فصل: تفسير الآية رقم (193):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (193):

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس في قوله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} يقول: شرك بالله {ويكون الدين} ويخلص التوحيد لله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} قال: الشرك {فإن انتهوا فلا عدوان إلى على الظالمين} قال: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن قتادة ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فكان هذا كذا حتى نسخ، فأنزل الله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} أي شرك {ويكون الدين لله} قال: حتى يقال: لا إله إلا الله، عليها قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليها دعا. وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إن الله أمرني أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله {فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} قال: وإن الظالم الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله، يقاتل حتى يقول: لا إله إلا الله».
وأخرج ابن جرير عن الربيع {ويكون الدين لله} يقول: حتى لا يعبد إلا الله.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة {فلا عدوان إلا على الظالمين} قال: هم من أبى أن يقول لا إله إلا الله.
وأخرج البخاري وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر أنه أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس صنعوا، وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فما يمنعك أن تخرج؟ قال: يمنعني إن الله حرم دم أخي. قالا: ألم يقل الله {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} قال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله.

.تفسير الآية رقم (194):

{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}
أخرج البخاري عن نافع. أن رجلاً أتى ابن عمر فقال: ما حملك على أن تحج عاماً وتعتمر عاماً وتترك الجهاد في سبيل الله، وقد علمت ما رغب الله فيه؟ قال: يا ابن أخي: بني الإِسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصلاة الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت. قال: ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه؟: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [ الحجرات: 9] {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} قال: فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإِسلام قليلاً، وكان الرجل يفتن في دينه، إما قتلوه وإما عذبوه حتى كثر الإِسلام، فلم تكن فتنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي ظبيان قال: جاء رجل إلى سعد فقال له: ألا تخرج تقاتل مع الناس حتى لا تكون فتنة؟ فقال سعد: قد قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم تكن فتنة، فأما أنت وذا البطين تريدون أن أقاتل حتى تكون فتنة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً في سنة ست من الهجرة، وحبسه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت، وصدوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة وهو شهر حرام حتى قاضاهم على الدخول من قابل، فدخلها في السنة الآتية هو ومن كان معه من المسلمين وأقصه الله منهم، نزلت هذه الآية {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}».
وأخرج الواحدي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية في صلح الحديبية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه القابل، فلما كان العام القابل تجهز وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي قريش بذلك، وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم، وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام، فأنزل الله ذلك».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: «أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأحرموا بالعمرة في ذي القعدة ومعهم الهدي، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع، ثم يقدم عاماً قابلاً فيقيم بمكة ثلاثة أيام ولا يخرج معه بأحد من أهل مكة، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الهدي بالحديبية، وحلقوا أو قصروا، فلما كان عام قابل أقبلوا حتى دخلوا مكة في ذي القعدة، فاعتمروا وأقاموا بها ثلاثة أيام، وكان المشركون قد فخروا عليه حين صدوه يوم الحديبية، فقص الله له منهم فادخله مكة في ذلك الشهر الذي ردوه فيه، فقال: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} قال: «فخرت قريش بردها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية محرماً في ذي القعدة عن البلد الحرام، فأدخله الله مكة من العام المقبل، فقضى عمرته وأقصه ما حيل بينه وبين يوم الحديبية».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: «أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه معتمرين في ذي القعدة ومعهم الهدي، حتى إذا كانوا بالحديبية فصدهم المشركون، فصالحهم نبي الله أن يرجع عامه ذلك حتى يرجع من العام المقبل، فيكون بمكة ثلاث ليال ولا يدخلوها إلا بسلاح الراكب، ولا يخرج بأحد من أهل مكة، فنحروا الهدي بالحديبية وحلقوا وقصروا حتى إذا كان من العام المقبل، أقبل نبي الله وأصحابه معتمرين في ذي القعدة حتى دخلوا فأقام ثلاث ليال، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية، فأقصه الله منهم وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه في ذي القعدة، فقال الله: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}».
وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن ابن جرير قال: «قلت لعطاء: قول الله عز وجل {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} فقال: هذا يوم الحديبية صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام وكان معتمراً، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة التي بعدها معتمراً مكة، فعمرة في الشهر الحرام بعمره في الشهر الحرام».
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة وابن شهاب قالا «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام القابل من عام الحديبية معتمراً في ذي القعدة سنة سبع، وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام، وأنزل الله في تلك العمرة {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} فاعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام الذي صد فيه».
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وقوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [ الشورى: 40] وقوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} [ الشورى: 41] وقوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [ النحل: 126] قال: هذا ونحوه نزل بمكة، والمسلمون يومئذ قليل فليس لهم سلطان يقهر المشركين، فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى، فأمر الله المسلمين من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه أو يصبر أو يعفو، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأعز الله سلطانه أمر الله المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم، ولا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية، فقال: {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً} [ الإسراء: 33] الآية. يقول: ينصره السلطان حتى ينصفه من ظالمه، ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف، قد عمل بحمية الجاهلية ولم يرض بحكم الله تعالى.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} قال: فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم.
وأخرج أحمد وابن جرير والنحاس في ناسخه عن جابر عن عبد الله قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى ويغزو، فإذا حضره أقام حتى ينسلخ.

