فصل: الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِهِ:

وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ أَبْوَابِ الْقُرَبِ لِمَا تقدم من الْأَحَادِيث وَيَنْبَغِي أَن يُخَفف شُرُوطه وَأَن يُضَيَّقَ عَلَى مُتَنَاوِلِهِ بِكَثْرَتِهَا فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى أَكْلِ الْحَرَامِ بِمُخَالَفَتِهَا وَتَسْلِيمِهَا مِنْ بَابِ الْإِحْسَانِ فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي الْأَجْرِ وَلَا يُضَيَّقُ فِي ذَلِكَ مَا يُخَيَّلُ مِنَ التُّهْمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي تَوْسِعَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي وَقْفِهِ.
فَرْعٌ:
وَحُكْمُهُ لُزُومٌ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَقَالَهُ (ش) وَأَحْمَدُ وَقَالَ (ح) غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا يَلْزَمُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَهُوَ مِلْكُهُ يُورَثُ عَنْهُ إِلَّا أَنْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ أَوْ يُعَلِّقَهُ عَلَى مَوْتِهِ فَيَقُولُ إِذا مَاتَ فَدَارِي وَقْفٌ عَلَى كَذَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ مُعَاشِرُ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاه صَدَقَةٌ» يُرْوَى صَدَقَةً بِالنَّصْبِ وَتَقْدِيرُهُ لَا نُوَرَّثُ كُلُّ شَيْءٍ تَرَكْنَاهُ صَدَقَةً فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا تَرَكَهُ غَيْرُهُمْ صَدَقَةٌ يُوَرَّثُ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَبْسَ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ - يُشِيرُ إِلَى آيَةِ الْمَوَارِيثِ وَلِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ وَقَفَ بُسْتَانًا عَلَى الْفُقَرَاءِ فَشَكَاهُ أَبَوَاهُ لِرَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَا مَا لَنَا غَيْرُهُ فَرَدَّ غَلَّتَهُ عَلَيْهِمَا فَلَمَّا مَاتَا ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَهُ لَهُ وَلَمْ يَرُدَّهُ وَقْفًا وَقَالَ شُرَيْحٌ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ بِإِطْلَاقِ الْحَبْسِ وَيُرْوَى بِبَيْعِ الْحَبْسِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ حَوَانِيتَ الْبَيْعِ فِي مِلْكِي لَمْ يُوَرَّثْ وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ إِلَى التَّصَرُّفِ أَعْظَمُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رُوِيَ بِالرَّفْعِ وَتَقْدِيرُهُ الَّذِي تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ وَقَدِ احْتَجَّ الصِّدِّيقُ بِهِ فَلَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَجَاوَبَتْهُ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالصَّحَابَةُ فَإِنَّ الَّذِي تَرَكَ غَيْرَ صَدَقَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يُوَرَّثَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمِيرَاثِ بَلْ عَلَيْهِ بِالْمَفْهُومِ وَلِمَا حَسُنَ مِنْهُ الِاحْتِجَاجُ وَأَنَّهُ عَنْ أَفْصَحِ النَّاسِ.
وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ الْحَبْسُ الْمُسْقِطُ لِلْمَوَارِيثِ - وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّ الْفَرَائِضَ قُدِّرَتْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ وَبَعْدَ الدُّيُونِ.
وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّهُ كَانَ لَهُمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْحَبْسِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِمَا - وَذَلِكَ بَاطِلٌ إِجْمَاعًا وَلَوْلَا أَنَّهُ لَهُمَا لَمَا وَرِثَهُ عَنْهُمَا.
وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّ مُرَادَهُ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَحْبِسُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ.
وَعَنِ الْخَامِسِ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْوَقْفَ كَانَ وَقْفًا وَمَنَعْنَا الْحُكْمَ وَإِلَّا فَهُوَ إِثْبَاتُ حُكْمِ الْمَنْعِ بِدُونِ سَبَب وَفِي صور لَا النِّزَاعِ لِسَبَبِهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ.
وَعَنِ السَّادِسِ أَنَّ الثُّلُثَ ثَابِتٌ لَهُ قَبْلَ الْوَقْفِ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ وَمَنْ يَمْلِكُ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَمْكِينِ نَفْسِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَهَبَ نَفْسَهُ بِخِلَافِ الْغَيْرِ لِأَنَّ تَحْدِيدَ الِاخْتِصَاصِ لَمْ يَكُنْ وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ لَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ حَبِّسِ الْأَصْلَ وَسَبِّلِ الثَّمَرَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ يَكُونُ مَحْبُوسًا مَمْنُوعًا بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ وَأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلِأَنَّهُ كَتَبَ فِيهِ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بأَمْره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ الْمُشِيرُ فِي الْقَضِيَّةِ وَالْمُدَبَّرُ لَهَا وَثَانِيهَا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لَهُ مَقْدِرَةٌ إِلَّا وَقَفَ وَقْفًا وَكَتَبُوا فِي ذَلِكَ كُتُبًا وَمَنَعُوا فِيهَا مِنَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَأَوْقَافُهُمْ مَشْهُورَةٌ بِالْحَرَمَيْنِ بشروطها وَأَحْوَالهَا يَنْقِلُهَا خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ فَهُمْ بَيْنَ وَاقِفٍ وَمُوَافِقٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَلِذَلِكَ رَجَعَ أَصْحَابُ (ح) عَن مذْهبه فِي هَذِه المسئلة لما لم يُمكنهُم الطعْن فِي هَذِه النَّقْلِ وَبِهِ احْتَجَّ مَالِكٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ عِنْدَ الرَّشِيدِ فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ لِمَالِكٍ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ فَإِنَّهُ وَافَقَ فِيهِمَا وَقِيَاسًا لِمَا يَقَعُ فِي الْحَيَاةِ عَلَى مَا يُوصَى بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِتَسْوِيَةٍ بَيْنَ الْحَالَيْنِ - كَالْعِتْقِ.
