فصل: الأول الْقيام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الشَّرْطُ الْعَاشِرُ الْمُوَالَاةُ:

فَيَجِبُ إِيقَاعُ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا يَلِي بَعْضُهَا بَعْضًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ الرُّعَافَ وَصَلَاةَ الْخَوْفِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَة وَالْمَسْبُوقُ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ فِيمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ صَلَاتِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ ثُمَّ يَقُومُ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ وَالسَّاهِي عَنْ بَعْضِ صَلَاتِهِ يَبْنِي مَا لَمْ يُطِلْ وَقَالَ رَبِيعَةُ يَبْنِي وَإِنْ طَالَ مَا لَمْ يُحْدِثْ فَجَعَلَ الْمُوَالَاةَ وَاجِبَةً مَعَ الذّكر سَاقِطَة مَعَ النسْيَان كَالْوضُوءِ لَا حق بِالشُّرُوطِ وَلَيْسَ مِنْهَا وَهِي السُّتْرَةُ فَإِنَّهَا يَجِبُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا بُطْلَانُ الصَّلَاةِ وَهِيَ مِنْ مَحَاسِنِ الصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهَا قَبْضُ الْخَوَاطِرِ عَنِ الِانْتِشَارِ وَكَفُّ الْبَصَرِ عَنِ الِاسْتِرْسَالِ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ مُجْتَمِعًا لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ وَلِهَذَا السِّرِّ شُرِعَتِ الصَّلَاةُ إِلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ الصَّمْتِ وَتَرْكِ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَّةِ وَمَنَعَ مِنَ الْجَرْيِ إِلَيْهَا وَإِنْ فَاتَتِ الْجَمَاعَةُ وَفَضِيلَةُ الِاقْتِدَاءِ وَمِنْ إِقَامَتهَا مَعَ الْجُوع الْمُبَرِّحِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُشَوِّشَاتِ إِنْ أَمْكَنَ اسْتِدْرَاكُ ذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ تَحْصِيلًا لِأَدَبِ الْقَلْبِ مَعَ الرَّبِّ أَعَانَنَا اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ ثُمَّ الْمَارُّ يَأْثَمُ إِنَّ كَانَتْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أَبُو النَّضِرِ لَا أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَو سنة وشاركه الْمُصَلِّي فِي الْإِثْمِ إِنْ تَعَرَّضَ لِلْمُرُورِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُوَطَّأِ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى ذَلِكَ فَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَبْسُطُ رِجْلَيْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ يُصَلِّي وَإِن لم يكن للمار مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْمُرُورِ أَثِمَ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَنَحْوُهُ إِنْ تَعَرَّضَ لِلْمُرُورِ بِعُذْرٍ إِذَا لَمْ يُقَصِّرْ وَالْحَالَاتُ أَرْبَعُ فَاثْنَانِ لَا يَأْثَمَانِ يَأْثَمُ الْمَارُّ وَحْدَهُ يَأْثَمُ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فليقاتله فَقيل إِذا فرغ من الصَّلَاة يغلظ عَلَيْهِ وَقِيلَ يَدْعُو عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قَاتَلَهُمُ الله أَنى يوفكون} أَيْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَقِيلَ يَدْفَعُهُ دَفْعًا شَدِيدًا أَشد من الدرأة وَلَا يَنْتَهِي إِلَى مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِنْ قَرُبَ مِنْهُ يَدْرَأُهُ وَلَا يُنَازِعُهُ فَإِنْ مَشَى لَهُ وَنَازَعَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِذَا تَجَاوَزَهُ لَا يَرُدُّهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ لِأَنَّهُ مروران قَالَ صَاحب الطّراز يدرأه حَالَة الْقيام وروى ابْن الْقَاسِم لَا يدرأه فِي حَالَة السُّجُودِ لِمُنَافَاةِ السُّجُودِ لِذَلِكَ وَإِنَّ مَرَّ بِهِ مَا لَا تُؤثر فِيهِ الْإِشَارَة كالهر دَفعه بِرجلِهِ أَو يلصقه إِلَى الستْرَة لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَزَلْ يَدْرَأُ بَهِيمَةً أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى لَصَقَ بَطْنَهُ بِالْجِدَارِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ لَوْ دَفَعَهُ فَمَاتَ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَ وَأَجْرَى عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ عَضَّ إنْسَانا فَأَخْرَجَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ فَكَسَرَ سِنَّ الْعَاضِّ وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي كُلِّ مَنْ أُذِنَ لَهُ إِذْنٌ خَاصٌّ فَأَدَّى إِلَى التَّلَفِ هَلْ يَسْقُطُ الْإِذْنُ عَنهُ أثر الْجَنَابَة أَمْ لَا.
