فصل: تفسير الآية رقم (199):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (199):

{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في سننه عن عائشة قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس وكانت سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإِسلام أمر نبيه أن يأتي عرفات ثم يقفون بها ثم يفيض منها، فذلك قوله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.
وأخرج البخاري ومسلم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس والحمس قريش وما ولدت، كانوا يطوفون عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثياباً، فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء، وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة، وكان الناس كلهم يبلغون عرفات قال هشام: فحدثني أبي عن عائشة قال: كانت الحمس الذين أنزل الله فيهم {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قالت: كان الناس يفيضون من عرفات وكان الحمس يفيضون من المزدلفة، يقولون: لا نفيض إلا من الحرم. فلما نزلت {أفيضوا من حيث أفاض الناس} رجعوا إلى عرفات.
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت: قالت قريش: نحن قواطن البيت لا نجاوز الحرم فقال الله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والطبراني عن جبير بن مطعم قال: أضللت بعيراً لي فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً مع الناس بعرفة، فقلت والله إن هذا لمن الحمس فما شأنه ههنا؟ وكانت قريش تعد من الحمس. وزاد الطبراني وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم: إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس حرمكم، وكانوا لا يخرجون من الحرم.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم قال: كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة ويقولن: نحن الحمس فلا نخرج من الحرم وقد تركوا الموقف على عرفة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له، ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم، ثم يدفع إذا دفعوا.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم قال: «لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه وأنه لواقف على بعير له بعرفات مع الناس يدفع معهم منها، وما ذاك إلا توفيق من الله».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كانت العرب تقف بعرفة وكانت قريش دون ذلك بالمزدلفة، فأنزل الله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.
وأخرج ابن المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كانت قريش يقفون بالمزدلفة ويقف الناس بعرفة إلا شيبة بن ربيعة، فأنزل الله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: كانت قريش وكل ابن أخت لهم وحليف لا يفيضون مع الناس من عرفات أنما يفيضون من المغمس، كانوا يقولون: إنما نحن أهل الله فلا نخرج من حرمه، فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس، وكانت سنة إبراهيم وإسمعيل الإِفاضة من عرفات.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {من حيث أفاض الناس} قال: إبراهيم.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قال: عرفة، كانت قريش تقول: إنما نحن حمس أهل الحرم لا يخلف الحرم المزدلفة، أمروا أن يبلغوا عرفة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال: كان الناس يقفون بعرفة إلا قريشاً وأحلافها وهي الحمس، فقال بعضهم: لا تعظموا إلا الحرم فإنكم إن عظمتم غير الحرم أوشك أن تتهاونوا بحرمكم، فقصروا عن مواقف الحق فوقفوا بجمع، فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات.
أما قوله تعالى: {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}.
أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: إذا كان يوم عرفة هبط الله إلى السماء الدنيا في الملائكة، فيقول لهم: عبادي آمنوا بوعدي وصدقوا رسلي ما جزاؤهم؟ فيقال: أن يغفر لهم. فذلك قوله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}.
وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي والحاكم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراده هؤلاء».
وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً».
وأخرج البزار وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر- يعني عشر ذي الحجة- قيل: وما مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً ضاحين، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويستعيذون من عذابي ولم يروه، فلم ير يوماً أكثر عتيقاً وعتيقة من النار منه».
وأخرج أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص «أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما من يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة».
وأخرج مالك والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أحقر ولا ادحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا مما يرى فيه من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر. قالوا: يا رسول الله وما الذي رأى يوم بدر؟ قال: رأى جبريل يزع الملائكة».
وأخرج البيهقي عن الفضل بن عباس «أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، وكان الفتى يلاحظ النساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ببصره هكذا وصرفه، وقال يا ابن أخي: هذا يوم من ملك فيه بصره إلا من حق، وسمعه إلا من حق، ولسانه إلا من حق، غفر له».
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل قولي وقول الأنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير».
وأخرج البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير».
وأخرج الترمذي وابن خزيمة والبيهقي عن علي بن أبي طالب قال: «كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة: اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول: اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك رب تدآبي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أسألك من خير ما تجيء به الريح وأعوذ بك من شر ما تجيء به الريح».
وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يقف عشية عرفة بالموقف فيستقبل القبلة بوجهه، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، ثم يقرأ {قل هو الله أحد} [ الإِخلاص: 1] مائة مرة، ثم يقول: اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وعلينا معهم مائة مرة إلا قال الله تعالى: يا ملائكتي ما جزاء عبدي هذا سبحني وهللني وكبرني وعظمني وعرفني وأثنى عليَّ وصلى على نبيي، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له وشفعته في نفسه، ولو سألني عبدي هذا لشفعته في أهل الموقف كلهم. قال البيهقي: هذا متن غريب، وليس إسناده من ينسب إلى الوضع».
وأخرج البيهقي في الشعب عن بكير بن عتيق قال: حججت فتوسمت رجلاً أقتدي به إذا سالم بن عبد الله في الموقف يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله إلهاً واحداً ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله ولو كره المشركون، لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأوّلين. فلم يزل يقول هذا حتى غابت الشمس، ثم نظر إلي وقال: حدثني أبي عن جدي عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تبارك وتعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين».
وأخرج ابن أبي شيبة والجندي في فضائل مكة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي قلبي نوراً، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، وأعوذ بك من وسواس الصدور، وتشتت الأمور، وعذاب القبر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، شر بوائق الدهر».
وأخرج الجندي عن ابن جريج قال: بلغني أنه كان يؤمر أن يكون أكثر دعاء المسلم في الموقف: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي وابن أبي عاصم والطبراني معاً في الدعاء والبيهقي في الدعوات عن عبد الله بن مسعود قال: ما من عبد ولا أمة دعا الله ليلة عرفة بهذه الدعوات- وهي عشر كلمات- ألف مرة إلا ولم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه إلا قطيعة رحم أو اثماً. سبحان الذي في السماء عرشه، سبحان الذي في الأرض موطنه، سبحان الذي في البحر سبيلة، سبحان الذي في النار سلطانه، سبحان الذي في الجنة رحمته، سبحان الذي في القبور قضاؤه، سبحان الذي في الهواء روحه، سبحان الذي رفع السماء، سبحان الذي وضع الأرض، سبحان الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه.
قيل له: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن صدقة بن يسار قال: سألت مجاهداً عن قراءة القرآن أفضل يوم عرفة أم الذكر؟ قال: لا بل قراءة القرآن.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي عن علي بن أبي طالب أنه قال وهو بعرفات: لا أدع هذا الموقف ما وجدت إليه سبيلاً، لأنه ليس في الأرض يوم أكثر عتقاً للرقاب فيه من يوم عرفة، فأكثروا في ذلك اليوم من قول: اللهم اعتق رقبتي من النار، وأوسع لي في الرزق، واصرف عني فسقة الجن والإِنس، فإنه عامة ما أدعوك به.
وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عباس قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة «اللهم أنك ترى مكاني، وتسمع كلامي، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المساكين، وابتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وادعوك دعاء الخائف المضرور من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه، ونحل لك جسده ورغم أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك شقياً، وكن بي رؤوفاً رحيماً يا خير المسؤولين ويا خير المعطين».
وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عمر. أنه كان يرفع صوته عشية عرفة يقول: اللهم اهدنا بالهدي، وزينا بالتقوى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، ثم يخفض صوته بقوله: اللهم إني أسألك من فضلك رزقاً طيباً مباركاً، اللهم إني أمرت بالدعاء وقضيت على نفسك بالإِجابة، وإنك لا تخلف وعدك ولا تنكث عهدك، اللهم ما أحببت من خير فحببه إلينا ويسره لنا، وما كرهت من شر فكرهه إلينا وجنبناه، ولا تنزع منا الإِسلام بعد إذ أعطيتناه.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو ذر الهروي في المناسك عن أبي مجلز قال: شهدت ابن عمر بالموقف بعرفات، فسمعته يقول: الله أكبر ولله الحمد ثلاث مرات، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مرة واحدة، ثم يقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً ويسكت قدر ما يقرأ فاتحة الكتاب، ثم يعود فيقول مثل ذلك حتى أفاض.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي سليمان الداراني عن عبد الله بن أحمد بن عطية قال: سئل علي بن أبي طالب عن الوقوف بالجبل ولِمَ لم يكن في الحرم؟ قال: لأن الكعبة بيت الله والحرم باب الله، فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون. قيل: يا أمير المؤمنين فالوقوف بالمشعر؟ قال: لأنه لما أذن لهم بالدخول وقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة، فلما أن طال تضرعهم أذن لهم بتقريب قربانهم بمنى، فلما أن قضوا تفثهم وقربوا قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم أذن لهم بالوفادة إليه على الطهارة.
