فصل: تفسير الآيات (208- 209):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (208- 209):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} كذا قرأها بالنصب يعني مؤمني أهل الكتاب، فإنهم كانوا مع الإِيمان بالله مستمسكين ببعض أمر التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم يقول: ادخلوا في شرائع دين محمد ولا تدعوا منها شيئاً، وحسبكم بالإِيمان بالتوراة وما فيها.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} قال: نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام، وابن يامين، وأسد وأسيد ابني كعب، وسعيد بن عمرو، وقيس بن زيد، كلهم من يهود قالوا: يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه، وأن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها بالليل، فنزلت.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله: {ادخلوا في السلم} قال: يعني أهل الكتاب، و {كافة}: جميعاً.
وأخرج ابي أبي حاتم عن ابن عباس قال: السلم الطاعة، وكافة يقول: جميعاً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السلم الإِسلام، والزلل ترك الإِسلام.
وأخرج ابن جرير عن السدي {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات} قال: فإن ضللتم من بعد ما جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية {فاعلموا أن الله عزيز حكيم} يقول: عزيز في نقمته إذا انتقم، حكيم في أمره.

.تفسير الآية رقم (210):

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}
أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياماً، شاخصة أبصارهم إلى السماء ينظرون فصل القضاء، وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن عبد الله بن عمرو في هذه الآية قال: يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب، منها النور والظلمة والماء، فيصوّت الماء في تلك الظلمة صوتاً تنخلع له القلوب.
وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال: يأتي الله يوم القيامة في ظلل من السحاب قد قطعت طاقات.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قوله: {في ظلل من الغمام} قال: هو غير السحاب ولم يكن قط إلا لبني إسرائيل في تيههم، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة، وهو الذي جاءت فيه الملائكة.
وأخرج ابن جرير والديلمي عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفاً بالملائكة، وذلك قوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام}».
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية قال: في قراءة أبي بن كعب {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام}قال: يأتي الملائكة في ظلل من الغمام، وهو كقوله: {يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً} [ الفرقان: 25].
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة {في ظلل من الغمام} قال: طاقات {والملائكة} قال: الملائكة حوله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وتأتيهم الملائكة عند الموت.
وأخرج عن عكرمة {وقضي الأمر} يقول: قامت الساعة.

.تفسير الآية رقم (211):

{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {سل بني إسرائيل} قال: هم اليهود {كم آتيناهم من آية بينة} ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر {ومن يبدل نعمة الله} قال: يكفر بها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: آتاهم الله آيات بينات: عصا موسى، ويده، وأقطعهم البحر، وأغرق عدوّهم وهم ينظرون، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى {ومن يبدل نعمة الله} يقول: من يكفر بنعمة الله.

.تفسير الآية رقم (212):

{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا} قال: الكفار يبتغون الدنيا ويطلبونها {ويسخرون من الذين آمنوا} في طلبهم الآخرة. قال: ابن جرير لا أحسبه إلا عن عكرمة قال: قالوا: لو كان محمد نبياً لاتبعه ساداتنا وأشرافنا، والله ما اتبعه إلا أهل الحاجة مثل ابن مسعود وأصحابه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {زين للذين كفروا الحياة الدنيا} قال: هي همهم وسدمهم وطلبتهم ونيتهم {ويسخرون من الذين آمنوا} ويقولون: ما هم على شيء، استهزاء وسخرية {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة} هناكم التفاضل.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة {والذين اتقوا فوقهم} قال: فوقهم في الجنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: سألت ابن عباس عن هذه الآية {والله يرزق من يشاء بغير حساب} فقال: تفسيرها ليس على الله رقيب ولا من يحاسبه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {بغير حساب} قال: لا يحاسب الرب.
وأخرج ميمون بن مهران بغير حساب قال: غدقاً.
وأخرج عن الربيع بن أنس بغير حساب قال: لا يخرجه بحساب يخاف أن ينقص ما عنده، إن الله لا ينقص ما عنده.

