فصل: تفسير الآية رقم (122):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (122):

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)}
أخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: نسخ هؤلاء الآيات {انفروا خفافاً وثقالاً} [ التوبة: 41] و {إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً} [ التوبة: 39] قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} يقول: لتنفر طائفة ولتمكث طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالماكثون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون اخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو، لعلهم يحذرون ما نزل من بعدهم من قضاء الله في كتابه وحدوده.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في المدخل عن ابن عباس في قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} يعني ما كان المؤمنون لينفروا جميعاً ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يعني عصبة يعني السرايا فلا يسيرون إلا باذنه، فإذا رجعت السرايا وقد نزل قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: إن الله قد أنزل على نبيكم بعدنا قرآناً وقد تعلمناه، فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم صلى الله عليه وسلم بعدهم، ويبعث سرايا أخر، فذلك قوله: {ليتفقهوا في الدين} يقول يتعلمون ما أنزل الله على نبيه ويعلمونه السرايا إذا رجعت إليهم {لعلهم يحذرون}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} قال: ليست هذه الآية في الجهاد، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم، فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ويعتلوا بالإِسلام وهم كاذبون، فضيقوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم، فأنزل الله تعالى يخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا بمؤمنين، فردهم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله: {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كان المؤمنون يحرضهم على الجهاد إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية خرجوا فيها وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة في رقة من الناس، فأنزل الله تعالى {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} أمروا إذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية أن تخرج طائفة وتقيم طائفة، فيحفظ المقيمون على الذين خرجوا ما أنزل الله من القرآن وما يسن من السنن، فإذا رجع اخوانهم أخبروهم بذلك وعلموهم، وإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتخلف عنه أحد إلا باذن أو عذر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة قال: لما نزلت {إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً} [ التوبة: 39] {ما كان لأهل المدينة} [ التوبة: 120] الآية. قال المنافقون: هلك أهل البدو الذين تخلفوا عن محمد صلى الله عليه وسلم ولم يغزوا معه، وقد كان ناس خرجوا إلى البدو وإلى قومهم يفقهونهم، فأنزل الله تعالى {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية. ونزلت {والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة} [ الشورى: 16] الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية. قال: ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا في البوادي، فاصابوا من الناس معروفاً ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى فقال لهم الناس: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتونا. فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجاً واقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} خرج بعض وقعد بعض يبتغون الخير {ليتفقهوا في الدين} وليسمعوا ما في الناس وما أنزل بعدهم {ولينذروا قومهم} قال: الناس كلهم إذا رجعوا إليهم {لعلهم يحذرون}.

.تفسير الآية رقم (123):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)}
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} قال: الأدنى فالأدنى.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك. مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال: كان الذين يلونه من الكفار العرب، فقاتلهم حتى فرغ منهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن جعفر بن محمد. أنه سئل عن قتال الديلم فقال: قاتلوهم فإنهم من الذين قال الله تعالى {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار}.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن. أنه كان إذا سئل عن قتال الروم والديلم، تلا هذه الآية {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} قال: شدة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أنه سئل عن غزو الديلم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} قال: الروم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وليجدوا فيكم غلظة} قال: شدة.

.تفسير الآيات (124- 126):

{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)}
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فمنهم من يقول أيكم زادته} قال: من المنافقين من يقول.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً} قال: كانت إذا أنزلت سورة آمنوا بها فزادهم الله إيماناً وتصديقاً وكانوا بها يستبشرون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {فزادتهم رجساً إلى رجسهم} قال: شكاً إلى شكهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أو لا يرون أنهم يفتنون} قال: يبتلون.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {يفتنون} قال: يبتلون {في كل عام مرة أو مرتين} قال: بالسنة والجوع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {يفتنون في كل عام مرة أو مرتين} قال: يبتلون بالعدوّ في كل عام مرة أو مرتين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {يفتنون في كل عام} قال: يبتلون بالغزو في سبيل الله.
وأخرج أبو الشيخ عن بكار بن مالك {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين} قال: يمرضون في كل عام مرة أو مرتين.
وأخرج أبو الشيخ عن العتبي قال: إذا مرض العبد ثم عوفي فلم يزدد خيراً قالت الملائكة عليهم السلام هذا الذي داويناه فلم ينفعه الدواء.
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين} قال: كانت لهم في كل عام كذبة أو كذبتان.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة في قوله: {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين} قال: كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين، فيضل بها فئام من الناس كثير.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: في قراءة عبد الله «أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين وما يتذكرون».

