فصل: تفسير الآيات (62- 63):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (62- 63):

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}
أخرج ابن إسحاق وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عروة ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما أقبلت قريش عام الأحزاب، نزلوا بمجمع الأسيال من بئر رومة بالمدينة قائدها أبو سفيان، وأقبلت غطفان حتى نزلوا بتغمين إلى جانب أحد، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، وضرب الخندق على المدينة وعمل فيه، وعمل المسلمون فيه، وابطأ رجال من المنافقين، وجعلوا يورون بالضعيف من العمل، فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا اذن، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها، يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق لحاجته، فيأذن له فإذا قضى حاجته رجع، فأنزل الله في أولئك المؤمنين {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع...} إلى قوله: {والله بكل شيء عليم} [ النور: 64].
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه} قال: ذلك في الغزو، والجمعة، وإذن الإِمام يوم الجمعة: أن يشير بيده.
وأخرج الفريابي عن مكحول في قوله: {وإذا كانوا معه على أمر جامع} قال: إذا جمعهم لأمر حزبهم من الحرب ونحوه لم يذهبوا حتى يستأذنوه.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: هي في الجهاد، والجمعة، والعيدين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {على أمر جامع} قال: من طاعة الله.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن سيرين قال: كان الناس يستأذنون في الجمعة ويقولون: هكذا ويشيرون بثلاث أصابع. فلما كان زياد كثر عليه فاغتم فقال: من أمسك على أذنه فهو أذنه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مكحول في الآية قال: يعمل بها الآن في الجمعة والزحف.
وأخرج سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش قال: رأيت عمرو بن قيس السكوني يخطب الناس يوم الجمعة، فقام إليه أبو المدلَّهْ اليحصبي في شيء وجده في بطنه، فأشار إليه عمرو بيده أي انصرف، فسألت عمراً وأبا المدلَّهْ فقال: هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعون.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} قال: كانوا يقولون: يا محمد. يا أبا القاسم. فنهاهم الله عن ذلك اعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله يا رسول الله.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} يعني كدعاء أحدكم إذا دعا أخاه باسمه، ولكن وقروه، وعظموه، وقولوا له: يا رسول الله. ويا نبي الله.
وأخرج عبد الغني بن سعيد في تفسيره وأبو نعيم في تفسيره عن ابن عباس في قوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} يريد ولا تصيحوا به من بعيد: يا أبا القاسم. ولكن كما قال الله في الحجرات {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله} [ الحجرات: 3].
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: أمرهم الله أن يدعوه: يا رسول الله. في لين وتواضع ولا يقولوا: يا محمد. في تجهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: أمر الله أن يهاب نبيه، وأن يُبَجَّلَ، وأن يعظم، وأن يفخم، ويشرف.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في الآية قال: لا تقولوا يا محمد. ولكن قولوا يا رسول الله.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير والحسن. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم} يقول: دعوة الرسول عليكم موجبة، فاحذروها.
وأخرج سعيد بن منصور عن الشعبي في الآية قال: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم على بعض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله: {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً} قال: هم المنافقون. كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة- ويعني بالحديث الخطبة- فيلوذون ببعض الصحابة حتى يخرجوا من المسجد، وكان لا يصلح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة بعدما يأخذ في الخطبة، وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بأصبعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل، لأن الرجل منهم كان إذا تكلم والنبي يخطب بطلت جمعته.
وأخرج أبو داود في مراسيله عن مقاتل قال: كان لا يخرج أحد لرعاف، أو أحداث، حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بأصبعه التي تلي الابهام، فيأذن له النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بيده، وكان من المنافقين من يثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد، فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه يستتر به حتى يخرج، فأنزل الله: {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً}.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً} قال: يتسللون عن نبي الله، وعن كتابه، وعن ذكره.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لواذاً} قال: خلافاً.
وأخرج عبد بن حميد عن سفيان {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً} قال: يتسللون من الصف في القتال {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة} قال: أن يطبع على قلوبهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن صالح قال: إني لخائف على من ترك المسح على الخفين أن يكون داخلاً في هذه الآية {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن يحيى بن أبي كثير قال: «نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقاتلوا ناحية من خيبر، فانصرف الرجال عنهم وبقي رجل، فقاتلهم، فرموه، فقتلوه، فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبعد ما نهينا عن القتال؟ فقالوا: نعم. فتركه ولم يصل عليه».
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال: أشد حديث سمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله في سعد بن معاذ في أمر القبر. ولما كانت غزوة تبوك قال «لا يخرج معنا إلا رجل مُقْوٍ فخرج رجل على بكر له صعب، فصرعه، فمات فقال الناس: الشهيد الشهيد. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن ينادي في الناس لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يدخل الجنة عاص».
وأخرج عبد الرزاق عن زيد بن أسلم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم وهو مستقبل العدو: لا يقاتل أحد منكم، فعمد رجل منهم ورمى العدو وقاتلهم، فقتلوه، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم استشهد فلان فقال: أبعد ما نهيت عن القتال؟ قالوا: نعم. قال: لا يدخل الجنة عاص».
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله} [ التوبة: 44] قال: كان لا يستأذنه إذا غزا إلا المنافقون. فكان لا يحل لأحد أن يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يتخلف بعده إذا غزا، ولا تنطلق سرية إلا باذنه، ولم يجعل الله للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لأحد حتى نزلت الآية {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع} يقول: أمر طاعة {لم يذهبوا حتى يستأذنوه} فجعل الاذن إليه يأذن لمن يشاء. فكان إذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لأمر يأمرهم وينهاهم صبر المؤمنون في مجالسهم، وأحبوا ما أحدث لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يوحى إليه، وبما أحبوا وكرهوا، فإذا كان شيء مما يكره المنافقون، خرجوا يتسللون يلوذ الرجل بالرجل يستتر لكي لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم. فقال الله تعالى: إن الله تعالى يبصر الذين يتسللون منكم لواذاً.