فرع:
- قَالَ اللَّخْمِيُّ الْحَبْسُ عَلَى الْمُعَيَّنِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ يَرْجِعُ مِلْكًا فِي وَجْهَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي ثَلَاثَةٍ فَقَوْلُهُ عَلَى هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوِ الْعِشْرَةِ وَضَرَبَ أَجَلًا أَوْ حَيَاتَهُ لَمْ تَرْجِعْ مِلْكًا اتِّفَاقًا فِي هَذَيْنِ لِأَنَّهُ إِسْكَانٌ بِلَفْظِ التَّحْبِيسِ وَاخْتُلِفَ إِذَا لَمْ يُسَمِّ أَجَلًا وَلَا حَيَاةً بَلْ قَالَ حَبْسًا صَدَقَةً لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ فَعَنْهُ يَكُونُ عَلَى مَرَاجِعِ الْأَحْبَاسِ نَظَرًا لِلَفْظِ الْحَبْسِ وَعَنْهُ يَرْجِعُ مِلْكًا لِقَرِينَةِ التَّعْيِينِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعُمْرَى وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِذَا حَبَسَ عَلَى مَخْصُوصِينَ فَهُوَ عُمْرَى وَإِنْ سَمَّاهُ صَدَقَةً نَظَرًا لِقَرِينَةِ التَّعْيِينِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ إِذَا حَبَسَ عَلَى رَجُلٍ وَقَالَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَالَ هُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ يَصْنَعُ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَيُلْغَى قَوْلُهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ هُوَ الْمَنْفَعَةَ فَلَا يَثْبُتُ الْحَبْسُ بِالشِّرْكِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَعَقِبِهِ تَجَرَ فِيهِ وَلَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ خَسَارَتُهُ وَيَضْمَنُهُ فَإِنْ وُلِدَ لَهُ دَخَلَ مَعَهُ فَإِنِ انْقَرَضُوا وَالْآخَرُ امْرَأَةٌ أَخَذَتْهُ بِالْمِيرَاثِ لِحَمْلِهِ عَلَى الْمِلْكِ - وَلَوْ ذُكِرَ الْعَقِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْهِبَةُ وَالْإِذْنُ دُونَ الْوَقْفِ فَلِلْأَوَّلِ هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ وَلِلْآخَرِ الرَّقَبَةُ وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ لِعَدَمِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن الْقَاسِم لَا يَبِيع إِلَّا أَن ييئس مِنَ الْوَلَدِ وَلَوْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يُولَدْ لَهُ لَهُ أَن يَبِيع لِأَن الْقَصْد بِهِ الْوَلَدُ وَإِنَّمَا ذِكْرُ السَّبِيلِ مَرْجِعُهُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ حَبْسٌ فَإِنْ قَالَ عَلَى زَيْدٍ وَعَقِبِهِ ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو بَتْلًا فَمَاتَ الَّذِي بَتَلَ أَيْ قَبْلُ ثُمَّ انْقَرَضَ زَيْدٌ وَعَقِبُهُ رَجَعَتْ مِيرَاثًا بَيْنَ وَرَثَةِ عَمْرٍو يَوْمَ مَاتَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ إِذَا حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى السَّبِيلِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَبِيعُ حَتَّى يَيْأَسَ مِنَ الْوَلَدِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ حَبْسٌ يَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ إِلَى يَدِ ثِقَةٍ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ رَجَعَ إِلَى أَوْلَى النَّاسِ بِهِ يَوْمَ حَبَسَ وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِعَقِبَيْ فُلَانٍ فَلَمْ يُولَدْ لَهُ وَلَدٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ عَلِمَ بِعَدَمِ الْوَلَدِ انْتَظَرَ وَإِلَّا بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ وُجُودِ وَلَدٍ أَوْ حَمْلٍ بَطَلَتْ.
فَرْعٌ:
قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَقَالَ إِنْ أَحَبُّوا أَوْ أَجْمَعَ مِلَاؤُهُمْ عَلَى الْبَيْعِ بَاعُوا وَاقْتَسَمُوا الثَّمَنَ بِالسَّوِيَّةِ هُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ فَلَوْ هَلَكُوا إِلَّا وَاحِدًا لَهُ الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ بَتَلَهَا لِبَنِيهِ خَاصَّةً وَإِذَا قَالَ فِي حَبْسٍ إِنْ أَحَبُّوا بَاعُوا فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَبِيعُوا فِي دُيُونِهِمْ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَقَلَهَا لَهُمْ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ.