.تفسير الآية رقم (127):

{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض} قال: هم المنافقون.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد} كراهية أن يغصنا بها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد} ممن سمع خيركم رآكم أحد أخبره إذا نزل شيء يخبر عن كلامهم وهم المنافقون.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: لا تقولوا انصرفنا من الصلاة، فإن قوماً انصرفوا صرف الله قلوبهم، ولكن قولوا: قضينا الصلاة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: لا يقال انصرفنا من الصلاة، ولكن قد قضيت الصلاة.

.تفسير الآية رقم (128):

{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}
أخرج عبد بن حميد والحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في دلائل النبوّة وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} قال: ليس من العرب قبيلة إلا وقد ولدت النبي صلى الله عليه وسلم، مضريها وربيعيها ويمانيها.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه وأبو الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح».
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس في قوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} قال: قد ولدتموه يا معشر العرب.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قرأ رسول الله {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا رسول الله ما معنى {أنفسكم}؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا أنفسكم نسباً وصهراً وحسباً، ليس فيَّ ولا في آبائي من لدن آدم سفاح كلها نكاح».
وأخرج الحاكم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} يعني من أعظمكم قدراً.
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء، وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإِسلام».
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خرجت من نكاح غير سفاح».
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة في المصنف عن محمد بن علي بن حسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم لم يصبني من سفاح أهل الجاهلية شيء، لم أخرج إلا من طهرة».
وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل وابن عساكر عن علي بن أبي طالب «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي، وأمي لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء».
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يلتق أبواي قط على سفاح، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذباً، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما».
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير العرب مضر، وخير مضر بنو عبد مناف، وخير بني عبد مناف بنو هاشم، وخير بنو هاشم بنو عبد المطلب، والله ما افترق شعبتان منذ خلق الله آدم إلا كنت في خيرهما».
وأخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن أنس قال: «خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرهما، فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم، حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفساً وخيركم أباً».
وأخرج ابن سعد والبخاري والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرنا، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه».
وأخرج ابن سعد ومسلم والترمذي والبيهقي في الدلائل عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم».
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حين خلق الخلق جعلني من خير خلقه، ثم حين فرقهم جعلني في خير الفريقين، ثم حين خلق القبائل جعلني من خيرهم قبيلة، وحين خلق الأنفس جعلني من خير أنفسهم، ثم حين خلق البيوت جعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فانا من خيار إلى خيار».
وأخرج ابن سعد عن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قسم الله الأرض نصفين فجعلني في خيرهما، ثم قسم النصف على ثلاثة فكنت في خير ثلث منها، ثم اختار العرب من الناس، ثم اختار قريشاً من العرب، ثم اختار بني هاشم من قريش، ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم، ثم اختارني من بني عبد المطلب».
وأخرج ابن سعد والبيهقي عن محمد بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اختار العرب فاختار منهم كنانة، ثم اختار منهم قريشاً، ثم اختار منهم بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم».
وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اختار العرب فاختار كنانة من العرب، واختار قريشاً من كنانة، واختار بني هاشم من قريش، واختارني من بني هاشم».
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ولدتني بغي قط مذ خرجت من صلب آدم، ولم تزل تتنازعني الأمم كابراً عن كابر حتى خرجت من أفضل حيين من العرب هاشم وزهرة».
وأخرج ابن أبي عمر العدني عن ابن عباس «أن قريشاً كانت نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق الخلق بألفي عام، يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه، فلما خلق الله آدم عليه السلام ألقى ذلك النور في صلبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم عليه السلام، وجعلني في صلب نوح، وقذف بي في صلب إبراهيم، ثم لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة حتى أخرجني من بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط».
وأخرج البيهقي عن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب قال: «بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن قوماً نالوا منه، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس إن الله خلق خلقه فجعلهم فرقتين، فجعلني في خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلاً، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا خيركم قبيلاً وخيركم بيتاً».
وأخرج الترمذي وحسنه وابن مردويه والبيهقي عن المطلب بن أبي وداعة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغه بعض ما يقول الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله. قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، وجعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، وجعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً، فانا خيركم بيتاً، وخيركم نفساً».
وأخرجه الترمذي وصححه والنسائي عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب.