قيل: يا أمير المؤمنين فمن أين حرم صيام أيام التشريق؟ قال: لأن القوم زوار الله وهم في ضيافته، ولا يجوز للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه. قيل: يا أمير المؤمنين فتعلق الرجل بأستار الكعبة لأي معنى هو؟ قال: مثل الرجل بينه وبين سيده جناية فتعلق بثوبه وتنصل إليه وتحدى له ليهب له جنايته.
وأخرج ابن زنجويه والأزرقي والجندي ومسدد والبزار في مسنديهما وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أنس بن مالك قال: «كنت قاعداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف أتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف، فسلما عليه ثم قالا: يا رسول الله جئنا نسألك. قال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه، وإن شئتما سألتماني. قال: أخبرنا يا رسول الله نزداد إيماناً ويقيناً! قال للأنصاري: جئت تسأل عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه، وعن طوافك وما لك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن وقوفك بعرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه، وعن طوافك بالبيت وما لك فيه، يعني الإِفاضة. قال: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأسألك عن ذلك.
وقال: أما مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن ناقتك لا ترفع خفاً ولا تضعه إلا كتب الله لك به حسنة ومحا به عنك خطيئة، وأما طوافك بالبيت فإنك لا ترفع قدماً ولا تضعها إلا كتب الله لك بها حسنة ومحا عنك بها خطيئة ورفع لك بها درجة، وأما ركعتاك بعد طوافك فكعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بين الصفا والمروة فكعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله تعالى يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة، ويقول: انظروا إلى عبادي جاؤوني من كل فج عميق شعثاً غبراً يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبهم مثل الرمل، وعدد القطر، ومثل زبد البحر، ومثل نجوم السماء، لغفرتها لهم ويقول: أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم فيه، وأما رميك الجمار فإن الله يغفر لك بكل حصاة رميتها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك، وأما طوافك بالبيت- يعني الافاضة- فإنك تطوف ولا ذنب عليك، ويأتيك ملك فيضع يده بين كتفيك ويقول: اعمل لما بقي فقد كفيت ما مضى»
.
وأخرج البزار والطبراني وابن حبان عن ابن عمر قال: «كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد منى، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف، فسلما ثم قالا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم جئناك نسألك فقال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت، وإن شئتما أن أمسك وتسألاني فعلت. فقالا: أخبرنا يا رسول الله! فقال الثقفي للأنصاري: سل. فقال: اخبرني يا رسول الله. فقال: جئتني تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن وقوفك عشية عرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه، وعن نحرك وما لك فيه مع الإِفاضة. فقال: والذي بعثك بالحق لعن هذا جئت أسألك.
قال: فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لا تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه إلا كتب لك به حسنة ومحى عنك خطيئة، وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة، فيقول: عبادي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون جنتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، أو كقطر المطر، أو كزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم له، وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة ويمحى عنك بها خطيئة، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك، يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول: اعمل فيما يستقبل فقد غفر لك ما مضى»
.
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فقال: «أيها الناس إن الله تطوّل عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم وأعطى محسنكم ما سأل، ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم، أفيضوا على اسم الله.
فلما كان غداة جمع قال: أيها الناس إن الله قد تطوّل عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، والتبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم الله فقال أصحابه: يا رسول الله أفضت بنا الأمس كئيباً حزيناً، وأفضت بنا اليوم فرحاً مسروراً؟ فقال: إني سألت ربي بالأمس شيئاً لم يجد لي به سألته التبعات فأبى علي، فلما كان اليوم أتاني جبريل فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول ضمنت التبعات وعوّضتها من عندي»
.
وأخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة «أيها الناس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل فادفعوا باسم الله، فلما كان بجمع قال: إن الله قد غفر لصالحيكم، وشفع لصالحيكم في طالحيكم، تنزل الرحمة فتعمهم، ثم يفرق المغفرة في الأرض فيقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده، وإبليس وجنوده بالويل والثبور».
وأخرج ابن ماجة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير والطبراني والبيهقي في سننه والضياء المقدسي في المختارة عن العباس بن مرداس السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء، فأوحى الله إليه: إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضاً، وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها. فقال: يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيراً من مظلمته وتغفر لهذا الظالم. فلم يجبه تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأجابه الله أني قد غفرت لهم. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أصحابه؟ قال: «تبسمت من عدوّ الله إبليس، إنه لما علم أن الله قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه».