فَائِدَةٌ:
قَالَ سِيبَوَيْهِ الشَّيْطَانُ فِي اللُّغَة كل متمرد عَاتٍ من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالدَّوَاب وَلَيْسَ هَذَا الِاسْمُ خَاصًّا بِالْجِنِّ وَلَمَّا كَانَ الْمَارُّ فَعَلَ مَا لَا يَلِيقُ وَخَرَقَ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ وَأُبَّهَتَهَا كَانَ ذَلِكَ نَوْعًا مِنَ التَّمَرُّدِ فَسَمَّاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَيْطَانًا وَلَا حَاجَةَ إِلَى قَوْلِ مَنْ يَتَكَلَّفُ الْمَجَازَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ فَإِنْ صَلَّى إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فقد خلط بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ لَا يَمُرُّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ بِمِقْدَارِ رَمْيَةِ السَّهْمِ وَقِيلَ رَمْيَةُ الْحَجَرِ وَقِيلَ رَمْيَةُ الرُّمْحِ وَقِيلَ بِمِقْدَارِ الْمُطَاعَنَةِ وَقِيلَ بِمِقْدَارِ الْمُضَارَبَةِ بِالسَّيْفِ مُغْتَرِّينَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلْيُقَاتِلْهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى أَنْوَاعِ الْقِتَالِ وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ الْمُصَلِّي سَوَاءَ وَضَعَ سُتْرَةً أَوْ لَمْ يَضَعْهَا سِوَى مِقْدَارِ مَا يَحْتَاجُهُ لِقِيَامِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ.
فُرُوعٌ سَبْعَةٌ:
الْأَوَّلُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ الْخَطُّ بَاطِل وَهُوَ قَول جُمْهُور الْفُقَهَاء وَجَوَّزَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَأَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلِيَنْصِبْ عَصَاهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فليخطط خَطًّا ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ وَهُوَ مَطْعُونٌ عَلَيْهِ جِدًّا وَالنَّظَرُ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سُتْرَةً وَلَا يَرَاهُ الْمَارُّ فَيَتَحَرَّزُ بِسَبَبِهِ قَالَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَالْحُفْرَةُ وَالنَّهْرُ وَكُلُّ مَا لَا يَنْصَبُّ قَائِمًا كَالْخَطِّ لَيْسَ بَسُتْرَةٍ وَاخْتُلِفَ فِي صُورَةِ الْخَطِّ فَقِيلَ مِنَ الْقبْلَة إِلَى دبرهَا وَقيل بالضد وَهُوَ قَول أَحْمد وَقيل قَوس كَهَيْئَةِ الْمَحَارِيبِ.
الثَّانِي:
قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُسَافِرُ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَأَمَّا فِي الْحَضَرِ فَلَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنْ يَأْمَنَ الْمُرُورَ وَرَوَى أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّة الاستتار مَعَ الْأَمْنِ حُجَّةُ الْأَوَّلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مؤخرة الرحل فَليصل وَلَا يُبَالِي مَا يَمُرُّ وَرَاءَ ذَلِكَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّتْرَةَ لِأَجْلِ الْمُرُورِ فَحَيْثُ لَا مُرُورَ لَا يشرع حُجَّةُ الثَّانِي مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَالشَّيْطَانُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَالْحَدِيثُ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الشَّيْطَانِ فَقِيلَ هُوَ الْمُوَسْوِسُ فَيَمْنَعُهُ الْقُرْبَ مِنَ السُّتْرَةِ كَمَا يَمْنَعُهُ غلق الْبَاب من الدُّخُول والعوذ مِنَ الْأَوَانِي وَالْبَسْمَلَةُ مِنَ الطَّعَامِ وَقِيلَ هُوَ الْمَار ويعضد الأول مَا فِي البُخَارِيّ صلى عَلَيْهِ السَّلَام بِالنَّاسِ بِمِنَى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ.