.تفسير الآية رقم (64):

{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)}
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {قد يعلم ما أنتم عليه} الآية. قال: ما كان قوم قط على أمر ولا على حال إلا كانوا بعين الله، وإلا كان عليهم شاهد من الله.
وأخرج أبو عبيد في فضائله والطبراني بسند حسن عن عقبة بن عامر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية؛ يعني خاتمة سورة النور، وهو جاعل أصبعيه تحت عينيه يقول. «والله بكل شيء بصير» والله أعلم.

.سورة الفرقان:

.تفسير الآيات (1- 11):

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: تبارك تفاعل من البركة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} قال: هو القرآن فيه حلال الله وحرامه، وشرائعه ودينه، فرق الله به بين الحق والباطل {ليكون للعالمين نذيراً} قال: بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم نذيراً من الله لينذر الناس بأس الله، ووقائعه بمن خلا قبلكم {وخلق كل شيء فقدره تقديراً} قال: بين لكل شيء من خلقه صلاحه، وجعل ذلك بقدر معلوم.
{واتخذوا من دونه آلهة} قال: هي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله {لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون} وهو الله الخالق الرازق وهذه الأوثان تخلق ولا تخلق شيئاً، ولا تضر ولا تنفع، ولا تملك موتاً ولا حياة، ولا نشوراً يعني بعثاً {وقال الذين كفروا إن هذا} هذا قول مشركي العرب {إلا إفك} هو الكذب {افتراه وأعانه عليه} أي على حديثه هذا وأمره {قوم آخرون فقد جاءوا} فقد أتوا {ظلماً وزوراً} {وقالوا أساطير الأولين} قال: كذب الأولين وأحاديثهم {وقالوا ما لهذا الرسول!} قال: عجب الكفار من ذلك أن يكون رسول {يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً، أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها} قال الله يرد عليهم {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك} يقول: خيراً مما قال الكفار من الكنز والجنة {جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً} قال: وإنه والله من دخل الجنة ليصيبن قصوراً لا تبلى ولا تهدم.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كل شيء في القرأن افك، فهو كذب.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وأعانه عليه قوم آخرون} قال: يهود {فقد جاءوا ظلماً وزوراً} قال: كذباً.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس. «أن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، والنضر بن الحارث، وأبا البختري، والأسود بن المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أمية، وأمية بن خلف، والعاصي بن وائل، ونبيه بن الحجاج. اجتمعوا فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا منه، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك قال: فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا محمد انا بعثنا إليك لنعذر منك. فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا، وإن كنت تطلب الشرف فنحن نسودك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي مما تقولون. ما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل علي كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم.
قالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئاً مما عرضنا عليك قالوا: فإذا لم تفعل هذا فسل لنفسك وسل ربك أن يبعث معك ملكاً يصدقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وسله أن يجعل لك جناناً، وقصوراً من ذهب وفضة تغنيك عما تبتغي- فإنك تقوم بالأسواق، وتلتمس المعاش كما نلتمسه- حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بفاعل. ما أنا بالذي يسأل ربه هذا؛ وما بعثت إليكم بهذا ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً، فأنزل الله في قولهم ذلك {وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام} إلى قوله: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيراً} أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا، ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسولي فلا تخالفوه لفعلت»
.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وقال الظالمون إن تتبعون} قاله الوليد بن المغيرة وأصحابه يوم دار الندوة.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً} قال: مخرجاً يخرجهم من الأمثال التي ضربوا لك وفي قوله: {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري} قال: حوائط {ويجعل لك قصوراً} قال: بيوتاً مبنية مشيدة. كانت قريش ترى البيت من حجارة قصراً كائناً ما كان.
وأخرج الواحدي وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة قالوا {مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، فنزل جبريل فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} ثم أتاه رضوان خازن الجنان ومعه سفط من نور يتلألأ فقال: هذه مفاتيح خزائن الدنيا، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير له، فضرب جبريل إلى الأرض أن تواضع فقال: يا رضوان لا حاجة لي فيها، فنودي: أن ارفع بصرك، فرفع فإذا السموات فتحت أبوابها إلى العرش، وبدت جنات عدن، فرأى منازل الأنبياء وعرفهم، وإذا منازله فوق منازل الأنبياء فقال: رضيت. ويرون أن هذه الآية أنزلها رضوان {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك}».
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن خيثمة قال: «قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن شئت أعطيناك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم يعط نبي قبلك، ولا يعطاه أحد بعدك، ولا ينقصك ذلك مما لك عند الله شيئاً، وإن شئت جمعتها لك في الآخرة قال: اجمعها لي في الآخرة، فأنزل الله: {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً}».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بينما جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: «هذا ملك تدلى من السماء إلى الأرض. ما نزل إلى الأرض قط قبلها، استأذن ربه في زيارتك، فأذن له، فلم يلبث ان جاء فقال: السلام عليك يا رسول الله قال: وعليك السلام قال: إن الله يخبرك إن شئت أن يعطيك من خزائن كل شيء ومفاتيح كل شيء، لم يعط أحداً قبلك، ولا يعطيه أحداً بعدك، ولا ينقصك مما دخر لك عنده شيئاً فقال: لا بل يجمعهما لي في الآخرة جميعاً فنزلت {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك}».