فصل: السَّابِقَةُ الثَّالِثَةُ الميقات المكاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.السَّابِقَةُ الثَّانِيَةُ: الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ:

وَفِي الْجَوَاهِرِ هُوَ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْعشْر الأول مِنْهُ لكَونه الناسك تَكْمُلُ فِيهِ أَوِ اعْتِبَارِ جَمِيعِهِ لِظَاهِرِ النَّصِّ أَوْ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَعَلُّقُ الدَّمِ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لَهَا لَكِنْ تكره فِي أَيَّام منى لمن يحجّ وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَا تكره ومراعاة هَذِه الميقات أَوْلَى وَقِيلَ وَاجِبَةٌ وَمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَهُ انْعَقَدَ وَصَحَّ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ وَقَالَهُ ش وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} الْبَقَرَة 196 وَأَقل الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَفِي الْكِتَابِ يُسْتَحَبُّ إِهْلَالُ أَهْلِ مَكَّةَ إِذَا أَهَلَّ ذُو الْحِجَّةِ وَقَالَ ش يُسْتَحَبُّ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا عبد الرحمان رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لم أر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى يَبْعَثَ رَاحِلَتَهُ وَلِأَنَّهُ يَعْقُبُهُ السَّعْيُ فِي الْمَنَاسِكِ لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ مَا شَأْنُ النَّاسِ يَأْتُونَ شُعْثًا وَأَنْتُمْ مُدْهِنُونَ أَهِلُّوا إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَلِذَلِكَ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَوَاعِدٌ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَا لِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَشْهُرُ زَمَانٌ وَالْحَجُّ لَيْسَ بِزَمَانٍ فَيَتَعَيَّنُ حَذْفُ أَحَدِ مُضَافَيْنِ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ تَقْدِيرُهُ زَمَانُ الْحَجِّ أَشْهَرٌ مَعْلُومَاتٌ أَوِ الْحَجُّ ذُو أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ فَيَتَّحِدُ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ فِي الزَّمَنِ أَوْ فِي الْأَفْعَالِ ثُمَّ الْمُبْتَدَأُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْصُورًا فِي الْخَبَرِ فَيَجِبُ انْحِصَارُ الْحَجِّ فِي الْأَشْهُرِ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ قَبْلَهَا كَالْإِحْرَامِ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ غير مَشْرُوع وَهُوَ قَول الشَّافِعِي لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْحَجُّ بَلْ يَكُونُ مَعْصِيَةً جَوَابُهُ أَن الْإِحْرَام شَرط لِأَنَّهُ نِيَّة الْحَج الْمُمَيز لَهُ وَالْمُمَيِّزُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنْ حَقِيقَةِ الْمُمَيَّزِ فَيَكُونُ شَرْطًا فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّ الشُّرُوطَ يَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى أَوْقَاتِ الْمَشْرُوطَاتِ كَالطَّهَارَاتِ وَسَتْرِ الْعَوْرَاتِ مَعَ الصَّلَوَاتِ وَيَكُونُ الْمَحْصُورُ فِي الْأَشْهر إِنَّمَا هُوَ المشرط وَلَيْسَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ الْأَصْحَابِ إِنَّهُ رُكْنٌ مُنَافَاةٌ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّهُ رُكْنٌ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَهَذَا مَا يُنَافِي مَا ذَكَرْتُهُ وَلَيْسَ اصْطِلَاحُهُمْ فِي الرُّكْنِ أَنَّهُ جُزْءٌ حَتَّى يَلْزَمَ التَّنَافِي بل الرَّمْي عِنْدهم جُزْء عِنْدهم وَلَيْسَ بِرُكْنٍ أَوْ نَقُولُ هُوَ رُكْنٌ وَظَاهِرُ النَّصِّ يَقْتَضِي حَصْرَ ذَاتِ الْحَجِّ فِي الْأَشْهُرِ وَيَلْزَمُ مِنْ حَصْرِ كُلِّ ذَاتٍ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ حَصْرُ صِفَاتِهَا مَعَهَا لِاسْتِحَالَةِ اسْتِقْلَالِ الصِّفَةِ بِنَفْسِهَا وَصِفَاتُ الْحَجِّ الْإِجْزَاءُ وَالْكَمَالُ فَيَكُونُ الْمَحْصُورُ فِي الْأَشْهُرِ هُوَ الْحَجُّ الْكَامِلُ وَنَحْنُ نَقُولُ إِنَّ الْإِحْرَامَ فِيهَا أَفْضَلُ فَلَمْ نُخَالِفِ النَّصَّ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ التَّحْدِيدَ وَقَعَ فِي الميقات الْمَكَانِيِّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ التَّقْدِيمِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْكَرَاهَةِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} الْبَقَرَة 189 وَهُوَ عَامٌّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَهِلَّةِ فَتَكُونُ مِيقَاتًا لِلْحَجِّ وَهَذَا التَّعْلِيلُ الثَّانِي أَنْسَبُ لِلْمَذْهَبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَالِكًا جَوَّزَ فِي الْكِتَابِ تَقْدِيمَ طَوَافِ الْحَجِّ وَسَعْيِهِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ الْقَارِنُ يَفْعَلُهُمَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيُجْزِئَانِهِ لِحَجَّةِ قِرَانِهِ وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَبَقِيَ عَلَى إِحْرَامِهِ إِلَى قَابِلٍ يَفْعَلُهُمَا لِحَجٍّ قَابِلٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ سُؤَالٌ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمِيقَاتَيْنِ مَعَ أَنَّ مُرَاعَاةَ الْمَكَانِ أولى لشرفه بِقرب الْبَيْت جَوَابه أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي المكاني «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ» يُرِيدُ الْحَجَّ أَو الْعمرَة فَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ مَحْصُورَةٌ فِي النَّاسِكِينَ وَلَمْ يَحْصُرِ النَّاسِكِينَ فِيهَا فَجَازِ التَّقْدِيمُ عَلَيْهَا و الميقات الزَّمَانِيُّ عَلَى الْعَكْسِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ.

.السَّابِقَةُ الثَّالِثَةُ الميقات المكاني:

وَفِي الْجَوَاهِر وَهُوَ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِلْمَدِينَةِ وَالْجَحْفَةُ لِلشَّامِ وَمِصْرُ وَيَلَمْلَمُ لِلْيَمَنِ وَقَرْنٌ لِنَجْدٍ وَذَاتُ عَرَقٍ لِلْعِرَاقِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ لَا فِي الْعُمْرَةِ وَلَا فِي الْقِرَانِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِي الْقرَان وَيعْتَبر الآفاقي مُطلقًا فَأن جاوزه ضررة فَفِي إِيجَابِ الدَّمِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِي الميقات فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْآفَاقِيُّ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ إِلَى طَرَفِ الْحِلِّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى طَافَ وَسَعَى لَمْ يُعْتَدَّ بِعُمْرَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَين الْحل وَالْحرَام وَالْحَاجُّ جَامِعٌ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْأَفْضَلُ للمعتمر الْإِحْرَام من الْجِعِرَّانَة أَو التنعم وَفِي الْجُلَّابِ لَا بَأْسَ بِإِحْرَامِ الْمَكِّيِّ بِالْقِرَانِ مِنْ مَكَّةَ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اعْتِبَارًا بِالْعُمْرَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ ابْنُ عَبَّاس: وَقت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ قَالَ هن لَهُنَّ وَلمن أتئعليهن من غير أهلهن مِمَّن أَرَادَ الْحَج وَالْعمْرَة فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا زَادَ مُسْلِمٌ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ فَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ لِاسْتِحَالَةِ الْخُلْفِ فِي خَبَرِ الْمَعْصُومِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا تَجُوزُ مُجَاوَزَةُ الميقات لِغَيْرِ عُذْرٍ.
