فصل: تفسير الآيات (87- 88):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (87- 88):

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}
أخرج ابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس في قوله: {وذا النون إذ ذهب مغاضباً} يقول: غضب على قومه {فظن أن لن نقدر عليه} يقول: أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره. قال: وعقوبته أخذ النون إياه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الضحاك في قوله: {وذا النون إذ ذهب مغاضباً} قال: مغاضباً لقومه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن قيس قال: كانت تكون أنبياء جميعاً يكون عليهم واحد، فكان يوحى إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: أرسل فلان إلى بني فلان، فقال الله: {إذ ذهب مغاضباً} قال: مغاضباً لذلك النبي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} قال: ظن أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه.
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر، عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {إذ ذهب مغاضباً} قال: انطلق آبقا {فظن أن لن نقدر عليه} فكان له سلف من عمل صالح فلم يدعه الله، فبه أدركه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} قال: ظن أن لن نعاقبه بذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} قال: أن لن نقضي عليه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} يقول: ظن أن الله لن يقضي عليه عقوبة ولا بلاء في غضبه الذي غضب على قومه وفراقه إياهم.
وأخرج عبد بن حميد عن عبدالله بن الحارث قال: لما التقم الحوت يونس نبذ به إلى قرار الأرض، فسمع تسبيح الأرض فذاك الذي حاجه فناداه.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات، عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} قال: ظن أن لن نعاقبه {فنادى في الظلمات} قال: ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} قال الملائكة: صوت معروف في أرض غريبة.
وأخرج ابن جرير عن قتادة والكلبي {فظن أن لن نقدر عليه} قالا: ظن أن لن نقضي عليه العقوبة.
وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما {فنادى في الظلمات} قال: ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب وعمرو بن ميمون وقتادة مثله.
وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن جبير مثله.
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، عن ابن مسعود رضي الله عنه {فنادى في الظلمات} قال: ظلمة الليل وظلمة بطن الحوت وظلمة البحر.
وأخرج ابن جرير عن سالم بن أبي الجعد قال: أوحى الله تعالى إلى الحوت أن «لا تضر له لحماً ولا عظماً» ثم ابتلع الحوت حوت آخر، قال: {فنادى في الظلمات} قال: ظلمة الحوت، ثم حوت، ثم ظلمة البحر.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال: كل تسبيح في القرآن صلاة، إلا قوله: {سبحانك إني كنت من الظالمين}.
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات من طريق الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن معاوية قال له يوماً: إني قد ضربتني أمواج القرآن البارحة في آيتين لم أعرف تأويلهما ففزعت إليك. قال: وما هما؟ قال: قول الله: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه} وأنه يفوته إن أراده، وقول الله: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا} [ يوسف: 110] كيف هذا يظنون أنه قد كذبهم ما وعدهم؟
فقال ابن عباس: أما يونس، فظن أن لن تبلغ خطيئته أن يقدر الله عليه فيها العقاب ولم يشك أن الله إن أراده قدر عليه.
وأما الآية الأخرى، فإن الرسل استيأسوا من إيمان قومهم وظنوا أن من عصاهم لرضا في العلانية قد كذبهم في السر، وذلك لطول البلاء عليهم ولم تستيئس الرسل من نصر الله، ولم يظنوا أنهم كذبهم ما وعدهم. فقال معاوية: فرجت عني يا ابن عباس فرج الله عنك.
وأخرج ابن أبي حاتم ن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما دعا يونس قومه أوحى الله إليه أن العذاب يصبحهم، فقال لهم فقالوا: ما كذب يونس وليصبحنا العذاب، فتعالوا حتى نخرج سخال كل شيء فنجعلها من أولادنا لعل الله أن يرحمهم. فأخرجوا النساء مع الولدان وأخرجوا الإبل مع فصلانها، وأخرجوا البقر مع عجاجيلها وأخرجوا الغنم مع سخالها فجعلوه أمامهم، وأقبل العذاب... فلما رأوه جأروا إلى الله ودعوا، وبكى النساء والولدان ورغت الإبل وفصلانها وخارت البقر وعجاجيلها وثغت الغنم وسخالها فرحمهم الله فصرف ذلك العذاب عنهم، وغضب يونس فقال: كذبت، فهو قوله: {إذ ذهب مغاضباً} فمضى إلى البحر، وقوم رست سفينتهم فقال: احملوني معكم فحملوه، فأخرج الجعل فأبوا أن يقبلوه منه فقال: إذاً أخرج عنكم. فقبلوه، فلما لجت السفينة في البحر أخذهم البحر والأمواج، فقال لهم يونس: اطرحوني تنجوا. قالوا: بل نمسكك ننجوا. قال: فساهموني- يعني قارعوني- فساهموه ثلاثاً فوقعت عليه القرعة، فأوحى إلى سمكة يقال لها النجم من البحر الأخضر، أن «شقي البحار حتى تأخذي يونس، فليس يونس لك رزقاً ولكن بطنك له سجن، فلا تخدشي له جلداً ولا تكسري له عظماً , فجاءت حتى استقبلت السفينة، فقارعوه الثالثة فوقعت عليه القرعة فاقتحم الماء، فالتقمته السمكة فشقت به البحار حتى انتهت به إلى البحر الأخضر».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما التقم الحوت يونس ذهب به حتى أوقفه بالأرض السابعة، فسمع تسبيح الأرض فهيجه على التسبيح فقال: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فأخرجته حتى ألقته على الأرض بلا شعر ولا ظفر مثل الصبي المنفوس، فأنبتت عليه شجرة تظله ويأكل من تحتها من حشرات الأرض، فبينا هو نائم تحتها إذ تساقط ورقها قد يبست. فشكا ذلك إلى ربه فقال: تحزن على شجرة يبست ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون يعذبون؟».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في الفرج وابن مردويه، عن أنس رفعه: «أن يونس حين بدا له أن يدعو الله بالكلمات حين ناداه في بطن الحوت قال: اللهم {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فأقبلت الدعوة تحف بالعرش فقالت الملائكة: هذا صوت ضعيف معروف في بلاد غريبة! فقال: أما تعرفون ذلك؟ قال: يا رب، ومن هو؟ قال: ذاك عبدي يونس. قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوه مجابة؟! قال: نعم. قالوا: يا رب، أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ قال: بلى. فأمر الحوت فطرحه بالعراء فأنبت الله عليه اليقطينة».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر، عن علي رضي الله عنه مرفوعاً: ليس لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى، سبح الله في الظلمات.
وأخرج أحمد والترمذي والنسائي والحكيم في نوادر الأصول، والحاكم وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم والبزار وابن مردويه والبيهقي في الشعب، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له».
وأخرج ابن جرير عن سعد رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اسم الله الذي دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى. قلت: يا رسول الله، هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: هي ليونس خاصة وللمؤمنين إذا دعوا بها، ألم تسمع قول الله: {وكذلك ننجي المؤمنين} فهو شرط من الله لمن دعاه».
وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هذه الآية مفزع للأنبياء {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} نادى بها يونس في ظلمة بطن الحوت».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال: اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.
وأخرج الحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هل أدلكم على اسم الله الأعظم؟ دعاء يونس {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فأيما مسلم دعا ربه به في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك، أعطي أجر شهيد. وإن برأ برأ مغفوراً له».
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على ثنية فقال: ما هذه؟ قالوا: ثنية كذا وكذا. قال: كأني أنظر إلى يونس على ناقة خطامها ليف وعليه جبة من صوف وهو يقول: لبيك اللهم لبيك!...».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى- نسبة إلى أبيه- أصاب ذنباً ثم اجتباه ربه».
وأخرج عبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن مردويه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم أنا خير من يونس بن متى».
وأخرج البخاري ومسلم وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى» والله أعلم.

