فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (11):

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والله خلقكم من تراب} يعني خلق آدم من تراب {ثم من نطفة} يعني ذريته، {أو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً} [ الشورى: 50].
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وما يعمر من معمر...} الآية. يقول: ليس أحد قضيت له طول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر، وقد قضيت له ذلك، فإنما ينتهي له الكتاب الذي قدرت له لا يزاد عليه، وليس أحد قضيت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتب له. فذلك قوله: {ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} يقول: كل ذلك في كتاب عنده.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره} يقول: لم يخلق الناس كلهم على عمر واحد. لهذا عمر، ولهذا عمر هو أنقص من عمره، كل ذلك مكتوب لصاحبه بالغ ما بلغ.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره} قال: ما من يوم يعمر في الدنيا إلا ينقص من أجله.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره} قال: ليس يوم يسلبه من عمره إلا في كتاب كل يوم في نقصان.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن جبير في قوله: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره} إلا في كتاب، قال: مكتوب في أوّل الصحيفة عمره كذا وكذا، ثم يكتب في أسفل ذلك ذهب يوم ذهب يومان حتى يأتي على آخر عمره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن حسان بن عطية في قوله: {ولا ينقص من عمره} قال: كل ما ذهب من يوم وليلة، فهو نقصان من عمره.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج عن مجاهد في قوله: {وما يعمر من معمر} إلا كتب الله له أجله في بطن أمه {ولا ينقص من عمره} يوم تضعه أمه بالغاً ما بلغ يقول: لم يخلق الناس كلهم على عمر واحد. لذا عمر، ولذا عمر هو أنقص من عمر هذا، وكل ذلك مكتوب لصاحبه بالغاً ما بلغ.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال: ألا ترى الناس يعيش الإِنسان مائة سنة. وآخر يموت حين يولد، فهو هذا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: ليس من مخلوق إلا كتب الله له عمره جملة، فكل يوم يمر به أو ليلة يكتب: نقص من عمر فلان كذا وكذا... حتى يستكمل بالنقصان عدة ما كان له من أجل مكتوب، فعمره جميعاً في كتاب، ونقصانه في كتاب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي مسلم الخراساني في الآية قال: لا يذهب من عمر إنسان يوم، ولا شهر، ولا ساعة، إلا ذلك مكتوب، محفوظ، معلوم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: أما العمر فمن بلغ ستين سنة. وأما الذي ينقص من عمره، فالذي يموت قبل أن يبلغ ستين سنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وما يعمر من معمر} قال: في بطن أمه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {ولا ينقص من عمره} قال: ما لفظت الأرحام من الأولاد من غير تمام.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو بخمس وأربعين ليلة فيقول: أي رب أشقي، أم سعيد؟ أذكر، أم أنثى؟ فيقول الله... ويكتبان، ثم يكتب عمله، ورزقه، وأجله، وأثره، ومصيبته، ثم تنطوي الصحيفة فلا يزاد فيها، ولا ينقص منها».
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وأبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال: قالت أم حبيبة: اللهم أمتعني بزوجي النبي صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإنك سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، ولن يعجل شيئاً قبل حله، أو يؤخر شيئاً عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب النار، أو عذاب القبر، كان خيراً وأفضل».
وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان في بني إسرائيل اخوان ملكان على مدينتين، وكان أحدهما باراً برحمه، عادلاً على رعيته. وكان الآخر عاقاً برحمه، جائراً على رعيته. وكان في عصرهما نبي، فأوحى الله إلى ذلك النبي أنه قد بقي من عمر هذا البار ثلاث سنين، وبقي من عمر هذا العاق ثلاثون سنة، فأخبر النبي رعية هذا، ورعية هذا، فأحزن ذلك رعية العادل، وأفرح ذلك رعية الجائر، ففرقوا بين الأمهات والأطفال، وتركوا الطعام والشراب، وخرجوا إلى الصحراء يدعون الله تعالى أن يمتعهم بالعادل، ويزيل عنهم، الجائر، فأقاموا ثلاثاً، فأوحى الله إلى ذلك النبي: أن أخبر عبادي أني قد رحمتهم، وأجبت دعاءهم، فجعلت ما بقي من عمر هذا البار لذلك الجائر، وما بقي من عمر الجائر لهذا البار، فرجعوا إلى بيوتهم ومات العاق لتمام ثلاث سنين، وبقي العادل فيهم ثلاثين سنة. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير}».

.تفسير الآيات (12- 13):

{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)}
أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي جعفر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شرب الماء قال: «الحمد لله الذي جعله عذباً فراتاً برحمته، ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما يستوي البحران هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج} قال: الأجاج المر {ومن كل تأكلون لحماً طرياً} أي منهما جميعاً {وتستخرجون حلية تلبسونها} هذا اللؤلؤ {وترى الفلك فيه مواخر} قال: السفن مقبلة ومدبرة تجري بريح واحدة {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} قال: نقصان الليل في زيادة النهار، ونقصان النهار في زيادة الليل {وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى} قال: أجل معلوم، وحد لا يتعداه ولا يقصر دونه {ذلكم الله ربكم} يقول: هو الذي سخر لكم هذا.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي حاتم عن سنان بن سلمة أنه سأل ابن عباس عن ماء البحر فقال: بحران لا يضرك من أيهما توضأت. ماء البحر، وماء الفرات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ومن كل تأكلون لحماً طرياً} قال: السمك {وتستخرجون حلية تلبسونها} قال: اللؤلؤ من البحر الأجاج.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ما يملكون من قطمير} قال: القطمير القشر، وفي لفظ الجلد الذي يكون على ظهر النواة.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {من قطمير} قال: الجلدة البيضاء التي على النواة قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت أمية بن أبي الصلت وهو يقول:
لم أنل منهم بسطاً ولا زبداً ** ولا فوفة ولا قطميرا

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: القطمير الذي بين النواة والتمرة، القشر الأبيض.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {قطمير} قال: لفافة النواة كسحاة البصلة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في قوله: {من قطمير} قال: رأس التمرة يعني القمع.

.تفسير الآيات (14- 17):

{إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم} أي ما قبلوا ذلك منكم {ويوم القيامة يكفرون بشرككم} قال: لا يرضون، ولا يقرون به {ولا ينبئك مثل خبير} والله هو الخبير أنه سيكون هذا من أمرهم يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم} قال: هي الآلهة. لا تسمع دعاء من دعاها وعبدها من دون الله تعالى {ولو سمعوا ما استجابوا لكم} قال: ولو سمعت الآلهة دعاءكم ما استجابوا لكم بشيء من الخير {ويوم القيامة يكفرون بشرككم} قال: بعبادتكم إياهم.

.تفسير الآيات (18- 26):

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)}
أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في حجة الوداع ألا لا يجني جان إلا على نفسه. لا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده».
وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود والترمذي والنسائي وابن مردويه عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأيته قال لأبي: «ابنك هذا؟ قال: أي ورب الكعبة قال: أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولا تزر وازرة وزر أخرى}».
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله: {وإن تدع مثقلة إلى حملها} قال: إن تدع نفس مثقلة من الخطايا ذا قرابة أو غير ذي قرابة {لا يحمل} عنها من خطاياها شيء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء} يكون عليه وزر لا يجد أحداً يحمل عنه من وزره شيئاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء} كنحو {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: إن الجار يتعلق بجاره يوم القيامة فيقول: يا رب سل هذا لم كان يغلق بابه دوني، وإن الكافر ليتعلق بالمؤمن، يوم القيامة فيقول له: يا مؤمن إن لي عندك يداً قد عرفت كيف كنت في الدنيا، وقد احتجت إليك اليوم فلا يزال المؤمن يشفع له إلى ربه حتى يرده إلى منزلة دون منزلة وهو في النار. وأن الوالد يتعلق بولده يوم القيامة فيقول: يا بني أي والد كنت لك؟ فيثني خيراً فيقول: يا بني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك أنجو بها مما ترى، فيقول له ولده: يا أبت ما أيسر ما طلبت؟ ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئاً، أتخوّف مثل الذي تخوّفت، فلا أستطيع أن أعطيك شيئاً. ثم يتعلق بزوجته فيقول: يا فلانة أي زوج كنت لك؟ فتثني خيراً فيقول لها: فإني أطلب إليك حسنة واحدة تهبيها لي لعلي أنجو مما ترين. قالت: ما أيسر ما طلبت! ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئاً، أتخوّف مثل الذي تخوّفت. يقول الله: {وإن تدع مثقلة إلى حملها....}. ويقول الله: {يوم لا يجزي والد عن ولده} [ لقمان: 133] و {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه...} [ عبس: 34].
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وإن تدع مثقلة إلى حملها} أي إلى ذنوبها {لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى} قال: قرابة قريبة لا يحمل من ذنوبه شيئاً، ويحمل عليها غيرها من ذنوبها شيئاً {إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب} أي يخشون النار، والحساب.
وفي قوله: {ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه} أي من عمل عملاً صالحاً فإنما يعمل لنفسه. وفي قوله: {وما يستوي...}. قال: خلق فضل بعضه على بعض، فأما المؤمن فعبد حي الأثر، حي البصر، حي النية، حي العمل. والكافر عبد ميت الأثر، ميت البصر، ميت القلب، ميت العمل.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {وما يستوي الأعمى والبصير....} قال: هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن يقول: كما لا يستوي هذا وهذا، كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وما يستوي الأعمى والبصير...} قال: الكافر والمؤمن {ولا الظلمات} قال: الكفر {ولا النور} قال: الايمان {ولا الظل} قال: الجنة {ولا الحرور} قال: النار {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} قال: المؤمن والكافر {إن الله يسمع من يشاء} قال: يهدي من يشاء.
وأخرج أبو سهل السري بن سهل الجنديسابوري الخامس من حديثه من طريق عبد القدوس عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فإنك لا تسمع الموتى} [ الروم: 52] {وما أنت بمسمع من في القبور} قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقف على القتلى يوم بدر ويقول: «هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً يا فلان ابن فلان. ألم تكفر بربك؟ ألم تكذب نبيك؟ ألم تقطع رحمك؟ فقالوا: يا رسول الله أيسمعون ما نقول؟ قال: ما أنتم بأسمع منهم لما أقول. فأنزل الله: {فإنك لا تسمع الموتى} {وما أنت بمسمع من في القبور} ومثل ضربة الله للكفار أنهم لا يسمعون لقوله».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما أنت بمسمع من في القبور} فكذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع. وفي قوله: {وإن من أمةٍ إلا خلا فيها نذير} يقول كل أمة قد كان لها رسول جاءها من الله. وفي قوله: {وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم} قال: يعزي نبيه {جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر والكتاب المنير، ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير} قال: شديد والله لقد عجل لهم عقوبة الدنيا ثم صيرهم إلى النار.