فَرْعٌ:
رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِذَا صَلَّى عَلَى مَكَانٍ عَال فَإِن غَابَتْ عَنهُ رُؤُوس المارين وَإِلَّا عَمِلَ سُتْرَةً فِي السُّطُوحِ.
الثَّالِثُ:
قَالَ فِي الْكتاب يجوز للمسبوق أَن يتَقَدَّم أَو يتَأَخَّر وَيَتَيَامَنَ وَيَتَيَاسَرَ لِسَارِيَةٍ يَسْتَتِرُ بِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ مِنْ مُدَافَعَتِهِ لِلنَّاسِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ قَرِيبَةً.
الرَّابِعُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ السُّتْرَةُ قَدْرُ مُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ فِي جِلَّةِ الرُّمْحِ وَالْحَرْبَةِ نَحْوِ عَظْمِ الذِّرَاعِ وَجِلَّةُ الرُّمْحِ أَحَبُّ إِلَيَّ وَاسْتَحَبَّ طُولَ الرُّمْحِ أَوِ الْحَرْبَةِ لما فِي البُخَارِيّ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ يَأْمُرُ بِالْحَرْبَةِ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَفِي الْفَيَافِي قَالَ ابْن حبيب لَا بَأْس لَهَا دُونَ مُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ فِي الطُّولِ وَدُونَ جِلَّةِ الرُّمْحِ فِي الْغِلَظِ وَقَدْ كَانَتِ الْعَنَزَةُ الَّتِي كَانَتْ تُرْكَزُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دُونَ الرُّمْحِ فِي الْغِلَظِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ رَقِيقًا جِدًّا وَفِي التَّنْبِيهَاتِ مُؤَخَّرَةُ الرَّحْلِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَبِالْوَاوِ وَيُقَالُ آخِرَةُ الرَّحْلِ وَهُوَ الْعُودُ الَّذِي خَلْفَ الرَّاكِبَ وَجِلَّةُ الرُّمْحِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ غِلَظُهُ وَالْعَنَزَةُ الرُّمْحُ الْقصير قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا سَقَطَتِ الْحَرْبَةُ قَالَ مَالِكٌ يُقِيمُهَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ خَفِيفًا كَانَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا فَيَنْحَطُّ لَهَا كَمَا يَنْحَطُّ لِلْحَجَرِ لِيَقْتُلَ الْعَقْرَبَ وَكَرِهَ السَّوْطَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مَطْرُوحًا فَلَيْسَ بِسُتْرَةٍ كَالْخَطِّ أَوْ قَائِمًا فَلَا يُؤْبَهُ لَهُ بِخِلَافِ الْقَلَنْسُوَةِ الْعَالِيَةِ وَالْوِسَادَةِ قَالَهُ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ الطَّاهِرُ الرَّوْثِ جوزه فِي الْعُتْبِيَّةِ بِخِلَافِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَجَوَّزَ أَيْضًا الِاسْتِتَارَ بِظَهْرِ الرَّجُلِ وَتَرَدَّدَ قَوْلُهُ فِي جَنْبِهِ وَمَنَعَ وَجْهَهُ وَجَوَّزَ السُّتْرَةَ بِالصَّبِيِّ إِذَا اسْتَقَرَّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ كَانَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ وَفِي الْجُلَّابِ لَا يَسْتَتِرُ بِامْرَأَةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ مَحَارِمِهِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ لَا يَسْتَتِرُ بِمِرْحَاضٍ وَنَحْوِهِ وَلَا بِنَائِمٍ وَلَا بمجنون وَلَا مأيون فِي دبره وَحَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَزَادَ الْكَافِرَ قَالَ وَيخْتَلف إِذَا كَانَ وَرَاءَ السُّتْرَةِ رَجُلٌ يَتَحَدَّثُ وَمَنَعَ فِي الْكتاب من الصَّلَاة الْحجر الْمُنْفَرِدَ بِخِلَافِ الْحِجَارَةِ الْمُجْتَمِعَةِ لِشَبَهِهِ بِالصَّنَمِ وَالْمَنْعُ من الْقيام لاحْتِمَال الانكشاف وَفِي الْجُلَّابِ الْمَنْعُ مِنْ حِلَقِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ الْبَالِ بِخِلَافِ الطَّائِفِينَ بِالْبَيْتِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صلى مِمَّا يَلِي بَاب بني سهم فَالنَّاس يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ قَالَ صَاحب القبس وَلَا يَجْعَل السُّتْرَةَ قُبَالَةَ وَجْهِهِ لِحَدِيثِ الْمِقْدَادِ مَا رَأَيْتُهُ عَلَيْهِ السَّلَام صلى إِلَى شَيْء يصمد إِلَيْهِ صمدا إِنَّمَا كَانَ يَجْعَلُهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ قَالَ وَلَا يَتَقَدَّمُ مِنْ سُتْرَتِهِ كَثِيرًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ تَأَخَّرَ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْغَافِلِينَ مِمَّنْ يَنْتَصِبُ لِلتَّعْلِيمِ يَفْعَلُهُ وَهُوَ جَهَالَةٌ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ فِي الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ فَرَوَى بِلَالٌ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَرَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ مَمَرُّ الشَّاةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْجَمْعِ فَحَمَلَ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ الْأَوَّلَ عَلَى حَالَةِ الْقِيَامِ وَالثَّانِيَ عَلَى مِقْدَار مَا يتقى حَالَة السُّجُود وروى أَبُو الطّيب بن خلدون أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إِذا وقف قرب من سترته بالمقدار الثَّانِي فَإِذَا أَرَادَ الرُّكُوعَ بَعُدَ مِنْهَا بِالْمِقْدَارِ الْأَوَّلِ وَكَانَ أَبُو الطّيب هَذَا يَفْعَله وَيرى أَنه عمل يسير للإصلاح لِأَنَّ الدُّنُوَّ مِنَ السُّتْرَةِ أَجْمَعُ لِلْقَلْبِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا حَدَّ لِلْقُرْبِ مِنَ السُّتْرَةِ لَكِنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَحَدَّهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ ثَلَاثَة أَذْرُعٍ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ قَالَ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى سُتْرَةٍ قَالَ وَكَانَ مَالك يُصَلِّي يَوْمًا بَعِيدًا مِنْ سُتْرَتِهِ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ لَا يعرفهُ فَقَالَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْنُ مِنْ سُتْرَتِكَ فَجَعَلَ مَالِكٌ يَتَقَدَّمُ وَيَقُولُ {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فضل الله عَلَيْك عَظِيم}.
الْخَامِسُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا أَكْرَهُ الْمُرُورَ بَين الصُّفُوف وَالْإِمَامُ يُصَلِّي لِأَنَّهُ سُتْرَةٌ لَهُمْ قَالَ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَمْشِي بَيْنَ الصُّفُوفِ عَرْضًا حَتَّى يَصِلَ إِلَى الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ يَمْشِي عَرْضًا لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ وَرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لِلنَّاسِ بِمِنًى فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصُّفُوفِ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفّ فَلم يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ وَيُؤَكِّدُهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُوجِبُ سَهْوُهُ سُجُودًا فَكَذَلِكَ خَلَلُ الْمَأْمُومِ إِذَا اخْتَصَّ بِهِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الصَّلَاةِ وَثَانِيهمَا أَن الْجَمَاعَة لَا تحْتَاج كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى سُتْرَةٍ إِجْمَاعًا فَكَانَتْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةً لَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَمُرَّ أَحَدٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَسُتْرَتِهِ كَانَتْ سُتْرَتُهُمْ سَالِمَةً عَنِ الْخَلَلِ فَلَا يَضُرُّهُمْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ أَبَا الطَّاهِرِ قَدْ حَكَى الْخِلَافَ فِي سُتْرَةِ الْجَمَاعَة هَل هِيَ ستْرَة للْإِمَام فَإِذَا وَقَعَ فِيهَا خَلَلٌ وَقَعَ فِي سُتْرَتِهِمْ أَو هِيَ للْإِمَام فَلَا يَضُرُّهُمُ الْخَلَلُ فِي سُتْرَتِهِ وَلَفْظُ الْكِتَابِ كَمَا سَمِعْتُهُ وَالْإِمَامُ سُتْرَةٌ لَهُمْ.
السَّادِسُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَهُوَ قَوْلُ (ش) وَ (ح) وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَفِي نَفْسِي مِنَ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ شَيْءٌ مُحْتَجًّا بِمَا فِي مُسْلِمٍ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مثل مؤخرة الرَّحْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ مؤخرة الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ قَالَ أَبُو ذَرٍّ سَأَلْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ الْكَلْب الْأسود شَيْطَان وَزَاد أَبُو دَاوُد الْخِنْزِير وَالْيَهُودِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ لَنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت شبهتمونا بالحمير وَالْكلاب لَقَدْ رَأَيْتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُصَلِّي وَأَنَا عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُنْضَجِعَةٌ فَتَبْدُو لِيَ الْحَاجة فأكره أَن أَجْلِس فَأُوذَيَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ فَيَتَرَجَّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْهَوَامِّ وَالطُّيُورِ أَوْ يجمع بِحمْل الْقَطْعُ عَلَى قَطْعِ الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ بِسَبَبِ الْفِكْرَةِ فِي الْمَارِّ لَا عَلَى الْإِبْطَالِ.
السَّابِعُ:
قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَتَنَاوَلُ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ بَيْنِ يَدَيِ الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرُورِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي قِلَّةِ احْتِرَامِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي اشْتِغَالِ الْمُصَلِّي عَنْهَا وَكَرِهَ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنْ يَتَكَلَّمَ رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ مَعَ رَجُلٍ عَنْ يَسَارِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الِاحْتِرَامِ قَالَ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي هُوَ الْمُنَاوِلَ لِغَيْرِهِ مَنَعَ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُتَنَاوَلَةَ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَشْغَلُهُ عَنِ الصَّلَاةِ.

.الباب الرَّابِعُ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ:

وَهِيَ عَشَرَةٌ:

.الأول الْقيام:

وَفِي الْجَوَاهِر يجب الْإِحْرَام وَالْقِرَاءَةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْلَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لله قَانِتِينَ} فَإِن اسْتندَ مَعَ الْقُدْرَة وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ الْمُسْتَنِدُ إِلَيْهِ سَقَطَ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ التَّارِكِ لِلْقِيَامِ وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِتَنْقِيصِ كَمَالِ الْقِيَامِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الظَّاهِرُ عِنْدِي فِي الْأَوَّلِ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهُ قِيَامٌ فِي الْعَادَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقُومُ فَقَامَ مُتَّكِئًا حَنَثَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ لَا يُعْجِبُنِي فَمَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الِاسْتِقْلَالِ فَفَرْضُهُ التَّوَكُّؤُ فَإِنْ عَجَزَ انْتَقَلَ إِلَى الْجُلُوسِ مُسْتَقِلًّا فَإِنْ عَجَزَ فَفَرْضُهُ الْجُلُوسُ مُسْتَنِدًا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَيَتَرَبَّعُ وَفِي الْكِتَابِ إِنْ عَجَزَ عَنِ التَّرَبُّعِ صَلَّى عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ قَاعِدًا أَوْ عَلَى جَنْبِهِ أَوْ ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ إِنْ قَدَرَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَيْهِ ثناهما وَإِلَّا أقامهما