فرع:
- قَالَ قَالَ مُحَمَّدٌ دَارِي عَلَى عَقِبَيْ فُلَانٍ وَهِيَ لِلْآخَرِ أَوْ عَلَى الْآخَرِ مِنْهُمْ فَهِيَ لِلْآخَرِ مِنْهُمْ مُسَلَّمَةً وَقِيلَ ذَلِكَ حَبْسٌ فَإِنْ كَانَ آخِرَهُمُ امْرَأَةٌ لَهَا الْبَيْعُ أَوْ رَجُلٌ يُرْجَى لَهُ عَقِبٌ أُوقِفَتْ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُعَقِّبْ - وَرِثَهَا وَرَثَتُهُ وَإِنْ تَصَرَّفُوا وَجَعَلَهَا لِلْآخَرِ فَاجْتَمَعَ الْأَبْعَدُ وَالْأَقْرَبُ عَلَى بَيْعِهَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ غَيْرِهِمُ الْآخَرَ إِلَّا أَنْ يَنْقَرِضُوا كُلُّهُمْ فَلَوْ قَالَ عَبْدِي حَبْسٌ عَلَيْكُمَا هُوَ لِلْآخَرِ مِلْكٌ إِلَّا أَنْ يَقُولَ عَلَيْكُمَا حَيَاتَكُمَا - وَهُوَ لِلْآخَرِ مِنْكُمَا فَهُوَ حَبْسٌ عَلَى الْآخَرِ حَيَاتَهُ وَلَوْ قَالَ أَمَتِي صَدَقَةٌ حَبْسٌ عَلَى أُمِّهِ وَأُخْتِهِ لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ وَأَيُّهُمَا مَاتَ فَهِيَ لِلْآخَرِ مِنْهُمَا فَإِنْ عَيَّنَهَا لِلْآخِرَةِ مِنْهُمَا تَصْنَعُ مَا شَاءَتْ مِنَ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَيَبْطُلُ حَبْسُهَا وَلَمْ يَرَهَا مِثْلَ الدُّورِ وَلَاحِظْ مَعْنَى الثَّمَنِ كَالْعَلَفِ فِي الْحَيَوَانِ دُونَ الرَّبَاعِ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ الرَّقِيقُ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لَهُ وينقله إِلَى مَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْعِتْقُ وَأَمَّا الرَّبَاعُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَلَ بَعْدَ التَّحْبِيسِ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ لِلْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّ مَرْجِعَهَا إِلَيْهِ قَالَ أَصْبَغُ إِذَا حَبَسَ دَارَهُ عَلَى رَجُلٍ وَقَالَ لَا تُبَاعُ وَلَا توهب ثمَّ بداله أَنْ يَبْتُلَهَا لَهُ وَقَالَ هِيَ عَلَيْكَ صَدَقَةٌ فَلهُ أَن يصنع مَا شَاءَ قَالَ أَولا حَبَسَ عَلَيْكَ حَيَاتَكَ أَمْ لَا وَقِيلَ بَلْ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْحَبْسِ عَلَى مُعَيَّنٍ هَلْ يَرْجِعُ مِلْكًا أَمْ لَا فَعَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ حَبْسًا يَمْتَنِعُ أَنْ يَمْلِكَهَا لَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهَا.
فَرْعٌ:
فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ شَرَطَ فِي الْوَقْفِ الْخِيَارَ فِي الرُّجُوعِ بَطَلَ شَرَطُهُ وَلَزِمَ الْوَقْفُ لَأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ.
فَرْعٌ:
قَالَ لَا يُشْتَرَطُ التَّنْجِيزُ بَلْ يَجُوزُ إِنْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ وَقَفْتَ يَصِحُّ إِنْ بَقِيَتِ الْعَيْنُ لِذَلِكَ الْوَقْتِ وَمَنَعَ ش وَأَحْمَدُ التَّعْلِيقَ عَلَى الشَّرْطِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ بِجَامِعِ نَقْلِ الْمِلْكِ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْعِتْقِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمَا لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ أَشْبَهُ بِالْعِتْقِ وَأَخَصُّ بِهِ مِنَ الْبَيْعِ.
فَرْعٌ:
قَالَ لَا يُشْتَرَطُ إِعْلَامُ الْمَصْرِفِ بَلْ لَوْ قَالَ وَقَفْتُ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَصْرِفًا صَحَّ وَصُرِفَ لِلْفُقَرَاءِ - قَالَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ قِيَاسًا عَلَى الْأُضْحِيَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ.
فرع:
- قَالَ وَيَجِبُ اتِّبَاعُ شُرُوطِ الْوَقْفِ وَقَالَهُ ش وَأَحْمَدُ فَلَوْ شَرَطَ مَدْرَسَةً أَوْ أَصْحَابَ مَذْهَبٍ معِين أَو قوم مَخْصُوصِينَ لَزِمَ لِأَنَّهُ مَالُهُ وَلَمْ يَأْذَنْ فِي صرفه إِلَّا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْوَالِ الْعِصْمَةُ وَلَوْ شَرَطَ أَنَ لَا يُؤَاجِرَ مُطْلَقًا أَوْ إِلَّا سَنَةً بِسَنَةٍ أَوْ يَوْمًا بِيَوْمٍ صَحَّ وَاتَّبَعَ الشَّرْطَ.