.تفسير الآية رقم (195):

{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}
أخرج وكيع وسفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حذيفة في قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: هو ترك النفقة في سبيل الله مخافة العيلة.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس في قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: ترك النفقة في سبيل الله، أنفق ولو مشقصاً.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله ولكن الإِمساك عن النفقة في سبيل الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة في قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: نزلت في النفقات في سبيل الله.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن مجاهد قال: إنما أنزلت هذه الآية {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} في النفقة في سبيل الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: كان القوم في سبيل الله فيتزوّد الرجل، فكان أفضل زاداً من الآخر، أنفق اليابس من زاده حتى لا يبقى من زاده شيء أحب أن يواسي صاحبه، فأنزل الله: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال: كانوا يسافرون ويقترون ولا ينفقون من أموالهم، فأمرهم أن ينفقوا في مغازيهم في سبيل الله.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في الشعب عن الحسن في قوله: {بأيديكم إلى التهلكة} قال: هو البخل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال: كان رجال يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير نفقة، فإما يقطع بهم وإما كانوا عيالاً، فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، والتهلكة أن يهلك رجال من الجوع والعطش ومن المشي، وقال لمن بيده فضل {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}.
وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير والبغوي في معجمه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن قانع والطبراني عن الضحاك بن أبي جبيرة أن الأنصار كانوا ينفقون في سبيل الله ويتصدقون، فأصابتهم سنة فساء ظنهم وأمسكوا عن ذلك، فأنزل الله: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد عن مجاهد {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: لا يمنعنكم النفقة في حق خيفة العيلة.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أسلم أبي عمران قال: كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد، فخرج صف عظيم من الروم، فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله! يلقي بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إنكم تتأوّلون هذه الآية هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإِسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع فيها، فأنزل الله على نبيه يرد علينا ما قلنا {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} فكانت التهلكة الإِقامة في الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو.
وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن البراء بن عازب أنه قيل له {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} هو الرجل يلقى العدّو فيقاتل حتى يقتل قال: لا، ولكن هو الرجل يذنب فيلقي بيديه فيقول: لا يغفر الله لي أبداً.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والطبراني والبيهقي في الشعب عن النعمان بن بشير قال: كان الرجل يذنب فيقول: لا يغفر الله لي. فأنزل الله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن عبيدة السلماني في قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: القنوط.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: التهلكة عذاب الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنهم حاصروا دمشق، فأسرع رجل إلى العدوّ وحده، فعاب ذلك عليه المسلمون ورفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص، فأرسل إليه فرده وقال: قال الله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
وأخرج ابن جرير عن رجل من الصحابة في قوله: {وأحسنوا} قال: أدوا الفرائض.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحق. مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة في قوله: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} قال: أحسنوا الظن بالله.