وَإِلَّا أمدهما لِأَنَّهَا كلهَا هيآت الْجُلُوس فَلَا يجوز لَهُ الْإِخْلَال بهَا وَكَلَامُهُ فِي الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّرْتِيبِ بَيْنَ الهيآت الْمَذْكُورَاتِ وَهُوَ قَوْلُ (ش) وَ (ح) وَلَمْ يَقُلْ بِالتَّخْيِيرِ أَحَدٌ وَيُوَضِّحْهُ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ مَأْمُورٌ بِهِ وَعَلَى الْجَنْبِ يَسْتَقْبِلُ بِوَجْهِهِ الْكَعْبَةَ وَعَلَى الظَّهْرِ إِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ السَّمَاءَ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْجَنْبِ الْأَيْمَنِ فَعَلَى الْأَيْسَرِ فَإِنْ عَجَزَ فَعَلَى الظَّهْرِ وَقَالَ (ش) إِنْ عَجَزَ عَنِ الْأَيْمَنِ فَعَلَى الظَّهْرِ وَالتَّرَبُّعُ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَلِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْأَدَبِ وَتَمْيِيزٌ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَقَالَ (ش) (ح) يَجْلِسُ مِثْلَ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ حَالَةَ السَّعَةِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ حَالَةَ الرَّفَاهِيَةِ وَلِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْأَكْفَاءِ وَالِافْتِرَاشُ أَوْلَى بالعبيد قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عبد الحكم واستحبه الْمُتَأَخّرُونَ وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِيَّة قَوْلَانِ آخَرَانِ ضَمُّ الرُّكْبَتَيْنِ إِلَى الصَّدْرِ كَالِاحْتِبَاءِ وَضَمُّ رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى ثَانِيًا لِرُكْبَتِهِ الْيُسْرَى كَالْجَالِسِ أَمَامَ الْمُعَلِّمِ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْتَقِلُ الْقَائِمُ إِلَى الْقُعُودِ بِالْقَدْرِ الَّذِي لَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ الْخُشُوعَ وَالْأَذَكَارَ وَلَا تُشْتَرَطُ الضَّرُورَةُ وَلَا الْعَجْزُ عَنْ إِيقَاعِ صُورَةِ الْقِيَامِ إِجْمَاعًا وَيُشْتَرَطُ فِي الِانْتِقَالِ مِنَ الْجُلُوسِ إِلَى الِاضْطِجَاعِ عُذْرٌ أَشَقُّ مِنَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ مُنَافٍ لِلتَّعْظِيمِ أَكْثَرَ مِنَ الْقُعُودِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ الْقِرَاءَةِ اقْتَصَرَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ كَمَالِ أُمِّ الْقُرْآنِ انْتَقَلَ إِلَى الْجُلُوسِ عَلَى مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إِنْ قُلْنَا إِنَّهَا فَرْضٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ يَكْفِي أَنْ يَقُومَ مِقْدَارَ وُسْعِهِ إِلَّا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِيَأْتِيَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَهَكَذَا يَجْرِي الْكَلَامُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْأَكْثَرِ.
فُرُوعٌ تِسْعَةٌ:
الْأَوَّلُ:
كَرِهَ فِي الْكِتَابِ لِقَادِحِ الْمَاءِ مِنْ عَيْنَيْهِ أَن يُصَلِّي إِيمَاء مُسْتَلْقِيًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ أَبَدًا قَالَ ابْنُ يُونُسَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ التَّسْهِيلَ فِي ذَلِكَ وَجَوَّزَهُ أَشْهَبُ وَ(ح) وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَوْ كَانَ الْيَوْمُ وَنَحْوُهُ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا وَيُومِئُ فِي الْأَرْبَعِينَ لَمْ أَكْرَهْهُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ هَذَا الِاسْتِلْقَاءُ يَحْصُلُ الْبُرْءَ غَالِبًا أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْصُلُ وَالتَّجْرِبَةُ تَشْهَدُ لِذَلِكَ وَكَمَا جَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ مِنَ الْغَسْلِ إِلَى الْمسْح بِسَبَب الفصاد قَالَ التّونسِيّ فَكَذَلِك هَهُنَا قَالَ غَيْرُهُ وَكَمَا جَازَ التَّعَرُّضُ لِلتَّيَمُّمِ بِالْأَسْفَارِ بِسَبَب الأرباح الْمُبَاحَة فههنا أولى.