فَرْعٌ:
قَالَ لَوْ قَالَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ يَنْقَسِمُ كَغَلَّةِ دَارٍ أَوْ غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ ثَمَرَةٍ فَحِصَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ لَا يَنْقَسِمُ كَعَبْدٍ يَخْدِمُ وَدَابَّةٍ تُرْكَبُ فَهَلْ هُوَ كَالَّذِي يَنْقَسِمُ لِتَنَاهِي الِاسْتِحْقَاقِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ أَوْ تَرْجِعُ حِصَّتُهُ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا لِأَنَّ قَرِينَةَ تَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ تَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُمَا أَيْ بَعْدَ الْجَمِيعِ لَا بَعْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِوَايَتَانِ فَإِذَا انْقَرَضَا صَارَ لِلْمَسَاكِينِ الْجَمِيعُ.
فَرْعٌ:
قَالَ ابْنُ يُونُسَ إِذَا حَبَسَ الْبَقَرَ لِيُقَسَّمَ لَبَنُهَا فَمَا وَلَدَتْ مِنَ الْإِنَاثِ حُبِسَ مَعَهَا أَوْ مِنَ الذُّكُورِ حُبِسَتْ لِنَزْوِهَا لِأَنَّهَا نَشَأَتْ عَنْ عَيْنٍ مَوْقُوفَةٍ فَتَتْبَعُ أَصْلَهَا كَتَبَعِ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ لِأُصُولِهِ وَيُبَاعُ الْفَضْلُ مِنَ الذُّكُورِ لِتَعَذُّرِ النَّفْعِ بِهِ كَالْفَرَسِ الْوَقْفِ إِذَا هَرِمَ فَيُشْتَرَى بِهِ إِنَاثٌ وَكَذَلِكَ مَا كَبُرَ وَانْقَطَعَ لَبَنُهُ.
فَرْعٌ:
فِي الْجَوَاهِرِ تَأْثِيرُ الْوَقْفِ بُطْلَانُ اخْتِصَاصِ الْمِلْكِ بِالْمَنْفَعَةِ وَنَقْلُهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَثَبَاتُ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّقَبَةِ وبالإتلاف وَالنَّقْلِ لِلْغَيْرِ وَالرَّقَبَةُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَقَالَ (ش) وَأَحْمَدُ يَبْطُلُ مِلْكُ الْوَاقِفِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ (ش) فِي مَشْهُورِهِ يَنْقُلُهُ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ كَالْعِتْقِ وَقَالَ أَحْمَدُ يَنْقُلُهُ لِلْمَوْقُوفِ كَالْهِبَةِ.
قَاعِدَةٌ:
التَّصَرُّفَاتُ تَنْقَسِمُ إِلَى النَّقْلِ وَالْإِسْقَاطِ فَالْأَوَّلُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فَإِنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ لِلثَّانِي وَالْإِسْقَاطُ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فَإِنَّ الْعِصْمَةَ وَهِيَ التَّمْكِينُ مِنَ الْوَطْءِ وَالْمِلْكِ فِي الرَّقِيقِ لم ينْتَقل لِلْمُطَلِّقِ وَالْمُعْتِقِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُ أَوْرَاقُ الرسائل قَالَ ظَاهِرَ حَالِ الْمُرْسِلِ أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ مِلْكِهِ فِي الورقة كَمَا يعرض عَن العهة مِنَ الْبُرِّ أَوِ الزَّبِيبِ إِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَخْطُرْ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا الْمُرْسَلَ إِلَيْهِ بَلْ مَقْصِدُهُ مِنَ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ أَنْ يَقِفَ على مَا تساقط إِذَا تَقَرَّرَتِ الْقَاعِدَةُ فَحَكَى الِاجْتِمَاعَ فِي الْمَسَاجِدِ أَنَّ وَقْفَهَا إِسْقَاطٌ كَالْعِتْقِ فَإِنَّ الْجَمَاعَاتِ لَا تُقَامُ فِي الْمَمْلُوكَاتِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي غَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
قَاعِدَةٌ:
إِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي عين فَالْأَصْل استصحابه بِحَسب الْإِمْكَان وَإِذا اقْتَضَى سَبَبَ نَقْلِ مِلْكٍ أَوْ إِسْقَاطِهِ وَأَمْكَنَ قَصْرُ ذَلِكَ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ لَا نُرَقِّيهِ إِلَى أَعْلَاهَا وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ قُلْنَا أَنَّ الِاضْطِرَارَ يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ مِنَ الْمُتَيَسِّرِ إِلَى الْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ وَلَكِنْ يُمْكِنُ قَصْرُ ذَلِكَ عَلَى الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا بِأَنْ يَكُونَ بِالثَّمَنِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا - وَهِيَ النَّقْلُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ كَذَلِكَ هَاهُنَا الْوَقْفُ يَقْتَضِي الْإِسْقَاطَ فَاقْتَصَرَ بِأَنَّهُ عَلَى الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا وَهِيَ الْمَنَافِعُ دُونَ الرَّقَبَةِ تَوْفِيَةً بِالسَّبَبِ وَالْقَاعِدَةِ مَعًا وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي النَّخْلِ الْمَوْقُوفَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاة.