فَائِدَةٌ:
يُرْوَى أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ كَانَ لَهُ نُورٌ يَصِلُ آخِرُهُ إِلَى هَذِهِ الْحُدُودِ فَلِذَلِكَ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ مُجَاوَزَتِهَا لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ تَعْظِيمًا لِتِلْكَ الْآثَارِ قَالَ سَنَدٌ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ ثُمَّ أَرَادَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ وَذُو الْحُلَيْفَةِ جَمِيعُ الْوَادِي وَالْمُسْتَحَبُّ الْمَسْجِدُ وَلِمَالِكٍ فِي مُجَاوَزَةِ الْمَرِيضِ ذَا الْحُلَيْفَةِ إِلَى الْجُحْفَةِ قَوْلَانِ وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ فسافر إِلَى وَرَائه ثمَّ رَجَعَ يُرِيد الدُّخُول مَكَّةَ فَلَهُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ وَمِنْ مَنْزِلِهِ كَمَا يُؤَخِّرُ الْمِصْرِيُّ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إِلَى الججفة وَلَا يُؤَخِّرُهُ إِلَى مَسْكَنِهِ إِنْ كَانَ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إِلَّا بِإِحْرَامٍ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْمِيقَاتُ وَقَالَ ش إِهْلَالُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنَ الْعَتِيق لقَوْل ابْن عَبَّاس وَقت صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ وَجَوَابُهُ إِجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا جَاوَزُوهُ إِلَى ذَاتِ عِرْقٍ لَا دَمَ عَلَيْهِمْ فَلَوْ كَانَ مِيقَاتًا لَوَجَبَ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَيْنَ مِيقَاتَيْنِ فَمِيقَاتُهُ مَنْزِلُهُ قَالَهُ مَالِكٌ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُمَا فَلَا يُؤْمَرُ لَكِنَّ مُنْزِلَهُ حَذْوَ مِيقَاتٍ وَمَنْ مَرَّ عَلَى غَيْرِ ميقاة اعْتبر محاذاته للميقاة كَمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَبْلُغْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَدِيثُ فِي ذَاتِ عِرْقٍ جَعَلَهَا مِيقَاتًا بِالِاجْتِهَادِ لِمُحَاذَاتِهَا قَرْنٍ وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَمَنْ أَتَى فِي الْبَحْرِ إِلَى جَدَّةَ مِنْ مِصْرَ وَنَحْوِهَا قَالَ مَالِكٌ يُحْرِمُ إِذَا حَاذَى الْجُحْفَةَ قَالَ وَهَذَا إِذَا سَافَرَ فِي بَحْرِ الْقُلْزُومِ لِأَنَّهُ يَأْتِي سَاحِلَ الْجُحْفَةِ ثُمَّ يَخْلُفُهُ وَلَمْ يَكُنِ السَّفَرُ مِنْ عِيذَابٍ مَعْرُوفًا حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَرْضَ مَجُوسٍ فَمَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْرِ مِنْهَا فَعَلَى حَسَبِ خُرُوجِهِ لِلْبَرِّ إِلَّا أَنْ يخرج أبعد من ميقاة أَهْلِ الشَّامِ أَوْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فِي الْبَحْرِ مُتَحَرِّيًا الْجُحْفَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّغْرِيرِ بِرَدِّ الرِّيحِ فَيَبْقَى عُمْرُهُ مُحْرِمًا حَتَّى يَتَيَسَّرَ السَّفَرُ السَّالِمُ وَهَذَا حَرَجٌ عَظِيمٌ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي دَفْعِ الْحَرَجِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ إِلَى الْبَرِّ وَإِذَا ثَبَتَ الْجَوَازُ فَلَا يَجِبْ دم لعدم الدَّلِيل عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أوجبتاه فِي بَحْرِ الْقُلْزُومِ لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الْبِرِّ وَالْإِحْرَامِ مِنَ الْجُحْفَةِ وَهَلْ يُحْرِمُ إِذَا وَصَلَ إِلَى جَدَّةَ لِانْتِقَاءِ الضَّرُورَةِ أَوْ إِذَا سَارَ مِنْهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ سُنَّةَ الْإِحْرَامِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّيْرِ.