الثَّانِي:
قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَشَهَّدَ مِنِ اثْنَتَيْنِ فَيُكَبِّرُ وَيَنْوِي بِذَلِكَ الْقِيَامَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ جُلُوسٍ إِلَى جُلُوسٍ مُبَايِنٍ لَهُ فَلَا يَتَمَيَّزُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ فِي كَوْنِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ الثَّانِي أَنَّ الْأَوَّلَ أَصْلٌ فَتَتَنَاوَلُهُ النِّيَّةُ الْأُولَى عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالثَّانِي عَارِضٌ فَيَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ وَلَمَّا كَانَ التَّكْبِير للثالثة يكون حَالَة الْقيام فَتكون هَهُنَا حَالَة التربع وَيَنْوِي بجلوسه الْقيام.
الثَّالِثُ:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا افْتَتَحَ عَاجِزًا عَنِ الْقِيَامِ فَقَدَرَ فِي أَثْنَائِهَا قَامَ أَوْ قَادِرًا فَعَجَزَ جَلَسَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم}.
الرَّابِعُ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَوْ كَانَتْ دَارُهُ بِمَقْرُبَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَيَأْتِيهِ مَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ جَالِسًا قَالَ مَالِكٌ لَا يُعْجِبُنِي قَالَ وَهَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ فَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يُطِيقُ الْمَشْيَ وَلَا يُطِيقُ الْقِيَامَ فَيُصَلِّي هَذَا جَالِسًا فَإِنْ كَانَ يُطِيقُهُ إِلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يُطَوِّلُ صَلَّى وَحْدَهُ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ وَقَالَهُ (ش) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقِفَ مَا أَطَاقَ فَإِذَا ضَعُفَ جَلَسَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كل رَكْعَة.
الْخَامِسُ:
قَالَ لَوْ خَافَ مِنَ الْقِيَامِ انْقِطَاعَ الْعَرَقِ وَدَوَامَ الْعِلَّةِ صَلَّى إِيمَاءً عِنْدَ مُطَرِّفٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ زَوَالِ الْعَرَقِ لَمْ يُعِدْ وَلَوْ لَمْ يَعْرَقْ إِلَّا أَنَّهُ يَخَافُ مُعَاوَدَةَ عِلَّتِهِ فَكَذَلِك عِنْد ابْن عبد الحكم.
السَّادِسُ:
قَالَ لَوْ خَافَ خُرُوجَ الرِّيحِ إِنْ قَامَ قَالَ مُحَمَّدٌ يُصَلِّي جَالِسًا قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا كَالسَّلَسِ فَكَيْفَ تُتْرَكُ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ لِوَسِيلَتِهَا وَلذَلِك أَن الْعُرْيَان يُصَلِّي قَائِم.
السَّابِعُ:
قَالَ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ وَإِن قَامَ شقّ عَلَيْهِ الْجُلُوس وَإِذا جَلَسَ شَقَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَإِنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ قَائِمًا أَحْرَمَ قَائِمًا لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَرْكَعُ إِنْ قَدَرَ وَإِلَّا أَوْمَأَ ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَجْلِسُ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ جَالِسًا وَإِنْ أَدْرَكَتْهُ جَالِسًا أَحْرَمَ جَالِسًا وَأَتَمَّ جَالِسًا لِلْمَشَقَّةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْإِيمَاءُ قَائِمًا بِالرَّأْسِ وَالظَّهْرِ وَيَحْسِرُ عَنْ جَبْهَتِهِ فِي الْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَكِنْ لَوْ سَجَدَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ قَالَ التُّونُسِيُّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فِي الْأُولَى ثُمَّ يُتِمُّ جَالِسًا لِأَنَّ السُّجُودَ أَعْظَمُ مِنَ الْقِيَامِ لِمَزِيدِ الْإِجْلَالِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ إِذَا كَانَ سَاجِدًا وَقَالَ غَيْرُهُ يُصَلِّي جُمْلَةَ صَلَاتِهِ إِيمَاءً إِلَّا الْأَخِيرَةَ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فِيهَا إِذْ لَا بَدَلَ عَنِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَهُمَا بَدَلٌ وَهُوَ الْإِيمَاءُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْجُلُوسَ بَدَلٌ مِنَ الْقِيَامِ قَالَ وَجُلُوسُهُ فِي التَّشَهُّدِ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ كَجُلُوسِ الْقَائِمِ وَلَوْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ ذَاتِ الطِّينِ قَالَ فِي الْبَيَانِ يَسْجُدُ وَيَجْلِسُ عَلَى الطِّينِ وَالْخَضْخَاضِ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَغْمُرُهُ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَلْوِيثُ يَدَيْهِ وَلَوْ صَلَّى إِيمَاءً أَعَادَ أَبَدًا وَرَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَمَّنْ لَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُصَلِّي إِيمَاءً كَالْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنِ الْجُلُوسِ وَالسُّجُودِ قَالَ وَأَرَى لِذِي الثِّيَابِ الرَّثَّةِ لَوْ أَتَى لَا يُفْسِدُهَا الطِّينُ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ فِي جِسْمِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيمَاءُ وَإِلَّا جَازَ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ إِلَّا بِثَمَنٍ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ انْتَقَلَ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ لِحِيَاطَةِ مَالِهِ.