فرع:
قَالَ إِذا حَبَسَ الْفَرَسَ أَوِ التَّيْسَ لِلضِّرَابِ فَانْقَطَعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَكَبُرَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ يُبَاع صونا لما ليته عَنِ الضَّيَاعِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُبَاعُ إِلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي الْحَبْسِ لِأَنَّ بَيْعَ الْحَبْسِ حَرَامٌ.
فَرْعٌ:
قَالَ الْوِلَايَةُ فِيهِ لِمَنْ شَرَطَهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ لَمْ يُوَلِّ وَلَّاهُ الْحَاكِمُ ضَبْطًا لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ وَلَا يَتَوَلَّاهُ هُوَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلْحَوْزِ قَالَ (ش) وَ (ح) يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطه لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَالُهُ يُخْرِجُهُ مِنْ يَدِهِ كَيْفَ يَشَاءُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَالْحَاكِمُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْحَوْزَ عِنْدَهُمَا لَيْسَ شَرْطًا فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ قَالَ أَحْمَدُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَانَ عَدْلًا أَمْ لَا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَإِلَّا فَالْحَاكِمِ وَالْعَدَالَةُ شَرْطٌ فِي الْمُبَاشَرِ حِينَئِذٍ لَنَا أَنَّ الْحَوْزَ شَرْطٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَالنَّظَرُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فِي الْحَبْسِ فَكَذَلِكَ - قَالَهُ ابْنُ الْقسم وَأَشْهَب فَإِن جعله بيد غَيره يجوز لَهُ وَيَجْمَعُ غَلَّتَهُ وَيَدْفَعُهَا لِلْوَاقِفِ يُفَرِّقُهَا أَجَازَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِبَقَاءِ تَصَرُّفِهِ ثُمَّ يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَلِّي الْأَمَانَةُ وَالْكِفَايَةُ وتتولى الْعِمَارَة وَالْإِجَارَة وَتَحْصِيل الرّبع وَصَرْفُهُ بَعْدَ إِصْلَاحِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِصْلَاحِ وَالْبِدَايَةُ بِالْإِصْلَاحِ مِنَ الرِّيعِ حِفْظًا لِأَصْلِ الْوَقْفِ بَلْ لَوْ شَرَطَ خِلَافَ ذَلِكَ بَطَلَ لِأَنَّهُ خِلَافُ سُنَّةِ الْوَقْفِ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ إِصْلَاحَ الدَّارِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ امْتَنَعَ ابْتِدَاءً لِأَنَّهَا إِجَارَةٌ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ فَإِنْ وَقَعَ مَضَى الْوَقْفُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ وَأَصْلَحَ مِنَ الْغَلَّةِ جَمْعًا بَيْنَ الْمَصَالِحِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُرَدُّ الْوَقْفُ مَا لَمْ يُقْبَضْ لِفَسَادِهِ.
فَرْعٌ:
قَالَ إِنْ عَلِمَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي الصَّرْفِ اتَّبَعَ فِي الْمُسَاوَاةِ وَالتَّفْضِيلِ وَإِلَّا صَرَفَ بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَإِنْ جَهِلَ أَرْبَابُهُ فَهُوَ كَوَقْفٍ لَمْ يُعَيَّنْ مَصْرِفُهُ وَقَالَ (ش) وَأَحْمَدُ يَسْتَوِي الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ.
فَرْعٌ:
قَالَ إِذَا آجَرَهُ الْوَلِيُّ لِغِبْطَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ طَالِبٌ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَفْسَخْ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ وَقَعَ صَحِيحًا لَازِمًا.