فُرُوعٌ سَبْعَةٌ:
الْأَوَّلُ:
فِي الْكِتَابِ يُسْتَحَبُّ لأهل مَكَّة وَمن دَخَلَهَا بِعُمْرَةٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُعْتَمِرِ الْآفَاقِيِّ سَعَةٌ فَالْمُسْتَحَبُّ خُرُوجُهُ لِمِيقَاتِهِ وَالْأَفْضَلُ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمغْرب التَّأْخِير لذِي الحليفة لِأَنَّهُ مِيقَاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ طَرِيقُهُمْ فَإِنْ مَرُّوا مِنَ الْعِرَاقِ فَمِنْ ذَاتِ عِرْقٍ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْآفَاقِ إِذَا مَرُّوا بِغَيْر مواقيتهم أَحْرمُوا مِنْهُ إِلَّا إِذا الحليفة كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ سَنَدٌ قَدْ أَحْرَمَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَرَوَى أَشْهَبُ يُحْرَمُ مِنْ جَوْفِ الْمَسْجِدِ لَا مِنْ بَابِهِ بِخِلَافِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ مِنْ بَابِهِ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ لَا يُكْرَهُ إِظْهَارُهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ شِعَارِ الْحَجِّ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُوضَعْ إِلَّا لِلصَّلَاةِ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَنْزِلِهِ فَالْإِبْعَادُ أَفْضَلُ لَهُ.
الثَّانِي:
فِي الْكِتَابِ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ جَاهِلًا رَجَعَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فَإِنْ خَافَ فَوَات الْحَج أحرم من مَوْضِعه وَتَمَادَى وَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ تُسْتَبَاحُ بِالضَّرُورَةِ وَيَلْزَمُ الدَّمُ كَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ وَلَيْسَ مُرَاهِقًا لَمْ يَرْجِعْ وَعَلَيْهِ دم وَقَالَ ش وح يَرْجِعُ كَالْمَكِّيِّ إِذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْحِلِّ وَالْفَرْقُ أِنَّ الْحِلَّ شَرط فِي الْإِحْرَام بِخِلَاف الْمِيقَات وَلذَلِك فَأن طَافَ الْحَاجُّ لَا يَرْجِعُ وِفَاقًا قَالَ سَنَدٌ فَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ إِحْرَامِهِ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ عَنْهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ ش وح يَسْقُطُ قِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَات ابْتِدَاء لنا أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَقَالَ مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَقَدْ تَرَكَ نُسُكًا فَلَا يُبَرِّئُهُ مِنَ الدَّمِ إِلَّا إِرَاقَتُهُ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ فَلَوْ أَرَادَ رَفْضَ إِحْرَامِهِ وَابْتَدَأَهُ مِنَ الْمِيقَاتِ لَمْ يَرْتَفِضْ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَئِمَّة وَالْمَذْهَبُ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ تَحْدِيدٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَقْرِيبٌ فَإِذَا أَحْرَمَ قَرِيبًا مِنْهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ:
فِي الْكِتَابِ مَنْ أَهَلَّ مِنْ مِيقَاتِهِ بِعُمْرَةٍ وَأَرْدَفَ الْحَجَّ بِمَكَّةَ أَوْ قَبْلَهَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ لَا يُرِيدُ إِحْرَامًا ثُمَّ أَرَادَهُ أَحْرَمَ من مَوْضِعه وَلَا دم عَلَيْهِ وَقَالَ الْأَئِمَّة لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجَاوَزَ مِيقَاتَهُ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْجُعْرَانَةِ وَمَنْ تعدى الميقات ضَرُورَة ثُمَّ أَحْرَمَ لَزِمَهُ الدَّمُ وَمَنْ تَعَدَّى الْمِيقَاتَ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ فَاتَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ يَقْضِي الْحَجَّ وَإِنْ أَفْسَدَهُ بِجِمَاعٍ فَعَلَيْهِ دَمُ الْمِيقَاتِ لِوُجُوبِ التَّمَادِي قَالَ سَنَدٌ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِالْفَوَاتِ لِأَنَّ انْقِلَابَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ كَانْقِلَابِ الْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ إِذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ يُرِيدُ الْعُمْرَةَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا ثُمَّ أَرْدَفَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَن الدَّم الْمُتَعَلّق بِبَعْض الْإِحْرَام فرغ إِتْمَامه لِأَنَّهُ لَو فعله قبل ذَلِك لم يُجِزْهُ.