الثَّامِن:
قَالَ فِي الْكتاب إِذا صلى مضجعا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَاءَ بَدَلٌ لَا بَعْضَ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ فَإِنَّ الْإِيمَاءَ بِالرَّأْسِ لَيْسَ مِنَ السُّجُودِ وَعَلَى هَذَا لَا يَجِبُ فِيهِ اسْتِيفَاءُ الْقُدْرَةِ وَلَوْ صَحَّ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ عِنْدَ ابْنِ سَحْنُونٍ تَحْصِيلًا لِلْأَكْمَلِ وَقِيلَ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أَمر فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ أَوْمَأَ بِعَيْنَيْهِ وَقَلْبِهِ وَقَالَ (ح) تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَفِي الْجَوَاهِر إِذا لم تبْق إِلَّا النِّيَّة فينوي عندنَا وَعند الشَّافِعِي احْتِيَاطًا وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَتْهُ الْمُذَاكَرَةُ وَعِنْدَ (ح) تَسْقُطُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ وَسِيلَةٌ تَسْقُطُ عِنْدَهُ بِسُقُوطِ مَقْصِدِهَا وَيَجِبُ عَلَى الْمُضْطَجِعِ الْإِحْرَامُ وَالْقِرَاءَةُ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ فَبِقَلْبِهِ وَيُحَرِّكُ لِسَانَهُ مَا اسْتَطَاعَ وَهَذَا وَاجِبٌ عِنْدَ (ش) وَأَشْهَبَ وَالظَّاهِرُ مِنَ الْمَذْهَبِ السُّقُوطُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ فَلَا يَأْتِي إِلَّا بِلِسَانٍ وَوُجُوبُ غَيْرِهِ يَحْتَاجُ إِلَى نَصٍّ مِنْ جِهَةِ الشَّرْع.
التَّاسِعُ:
كَرِهَ فِي الْكِتَابِ لِلْقَائِمِ فِي الصَّلَاةِ تَنْكِيسَ الرَّأْسِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لِبَصَرِهِ جِهَةً مُعَيَّنَةً وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ يَضَعُهُ فِي جِهَةِ قِبْلَتِهِ وَمَذْهَبُ (ش) وَ (ح) يُسْتَحَبُّ لَهُ وَضْعُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَفِي جُلُوسِهِ إِلَى حِجْرِهِ لَنَا أَنَّ عَدَمَ الدَّلِيلِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَلَمْ يَرِدْ دَلِيلٌ فِي ذَلِكَ وَفِي مُسْلِمٍ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِ أَبْصَارِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ وَوَجْهُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَنَّهُ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِجُمْلَتِهِ وَمِنْهَا بَصَرُهُ وَأَمَّا تَنْكِيسُ الرَّأْسِ فَلَيْسَ فِيهِ اسْتِقْبَالُ بِالْوَجْهِ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ارْفَعْ بِرَأْسِكَ فَإِنَّ الْخُشُوعَ فِي الْقَلْبِ.