.تفسير الآيات (89- 90):

{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وأصلحنا له زوجه} قال: كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي في مساوئ الأخلاق وابن عساكر، عن عطاء بن أبي رباح في قوله: {وأصلحنا له زوجه} قال: كان في خلقها سوء وفي لسانها طول- وهو البذاء- فأصلح الله ذلك منها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر، عن محمد بن كعب القرظي في قوله: {وأصلحنا له زوجه} قال: كان في خلقها شيء.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن عساكر، عن سعيد بن جبير في قوله: {وأصلحنا له زوجه} قال: كانت لا تلد.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وأصلحنا له زوجه} قال: كانت لا تلد.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وأصلحنا له زوجه} قال: وهبنا له ولداً منها.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وأصلحنا له زوجه} قال: كانت عاقراً فجعلها الله ولوداً ووهب له منها يحيى. وفي قوله: {وكانوا لنا خاشعين} قال: أذلاء.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن جريج في قوله: {ويدعوننا رغباً ورهباً} قال: {رغباً} طمعاً وخوفاً، وليس ينبغي لأحدهما أن يفارق الآخر.
وأخرج ابن المبارك عن الحسن في قوله: {ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين} قال: الخوف الدائم في القلب.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله: {ويدعوننا رغباً ورهباً} قال: ما دام خوفهم ربهم فلم يفارق خوفه قلوبهم، إن نزلت بهم رغبة خافوا أن يكون ذلك استدراجاً من الله لهم، وإن نزلت بهم رهبة خافوا أن يكون الله عز وجل قد أمر بأخذهم لبعض ما سلف منهم.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: {ويدعوننا رغباً ورهباً} قال: {رهباً} هكذا، وبسط كفيه».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان، عن عبد الله بن حكيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين}.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {وكانوا لنا خاشعين} قال: متواضعين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك {وكانوا لنا خاشعين} قال: الذلة لله.