فصل: تفسير الآية رقم (16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (16):

{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)}
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {إني ظلمت نفسي} قال: بلغني أنه من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر. فقتله ولم يؤمر.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {قال رب إني ظلمت نفسي} قال: عرف نبي الله عليه السلام من أين المخرج. فأراد المخرج فلم يلق ذنبه على ربه. قال بعض الناس: أي من جهة المقدور.

.تفسير الآية رقم (17):

{قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)}
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {فلن أكون ظهيراً للمجرمين} قال: معيناً للمجرمين.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فلن أكون ظهيراً للمجرمين} قال: إن أعين بعدها ظالماً على فجره.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبيد الله بن الوليد الرصافي رضي الله عنه؛ أنه سأل عطاء بن أبي رباح عن أخ له كاتب ليس يلي من أمور السلطان شيئاً، إلا أنه يكتب لهم بقلم ما يدخل وما يخرج، فإن ترك قلمه صار عليه دين واحتجاج، وإن أخذ به كان له فيه غنى قال: يكتب لمن؟ قال: لخالد بن عبد الله القسري قال: ألم تسمع إلى ما قال العبد الصالح {رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين}؟ فلا يهتم بشيء وليرم بقلمه فإن الله سيأتيه برزق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حنظلة جابر بن حنظلة الكاتب الضبي قال: قال رجل لعامر: يا أبا عمرو أني رجل كاتب، أكتب ما يدخل وما يخرج، آخذ ورقاً استغني به أنا وعيالي قال: فلعلك تكتب في دم يسفك؟ قال: لا. قال: فلعلك تكتب في مال يؤخذ؟ قال: لا. قال: فلعلك تكتب في دار تهدم؟ قال: لا. قال: أسمعت بما قال موسى عليه الصلاة والسلام {رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين} قال: رضي الله عنه قال: صليت إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما العصر، فسمعته يقول في ركوعه {رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين}.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سلمة بن نبيط رضي الله عنه قال: بعث عبد الرحمن بن مسلم إلى الضحاك فقال: اذهب بعطاء أهل بخارى فاعطهم فقال: اعفني فلم يزل يستعفيه حتى أعفاه فقال له بعض أصحابه: ما عليك أن تذهب فتعطيهم وأنت لا ترزؤهم شيئاً؟ فقال: لا أحب أن أعين الظلمة على شيء من أمرهم.

.تفسير الآيات (18- 19):

{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)}
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {فأصبح في المدينة خائفاً} قال: خائفاً أن يؤخذ.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {يترقب} قال: يتلفت.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {يترقب} قال: يتوحش.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه} قال: هو صاحب موسى الذي استنصره بالأمس.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: الذي استنصره: هو الذي استصرخه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه {فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه} قال: الاستصراخ: الاستغاثة. قال: والاستنصار والاستصراخ واحد. {قال له موسى إنك لغوي مبين} فاقبل عليه موسى عليه السلام فظن الرجل أنه يريد قتله فقال: يا موسى {أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس} قال: قبطي قريب منهما يسمعهما فافشى عليهما.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فلما أن أراد أن يبطش} قال: ظن الذي من شيعته إنما يريده فذلك قوله: {أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس} أنه لم يظهر على قتله أحد غيره. فسمع قوله: {أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس} عدوّهما فأخبر عليه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الشعبي قال: من قتل رجلين فهو جبار، ثم تلا هذه الآية {أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض}.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال: لا يكون الرجل جباراً حتى يقتل نفسين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني قال: آية الجبابرة القتل بغير حق. والله أعلم.

.تفسير الآيات (20- 21):