الرَّابِعُ:
فِي الْكِتَابِ دَمُ تَعِدِي الْمِيقَاتِ يُجْزِئُ فِيهِ الصَّوْمُ إِنْ تَعَذَّرَ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ لِتَرْكِ نُسُكٍ كَتَرْكِ الْمَبِيتِ وَدَمُ الْقِرَانِ وَهُوَ مُرَتَّبٌ كَدَمِ التَّمَتُّعِ بِخِلَافِ دَمِ الْمَحْظُورَاتِ على التخير.
الْخَامِسُ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ مَكِّيٌّ أَوْ مُتَمَتِّعٌ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزِ الْمِيقَاتَ إِلَّا مُحْرِمًا فَإِنْ مَضَى إِلَى عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَدْخُلِ الْحَرَمَ وَهُوَ مُرَاهِقٌ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِالْحَجِّ مِنَ الْحِلِّ أَوِ التَّنْعِيمِ أَوْ غَيْرُ الْمَكِّيِّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى قَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَاهِقًا بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنَ الْحَرَمِ وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ مُتَعَمِّدًا أَوْ جَاهِلًا أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ سَنَدٌ إِنْ كَانَ يُرِيدُ النُّسُكَ وَجَبَ الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ وَخَافَ ضَرَرًا شَدِيدًا مِثْلَ دُخُولِهِ لِقِتَالِ الْبُغَاةِ أَوْ يَخَافُ مِنْ سُلْطَانِهَا فَلَا يُكْرَهُ لَهُ دُخُولُهَا حَلَالًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِجَوَازِهِ مَعَ عُذْرِ التَّكْرَارِ فَأَوْلَى الْخَوْفُ وَقَالَهُ ش ولدخوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ حَلَالًا سُؤَالٌ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّة حرَام وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِيَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ يَقْتَضِي بطلَان مَا ذكرتموه جَوَابه أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ آمِنًا فَذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ وَإِنْ كَانَ خَائِفًا فَالْإِشَارَةُ إِلَى صِفَتِهِ أَيْ أُحِلَّتْ لِمَنْ كَانَ بِصِفَتِي وَيَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ دُخُولُ الْحَطَّابِينَ وَنَحْوِهِمْ وُفِي الْجَوَاهِرِ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الْمُتَرَدِّدِينَ دُخُولُهَا حَلَالًا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ نُسُكًا وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ يُبَاحُ وَجَوَّزَ ح لمن كَانَ دون الميقات الدُّخُول بِغَيْر إِحْرَام وَمنع من قبل الميقات وَجعل الْحُرْمَة للميقات وَهُوَ بَاطِل لِأَن حُرْمَة الميقات لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامُ تَحِيَّةٌ مَشْرُوعَةٌ لِبُقْعَةٍ مُبَارَكَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْهَا قَالَ سَنَدٌ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الدَّم فَهُوَ لمجاوزة الميقات عِنْدَ مَالِكٍ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ حَلَالًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا تَجَاوَزَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ قبل مَكَّة وَأما الدُّخُول فِي الْحَطَّابِينَ وَالصَّيَّادِينَ وَالْفَكَّاهِينَ مِمَّنْ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَكْرَارُ الْإِحْرَامِ فَيَدْخُلُونَهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ وَأَلْحَقَ بِهِمْ سَحْنُونٌ مَنْ دَخَلَ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ يَنْوِي الرُّجُوعَ لِلْحَجِّ بِجَامِعِ التَّكْرَارِ وَإِذَا قُلْنَا لَا دَمَ عَلَى دَاخِلِ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَأَرَادَ الْحَجَّ خَرَجَ لِمِيقَاتِهِ فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ.
