فصل: تفسير الآيات (12- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (12- 15):

{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)}
أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} قال: بجد {وآتيناه الحكم صبياً} قال: الفهم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قوله: {خذ الكتاب بقوة} يقول: اعمل بما فيه من فرائضه.
وأخرج ابن المنذر، عن مالك بن دينار قال: سألنا عكرمة عن قوله: {وآتيناه الحكم صبياً} قال: اللب.
وأخرج أبو نعيم وابن مردويه والديلمي، عن ابن عباس، «عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وآتيناه الحكم صبياً} قال: أعطي الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين».
وأخرج عبد الله بن أحمد في زائد الزهد وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وآتيناه الحكم صبياً} قال: وهو ابن ثلاث سنين.
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي وابن عساكر، عن معمر بن راشد في قوله: {وآتيناه الحكم صبياً} قال: بلغني أن الصبيان قالوا ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، قال: ما للعب خلقت. فهو قوله: {وآتيناه الحكم صبياً}.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد من طريق معمر، عن قتادة قال: جاء الغلمان إلى يحيى بن زكريا فقال: ما للعب خلقت. قال: فأنزل الله: {وآتيناه الحكم صبياً}.
وأخرجه ابن عساكر، عن معاذ بن جبل مرفوعاً.
وأخرج الحاكم في تاريخه من طريق سهل بن سعيد عن الضحاك، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال الغلمان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، فقال يحيى: ما للعب خلقنا! اذهبوا نصلي. فهو قول الله: {وآتيناه الحكم صبياً}.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن قبل أن يحتلم، فقد أوتي الحكم صبياً».
وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس موقوفاً.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والزجاجي في أماليه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة، عن ابن عباس في قوله: {وحناناً} قال: لا أدري ما هو، إلا أني أظنه تعطف الله على خلقه بالرحمة.
وأخرج ابن جرير، عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قوله: {وحناناً} فلم يجر فيها شيئاً.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {وحناناً من لدنا} قال: رحمة من عندنا.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله: {وحناناً من لدنا} قال: رحمة من عندنا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت طرفة بن العبد البكري وهو يقول:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ** حنانيك بعض لشر أهون من بعض

وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد {وحناناً من لدنا} قال: تعطفاً من ربه عليه.
وأخرج عبد بن حميد، عن الحسن {وحناناً من لدنا} قال: الرحمة.
وأخرج عبد بن حميد، عن الربيع {وحناناً من لدنا} قال: {رحمة من عندنا} لا يملك عطاءها أحد غيرنا.
وأخرج الحكيم الترمذي، عن سعيد الجهني في قوله: {وحناناً من لدنا} قال: الحنان المحبب.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد، عن قتادة {وحناناً من لدنا} قال: رحمة من عندنا {وزكاة} قال صدقة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وزكاة} قال: بركة. وفي قوله: {وكان تقياً} قال: طهر فلم يعمل بذنب.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن قوله: {وكان تقياً} قال: لم يعصه ولم يهم بها.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {ولم يكن جباراً عصياً} قال: كان سعيد بن المسيب يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب، إلا يحيى بن زكريا» قال قتادة: وقال الحسن: قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أذنب يحيى بن زكريا قط ولا هم بامرأة».
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر، عن ابن عباس في قوله: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} قال: ذكره الله برحمته منه حيث دعاه {إذ نادى ربه نداء خفياً} يعني دعا ربه {دعاء خفياً} في الليل، لا يسمع أحداً، أو يسمع أذنيه. فقال: {رب إني وهن العظم مني} يعني ضعف العظم مني {واشتعل الرأس شيباً} يعني غلب البياض السواد {ولم أكن بدعائك رب شقياً} أي لم أدعك قط فخيبتني فيما مضى، فتخيبني فيما بقي، فكما لم أشق بدعائي فيما مضى، فكذلك لا أشقى فيما بقي، عوّدتني الإجابة من نفسك. {وإني خفت الموالي من ورائي} فلم يبق لي وارث، وخفت العصبة أن ترثني {فهب لي من لدنك ولياً} يعني من عندك ولداً {يرثني} يعني يرث محرابي، وعصاي وبرنس العربان، وقلمي الذي أكتب به الوحي {ويرث من آل يعقوب} النبوّة {واجعله رب رضياً} يعني مرضياً عندك زاكياً بالعمل، فاستجاب الله له، فكان قد دخل في السن هو وامرأته. فبينا هو قائم يصلي في المحراب، حيث يذبح القربان، إذا هو برجل عليه البياض حياله، وهو جبريل فقال: {يا زكريا إن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى} هو اسم من أسماء الله، اشتق من حي سماه الله فوق عرشه {لم نجعل له من قبل سميا} لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولد له {هل تعلم له سميا} يعني هل تعلم له ولداً، ولم يكن لزكريا قبله ولد، ولم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى قال: وكان اسمه حياً، فلما وهب الله لسارة إسحق، فكان اسمها يسارة، ويسارة من النساء التي لا تلد، وسارة من النساء: الطالقة الرحم التي تلد فسماها الله سارة وحول الياء من سارة إلى حي فسماه يحيى، فقال: {رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً} خاف أنها لا تلد.
قال: {كذلك قال ربك} {يا زكريا هو عليّ هين وقد خلقتك من قبل} أن أهب لك يحيى {ولم تك شيئاً} وكذلك أقدر على أن أخلق من الكبير والعاقر. وذلك أن إبليس أتاه فقال: يا زكريا، دعاؤك كان خفياً فأجبت بصوت رفيع، وبشرت بصوت عال، ذلك صوت من الشيطان، ليس من جبريل، ولا من ربك. {قال رب اجعل لي آية} حتى أعرف أن هذه البشرى منك. {قال آيتك أَلا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً} يعني صحيحاً من غير خرس. فحاضت زوجته، فلما طهرت طاف عليها فاستحملت، فأصبح لا يتكلم وكان إذا أراد التسبيح والصلاة أطلق الله لسانه فإذا أراد أن يكلم الناس؛ اعتقل لسانه فلا يستطيع أن يتكلم، وكانت عقوبة له لأنه بشر بالولد فقال: {أَنى يكون لي غلام} فخاف أن يكون الصوت من غير الله {فخرج على قومه من المحراب} يعني من مصلاه الذي كان يصلي فيه. فأوحى إليهم بكتاب كتبه بيده {أن سبحوا بكرة وعشياً} يعني صلوا صلاة الغداة والعصر، فولد له يحيى على ما بشره الله نبياً تقياً صالحاً {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} يعني بجد وطاعة واجتهاد وشكر وبالعمل بما فيه {وآتيناه الحكم} يعني الفهم {صبياً} صغيراً وذلك أنه مر على صبية أتراب له، يلعبون على شاطئ نهر بطين وبماء، فقالوا: يا يحيى تعالَ حتى نلعب، فقال: سبحان الله! أو للعب خلقنا؟! {وحناناً} يعني ورحمة {منا} وعطفاً {وزكاة} يعني وصدقة على زكريا {وكان تقياً} يعني مطهراً مطيعاً لله {وبراً بوالديه} كان لا يعصيهما {ولم يكن جباراً} يعني قتال النفس التي حرم الله قتلها {عصياً} يعني عاصياً لربه. {وسلام عليه} يعني حين سلم الله عليه {يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً}.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن القاسم قال: قال مالك: بلغني أن عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام ابنا خالة، وكان حملهما جميعاً معاً، فبلغني أن أم يحيى، قالت لمريم: إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك. قال مالك: أرى ذلك لتفضيل الله عيسى، لأن الله جعله يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ولم يكن ليحيى عيشة إلا عشب الأرض، وإن كان ليبكي من خشية الله، حتى لو كان على خده القار لأذابه، ولقد كان الدمع اتخذ في وجهه مجرى.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن خزيمة والدارقطني في الأفراد وأبو نصر السجزي في الإبانة والطبراني، عن ابن عباس قال: «كنا في حلقة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم نتذاكر فضائل الأنبياء، فذكرنا نوحاً وطول عبادته، وذكرنا إبراهيم وموسى وعيسى فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تذاكرون بينكم فذكرنا له، فقال: أما إنه لا ينبغي أن يكون أحد خيراً من يحيى بن زكريا أما سمعتم الله كيف وصفه في القرآن {يا يحيى خذ الكتاب بقوّة} إلى قوله: {وكان تقياً} لم يعمل سيئة قط ولم يهم بها».
وأخرج ابن عساكر عن ابن شهاب: «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوماً وهم يتذاكرون فضل الأنبياء فقال قائل: موسى كلمه الله تكليماً، وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته، وقال قائل: إبراهيم خليل الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين الشهيد ابن الشهيد يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب يحيى بن زكريا».
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والحاكم وابن مردويه، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ، أو هم بخطيئة، إلا يحيى بن زكريا، لم يهم بخطيئة ولم يعملها».
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم والحاكم عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب، إلا ما كان من يحيى بن زكريا».
وأخرج أحمد في الزهد وابن عساكر، عن يحيى بن جعدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يحيى بن زكريا، ما هم بخطيئة ولا حاكت في صدره امرأة».
وأخرج ابن عساكر عن ضمرة بن حبيب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بعلت النساء عن ولد ينبغي له أن يقول: أنا أفضل من يحيى بن زكريا لم يحك في صدره خطيئة ولم يهم بها».
وأخرج ابن عساكر عن علي بن أبي طلحة رفعه قال: ما ارتكض في النساء من جنين ينبغي له أن يقول: أنا أفضل من يحيى بن زكريا، لأنه لم يحك في صدره خطيئة ولم يهم بها.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، عن الحسن قال: إن عيسى ويحيى التقيا فقال يحيى لعيسى: استغفر لي أنت خير مني فقال له عيسى: بل أنت خير مني، سلم الله عليك، وسلمت أنا على نفسي، فعرف والله فضلها.
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والحاكم والضياء، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيداً شباب أهل الجنة- إلا ابني الخالة- عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا».
وأخرج الحاكم من طريق سمرة، عن كعب قال: كان يحيى لا يقرب النساء ولا يشتهيهن، وكان شاباً حسن الوجه، لين الجناح، قليل الشعر، قصير الأصابع، طويل الأنف، أقرن الحاجبين، رقيق الصوت، كثير العبادة، قوياً في الطاعة.
وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه وابن عساكر، عن أبي بن كعب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من هوان الدنيا على الله، أن يحيى بن زكريا قتلته امرأة».
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن الزبير قال: من أنكر البلاء، فإني لا أنكره، لقد ذكر لي أنما قتل يحيى بن زكريا في زانية.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر من طريقه: أنا أبو يعقوب الكوفي، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به رأى زكريا في السماء فسلم عليه فقال له: «يا أبا يحيى، خبرني عن قتلك كيف كان؟ ولم قتلك بنو إسرائيل؟ قال: يا محمد، إن يحيى كان خير أهل زمانه، وكان أجملهم وأصبحهم وجهاً، وكان كما قال الله: {سيداً وحصوراً} وكان لا يحتاج إلى النساء، فهويته امرأة ملك بني إسرائيل وكانت بغية فأرسلت إليه، وعصمه الله وامتنع يحيى وأبى عليها، وأجمعت على قتل يحيى، وَلَهُم عيد يجتمعون في كل عام، وكانت سنة الملك أن يوعد ولا يخلف ولا يكذب، فخرج الملك للعيد فقامت امرأته فشيعته، وكان بها معجباً، ولم تكن تسأله فيما مضى، فلما أن شيعته قال الملك: سليني فما تسأليني شيئاً إلا أعطيتك، قالت: أريد دم يحيى بن زكريا. قال لها: سليني غيره. قالت: هو ذاك. قال: هو لك، فبعثت جلاوزتها إلى يحيى وهو في محرابه يصلي، وأنا إلى جانبه أصلي، فذبح في طست، وحمل رأسه ودمه إليها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما بلغ من صبرك؟ قال: ما انفتلت من صلاتي، فلما حمل رأسه إليها ووضع بين يديها،- فلما أمسوا- خسف الله بالملك وأهل بيته وحشمه، فلما أصبحوا قالت بنو إسرائيل: لقد غضب إله زكريا لزكريا، فتعالوا حتى نغضب لملكنا، فنقتل زكريا، فخرجوا في طلبي ليقتلوني، فجاءني النذير، فهربت منهم وإبليس أمامهم يدلهم علي: فلما أن تخوفت أن لا أعجزهم، عرضت لي شجرة فنادتني فقالت: إلي إلي، وانصدعت لي، فدخلت فيها، وجاء إبليس حتى أخذ بطرف ردائي، والتأمت الشجرة وبقي طرف ردائي خارجاً من الشجرة، وجاء بنو إسرائيل، فقال إبليس: أما رأيتموه دخل هذه الشجرة! هذا طرف ردائه دخل به الشجرة، فقالوا: نحرق هذه الشجرة، فقال إبليس: شقوه بالمنشار شقاً.
قال: فشققت مع الشجرة بالمنشار. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا زكريا، هل وجدت له مساً أو وَجعاً؟ قال: لا، إنما وجدت تلك الشجرة جعل الله روحي فيها»
.
وأخرج ابن عساكر، عن وهب بن منبه «أن زكريا هرب ودخل جوف شجرة، فوضع على الشجرة المنشار وقطع بنصفين، فلما وقع المنشار على ظهره أنَّ، فأوحى الله يا زكريا إما أن تكف عن أنينك، أو أقلب الأرض ومن عليها فسكت حتى قطع نصفين».
وأخرج أحمد في الزهد وابن عساكر عن يزيد بن ميسرة قال: كان طعام يحيى بن زكريا الجراد وقلوب الشجر، وكان يقول: من أنعم منك يا يحيى؟ طعامك الجراد وقلوب الشجر.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن عساكر، عن أبي إدريس الخولاني وابن المبارك وأحمد في الزهد وأبو نعيم، عن مجاهد قالا: كان طعم يحيى بن زكريا العشب، وإن كان ليبكي من خشية الله، حتى لو كان القار على عينه لأحرقه! ولقد كانت الدموع اتخذت مجرى في وجهه.
وأخرج ابن عساكر، عن يونس بن ميسرة قال: مر يحيى بن زكريا على دينار فقال: قبح هذا الوجه يا دينار، يا عبد العبيد، ومعبد الأحرار.
وأخرج البيهقي في سننه، عن مجاهد قال: سأل يحيى بن زكريا ربه؟ قال: رب، اجعلني أسلم على ألسنة الناس، ولا يقولون فيّ إلا خيراً. فأوحى الله إليه: يا يحيى لم أجعل هذا لي، فكيف أجعله لك؟.
وأخرج أحمد والبيهقي في الشعب وابن عساكر، عن ثابت البناني قال: بلغنا أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا، فرأى عليه معاليق من كل شيء، فقال له يحيى: ما هذه؟! قال: هذه الشهوات التي أصيب بها بنو آدم. قال له يحيى: هل لي فيها شيء؟ قال: لا. قال: فهل تصيب مني شيئاً؟ قال: ربما شبعت، فثقلناك عن الصلاة والذكر. قال: هل غيره؟ قال: لا. قال: لا جرم، لا أشبع أبداً.
وأخرج ابن عساكر من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي قال: كان ملك مات وترك امرأته وابنته، فورث ملكه أخوه، فأراد أن يتزوج امرأة أخيه، فاستشار يحيى بن زكريا في ذلك، وكانت الملوك في ذلك الزمان يعلمون بأمر الأنبياء، فقال له: لا تتزوّجها فإنها بغي، فبلغ المرأة ذلك، فقالت: ليقتلن يحيى أو ليخرجن من ملكه. فعمدت إلى ابنتها فصيغتها، ثم قالت اذهبي إلى عمك عند الملأ، فإنه إذا رآك سيدعوك، ويجلسك في حجره ويقول: سليني ما شئت، فإنك لن تسأليني شيئاً إلا أعطيتك، فإذا قال لك قولي: فقولي لا أسألك شيئاً إلا رأس يحيى، وكانت الملوك إذا تكلم أحدهم بشيء على رؤوس الملأ، ثم لم يمض له، نزع من ملكه.
ففعلت ذلك، فجعل يأتيه الموت من قتله يحيى، وجعل يأتيه الموت من خروجه من ملكه، فاختار ملكه، فقتله، فساخت بأمها الأرض. قال ابن جدعان: فحدثت بهذا الحديث ابن المسيب، فقال: أما أخبرك كيف كان قتل زكريا؟ قلت: لا. قال: إن زكريا حيث قتل ابنه، انطلق هارباً منهم، واتبعوه حتى أتى على شجرة ذات ساق، فدعته إليها فانطوت عليه، وبقيت من ثوبه هدبة تلعبها الريح، فانطلقوا إلى الشجرة فلم يجدوا أثره عندها، فنظروا تلك الهدبة، فدعوا المنشار، فقطعوا الشجرة فقطعوه فيها.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمرو قال: التي قتلت يحيى بن زكريا امرأة ورثت الملك عن آبائها، فأتيت برأس يحيى وهي على سريرها، فقال للأرض خذيها فأخذتها وسريرها فذهب بها.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر، عن عبد الله بن الزبير: أن ملكاً أراد أن يتزوج ابنة أخيه، فاستفتى يحيى بن زكريا؟ فقال: لا تحل لك. فسألت قتله؟ فبعث إليه- وهو في محرابه يصلي- فذبحوه، ثم حزوا رأسه وأتوا به الملك، فجعل الرأس يقول: لا يحل لك ما تريد.
وأخرج ابن عساكر عن ابن شوذب قال: قال يحيى بن زكريا للذي جاء يحز رأسه: أما تعلم أني نبي؟ قال: بلى، ولكني مأمور.
وأخرج الحاكم وابن عساكر، عن ابن عباس قال: أوحى الله إلى محمد- صلى الله عليه وسلم- إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً وإني قاتل بابن ابنتك سبيعن ألفا وسبعين ألفاً.
وأخرج ابن عساكر، عن شمر بن عطية قال: قتل على الصخرة التي في بيت المقدس سبعون نبياً منهم يحيى بن زكريا.
وأخرج ابن عساكر عن قرة قال: ما بكت السماء على أحد، إلا على يحيى بن زكريا، والحسين بن علي، وحمرتها بكاؤها.
وأخرج أحمد في الزهد، عن خالد بن ثابت الربعي قال: لما قتل فجرة بني إسرائيل- يحيى بن زكريا، أوحى الله إلى نبي من أنبيائهم: أن قل لبني إسرائيل «إلى متى تجترئون على أن تعصوا أمري، وتقتلوا رسلي؟ وحتى متى أضمكم في كنفي؟ كما تضم الدجاجة أولادها في كنفها، فتجترئون علي! اتقوا، لا أؤاخذاكم بكل دم كان بين ابني آدم ويحيى بن زكريا، واتقوا، أن أصرف عنكم وجهي، فإني إن صرفت عنكم وجهي لا أقبل عليكم إلى يوم القيامة».
وأخرج أحمد عن سعيد بن جبير قال: لما قتل يحيى عليه السلام قال: بعض أصحابه لصاحب له: ابعث إلي بقميص نبي الله يحيى أشمه، فبعث به إليه، فإذا سداه ولحمته ليف!.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، عن يونس بن عبيد قال: بلغنا أنه كان رجل يجور على مملكته ويعدي عليهم، فائتمروا بقتله، فقالوا: نبي الله زكريا بين أظهرنا، فلو أتيناه فأتوا منزله، فإذا فتاة جميلة رائعة قد أشرق لها البيت حسناً، فقالوا: من أنتِ؟ قالت: امرأة زكريا. فقالوا فيما بينهم: كنا نرى نبي الله لا يريد الدنيا، فإذا هو عنده امرأة من أجمل النساء، ثم إنهم رأوه في عمل عند قوم ويعمل لهم، حتى إذا حضر غداؤه قرب رغيفين، فأكل ولم يدعهم، ثم قام فعمل بقية عمله، ثم علق خفيه على عنقه والمسحاة والكساء، قال: ما حاجتكم؟ قالوا: قد جئنا لأمر، ولقد كاد يغلبنا ما رأينا، على ما جئنا له. قال: فهاتوا؟ قالوا: أتينا منزلك، فإذا امرأة جميلة رائعة! وكنا نرى نبي الله لا يريد الدنيا، فقال: إني إنما تزوجت امرأة جميلة رائعة، لأكف بها بصري، وأحفظ بها فرجي، فخرج نبي الله مما قالوا. قالوا: ورأيناك قدمت رغيفين، فأكلت ولم تدعنا؟! قال: إن القوم استأجروني على عمل، فخشيت أن أضعف عن عملهم، ولو أكلتم معي لم يكفني ولم يكفكم، فخرج نبي الله مما قالوا. قالوا: ورأيناك وضعت خفيك على عنقك، والمسحاة والكساء. فقال: إن هذه الأرض جديدة، وكرهت أن أنقل تراب هذه في هذه، فخرج نبي الله مما قالوا. قالوا: إن هذا الملك يجور علينا ويظلمنا، وقد ائتمرنا لقتاله. قال: أي قوم، لا تفعلوا، فإن إزالة جبل من أصله أهون من إزالة ملك مؤجل. والله أعلم.