.تفسير الآية رقم (213):

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال: {كان الناس أمة واحدة} قال: على الإِسلام كلهم.
وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله {كان الناس أمة واحدة فاختلفوا}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال: كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم، ففطرهم الله على الإِسلام وأقروا له بالعبودية، فكانوا أمة واحدة مسلمين، ثم اختلفوا من بعد آدم.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {كان الناس أمة واحدة} قال: آدم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أنه كان يقرأها {كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين} وإن الله إنما بعث الرسل، وأنزل الكتاب، بعد الاختلاف {وما اختلف فيه إلاَّ الذين أوتوه} يعني بني إسرائيل أوتوا الكتاب والعلم {بغياً بينهم} يقول: بغياً على الدنيا وطلب ملكها وزخرفها أيهم يكون له الملك والمهابة في الناس، فبغى بعضهم على بعض، فضرب بعضهم رقاب بعض، {فهدى الله الذين آمنوا} يقول: فهداهم الله عند الاختلاف أنهم أقاموا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف، أقاموا على الإِخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، واعتزلوا الاختلاف، فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة، على قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وآل فرعون، وأن رسلهم بلغتهم، وأنهم كذبوا رسلهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {كان الناس أمة واحدة} قال: كفاراً.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «نحن الأولون والآخرون. الأوّلون يوم القيامة، وأول الناس دخولاً الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع، فغداً لليهود، وبعد غد للنصارى، وهو في الصحيح بدون الآية».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: كان بين آدم ونوح عشرة أنبياء، ونشر من آدم الناس فبعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة قال: ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الهدى وعلى شريعة من الحق، ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحاً، وكان أول رسول أرسله الله إلى الأرض، وبعث عند الاختلاف من الناس وترك الحق، فبعث الله رسله وأنزل كتابه يحتج به على خلقه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} فاختلفوا في يوم الجمعة فأخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد، فهدى الله أمة محمد بيوم الجمعة. واختلفوا في القبلة، فاستقبلت النصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، وهدى الله أمة محمد للقبلة، واختلفوا في الصلاة، فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في الصيام، فمنهم من يصوم النهار، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في إبراهيم، فقالت اليهود: كان يهودياً، وقالت النصارى: كان نصرانياً. وجعله الله حنيفاً مسلماً، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في عيسى، فكذبت به اليهود وقالوا لأمه بهتاناً عظيماً، وجعلته النصارى إلهاً وولداً، وجعله الله روحه وكلمته، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال في قراءة ابن مسعود: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا عنه} يقول: اختلفوا عن الإِسلام.
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: في قراءة أبي بن كعب {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا من الحق فيه بإذنه ليكونوا شهداء على الناس يوم القيامة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} فكان أبو العالية يقول: في هذه الآية يهديهم للمخرج من الشبهات والضلالات والفتن.

.تفسير الآية رقم (214):

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {أم حسبتم...} الآية قال: نزلت في يوم الأحزاب، أصاب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وأصحابه بلاء وحصر.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس قال: أخبر الله المؤمن أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وأخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال: {مستهم البأساء والضراء} فالبأساء الفتن، والضراء السقم {وزلزلوا} بالفتن وأذى الناس إياهم.
وأخرج أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي عن خباب بن الأرت قال: «قلنا يا رسول الله ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ فقال: إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه، ثم قال: والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ولما يأتكم مثل الذين خلوا} أصابهم هذا يوم الأحزاب حتى قال قائلهم {ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً} [ الأحزاب: 12].
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {مثل الذين خلوا} يقول: سنن الذين خلوا من قبلكم {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول} خيرهم وأصبرهم وأعلمهم بالله {متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} فهذا هو البلاء والنغص الشديد، ابتلى الله به الأنبياء والمؤمنين قبلكم ليعلم أهل طاعته من أهل معصيته.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار، فمنهم من يخرج كالذهب الإِبريز فذلك الذي نجاه الله من السيئات، ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي افتتن».