{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)}

أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} قال: مؤمن آل فرعون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال: كان اسم الذي قال لموسى {إن الملأ يأتمرون بك} شمعون.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} قال: يعمل، ليس بالسيد؛ اسمه حزقيل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: ذهب القبطي فافشى عليه: أن موسى هو الذي قتل الرجل فطلبه فرعون وقال: خذوه فإنه الذي قتل صاحبنا وقال الذين يطلبونه: اطلبوه في ثنيات الطريق، فإن موسى غلام لا يهتدي للطريق.
وأخذ موسى عليه السلام في ثنيات الطريق، وقد جاءه الرجل فأخبره {إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج...، فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين} فلما أخذ في ثنيات الطريق جاءه ملك على فرس بيده عنزة، فلما رآه موسى عليه السلام سجد له من الفرق. فقال: لا تسجد لي، ولكن اتبعني، فتبعه وهداه نحو مدين.
فانطلق الملك حتى انتهى به إلى المدين، فلما أتى الشيخ، وقص عليه القصص {قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين} [ القصص: 25] فأمر احدى ابنتيه أن تأتيه بعصا. وكانت تلك العصا عصا استودعه إياها ملك في صورة رجل فدفعها إليه، فدخلت الجاريه فأخذت العصا فأتته بها، فلما رآها الشيخ قال لابنته: ائتيه بغيرها. فألقتها وأخذت تريد غيرها، فلا يقع في يدها إلا هي، وجعل يرددها وكل ذلك لا يخرج في يدها غيرها، فلما رآى ذلك عهد إليه فأخرجها معه فرعى بها، ثم إن الشيخ ندم وقال: كانت وديعة فخرج يتلقى موسى عليه السلام فلما رآه قال: أعطني العصا. فقال موسى عليه السلام: هي عصاي! فأبى أن يعطيه، فاختصما، فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما.
فاتاهما ملك يمشي، فقضى بينهما فقال: ضعوها في الأرض فمن حملها فهي له. فعالجها الشيخ فلم يطقها، وأخذها موسى عليه السلام بيده فرفعها، فتركها له الشيخ، فرعى له عشر سنين.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} قال: هو مؤمن آل فرعون جاء يسعى وفي قوله: {فخرج منها خائفاً يترقب} قال: أن يأخذه الطلب.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)}
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {ولما توجه تلقاء مدين} قال: عرضت لموسى عليه السلام أربعة طرق فلم يدر أيتها يسلك، فقال: {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} فأخذ طريق مدين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {تلقاء مدين} قال: مدين ماء كان عليه شعيب.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} قال: قصد السبيل: الطريق إلى مدين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} قال: الطريق المستقيم. قال: فالتقى والله يومئذ خير أهل الأرض. شعيب وموسى بن عمران.
وأخرج أحمد في الزهد عن كعب بن علقمة رضي الله عنه قال: أن موسى عليه السلام لما خرج هارباً من فرعون قال: رب أوصني قال: «أوصيك أن لا تعدل بي شيئاً أبداً إلا اخترتني عليه، فإني لا أرحم ولا أزكي من لم يكن كذلك قال: وبماذا يا رب؟ قال: بأمك فانها حملتك وهناً على وهن قال: ثم بماذا يا رب؟ قال: إن أوليتك شيئاً من أمر عبادي فلا تعيهم إليك في حوائجهم، فإنك إنما تعي روحي فإني مبصر ومسمع ومشهد».

.تفسير الآيات (23- 28):

