسأزيد على السبعين فقال: إنه منافق فصلى عليه. فأنزل الله تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره} فترك الصلاة عليهم».
وأخرج الطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أن عبد الله بن عبد الله بن أبي قال له أبوه: أي بني، اطلب لي ثوباً من ثياب النبي صلى الله عليه وسلم فكفني فيه، ومره أن يصلي عليَّ. قال «فأتاه فقال: يا رسول الله قد عرفت شرف عبد الله، وهو يطلب إليك ثوباً من ثيابك نكفنه فيه وتصلي عليه؟ فقال عمر: يا رسول الله قد عرفت عبد الله ونفاقه. أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال: وابني؟! فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [ التوبة: 80] قال: فإني سأزيد على سبعين. فأنزل الله عز وجل {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره...} الآية. قال: فأرسل إلى عمر فأخبره بذلك، وأنزل الله: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} [ المنافقون: 6]».
وأخرج ابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال: لما مرض عبد الله بن أبي بن سلول مرضه الذي مات فيه عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مات صلى عليه وقام على قبره. قال: فوالله إن مكثنا إلا ليالي حتى نزلت {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً...} الآية.
وأخرج ابن ماجة والبزار وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن جابر قال «مات رأس المنافقين بالمدينة، فأوصى أن يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكفنه في قميصه، فجاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبي أوصى أن يكفن في قميصك، فصلى عليه وألبسه قميصه وقام على قبره، فأنزل الله: {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره}».
وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن مردويه عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي على عبد الله بن أبي، فأخذ جبريل عليه السلام بثوبه وقال: {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره}».
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: «وقف نبي الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي، فدعاه فأغلظ له وتناول لحية النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو أيوب: كف يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله لئن أذن لأضعن فيك السلاح، وأنه مرض فأرسل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوه، فدعا بقميصه فقال عمر: والله ما هو بأهل أن تأتيه. قال: بلى. فأتاه فقال: أهلكتك موادّتك اليهود؟ قال: إنما دعوتك لتستغفر لي ولم أدعك لتؤنبني. قال: أعطني قميصك لأكفن فيه. فأعطاه ونفث في جلده، ونزل في قبره، فأنزل الله: {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً...} الآية قال: فذكروا القميص. قال: وما يغني عنه قميصي، والله إني لأرجو أن يسلم به أكثر من ألف من بني الخزرج، فأنزل الله: {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم} الآية».