وأخرج ابن سعد عن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد الله أن يبعث نبياً نظر إلى خير أهل الأرض قبيلة فيبعث خيرها رجلاً».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله عز وجل بعثني فطفت شرق الأرض وغربها وسهلها وجبلها فلم أجد حياً خيراً من العرب، ثم أمرني فطفت في العرب فلم أجد حياً خيراً من مضر، ثم أمرني فطفت في مضر فلم أجد حياً خيراً من كنانة، ثم أمرني فطفت في كنانة فلم أجد حياً خيراً من قريش، ثم أمرني فطفت في قريش فلم أجد حياً خيراً من بني هاشم، ثم أمرني أن أختار من أنفسهم فلم أجد فيهم نفساً خيراً من نفسك».
وأخرج ابن أبي شيبة وإسحق بن راهويه وابن منيع في مسنده وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: آخر آية أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ: إن آخر ما نزل من القرآن {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن الحسن أن أبي بن كعب كان يقول: إن أحدث القرآن عهداً بالله، وفي لفظ: بالسماء هاتان الآيتان {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر السورة.
وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وابن الضريس في فضائله وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والخطيب في تلخيص المتشابه والضياء في المختارة من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب. أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب، حتى انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون} فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن فقال أبي بن كعب: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقرأني بعد هذا آيتين {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} فهذا آخر ما نزل من القرآن.
قال: فختم الأمر بما فتح به بلا إله إلا الله، يقول الله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [ الأنبياء: 25].
وأخرج ابن سعد وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن حبان وابن المنذر والطبراني والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، واني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن الا أن تجمعوه، وإني أرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: فقلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو- والله- خير. فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت: وعمر جالس عنده لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمراني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو- والله- خير. فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فقمت فتتبعت القرآن اجمعه من الرقاع والإِكاف والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال: كان عمر لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد رجلان، فجاء رجل من الأنصار بهاتين الآيتين {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخرها. فقال عمر: لا أسألك عليها بينة أبداً، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن عروة قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرقَّ أبو بكر على القرآن أن يضيع فقال لعمر بن الخطاب، ولزيد بن ثابت: أقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه.
وأخرج ابن إسحاق وأحمد بن حنبل وابن أبي داود عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: أتى الحرث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر براءة {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى قوله: {وهو رب العرش العظيم} إلى عمر فقال: من معك على هذا؟ فقال: لا أدري والله إلا أني أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها.
فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا من القرآن فالحقوها. فألحقت في آخر براءة.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن، فقام في الناس فقال: من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن فليأتنا به، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شهيدان، فقتل وهو يجمع ذلك إليه، فقام عثمان بن عفان فقال: من كان عنده شيء من كتاب الله فليأتنا به، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد به شاهدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. فقالوا: ما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} إلى آخر السورة فقال عثمان: وأنا أشهد أنهما من عند الله، فأين ترى أن نجعلهما؟ قال: اختم بهما آخر ما نزلت من القرآن، فختمت بهما براءة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} الآية. قال: جعله الله من أنفسهم فلا يحسدونه على ما أعطاه الله من النبوة والكرامة، عزيز عليه عنت مؤمنهم، حريص على ضالهم أن يهديه الله {بالمؤمنين رؤوف رحيم}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {عزيز عليه ما عنتم} قال: شديد عليه ما شق عليكم {حريص عليكم} أن يؤمن كفاركم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جاء جبريل فقال لي: يا محمد إن ربك يقرئك السلام، وهذا ملك الجبال قد أرسله الله إليك وأمره أن لا يفعل شيئاً إلا بأمرك. فقال له ملك الجبال: إن الله أمرني أن لا أفعل شيئاً إلا بأمرك، إن شئت دمدمت عليهم الجبال، وإن شئت رميتهم بالحصباء، وإن شئت خسفت بهم الأرض. قال: يا ملك الجبال فإني آتي بهم لعله أن يخرج منهم ذرية يقولون: لا إله إلا الله. فقال ملك الجبال عليه السلام: أنت كما سمَّاك ربك رؤوف رحيم».
وأخرج ابن مردويه عن أبي صالح الحنفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله رحيم ولا يضع رحمته إلا على رحيم. قلنا: يا رسول الله كلنا نرحم أموالنا وأولادنا. قال: ليس بذلك ولكن كما قال الله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}».
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا له: إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا نأمنك وتأمنا. قال: ولم سألتم هذا؟ قالوا: نطلب الأمن، فأنزل الله تعالى هذه الآية {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} الآية».
وأخرج ابن سعد عن أبي صالح الحنفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله رحيم يحب الرحيم، يضع رحمته على كل رحيم. قالوا: يا رسول الله إنا لنرحم أنفسنا وأموالنا وأزواجنا. قال: ليس كذلك ولكن كونوا كما قال الله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}».