وأخرج ابن أبي الدنيا في الأضاحي وأبو يعلى عن أنس «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تطوّل على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة، فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق، فاشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت لمحسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم، فإذا أفاض القوم إلى جمع ووقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله، فيقول: يا ملائكتي عبادي وقفوا فعادوا في الرغبة والطلب، فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت محسنيهم جميع ما سألوني، وكفلت عنهم التبعات التي بينهم».
وأخرج ابن المبارك عن أنس بن مالك قال: «وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال: يا بلال أنصت لي الناس. فقام بلال فقال: انصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فنصت الناس فقال: يا معاشر الناس أتاني جبريل آنفاً فأقرأني من ربي السلام وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات. فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال: هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة. فقال عمر بن الخطاب: كثر خير الله وطاب».
وأخرج ابن ماجة عن بلال بن رباح «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له غداة جمع: أنصت الناس. ثم قال: إن الله تطاول عليكم في جمعكم هذا، فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ادفعوا باسم الله».
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما عائدان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أم الفضل بنت الحرث «أن ناساً اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه».
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في الأضاحي والحاكم وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.
وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي نجيح قال: سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة فقال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به، ولا أنهى عنه.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي قتادة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده».
وأخرج مالك في الموطأ من طريق القاسم بن محمد عن عائشة. أنها كانت تصوم يوم عرفة قال القاسم: ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإِمام وتقف حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض، ثم تدعو بالشراب فتفطر.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عائشة قالت: ما من يوم من السنة أصومه أحب إليّ من يوم عرفة.
وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم».
وأخرج البيهقي عن مسروق أنه دخل على عائشة يوم عرفة فقال: اسقوني. فقالت عائشة «وما أنت يا مسروق بصائم. فقال: لا، إني أتخوّف أن يكون يوم أضحى. فقالت عائشة: ليس كذلك يوم عرفة، يوم يعرف الإِمام، ويوم النحر يوم ينحر الإِمام، أو ما سمعت يا مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدله بصوم ألف يوم»؟.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي والبيهقي عن أنس بن مالك قال: كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم، يعني في الفضل.
وأخرج البيهقي عن الفضل بن عبّاس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حفظ لسانه وسمعه وبصره يوم عرفة غفر له من عرفة إلى عرفة».
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: «كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن أخي أن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له».
وأخرج المروزي في كتاب العيدين عن محمد بن عباد المخزومي قال: لا يستشهد مؤمن حتى يكتب اسمه عشية عرفة فيمن يستشهد.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في الأضاحي والمروزي عن إبراهيم. أنه سئل عن التعريف بالأمصار فقال: إنما التعريف بعرفات.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عوانة قال: رأيت الحسن البصري يوم عرفة بعد العصر جلس، فذكر الله ودعا واجتمع إليه الناس.
وأخرج المروزي عن مبارك قال: رأيت الحسن، وبكر بن عبد الله، وثابتاً البناني ومحمد بن واسع، وغيلان بن جرير، يشهدون عرفة بالبصرة.
وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي عن موسى بن أبي عائشة قال: رأيت عمرو بن حريث في المسجد يوم عرفة والناس مجتمعون إليه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والمروزي عن الحسن قال: إن أول من عرف البصرة ابن عباس.
وأخرج المروزي عن الحكم قال: أول من فعل ذلك بالكوفة مصعب بن الزبير.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن أبي الدنيا في الأضاحي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإِسلام، وهن أيام أكل وشرب».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن جابر بن عبد الله قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة الغداة يوم عرفة وسلم جثا على ركبتيه فقال: الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، إلى آخر أيام التشريق يكبر في العصر».
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق أبي الطفيل عن علي وعمار «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم ويقنت في الفجر، وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة، ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والمروزي في العيدين والحاكم عن عبيد بن عمير قال: كان عمر يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة الظهر أو العصر من آخر أيام التشريق.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن شقيق قال: كان يكبر بعد الفجر غداة عرفة، ثم لا يقطع حتى يصلي العصر من آخر أيام التشريق.
وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي والحاكم عن ابن عباس: أنه كان يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والحاكم عن عمير بن سعد قال: قدم علينا ابن مسعود، فكان يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه كان يقول: من يصحبني منكم من ذكر أو انثى فلا يصومن يوم عرفة، فإنه يوم أكل وشرب وتكبير.