فَرْعٌ:
قَالَ يُمْنَعُ نَقْضُ بُنْيَانِ الْحَبْسِ لِتُبْنَى فِيهَا الْحَوَانِيتُ لِلْغَلَّةِ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِتَغَيُّرِهِ وَمَنْ هَدَمَ حَبْسًا مِنْ أَهله أومن غَيْرِهِمْ رَدَّ الْبُنْيَانَ كَمَا كَانَ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِيمَةُ وَقَالَ (ش) عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْبُنْيَانَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ ثَلَاثُ صُوَرٍ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ الْبُنيان وَالثَّوْب يخرق خرقا يَسِيرا يجب رفده وَالرَّجُلُ يَشْتَرِي الشَّاةَ وَآخَرُ جِلْدَهَا فَيُؤْثِرُ صَاحِبُ الشَّاةِ الْإِحْيَاءَ فَعَلَيْهِ مِثْلُ الْجِلْدِ حَكَى هَذَا صَاحِبُ الْبَيَانِ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لِأَنَّ عَوْدَ الْبُنْيَانِ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ فِي عتقه وهيأته مُتَعَذِّرٌ وَالْقِيمَةُ قَدْ لَا تُحَصِّلُ مِثْلَ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَالْقِيمَةُ إِنَّمَا جُعِلَتْ بَدَلَ الشَّيْءِ إِذَا كَانَت تَحْصِيل مثله وَهَهُنَا لَا تُحَصَّلُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَأَمَّا الْحَيَوَانُ يُقْتَلُ فَقِيمَتُهُ يُشْتَرَى بِهَا مِثْلُهُ وَيُجْعَلُ مَكَانَهُ فَإِن تعذر يشقص مِنْ مِثْلِهِ وَقِيلَ إِذَا تَعَذَّرَ قُسِّمَ كَالْغَلَّةِ وَإِذا انْكَسَرَ من الْجذع امْتَنَعَ بَيْعُهُ وَاسْتُعْمِلَ فِي الْوَقْفِ وَكَذَلِكَ الْبَعْضُ وَقِيلَ يُبَاعُ وَلَا يُنَاقَلُ بِالْوَقْفِ وَإِنْ خَرِبَ مَا حَوَالَيْهِ وَبَعُدَتِ الْعِمَارَةُ عَنْهُ وَقَالَ (ش) وَأَحْمَدُ تُبَاعُ الدَّارُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا إِلَى وَقْفٍ آخَرَ وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إِذَا خَرِبَ مَا حَوْلَهُ عَادَ إِلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ الْوَقْفَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ عَبَثٌ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْعِتْقِ وَعَارَضُوهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْكَفَنِ إِذَا أَكَلَ الْمَيِّت السَّبع وَالْفرق أَن هَهُنَا يُرْجَى عَوْدُ الْمَنْفَعَةِ لِمَنْ يُشْرَعُ بِعِمَارَتِهِ وَيَعُودُ النَّاسُ حَوْلَهُ وَالْمَيِّتُ إِذَا أُكِلَ لَا يَعُودُ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَوَانِ يُبَاعُ عِنْدَ الْهَرَمِ.
فَرْعٌ:
قَالَ يَجُوزُ بَيْعُ الدُّورِ الْمُحْبَسَةِ حَوْلَ الْمَسْجِدِ يُحْتَاجُ لِتَوْسِيعِهِ بِهَا وَكَذَلِكَ الطَّرِيقُ لِأَنَّ السّلف عمِلُوا ذَلِك فِي مَسْجده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا أَهَمُّ مِنْ نَفْعِ الدُّورِ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ ذَلِكَ فِي مِثْلِ الْجَوَامِعِ وَالْأَمْصَارِ وَمَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ.
نَظَائِرُ:
قَالَ الْعَبْدِيُّ يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ فِي سَبْعِ مَسَائِلَ مُجَاوِرُ الْمَسْجِدِ إِذَا ضَاقَ يُجْبَرُ مَنْ جَاوَرَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْمَاءُ لِلْخَائِفِ مِنَ الْعَطَشِ فَإِن تعذر الثّمن أجبر بِغَيْر ثمن وَمن انْهَارَتْ بِئْرُ جَارِهِ وَعَلَيْهَا زَرْعٌ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَقيل بِالثّمن والمحتكر يجْبر على بيع طَعَامه وَجَارُ الطَّرِيقِ إِذَا أَفْسَدَهَا السَّيْلُ يُؤْخَذُ مَكَانُهَا بِالْقيمَةِ من جَار الساقية وَصَاحب الفران فِي قَرْنِ الْجَبَلِ إِذَا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيُخَلِّصَهُمْ وَصَاحِبُ الْفَرَسِ أَوِ الْجَارِيَةِ يَطْلُبُهَا السُّلْطَانُ فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا لَهُ جَبَرَ النَّاسَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ هُوَ دَفْعًا لِأَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ.
فَرْعٌ:
فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الْكِرَاءُ لِلسَّنَةِ وَالشَّهْرِ وَمَا يُرَى مِنَ النَّظَرِ مِمَّا يَجُوزُ مِثْلُهُ لِلْوَكِيلِ وَأَمَّا مَا يَطُولُ فَلَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَلِي مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَيَمْتَنِعُ الْكِرَاءُ بِالنَّقْدِ لِأَنَّهُ قَدْ يَضِيعُ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَا يُقَسَّمُ الْكِرَاءُ حَتَّى يَكْمُلَ السُّكْنَى وَقَدْ يَمُوتُ مَنْ أَخَذَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ وَيَحْرُمُ مَنْ جَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ مِمَّنْ يُولَدُ قَبْلَ الْقَسْمِ وَلَهُ كِرَاءُ مِثْلِ الْخَمْسِ سِنِينَ وَقَدِ اكْتَرَى مَالِكٌ مَنْزِلَهُ عَشْرَ سِنِينَ وَهُوَ صَدَقَةٌ وَأَنْكَرَ الْمُغِيرَةُ وَغَيْرُهُ عَشْرَ سِنِينَ.
فَرْعٌ:
قَالَ مَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ فِي وَقْفِ غَيْرِهِ أَوْ يُنْقِصُ مِنْهُ مَنَعَهُ الْوَاقِفُ أَوْ وَرَثَتُهُ أَوِ الْإِمَامُ إِنْ لَمْ يَمْنَعِ الْوَاقِفُ وَلَا الْوَارِثُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ وَلِلْوَاقِفِ فَإِذَا تَرَكَ حَقَّهُ قَامَ الْإِمَامُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ خَرِبَ فَأَرَادَ غَيْرُ الْوَاقِفِ إِعَادَتَهُ لِلْوَاقِفِ مَنَعَهُ وَلِوَارِثِهِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِمْ.