{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)}
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج موسى عليه السلام خائفاً جائعاً ليس معه زاد حتى انتهى إلى ماء مدين وعليه أمة من الناس يسقون، وامرأتان جالستان بشياههما، فسألهما ما خطبكما؟ {قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير} قال: فهل قربكما ماء قالتا: لا... إلا بئر عليها صخرة قد غطيت بها لا يطيقها نفر قال: فانطلقا فأريانيها. فانطلقتا معه فقلب بالصخرة بيده، فنحاها ثم استقى لهما سجلاً واحداً فسقى الغنم، ثم أعاد الصخرة إلى مكانها، ثم تولى إلى الظل فقال: {رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير} فسمعتا ما قال، فرجعتا إلى أبيهما فاستنكر سرعة مجيئهما، فسألهما فاخبرتاه فقال لإِحداهما: انطلقي فادعيه فأتته فقالت: {إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} فمشت بين يديه فقال لها: امشي خلفي، فإني امرؤ من عنصر إبراهيم لا يحل لي أن أنظر منك ما حرم الله علي، وارشديني الطريق.
{فلما جاءه وقص عليه القصص...، قالت إحداهما: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} قال لها أبوها: ما رأيت من قوّته وأمانته؟ فأخبرته بالأمر الذي كان قالت: أما قوّته فإنه قلب الحجر وحده، وكان لا يقلبه إلا النفر. وأما أمانته فإنه قال: امشي خلفي وارشديني الطريق، لأني امرؤ من عنصر إبراهيم عليه السلام، لا يحل لي منك ما حرمه الله تعالى. قيل لابن عباس رضي الله عنهما. أي الأجلين قضى موسى عليه السلام؟ قال: أبرهما وأوفاهما.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون، فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال، فإذا هو بامرأتين {قال ما خطبكما} فحدثتاه. فأتى الصخرة فرفعها وحده ثم استسقى، فلم يستق إلا دلواً واحداً حتى رويت الغنم.
فرجعت المرأتان إلى أبيهما فحدثتاه، وتولى موسى عليه السلام إلى الظل {فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} قال: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} واضعة ثوبها على وجهه ليست بسلفع من الناس خراجة ولاجة {قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} فقام معها موسى عليه السلام فقال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، فإني أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف جسدك. فلما انتهى إلى أبيها قص عليه فقالت احداهما {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين} قال: يا بنية ما علمك بأمانته وقوته؟ قالت: أما قوّته: فرفعه الحجر ولا يطيقه إلا عشرة رجال، وأما أمانته، فقال: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، فإني أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف لي جسدك.
فزاده ذلك رغبة فيه فقال: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} إلى قوله: {ستجدني إن شاء الله من الصالحين} أي في حسن الصحبة والوفاء بما قلت قال موسى عليه السلام {ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي} قال: نعم. {قال الله على ما نقول وكيل} فزوّجه وأقام معه يكفيه، ويعمل له في رعاية غنمه وما يحتاج إليه، وزوّجه صفورا، وأختها شرفا، وهما التي كانتا تذودان.
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولما ورد ماء مدين} قال: ورد الماء حيث ورد وأنه لتتراءى خضرة البقل من بطنه من الهزال.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج موسى عليه السلام من مصر إلى مدين وبينه وبينها ثمان ليال، ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر، وخرج إليها حافياً فما وصل حتى وقع خف قدمه.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {ولما ورد ماء مدين} قال: كان مسيره خمسة وثلاثين يوماً.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أمة من الناس يسقون} قال: أناساً. وفي قوله: {إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير} قال: من طعام.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ووجد من دونهم امرأتين} قال: أسماؤهما: ليا، وصفورا، ولهما أربع أخوات صغار يسقين الغنم في الصحاف.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {تذودان} قال: تحبسان.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {تذودان} قال: تحبسان غنمهما حتى يفرغ الناس وتخلو لهما البئر.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء} قال: تنتظران أن تسقيا من فضول ما في حياضهم.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {حتى يصدر الرعاء} برفع الياء وكسر الراء في الرعاء.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لقد قال موسى عليه السلام {رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير} وهو أكرم خلقه عليه ولقد افتقر إلى شق تمرة، ولقد لصق بطنه بظهره من شدة الجوع.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير} قال: سأل فلقاً من الخبز يشد بها صلبه من الجوع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما هرب موسى عليه السلام من فرعون أصابه جوع، كانت ترى أمعاؤه من ظاهر الثياب {قال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما سقى موسى للجاريتين {ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير} قال: إنه يومئذ فقير إلى كف من تمر».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {إني لما أنزلت إلي من خير فقير} قال: شبعه يومئذ.
وأخرج الفريابي وأحمد عن مجاهد قال: ما سأل إلا طعاماً يأكله.
وأخرج الفريابي وأحمد عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه {إني لما أنزلت إلي من خير فقير} قال: ما كان معه رغيف ولا درهم.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن أبي الهذيل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله: {تمشي على استحياء} قال: جاءت مستترة بكم درعها على وجهها.
وأخرجه ابن المنذر عن ابن أبي الهذيل موقوفاً عليه.
وأخرج أحمد عن مطرف بن الشخير رضي الله عنه قال: أما والله لو كان عند نبي الله شيء ما تبع مذقتها، ولكن حمله على ذلك الجهد.
وأخرج ابن عساكر عن أبي حازم قال: لما دخل موسى عليه السلام على شعيب عليه السلام إذا هو بالعشاء فقال له شعيب عليه السلام: كل. قال موسى عليه السلام: أعوذ بالله! قال ولم...؟! ألست بجائع؟ قال: بلى. ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيت لهما، وأنا من أهل بيت لا نبتغي شيئاً من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً قال: لا والله... ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف، ونطعم الطعام. فجلس موسى عليه السلام فأكل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس رضي الله عنه أنه بلغه: أن شعيباً عليه السلام هو الذي قص على موسى القصص.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال: يقول ناس: أنه شعيب. وليس بشعيب ولكن سيد الماء يومئذ.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال: كان صاحب موسى عليه السلام أثرون ابن أخي شعيب عليه السلام.
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان اسم ختن موسى يثربي.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذي استأجر موسى عليه السلام يثرب صاحب مدين.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يكره الكنية بأبي مرة، وكانت كنية فرعون، وكانت صاحبة موسى صفيرا بنت يثرون.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {القوي} قال: قوته فتح لهما عن بئر حجراً على فيها فسقى لهما {الأمين} قال: غض بصره عنهما حين سقى لهما.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: لما قالت صاحبة موسى {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} قال: غض بصره عنهما حين سقى لهما.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: لما قالت صاحبة موسى {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} قال: وما رأيت من قوته. قالت: جاء إلى البئر وعليه صخرة لا يقلها كذا وكذا فرفعها قال: وما رأيت من أمانته؟ قالت: كنت أمشي أمامه فجعلني خلفه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} قال: بلغني أنه نكح الكبيرة التي دعته واسمها صفورا، وأبوها ابن أخي شعيب، واسمه رعاويل. وقد أخبرني من أصدق: أن إسمه في الكتاب يثرون كاهن مدين. والكاهن حبر.
وأخرج ابن المنذر عن نوف الشامي قال: ولدت المرأة لموسى عليه السلام غلاماً، فسماه جرثمة.
وأخرج ابن ماجة والبزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عقبة بن المنذر السلمي رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ {طس} حتى بلغ قصة موسى عليه السلام قال: «إن موسى أجر نفسه ثماني سنين أو عشراً على عفة فرجه، وطعام بطنه، فلما وفى الأجل قيل: يا رسول الله أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أبرهما وأوفاهما، فلما أراد فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت من غنمه قالب لون من ذلك العام، وكانت غنمه سوداء حسناء، فانطلق موسى إلى عصاه فسماها من طرفها، ثم وضعها في أدنى الحوض، ثم أوردها فسقاها، ووقف موسى بازاء الحوض فلم يصدر منها شاة إلا ضرب جنبها شاة شاة قال: فأنمت وأثلثت ووضعت كلها قوالب الوان. إلا شاة أو شاتين ليس فيها فشوش، ولا ضبوب، ولا غزور، ولا ثفول، ولا كمشة تفوت الكف. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلو افتتحتم الشام وجدتم بقايا تلك الغنم. وهي السامرية» قال ابن لهيعة: الفشوش: التي تفش بلبنها واسعة الشخب، والضبوب: الطويلة الضرع مجترة، والغزور: الضيقة الشخب، والثفول: التي ليس لها ضرع إلا كهيئة حلمتين، والكمشة: الصغيرة الضرع لا يدركه الكف.
وأخرج ابن جرير عن أنس رضي الله عنه قال: لما دعا موسى عليه السلام صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما قال له صاحبه: كل شاة ولدت على لونها فلك لونها. فعمد فرفع خيالاً على الماء، فلما رأيت الخيال فزعت، فجالت جولة فولدت كلهن بلقاء، إلا شاة واحدة. فذهب بألوانهن ذلك العام.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل أي الأجلين قضى موسى؟ فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما. أن رسول الله إذا قال فعل.
وأخرج البزار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أتمهما وأكملهما.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يوسف بن سرح «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأجلين قضى موسى؟ فسأل جبريل فقال: لا علم لي. فسأل جبريل ملكاً فوقه فقال: لا علم لي. فسأل ذلك الملك ربه فقال الرب عز وجل أبرهما وأتقاهما وأزكاهما».
وأخرج ابن مردويه من طريق علي بن عاصم عن أبي هريرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «أن رجلاً سأله أي الأجلين قضى موسى؟ فقال: لا أدري حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا أدري حتى أسأل جبريل فقال: لا أدري حتى أسأل ميكائيل، فسأل ميكائيل فقال: لا أدري حتى أسأل الرفيع، فسأل الرفيع فقال: لا أدري حتى أسأل اسرافيل، فسأل إسرافيل فقال: لا أدري حتى أسأل ذا العزة، فنادى إسرافيل بصوته الأشد: يا ذا العزة أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أتم الأجلين وأطيبهما عشر سنين»قال علي بن عاصم: فكان أبو هرون إذا حدث بهذا الحديث يقول: حدثني أبو سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن ميكائيل، عن الرفيع، عن إسرافيل، عن ذي العزة تبارك وتعالى «أن موسى قضى أتم الأجلين وأطيبه، عشر سنين».
وأخرج ابن مردويه عن جابر رضي الله عنه «قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أوفاهما».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل: يا محمد إن سألك اليهود أي الأجلين قضى موسى؟ فقل أوفاهما، وإن سألوك أيهما تزوج؟ فقال الصغرى منهما».
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى؟ فقل خيرهما وأبرهما، وإذا سئلت أي المرأتين تزوج؟ فقل الصغرى منهما، وهي التي جاءت فقالت {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} فقال: ما رأيت من قوته؟ قالت: أخذ حجراً ثقيلاً فألقاه على البئر قال: وما الذي رأيت من أمانته؟ قالت: قال لي امشي خلفي ولا تمشي امامي».
وأخرج البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أبعدهما وأطيبهما».
وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي ذر رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أبرهما وأوفاهما. قال: وإن سئلت أي المرأتين تزوج؟ فقل الصغرى منهما».
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضى موسى؟ قال: سوف أسأل جبريل، فسأل قال: سوف أسأل ميكائيل، فسأله قال: سوف أسأل إسرافيل، فسأله فقال: سوف أسأل الرب، فسأله فقال: أبرهما وأوفاهما».
وأخرج ابن مردويه عن مقسم قال: لقيت الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فقلت له: أي الأجلين قضى موسى. الأول أو الآخر؟ قال: الآخر.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {والله على ما نقول وكيل} قال: على قول موسى وختنه.