فصل: تفسير الآية رقم (37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (37):

{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فتقبلها ربها بقبول حسن} قال: تقبل من أمها ما أرادت بها الكنيسة فأجرها فيه {وأنبتها نباتاً حسناً} قال: نبتت في غذاء الله.
وأخرج ابن جرير عن الربيع وكفلها زكريا قال: ضمها إليه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كفلها زكريا فدخل عليها المحراب فوجد عندها رزقاً عنباً في مكتل في غير حينه {قال أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} قال: إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولداً {هنالك دعا زكريا ربه} فلما بشر بيحيى قال: {رب اجعل لي آية قال آيتك ألاَّ تكلم الناس} قال: يعتقل لسانك من غير مرض وأنت سوي.
وأخرج عبد بن حميد وآدم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله: {وكفلها زكريا} قال: سهمهم بقلمه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: كانت مريم ابنة سيدهم وإمامهم فتشاح عليها أحبارهم، فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها، وكان زكريا زوج خالتها. فكفلها وكانت عنده وحضنتها.
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود وابن عباس وناس مق الصحابة، إن الذين كانوا يكتبون التوراة إذا جاؤوا إليهم بإنسان محرر واقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلمه، وكان زكريا أفضلهم يومئذ، وكان معهم، وكانت أخت أم مريم تحته، فلما أتوا بها قال لهم زكريا: أنا أحقكم بها، تحتي أختها. قال: فخرجوا إلى نهر الأردن، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها أيهم يقوم قلمه فيكفلها، فجرت الأقلام، وقام قلم زكريا على قرنيه كأنه في طين فأخذ الجارية.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وكفلها زكريا} قال: جعلها معه في محرابه.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأها {وكفلها} مشددة {زكرياء} ممدودة مهموز منصوب.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {وجد عندها رزقاً} قال: مكتلاً فيه عنب في غير حينه.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن جرير عن مجاهد {وجد عندها رزقاً} قال: عنباً في غير زمانه.
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن مجاهد {وجد عندها رزقاً} قال: فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد {وجد عندها رزقاً} قال: علماً.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وجد عندها رزقاً} قال: وجد عندها ثمار الجنة. فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وجد عندها رزقاً} قال: الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك {أنَّى} يعني من أين.
وأخرج عن الضحاك {أنى لك هذا} يقول من أتاك بهذا.
وأخرج أبو يعلى عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياماً لم يطعم طعاماً حتى شق ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة فقال يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع؟ فقالت: لا والله. فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت: والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له: بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشيء قد خبأته لك فقال: هلمي يا بنية بالجفنة. فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله. فحمدت الله تعالى وقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه حمد الله وقال: من أين لك هذا يا بنية؟ قالت: يا أبت {هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} فحمد الله ثم قال: «الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله رزقاً فَسُئِلَتْ عنه {قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}».

.تفسير الآية رقم (38):

{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)}
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما رأى ذلك زكريا يعني فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف عند مريم قال: إن الذي يأتي بهذا مريم في غير زمانه قادر أن يرزقني ولداً فذلك حين دعا ربه.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن الحسن قال: لما وجد زكريا عند مريم ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء يأتيها به جبريل قال لها: أنى لك هذا في غيره حينه؟ فقالت: هذا رزق من عند الله يأتي به الله {أن الله يرزق من يشاء بغير حساب} فطمع زكريا في الولد فقال: أن الذي أتى مريم بهذه الفاكهة في غير حينها لقادر أن يصلح لي زوجتي، ويهب لي منها ولداً، فعند ذلك {دعا زكريا ربه} وذلك لثلاث ليال بقين من المحرم. قام زكريا فاغتسل ثم ابتهل في الدعاء إلى الله قال: يا رازق مريم ثمار الصيف في الشتاء وثمار الشتاء في الصيف هب لي من لدنك يعني من عندك ذرية طيبة يعني تقيا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {ذرية طيبة} يقول: مباركة.

.تفسير الآية رقم (39):

{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي {فنادته الملائكة} قال: جبريل.
وأخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن أبي حماد قال: في قراءة ابن مسعود {فناداه جبريل وهو قائم يصلي في المحراب}.
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال: ذكروا الملائكة ثم تلا {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى} [ النجم: 27] وكان يقرأها {فناداه الملائكة}.
وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {فناداه الملائكة} بالتاء.
وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم قال: كان عبد الله يذكر الملائكة في القرآن.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأ {فنادته الملائكة} بالتاء {أن الله} بنصب الألف {يبشرك} مثقلة.
قوله تعالى: {وهو قائم يصلي}.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ثابت قال: الصلاة خدمة الله في الأرض، ولو علم الله شيئاً أفضل من الصلاة ما قال: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي}.
قوله تعالى: {في المحراب}.
أخرج ابن المنذر عن السدي. المحراب المصلى.
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا هذه المذابح. يعني المحاريب».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن موسى الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: اتقوا هذه المحاريب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيد بن أبي الجعد قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: أن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد. يعني الطاقات.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي ذر قال: أن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي. أنه كره الصلاة في الطاق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم. أنه كان يكره الصلاة في الطاق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد. أنه يكره المذابح في المساجد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب. أنه كره المذابح في المسجد.
وأخرج ابن جرير عن معاذ الكوفي قال: من قرأ {يبشر} مثقلة فإنه من البشارة، ومن قرأ {يبشر} مخففة بنصب الباء فإنه من السرور.
وأخرج ابي جرير وابن المنذر عن قتادة قال: أن الملائكة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بيحيى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {أن الله يبشرك بيحيى} قال: إنما سمي يحيى لأن الله أحياه بالإِيمان.
وأخرج ابن عدي والدارقطني في الافراد والبيهقي وابن عساكر عن ابن مسعود مرفوعاً: «خلق الله فرعون في بطن أمه كافراً، وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً».
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {مصدقاً بكلمة من الله} قال: عيسى ابن مريم، والكلمة يعني تكوّن بكلمة من الله.
وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن مجاهد قال: قالت امرأة زكريا لمريم: إني أجد الذي في بطني يتحرك للذي في بطنك، فوضعت امرأة زكريا يحيى عليه السلام، ومريم عيسى عليه السلام. وذلك قوله: {مصدقاً بكلمة من الله} قال: يحيى مصدق بعيسى.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في قوله: {مصدقاً بكلمة من الله} قال: كان يحيى أول من صدق بعيسى، وشهد أنه كلمة من الله. قال: وكان يحيى ابن خالة عيسى، وكان أكبر من عيسى.
وأخرج ابن جرير عن قتادة {مصدقاً بكلمة من الله} يقول: مصدق بعيسى، وعلى سنته ومنهاجه.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس {مصدقاً بكلمة من الله} قال: كان عيسى ويحيى ابني خالة، وكانت أم يحيى تقول لمريم: إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك، فذلك تصديقه بعيسى سجوده في بطن أمه وهو أول من صدق بعيسى، وكلمة عيسى. ويحيى أكبر من عيسى.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لقيت أم يحيى أم عيسى وهذه حامل بيحيى، وهذه حامل بعيسى فقالت امرأة زكريا: إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك. فذلك قوله تعالى {مصدقاً بكلمة من الله}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وسيداً} قال: حليماً تقياً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: (السيد) الكريم على الله.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن جرير عن عكرمة قال: (السيد) الذي لا يغلبه الغضب.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: (السيد) الفقيه العالم.
وأخرج أحمد في الزهد والخرائطي في مكارم الأخلاق عن الضحاك قال: (السيد) الحسن الخلق {والحصور} الذي حصر عن النساء.
وأخرج أحمد في البيهقي في سننه عن مجاهد قال: (الحصور) الذي لا يأتي النساء.
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال: نادى منادٍ من السماء أن يحيى بن زكريا سيد من ولدت النساء، وأن جورجيس سيد الشهداء.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سعيد بن جبير قال: (السيد)الحليم (والحصور) الذي لا يأتي النساء.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {وسيداً وحصوراً} قال: (السيد) الحليم و(الحصور) الذي لا يأتي النساء.
وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: (الحصور) الذي لا ينزل الماء.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال: (الحصور) الذي لا يقرب النساء. ولفظ ابن المنذر: العنين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يلقى الله إلاّ ذا ذنب إلاّ يحيى بن زكريا، فإن الله يقول: {وسيداً وحصوراً} قال: وإنما كان ذكره مثل هدبة الثوب، وأشار بأنملته».
وخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة من وجه آخر عن ابن عمرو. موقوفاً وهو أقوى اسناداً من المرفوع.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلاّ يحيى بن زكريا، فإنه كان {سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين} ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال: كان ذكره مثل هذه القذاة».
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله: «أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة، وأمنت الملائكة: رجل جعله الله ذكراً فأنث نفسه وتشبه بالنساء، وامرأة جعلها الله أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال، والذي يضل الأعمى، ورجل حصور، ولم يجعل الله حصوراً إلا يحيى بن زكريا».
وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن صالح عن بعضهم رفع الحديث «لعن الله والملائكة رجلاً تحصر بعد يحيى بن زكريا».
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب في قوله: {وحصوراً} قال: لا يشتهي النساء، ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخذ نواة فقال: ما كان معه مثل هذه.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {وحصوراً} قال: ألذي لا يأتي النساء. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر:
وحصور عن الخنا يأمر النا ** س بفعل الحراب والتشمير