السَّادِسُ:
فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إِدْخَالُ رَقِيقِهِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ وَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ فِي الْإِحْرَامِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا دَمَ وَقَالَهُ ش لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ فِي الْمِلْكِ أَسْقَطَ الْحَجَّ فَأَوْلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَلَوْ أسلم نَصْرَانِيّ أَو اعْتِقْ عبد أَو بلغ صبي بعد خول مَكَّة فأحرموا حِينَئِذٍ فَلَا دم للميقات وَقَالَ ح وَقَالَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ عَلَى الْكَافِرِ الَّذِي أَسْلَمَ الدَّمُ لَنَا أَنَّهُ قَامَ بِهِ مَانِعُ الْحَجِّ فَأَشْبَهَ الْمَجْنُونَ.
السَّابِعُ:
فِي الْكِتَابِ يكره الْإِحْرَام قبل الْمِيقَات وَقَالَ ش وح الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ بَلَدِهِ لِأَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} الْبَقَرَة 196 أَنَّ تَمَامَهَا أَنْ تُحْرِمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَحْرَمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجنَّة» لنا أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحْرِمْ إِلَّا مِنَ الْمِيقَاتِ وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَقِيَاسًا عَلَى مِيقَاتِ الزَّمَانِ أَوْ لِأَنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ فِي تَحْدِيدِ الْمَوَاقِيتِ وَمَا رَوَوْهُ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى النَّذْرِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّة.

.الباب الْخَامِسُ فِي الْمَقَاصِدِ:

وَفِي الْجَوَاهِرِ هِيَ ثَلَاثَة أَقسَام:
وَاجِبَات أَرْكَان يَأْتِي بِتَرْكِهَا وَلَا يُجْبِرُهَا الدَّمُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ:
الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيُ زَادَ عَبْدُ الْمَلِكِ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ.
وَوَاجِبَاتٌ لَيْسَتْ بِأَرْكَانٍ وَهِيَ مَا يُوجب تَركه الدَّم كالتلبية و الميقات وَطَوَافِ الْقُدُومِ لِغَيْرِ الْمُرَاهِقِ وَالْجِمَارِ أَوْ بَعْضِهَا ونزول بِمُزْدَلِفَةَ وَنَحْوِهَا وَمَسْنُونَاتٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَلَا تُوجِبُ دَمًا كَالْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ أَوْ بَطْنِ الْمَسِيلِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَاسْتِلَامِ الرُّكْنِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْحِلَاقِ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ الدَّفْعِ مِنْهَا وَالْوُقُوفِ مَعَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ لِلدُّعَاءِ وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَقَاصِدِ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مكث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أُذِّنَ فِي النَّاس فِي الْعَاشِرَة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَصْنَعُ فَقَالَ اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد ثمَّ ركب القصوي حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مُدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَاِ فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يهلون بِهِ فَلم يرد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ قَالَ جَابِرٌ لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ نَفَذَ إِلَى الْمَقَامِ فَقَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} الْبَقَرَة 125 فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلَا أَعْرِفُ ذكره إِلَّا عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} الْإِخْلَاص 1 {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} الْكَافِرُونَ 1 ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْن فاستمله ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الْبَقَرَة 158 أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ فَبَدَأَ بالصفا فرقي عَلَيْهَا حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إِلَهَ إِلَّا الله أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثمَّ دَعَا بَين ذَلِك قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَة حَتَّى انصبت قدماه فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إِذَا صَعِدْنَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرَ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جَعْشَمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَج مرَّتَيْنِ لأبد أَبَد الْأَبَد وَقَدِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدُنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا قَالَ فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّنِي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ قَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِن معي الْهَدْي قَالَ فَلَا تحل قَالَ فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً قَالَ فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ فَرَكِبَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظَّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعَشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شِعْرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةٍ فَسَارَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشْكُ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَة فَوجدَ الْقبَّة ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةٍ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زاغت الشَّمْس أَمر بالقصوى فَرُحِّلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلا كل شئ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دمائها ابْنِ رَبِيعَةِ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بني سعد فَقتله هُذَيْل وَربا الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوعَة وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلَّا يُوَطِّئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بِهِ إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كتاب الله وَأَنْتُم تسْأَلُون عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيُنَكِّسُهَا إِلَى النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ وَصلى الْعَصْرَ وَلَمْ يَصِلْ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْموقف فَجعل بطن فاقته القصوى إِلَى الصَّخْرَةِ وَجَعَلَ جَبَلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرُبَتِ الشَّمْس وَذَهَبت الصُّفْرَة قَلِيلا وأرت أُسَامَة خَلْفَهُ وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقد شنق القصوى الزِّمَامُ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لِيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُول بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَيهَا النَّاس السَّكِينَةُ كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْح بِأَذَان وَإِقَامَة ثمَّ ركب القصوى حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ ظُعْنٌ يَجْرِينَ وَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَصَرَفَ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ حَتَّى أَتَى بِطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا وَسَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تخرج على الْجَمْرَة الْكُبْرَى الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كل حَصَاة مِنْهَا من حَصَى الْخَذْفِ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قَدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظَّهْرَ فَأَتَى بني عبد الْمطلب يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ.
قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ كَانَتْ حَجَّتُهُ هَذِهِ فِي عَامِ الْعَاشِرِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ لَمْ يَحُجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ غَيْرَهَا وَحَجَّ بِمَكَّةَ قَبْلَ فَرْضِهِ حَجَّتَيْنِ فَوَائِدٌ مِنَ الْمُعَلِّمِ قَوْلُهُ كُلَّمَا أَتَى حبلا الحبال دون الْجبَال وَهِي مستطيلة الرمل وَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى قِيلَ الْكَلِمَةُ قَوْله تَعَالَى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} الْبَقَرَة 229 قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إِبَاحَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِ الْجَمِيعِ لما فِي الْأكل من الْجَمِيعِ مِنَ الْكُلْفَةِ وَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ إِشَارَةٌ إِلَى عُمْرِهِ عَنْ كُلِّ سَنَةٍ بَدَنَةٌ وَالْخَذْفُ رَمْيُكَ حَصَاةً أَوْ نَوَاةً تَأْخُذُهَا بَيْنَ سَبَّابَتَيْكَ.
تَنْبِيهٌ:
اصْطِلَاحُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبُ سَوَاءٌ إِلَّا فِي الْحَجِّ فَقَدْ خَصَّصَ ابْنُ الْجُلَّابِ وَغَيْرُهُ اسْمَ الْفَرْضِ بِمَا لَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ فَقَالَ فَرَوَّضُ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْوَاجِبَاتِ لِأَنَّ كُلَّ مَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَاجِبٌ كَمَا خَصَّصَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي السَّهْوِ السُّنَّةَ بِمَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ فَجَعَلَهَا خَمْسَةً مَعَ أَنَّ سُنَنَ الصَّلَاةِ عَدَّهَا صَاحِبُ الْمُقْدِمَاتِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَقَالَ يَسْجُدُ مِنْهَا لِثَمَانِيَةٍ فَلْيَعْلَمْ ذَلِكَ.
وَلْنَشْرَعِ الْآنَ فِي بَيَانِ الْمَقَاصِدِ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ: