فصل: تفسير الآية رقم (24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (24):

{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)}
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وقفوهم إنهم مسئولون} قال: احبسوهم إنهم محاسبون.
وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي والدارمي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من داع دعا إلى شيء إلا كان موقوفاً يوم القيامة لازماً به لا يفارقه، وإن دعا رجل رجلاً. ثم قرأ {وقفوهم إنهم مسئولون}».
وأخرج ابن المنذر عن عطية رضي الله عنه في قوله: {وقفوهم إنهم مسئولون} قال: يقفون يوم القيامة حتى يسألوا عن أعمالهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عثمان بن زائدة رضي الله عنه قال: كان يقال أن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة عن جلسائه.

.تفسير الآيات (25- 44):

{مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44)}
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ما لكم لا تناصرون} قال: لا تمانعون منا {بل هم اليوم مستسلمون} مسخرون {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} أقبل بعضهم يلوم بعضاً قال: الضعفاء للذين استكبروا {إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} تقهروننا بالقدرة عليكم {قالوا بل لم تكونوا مؤمنين} في علم الله {وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوماً طاغين} مشركين في علم الله {فحق علينا قول ربنا} فوجب علينا قضاء ربنا لأنا كنا أذلاء، وكنتم أعزة {فإنهم يومئذٍ} قال: كلهم {في العذاب مشتركون}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ما لكم لا تناصرون} قال: لا يدفع بعضكم بعضاً {بل هم اليوم مستسلمون} في عذاب الله {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} قال: الانس على الجن قالت الانس للجن {إنكم تأتوننا عن اليمين} قال: من قبل الخير أفتنهونا عنه. قالت الجن للانس {بل لم تكونوا مؤمنين، فحق علينا قول ربنا} قال: هذا قول الجن {فأغويناكم إنا كنا غاوين} هذا قول الشياطين لضلال بني آدم {ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم {بل جاء بالحق وصدق المرسلين} أي صدق من كان قبله من المرسلين {إنكم لذائقوا العذاب الأليم، وما تجزون إلا ما كنتم تعملون، إلا عباد الله المخلصين} قال: هذه ثنية الله {أولئك لهم رزق معلوم} قال: الجنة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} قال: ذلك إذا بعثوا في النفخة الثانية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {كنتم تأتوننا عن اليمين} قال: كانوا يأتونهم عند كل خير ليصدوهم عنه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {تأتوننا عن اليمين} قال: عن الحق الكفار تقوله للشياطين.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {لم تكونوا مؤمنين} قال: لو كنتم مؤمنين منعتم منا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {فأغويناكم} قال: الشياطين تقول {أغويناكم} في الدنيا {إنا كنا غاوين} {فإنهم يومئذ} ومن أغووا في الدنيا {في العذاب مشتركون}.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} قال: كانوا إذا لم يشرك بالله يستنكفون {ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} لا يعقل قال: فحكى الله صدقه فقال: {بل جاء بالحق وصدق المرسلين}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله، ونفسه، إلا بحقه، وحسابه على الله. وأنزل الله في كتابه، وذكر قوماً استكبروا فقال: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} وقال: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها} [ الفتح: 26] وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله. استكبر عنها المشركون يوم الحديبية. يوم كاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضية الهدنة».
وأخرج البخاري في تاريخه عن وهب بن منبه رضي الله عنه أنه قيل له: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى. ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان، فمن جاء بأسنانه فتح له، ومن لا، لم يفتح له.
وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد رضي الله عنه أنه كان يقرأ {إلا عباد الله المخلصين}.
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله: {أولئك لهم رزق معلوم} قال: في الجنة.

.تفسير الآيات (45- 49):

{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)}
أخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال: كل كأس ذكره الله في القرآن إنما عني به الخمر.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {بكأس من معين} قال: كأس من خمر لم تعصر والمعين هي الجارية {لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون} قال: لا تذهب عقولهم، ولا تصدع رؤوسهم، ولا توجع بطونهم.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه {بكأس من معين} هو الجاري.
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله: {بيضاء} قال: في قراءة عبدالله {صفراء}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يطاف عليهم بكأس من معين} قال: الخمر {لا فيها غول} قال: ليس فيها صداع {ولا هم عنها ينزفون} قال: لا تذهب عقولهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول. فنزه الله خمر الجنة عنها {لا فيها غول} لا تغول عقولهم من السكر {ولا هم عنها ينزفون} لا يقيئون عنها كما يقيء صاحب خمر الدنيا عنها، والقيء مستكره.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {لا فيها غول} قال: ليس فيها نتن، ولا كراهية كخمر الدنيا قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت امرؤ القيس وهو يقول:
رب كاس شربت لا غول فيها ** وسقيت النديم منها مزاجا

قال أخبرني عن قوله: {ولا هم عنها ينزفون} قال: لا يسكرون قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول عبدالله بن رواحة رضي الله عنه وهو يقول:
ثم لا ينزفون عنها ولكن ** يذهب الهم عنهم والغليل

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {لا فيها غول} قال: هي الخمر، ليس فيها وجع بطن.
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {لا فيها غول} قال: وجع بطن {ولا هم عنها ينزفون} قال: لا تذهب عقولهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {بكأس من معين} قال: المعين الخمر {لا فيها غول} قال: وجع بطن {ولا هم عنها ينزفون} لا مكروه فيها ولا أذى.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وعندهم قاصرات الطرف} يقول: عن غير أزواجهن {كأنهن بيض مكنون} قال: اللؤلؤ المكنون.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {وعندهم قاصرات الطرف} يقول: عن غير أزواجهن قال: قصرن طرفهن على أزواجهن {عين} قال: حسان العيون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {عين} قال: العين العظام الاعين.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {كأنهن بيض مكنون} قال: بياض البيضة ينزع عنها فوقها، وغشاؤها الذي يكون في العرف.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {كأنهن بيض مكنون} قال: كأنهن بطن البيض.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {كأنهن بيض مكنون} قال: بياض البيض حين ينزع قشره.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني رضي الله عنه في قوله: {كأنهن بيض مكنون} قال: هو السخاء الذي يكون بين قشرته العليا ولباب البيضة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {كأنهن بيض مكنون} قال: البيض في عشه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وعندهم قاصرات الطرف} قال: قصرن طرفهن على أزواجهن. فلا يردن غيرهم {كأنهن بيض مكنون} قال: البيض الذي لم تلوثه الأيدي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {كأنهن بيض مكنون} قال: محصون، لم تمرته الأيدي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في قوله: {كأنهن بيض مكنون} قال: البيض الذي يكنه الريش، مثل بيض النعام الذي أكنه الريش من الريح، فهو أبيض إلى الصفرة، فكانت تترقرق فذلك المكنون.

.تفسير الآيات (50- 61):

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)}
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} قال: أهل الجنة.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إني كان لي قرين} قال: شيطان.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن عطاء الخراساني رضي الله عنه قال: كان رجلان شريكين، وكان لهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها، فعمد أحدهما فاشترى بألف دينار أرضاً، فقال صاحبه: اللهم إن فلاناً اشترى بألف دينار أرضاً، وإني أشتري منك بألف دينار أرضاً في الجنة. فتصدق بألف دينار، ثم ابتنى صاحبه داراً بألف دينار، فقال هذا: اللهم إن فلاناً ابتنى داراً بألف دينار، وإني أشتري منك داراً في الجنة بألف دينار. فتصدق بألف دينار، ثم تزوج صاحبه امرأة، فانفق عليها ألف دينار فقال: اللهم إن فلاناً تزوج امرأة، فانفق عليها ألف دينار، وإن أخطب إليك من نساء الجنة بألف دينار. فتصدق بألف دينار، ثم اشترى خدماً ومتاعاً بألف دينار، وإني أشتري منك خدماً ومتاعاً بألف دينار. فتصدق بألف دينار.
ثم أصابته حاجة شديدة فقال: لو أتيت صاحبي هذا لعله ينالني معروف، فجلس على طريقه، فمر به في حشمه وأهله، فقام إليه الآخر، فنظر فعرفه فقال فلان...؟! فقال: نعم. فقال: ما شأنك؟ فقال: أصابتني بعدك حاجة، فأتيتك لتصيبني بخير قال: فما فعل فقد اقتسمناه مالاً واحداً، فأخذت شطره. فقال: اشتريت داراً بألف دينار، ففعلت أنا كذلك، وفعلت أنا كذلك. فقص عليه القصة فقال: إنك لمن المصدقين بهذا، اذهب فوالله لا أعطيك شيئاً، فرده فقضى لهما أن توفيا، فنزلت فيهما {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} حتى بلغ {أئنا لمدينون} قال: لمحاسبون.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن فرات بن ثعلبة البهراني رضي الله عنه في قوله: {إني كان لي قرين} قال: ذكر لي أن رجلين كان شريكين، فاجتمع لهما ثمانية آلاف دينار، فكان أحدهما ليس له حرفة، والآخر له حرفة فقال: إنه ليس لك حرفة، فما أراني إلا مفارقك ومقاسمك، فقاسمه ثم فارقه. ثم إن أحد الرجلين اشترى داراً كانت لملك بألف دينار، فدعا صاحبه ثم قال: كيف ترى هذه الدار ابتعتها بألف دينار؟ فقال: ما أحسنها! فلما خرج قال: اللهم إن صاحبي قد ابتاع هذه الدار، وإني أسألك داراً من الجنة. فتصدق بألف دينار.
ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم تزوّج امرأة بألف دينار، فدعاه وصنع له طعاماً، فلما أتاه قال: إني تزوّجت هذه المرأة بألف دينار قال: ما أحسن هذا؟ فلما خرج قال: اللهم إن صاحبي تزوّج امرأة بألف دينار وإني أسألك امرأة من الحور العين.
فتصدق بألف دينار، ثم أنه مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم اشترى بستانين بألفي دينار، ثم دعاه فأراه وقال: إني قد ابتعت هذه البستانين بألفي دينار فقال: ما أحسن هذا؟ فلما خرج قال: يا رب إن صاحبي قد ابتاع بستانين بألفي دينار، وإني أسألك بستانين في الجنة. فتصدق بألفي دينار.
ثم إن الملك أتاهما فتوفاهما، فانطلق بهذا المتصدق، فأدخله داراً تعجبه، فإذا امرأة يضيء ما تحتها من حسنها، ثم أدخله البستانين وشيئاً الله به عليم فقال عند ذلك: ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا. وكذا.. قال: فإنه ذلك، ولك هذا المنزل، والبستانان، والمرأة فقال: {إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين} قيل له: فإنه في الجحيم قال: {فهل أنتم مطلعون، فاطلع فرآه في سواء الجحيم} فقال عند ذلك {تالله إن كدت لتردين}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في الآية قال: كانا شريكين في بني إسرائيل. أحدهما مؤمن. والآخر كافر، فافترقا على ستة آلاف دينار، كل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار. ثم افترقا فمكثا ما شاء الله أن يمكثا، ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن ما صنعت في مالك، أضربت به شيئاً اتجرت به في شيء؟ قال له المؤمن: لا. فما صنعت أنت؟ قال: اشتريت به نخلاً، وأرضاً، وثماراً، وأنهاراً، بألف دينار فقال له المؤمن: أو فعلت؟ قال: نعم. فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل، فصلى ما شاء الله أن يصلي، فلما انصرف أخذ ألف دينار فوضعها بين يديه، ثم قال: اللهم إن فلاناً- يعني شريكه الكافر- اشترى أرضاً، ونخلاً، وثماراً، وأنهاراً، بألف دينار، ثم يموت ويتركها غداً. اللهم وإني اشتري منك بهذه الألف دينار أرضاً، ونخلاً، وثماراً، وأنهاراً، في الجنة. ثم أصبح فقسمها للمساكين.
ثم مكثا ما شاء الله أن يمكثا، ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن: ما صنعت، أضربت به في شيء، اتجرت به؟ قال: لا. قال: فما صنعت أنت؟ قال: كانت ضيعتي قد اشتد على مؤنتها، فاشتريت رقيقاً بألف دينار، يقومون لي، ويعملون لي فيها. فقال المؤمن: أو فعلت؟ قال: نعم. فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل، صلى ما شاء الله أن يصلي، فلما انصرف أخذ ألف دينار، فوضعها بين يديه ثم قال: اللهم إن فلاناً اشترى رقيقاً من رقيق الدنيا بألف دينار، يموت غداً فيتركهم، أو يموتون فيتركونه، اللهم وإني أشتري منك بهذه الألف دينار رقيقاً في الجنة. ثم أصبح فقسمها بين المساكين.
ثو مكثا ما شاء الله أن يمكثا، ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن: ما صنعت في مالك، أضربت به في شيء، اتجرت به في شيء؟ قال: لا.
فما صنعت أنت؟ قال: كان أمري كله قد تم إلا شيئاً واحداً، فلانة مات عنها زوجها فأصدقتها ألف دينار، فجاءتني بها وبمثلها معها فقال له المؤمن: أو فعلت؟ قال له نعم. فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل صلى ما شاء الله أن يصلي، فلما انصرف أخذ الألف دينار الباقية، فوضعها بين يديه، وقال: اللهم إن فلاناً تزوّج زوجة من أزواج الدنيا بألف دينار، ويموت عنها فيتركها أو تموت فتتركه، اللهم وإني أخطب إليك بهذه الألف دينار حوراء عيناء في الجنة. ثم أصبح فقسمها بين المساكين، فبقي المؤمن ليس عنده شيء.
فلبس قميصاً من قطن، وكساء من صوف، ثم جعل يعمل ويحفر بقوته فقال رجل: يا عبد الله أتؤجر نفسك مشاهرة؛ شهراً بشهر، تقوم على دواب لي؟ قال: نعم. فكان صاحب الدواب يغدو كل يوم ينظر إلى دوابه، فإذا رأى منها دابة ضامرة أخذ برأسه فوجأ عنقه، ثم يقول له: سرقت شعير هذه البارحة. فلما رأى المؤمن الشدة قال: لآتين شريكي الكافر، فلأعملن في أرضه، يطعمني هذه الكسرة يوماً بيوم، ويكسيني هذين الثوبين إذا بليا.
فانطلق يريده، فانتهى إلى بابه، وهم مُمْسٍ، فإذا قصر في السماء، وإذا حوله البوابون فقال لهم: استأذنوا لي صاحب هذا القصر، فإنكم إن فعلتم ذلك سره فقالوا له: انطلق فإن كنت صادقاً فنم في ناحية فإذا أصبحت فتعرض له. فانطلق المؤمن فألقى نصف كسائه تحته ونصفه فوقه ثم نام، فلما أصبح أتى شريكه، فتعرض له، فخرج شريكه وهو راكب، فلما رآه عرفه، فوقف فسلم عليه وصافحه، ثم قال له: ألم تأخذ من المال مثل ما أخذت فأين مالك؟ قال: لا تسألني عنه قال: فما جاء بك؟ قال: جئت أعمل في أرضك هذه، تطعمني هذه الكسرة يوماً بيوم، وتكسوني هذين الثوبين إذا بليا قال: لا ترى مني خيراً حتى تخبرني ما صنعت في مالك قال: أقرضته من الملأ الوفي قال: من؟ قال: الله ربي، وهو مصافحه، فانتزع يده ثم قال: {أئنك لمن المصدقين، أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمدينون} وتركه، فلما رآه المؤمن لا يلوي عليه رجع، وتركه يعيش المؤمن في شدة من الزمان، ويعيش الكافر في رخاء من الزمان.
فإذا كان يوم القيامة، وأدخل الله المؤمن الجنة يمر فإذا هو بأرض، ونخل، وأنهار، وثمار، فيقول: لمن هذا؟ فيقال: هذا لك فيقول: أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟ ثم يمر فإذا هو برقيق لا يحصى عددهم فيقول: لمن هذا؟ فيقال: هؤلاء لك فيقول: أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟ ثم يمر فإذا هو بقبة من ياقوتة حمراء مجوفة فيها حوراء عيناء فيقول: لمن هذه؟ فيقال: هذه لك فيقول: أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟ ثم يذكر شريكه الكافر فيقول {إني كان لي قرين، يقول أئنك لمن المصدقين} فالجنة عالية، والنار هاوية، فيريه الله شريكه في وسط الجحيم، من بين أهل النار، فإذا رآه عرفه المؤمن فيقول {تالله إن كدت لتردين، ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين، أفما نحن بميتين، إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين، إن هذا لهو الفوز العظيم، لمثل هذا فليعمل العاملون} بمثل ما قدمت عليه قال: فيتذكر المؤمن ما مر عليه في الدنيا من الشدة فلا يذكر أشد عليه من الموت.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أئنا لمدينون} قال: لمحاسبون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه، مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {هل أنتم مطلعون} يقول: مطلعون إليه حتى أنظر إليه في النار.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {سواء الجحيم} قال: وسط الجحيم.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {في سواء الجحيم} قال: وسط الجحيم قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر:
رماهم بسهم فاستوى في سوائها ** وكان قبولاً للهوى والطوارق

وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {فاطلع فرآه في سواء الجحيم} قال: اطلع، ثم التفت إلى أصحابه، فقال: لقد رأيت جماجم القوم تغلي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: ذكر لنا أن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: في الجنة كوى، فإذا أراد أحد من أهلها أن ينظر إلى عدوه في النار، اطلع فازداد شكراً.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {هل أنتم مطلعون} قال: سأل ربه أن يطلعه، {فاطلع فرآه في سواء الجحيم} يقول: في وسطها، فرأى جماجمهم تغلي فقال: فلان.. ! فلولا أن الله عرفه إياه لما عرفه. لقد تغير خبره وسبره. فعند ذلك قال: {تالله إن كدت لتردين} يقول: لتهلكني لو أطعتك {ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين} قال: في النار {أفما نحن بميتين} إلى قوله: {الفوز العظيم} قال: هذا قول أهل الجنة يقول الله: {لمثل هذا فليعمل العاملون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: علموا أن كل نعيم بعد الموت يقطعه فقالوا {أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين} قيل: لا. قالوا {إن هذا لهو الفوز العظيم}.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يقول الله تعالى لأهل الجنة: {كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون} [ المرسلات: 43] قال: قول الله: {هنيئاً} أي لا تموتون فيها. فعندها قالوا {أفما نحن بميتين، إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين، إن هذا لهو الفوز العظيم، لمثل هذا فليعمل العاملون}.
وأخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في يدي، فرأى جنازة، فأسرع المشي حتى أتى القبر، ثم جثا على ركبتيه، فجعل يبكي حتى بل الثرى، ثم قال: {لمثل هذا فليعمل العاملون}.