فصل: تفسير الآيات (77- 97):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (77- 97):

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)}
أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب في قوله: {فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً} قال: يابساً ليس فيه ماء ولا طين.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {طريقاً في البحر يبساً} قال: يابساً.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج قال: قال أصحاب موسى: هذا فرعون قد أدركنا، وهذا البحر قد عمنا. فأنزل الله: {لا تخاف دركاً ولا تخشى} من البحر غرقاً ولا وحلاً.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {لا تخاف دركاً} قال: من آل فرعون {ولا تخشى} من البحر غرقاً.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي في قوله: {فغشيهم من اليم} قال البحر.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {ولا تطغوا فيه} قال: الطغيان فيه أن يأخذه بغير حله.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم في قوله: {فيحل عليكم غضبي} قال: فينزل عليكم غضبي.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الأعمش أنه قرأ {من يحلل عليه غضبي} بكسر اللام على تفسير من يجب عليه غضبي.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي مجلز في قوله: {ومن يحلل عليه غضبي} قال: إن غضبه خلق من خلقه يدعوه فيكلمه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {فقد هوى} قال: شقي.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سقي بن ماتع: أن في جهنم قصراً يرمى الكافر من أعلاه، فيهوي في جهنم أربعين، قبل أن يبلغ الصلصال، فذلك قوله: {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى}.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {وإني لغفار لمن تاب} قال: من الشرك {وآمن}. قال: وحد الله {وعمل صالحاً} قال: أدى الفرائض {ثم اهتدى} قال: لم يشك.
وأخرج سعيد بن منصور والفريابي، عن ابن عباس في قوله: {وإني لغفار} الآية. قال: تاب من الذنب، وآمن من الشرك. وعمل صالحاً فيما بينه وبين ربه {ثم اهتدى} علم أن لعمله ثواباً يجزى عليه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قوله: {ثم اهتدى} قال: ثم استقام لفرقة السنة والجماعة.
وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: فعجل موسى إلى ربه فقال الله: {وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى} قال: فرأى في ظل العرش رجلاً فعجب له. فقال: من هذا يا رب؟ قال: لا أحدثك حديثه لكن سأحدثك بثلاث فيه: كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، ولا يعق والديه، ولا يمشي بالنميمة.
وأخرج ابن مردويه، عن وهب بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لما وعد موسى أن يكلمه، خرج للوقت الذي وعده، فبينما هو يناجي ربه، إذ سمع خلفه صوتاً، فقال إلهي إني أسمع خلفي صوتاً، قال: لعل قومك ضلوا، قال: إلهي، من أضلهم؟ قال: السامري. قال: كيف أضلهم؟ قال: صاغ لهم {عجلاً جسداً له خوار} قال: إلهي هذا السامري صاغ لهم العجل: فمن نفخ فيه الروح حتى صار له خوار؟ قال: أنا يا موسى، قال: فبعزتك، ما أَضَلَّ قومي أحد غيرك. قال: صدقت. قال: يا حكيم الحكماء، لا ينبغي حكيم أن يكون أحكم منك».
وأخرج ابن جرير في تهذيبه، عن راشد بن سعد قال: إن موسى لما قدم على ربه- واعد قومه أربعين ليلة- قال: يا موسى، إن قومك قد افتتنوا من بعدك. قال: يا رب كيف يفتنون؟ وقد نجيتهم من فرعون، ونجيتهم من البحر، وأنعمت عليهم، وفعلت بهم؟! قال: يا موسى إنهم اتخذوا من بعدك عجلاً له خوار قال: يا رب، فمن جعل فيه الروح؟ قال: أنا. قال: فأنت يا رب أضللتهم. قال: يا موسى، يا رأس النبيين، ويا أبا الحكام، إني رأيت ذلك في قلوبهم، فيسرته لهم.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، عن علي رضي الله عنه قال: لما تعجل موسى إلى ربه، عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حلي بني إسرائيل فضربه عجلاً، ثم ألقى القبضة في جوفه، فإذا هو عجل جسد له خوار فقال لهم السامري: {هذا إلهكم وإله موسى} فقال لهم هارون: {يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً} فلما أن رجع موسى أخذ رأس أخيه، فقال له هارون ما قال، فقال موسى للسامري: {ما خطبك} فقال: {قبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي} فعمد موسى إلى العجل، فوضع عليه المبارد فبرده وهو على شطر نهر، فما شرب أحد من ذلك الماء- ممن كان يعبد ذلك العجل- إلا اصفر وجهه مثل الذهب! فقالوا: يا موسى، ما توبتنا؟ قال: يقتل بعضكم بعضاً، فأخذوا السكاكين، فجعل الرجل يقتل أباه وأخاه وابنه، لا يبالي من قتل، حتى قتل منهم سبعون ألفاً! فأوحى الله إلى موسى: مرهم فليرفعوا أيديهم، فقد غفرت لمن قتل، وتبت على من بقي.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما هجم فرعون على البحر وأصحابه- وكان فرعون على فرس أدهم حصان، هاب الحصان أن يقتحم البحر، فمثل له جبريل على فرس أنثى، فلما رآها الحصان هجم خلفها، وعرف السامري جبريل- لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه- فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه، في واحدة لبناً، وفي الأخرى عسلاً، وفي الأخرى سمناً، فلم يزل يغذوه حتى نشأ، فلما عاينه في البحر عرفه، فقبض قبضة من أثر فرسه.
قال أخذ من تحت الحافر قبضة، وألقى في روع السامري: إنك لا تلقيها على شيء فتقول كن كذا إلا كان، فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر، فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر، أغرق الله آل فرعون. قال موسى لأخيه هارون {اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} ومضى موسى لموعد ربه، وكان مع بني إسرائيل حلي من حلي آل فرعون، فكأنهم تأثموا منه، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه قال السامري: بالقبضة هكذا، فقذفها فيه، وقال: كن عجلاً جسداً له خوار فصار {عجلاً جسداً له خوار} فكان يدخل الريح من دبره، ويخرج من فيه يسمع له صوت! فقال: {هذا إلهكم وإله موسى فعكفوا} على العجل يعبدونه. فقال هارون: {يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري} {قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى}.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: كان السامري رجلاً من أهل ماجرما، وكان من قوم يعبدون البقر، فكان يحب عبادة البقر في نفسه، وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل، فلما فصل موسى إلى ربه قال لهم هارون: إنكم قد حملتم {أوزاراً من زينة القوم} آل فرعون ومتاعاً وحلياً فتطهروا منها، فإنها رجس، وأوقد لهم ناراً، فقال: اقذفوا ما معكم من ذلك فيها، فجعلوا يأتون بما معهم فيقذفون فيها، ورأى السامري أثر فرس جبريل، فأخذ تراباً من أثر حافره، ثم أقبل إلى النار، فقال لهارون يا نبي الله، ألقي ما في يدي؟ قال: نعم. ولا يظن هارون إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحلي والأمتعة فقذفه فيها فقال: كن {عجلاً جسداً له خوار}، فكان للبلاء والفتنة. فقال: {هذا إلهكم وإله موسى} {فعكفوا عليه} وأحبوه حباً لم يحبوا مثله شيئاً قط: يقول الله: {فنسي} أي ترك ما كان عليه من الإسلام، يعني السامري {أفلا يرون أَلاَّ يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً} وكان اسم السامري: موسى بن ظفر وقع في أرض مصر، فدخل في بني إسرائيل، فلما رأى هارون ما وقعوا فيه قال: {يا قوم، إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} فأقام هارون فيمن معه من المسلمين مخافة أن يقول له موسى: {فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي} وكان له سامعاً مطيعاً.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن هارون مر بالسامري وهو يتنحت العجل فقال له: ما تصنع؟ قال: اصنع ما لا يضر ولا ينفع! فقال هارون: اللهم أعطه ما سأل على نفسه، ومضى هارون فقال السامري: اللهم إني أسألك أن يخور، فخار. فكان إذا خار سجدوا له، وإذا خار رفعوا رؤوسهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن بني إسرائيل استعاروا حليا من القبط، فخرجوا به معهم، فقال لهم هارون: قد ذهب موسى إلى السماء اجمعوا هذا الحلي حتى يجيء موسى، فيقضي فيه ما قضى، فجمع ثم أذيب، فلما ألقى السامري القبضة تحول {عجلاً جسداً له خوار} فقال: {هذا إلهكم وإله موسى فنسي} قال: إن موسى ذهب يطلب ربه، فضل فلم يعلم مكانه وهو هذا.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن علي رضي الله عنه قال: إن جبريل لما نزل فصعد بموسى إلى السماء، بصر به السامري من بين الناس، فقبض قبضة من أثر الفرس، وحمل جبريل موسى خلفه حتى إذا دنا من باب السماء صعد، وكتب الله الألواح، وهو يسمع صرير الأقلام في الألواح، فلما أخبره أن قومه قد فتنوا من بعده، نزل موسى فأخذ العجل فأحرقه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان السامري من أهل كرمان.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي رضي الله عنه قال انطلق موسى إلى ربه فكلمه قال له: {ما أعجلك عن قومك يا موسى} {قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى} قال: {فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري} فلما خبره خبرهم قال: يا رب، هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل. أرأيت الروح من نفخها فيه؟ قال الرب: أنا. قال: يا رب. فأنت إذاً أضللتهم. ثم رجع {موسى إلى قومه غضبان أسفاً} قال: حزيناً {قال يا قوم ألم يَعِدَكُم ربكم وعداً حسناً} إلى قوله: {ما أخلفنا موعدك بملكنا} يقول: بطاقتنا {ولكنا حملنا أوزاراً من زينة القوم} يقول: من حلي القبط: {فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلاً جسداً خوار} {فعكفوا عليه يعبدونه} وكان يخور ويمشي. فقال لهم هارون: {يا قوم إنما فتنتم به} يقول ابتليتم بالعجل. قال: {فما خطبك يا سامري} ما بالك. إلى قوله: {وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليك عاكفاً لنحرقنه} قال: فأخذه فذبحه ثم خرقه بالمبرد. يعني سحكه، ثم ذراه في اليم. فلم يبق نهر يجري يومئذ إلا وقع فيه منه شيء، ثم قال لهم موسى: اشربوا منه، فشربوا.
فمن كان يحبه خرج على شاربيه الذهب، فذلك حين يقول: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} قال: فلما سقط في أيدي بني إسرائيل حين جاء موسى {ورأوا أنهم قد ضلوا، قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين} فأبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل؛ إلا بالحال التي كرهوا أنهم كرهوا أن يقاتلوهم، حين عبدوا العجل {فقال موسى يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم، فاقتلوا أنفسكم} فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف، فكان من قتل من الفريقين شهيداً، حتى كثر القتل، حتى كادوا أن يهلكوا، حتى قتل منهم سبعون ألفاً، وحتى دعا موسى وهارون: ربنا هلكت بنو إسرائيل، ربنا البقية... البقية، فأمرهم أن يضعوا السلاح، وتاب عليهم، فكان من قتل منهم.... كان شهيداً، ومن بقي كان مكفراً عنه، فذلك قوله تعالى: {فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم} ثم إن الله تعالى أمر موسى: أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، فوعدهم موعداً {فاختار موسى سبعين رجلاً} ثم ذهب ليعتذروا من عبادة العجل، فلما أتوا ذلك، قالوا: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} فإنك قد كلمته فأرناه {فأخذتهم الصاعقة} فماتوا فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب. ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم؟ {رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} فأوحى الله إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل. فذلك حين يقول موسى: {إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أفطال عليكم العهد} يقول: الوعد وفي قوله: {فأخلفتم موعدي} يقول: عهدي وفي قوله: {ما أخلفنا موعدك بملكنا} بأمر ملكنا {ولكنا حملنا أوزاراً} قال: أثقالاً من زينة القوم، وهي الحلي الذي استعاروه من آل فرعون {فقذفناها} قال: فألقيناها {فكذلك ألقى السامري} قال: كذلك صنع {فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار} قال: حفيف الريح فيه. فهو خواره، والعجل ولد البقرة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {بملكنا} قال: بأمرنا.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ما أخلفنا موعدك بملكنا} قال: بطاقتنا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {بملكنا} قال: بسلطاننا.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر، عن يحيى أنه قرأ {بملكنا} وملكنا. واحد.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: {هذا إلهكم وإله موسى فنسي} قال: نسي موسى أن يذكر لكم: إن هذا إلهه!
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه {فنسي} قال هم يقولونه، قومه: أخطأ الرب العجل {أفلا يرون أَلاَّ يرجع إليهم قولاً} قال: العجل {ولا يملك لهم ضراً} قال: ضلالة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد في قوله: {قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن} قال: تدعهم.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج في الآية قال: أمره موسى أن يصلح، ولا يتبع سبيل المفسدين، فكان من إصلاحه أن ينكر العجل. فذلك قوله: {أن لا تتبعن أفعصيت أمري} كذلك أيضاً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل} قال: خشيت أن يتبعني بعضهم ويتخلف بعضهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل} قال: قد كره الصالحون الفرقة قبلكم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {ولم ترقب قولي} قال: لم تنتظر قولي وما أنا صانع وقائل. قال: وقال ابن عباس رضي الله عنهما {لم ترقب قولي} لم تحفظ قولي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {قال فما خطبك يا سامري} قال: لم يكن اسمه، ولكنه كان من قرية اسمها سامرة {قال بصرت بما لم يبصروا به} يعني فرس جبريل.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم، أنه قرأ {بما لم يبصروا به} بالياء ورفع الصاد.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فقبضت قبضة من أثر الرسول} قال: من تحت حافر فرس جبريل {فنبذتها} قال: نبذ السامري على حلية بني إسرائيل فانقلبت عجلاً.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فقبضت قبضة من أثر الرسول} قال: قبض السامري قبضة من أثر الفرس فصره في ثوبه.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، عن الحسن أنه كان يقرؤها {فقبصت} بالصاد. قال: والقبص بأطراف الأصابع.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الأشهب قال: كان الحسن يقرؤها {فقبصت قبصة} بالصاد، يعني بأطراف أصابعه، وكان أبو رجاء يقرؤها {فقبصت قبصة} بالصاد، هكذا بجميع كفيه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: القبضة ملء الكف، والقبصة بأطراف الأصابع.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم، أنه قرأ {فقبضت قبضة} بالضاد على معنى القبض.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس} قال: عقوبة له {وإن لك موعداً لن تخلفه} قال: لن تغيب عنه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً} قال: أقمت {لنحرقنه} قال: بالنار {ثم لننسفنه في اليم نسفاً} قال: لنذرينه في البحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، أنه كان يقرأ {لنحرقنه} خفيفة. يقول: إن الذهب والفضة لا يحرقان بالنار، يسحل بالمبرد ثم يلقى على النار فيصير رماداً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: في بعض القراءة {لنذبحنه ثم لنحرقنه} خفيفة. قال قتادة: وكان له لحم ودم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نهيك الأزدي، أنه قرأ {لنحرقنه} بنصب النون وخفض الراء وخففها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: اليم، البحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال: اليم، النهر.