فَرْعٌ:
قَالَ ابْنُ يُونُسَ إِذَا وَقَفَ الْحَيَوَانَ وَأَمْضَيْنَاهُ عَلَى شَرْطِهِ لَهُ تَغْيِيرُ الْوَقْفِ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لِلْعَبْدِ وَلَوْ نَقَلَ الْحَيَوَانَ إِلَى مَا لَيْسَ أَفْضَلَ امْتَنَعَ لِأَنَّا جَوَّزْنَا النَّقْلَ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ وَضْعِ الْوَقْفِ لِأَجْلِ ضَعْفِ الْوَقْفِ فِيهِ وَالْمَصْلَحَةُ لِلْأَرْجَحِ.
فَرْعٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ لَوْ حَبَسَ عَبْدَيْنِ عَلَى أُمِّهِ حَيَاتَهَا فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا امْتَنَعَ إِلَّا أَنْ تُجِيزَهُ أُمُّهُ لِأَنَّ النَّقْلَ إِلَى الْأَفْضَلِ جَائِزٌ وَلَمْ يبْق إِلَّا حَقّهَا فَيسْقط بالرضى.
فَرْعٌ:
قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْحَبْس غلاته كالثمار وَعبيد الْإِجَارَة والحوانيت سوقيت الثِّمَار أَو يواجر عَلَيْهَا فَمَا اجْتَمَعَ قُسِّمَ أَوِ الْمُرَادُ غَيْرَ الْغَلَّةِ كَالدَّارِ لِلسَّكَنِ وَالْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ وَالْخَيْلِ لِلرُّكُوبِ انْتُفِعَ بِأَعْيَانِهَا فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُعينين وَلم تسع لِجَمِيعِهِمْ وَهُمْ مِثْلَاهَا وَلَا الْعَشْرَةُ اسْتَوَوْا فِيهِ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلِ الدَّار الْجَمِيع أكريت وَقسمت الْغلَّة واقترعوا عَلَى السَّكَنِ وَدُفِعَ لِلْآخَرِ نَصِيبُهُ مِنِ الْكِرَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَقِبِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ يُؤْثَرُ الْفَقِيرُ عَلَى الْغَنِيِّ لِأَنَّ مَقْصِدَ الْأَوْقَافِ سَدُّ الْخِلَّاتِ وَالْآبَاءُ عَلَى الْأَبْنَاءِ سَوَاءٌ قَالَ وَلَدِي أَوْ وَلَدُ وَلَدِي وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُفَضَّلُ إِلَّا بِشَرْطِ الْمُحْبِسِ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ مِنْهُمُ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَهُوَ لَغْوٌ وَهُوَ قَاصِدٌ لِلتَّسْوِيَةِ فَسَوَّى وَعَنْ مَالِكٍ يَسْتَوِي الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ غَيْرَ أَنَّهُ يُفَضَّلُ ذُو الْعِيَالِ بِقَدْرِ عِيَالِهِ وَيُسَوَّوُا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى قَالَ أَشْهَبُ إِنْ قَالَ وَلَدِي وَوَلَدُ وَلَدِي لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدٌ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الذِّكْرِ وَإِلَّا قُدِّمَ الْآبَاءُ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إِذَا اسْتَوَتِ الْحَاجَةُ قَالَ وَالْمُسَاوَاةُ مُطْلَقًا أَحْسَنُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَةً وَإِذَا سَكَنَ الْجَمِيعُ ثُمَّ اسْتَغْنَى الْفَقِيرُ أَوْ مَاتَ بَعْضُ الْعِيَالِ أَوْ كَثُرَ عِيَالُ الْآخَرِ أَوْ كَبُرَ الصَّغِيرُ فَاحْتَاجَ إِلَى مَسْكَنٍ أَوْ غَابَ أَحَدُهُمُ افْتَرَقَ الْجَوَابُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَخْرُجُ بِالْغِنَى وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَخْرُجُ وَيَرْجِعُ لِعَصَبَةِ الْمُحْبِسِ مِنَ الرِّجَالِ فَإِنِ افْتَقَرَ بَعْضُ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمُ انْتُزِعَ وَرُدَّ إِلَيْهِمْ قَالَ وَهَذَا الصَّوَابُ إِذَا كَانَ الْحُكْمُ أَنَّهُ لِلْفَقِيرِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ أَنَّهُ مَتَى سَكَنَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَخْرُجْ وَإِنِ اسْتَغْنَى وَإِنْ مَاتَ بَعْضُ الْعِيَالِ وَفَضَلَ مَسْكَنٌ انْتُزِعَ وَإِنْ كَثُرَ عِيَالُ أَحَدِهِمْ أَوْ بَلَغَ وَتَأَهَّلَ لَمْ يَخْرُجْ لَهُ أَحَدٌ وَلَمْ يُسْتَأْنَفِ الْقَسْمُ وَإِنَّمَا اسْتَوَى الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ فِي ابْتِدَاءِ الْقَسْمِ لعدم الِاسْتِحْقَاق بِالسَّبقِ وَهَهُنَا تَقَدَّمَ سَبْقٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ فِي ابْتِدَاءِ السُّكْنَى قَرِيبَ الْغَيْبَةِ وُقِفَ نَصِيبُهُ وَأُكْرِيَ لَهُ أَوْ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَلَا يُسْتَأْنَفُ الْقَسْمُ إِذَا قَدِمَ وَمِنْ غَابَ بَعْدَ الْقَسْمِ عَلَى وَجْهِ الْعَوْدِ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ فِي مَسْكَنِهِ وَيُكْرِيهِ إِنْ أَحَبَّ أَوْ لِيَنْقَطِعَ سَقَطَ حَقُّهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَسْكَنُ فَاضِلًا عَنْ جَمِيعِهِمْ فَيَكُونُ عَلَى حُكْمِ الْغَلَّةِ يُقَسَّمُ كِرَاؤُهُ وَلَهُ نَصِيبُهُ مِنَ الْكِرَاءِ وَأَمَّا الثِّمَارُ وَغَلَّةُ الْحَوَانِيتِ فَحَقُّ الْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَالْمُنْتَقِلِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ مُسْتَمِرَّةً وَيُقْصَدُ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَمْ تَقْدَحْ فِيهَا الْغَيْبَةُ وَإِنْ كَانَ حِينَ الْحَبْسِ انْتَقَلَ إِلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ لَمْ يُبْعَثْ لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُحْبِسَ لَمْ يَقْصِدْهُ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ إِلَّا أَنْ يَقْدُمَ فَيَسْتَأْنِفَ لَهُ الْقَسْمَ وَعِنْدَ الْإِجَارَةِ أُجْرَتُهُ كَالثِّمَارِ وَعَبْدُ الْخِدْمَةِ كَدَارِ السَّكَنِ وَيُفَارِقُ الدَّارَ إِذَا ضَاقَتْ عَنْ جَمِيعِهِمْ بِأَنْ يُوَسِّعَ فِي الْأَيَّامِ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثِينَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ يَوْمٌ مِنْ ثَلَاثِينَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى كَثْرَةُ الْعَدَدِ بَلْ أَهْلُ الْحَاجَةِ وَفِي السُّكْنَى كَثْرَةُ الْعَائِلَةِ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى سَعَةِ الْمَسْكَنِ وَالْمُحْتَاجُ الْغَائِبُ أَوْلَى مِنَ الْغَنِيِّ الْحَاضِرِ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَوْقَافِ لِسَدِّ الْخِلَّاتِ وَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ لِمَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْهُ وَلَا الْغَنِيُّ لِلْفَقِيرِ الْقَادِمِ لِأَنَّ الْحَوْزَ نَوْعٌ مِنَ التَّمَلُّكِ وَيَسْتَوِي فِي الْغَلَّةِ الْمُنْتَجِعُ وَالْمُقِيمُ وَإِنَّمَا سَقَطَ السُّكْنَى إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَضْلٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ إِذَا قَالَ عَلَى وَلَدِي أَوْ وَلَدِ فُلَانٍ فَأَمَّا عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ مُسَمَّيِنَ لَيْسَ عَلَى التَّعْقِيبِ فَحَقُّ الْمُنْتَجِعِ فِي السُّكْنَى وَقَسْمِ الْغَلَّةِ عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْعِيَالِ فَإِنِ اسْتَوَتِ الْحَاجَةُ أَوِ الْعِيَالُ فَعَلَى الْعَدَدِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ.
فَرْعٌ:
قَالَ الْأَبْهَرِيُّ إِذا رَجَعَ الْوَقْف لأَقْرَب النَّاس بالواقف كَانَ أَقْرَبُهُمْ مَوَالِيَهُ فَهُوَ لَهُمْ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ.
فَرْعٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا حَبَسَ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُهُ إِلَّا مِنَ الْمُحْبِسِ أَوْ وَرَثَتِهِ لِأَنَّ مَرْجِعَهُ إِلَيْهِ فَهُوَ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُمْ شَيْئًا وَإِنَّمَا دَفَعَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ.
فَرْعٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَسْكَنَ قَوْمًا حَيَاتَهُمْ يَمْتَنِعُ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدُهُمُ الْآخَرَ شَيْئًا وَيَخْرُجَ لَهُ لِأَنَّهَا إِجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ.
فَرْعٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا حَبَسَ نَخْلًا فَأَرْدَمَهَا الرَّمْلُ إِلَى كَرَاسِعِهَا لَيْسَ لَهُ بَيْعُ مَائِهَا لِأَنَّهُ حُبِسَ مَعَهَا وَجَمِيعُ مَنَافِعِهَا.
فَرْعٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا حَبَسَ شَيْئًا فِي وَجْهٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْوَاقِفُ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فِي الْمَوْقُوفِ وَإِنْ كَانَ فِيمَا جَعَلَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ حِينَ الْحَبْسِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْآثَارُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِذَلِكَ.
فَرْعٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا أَخْدَمَ عَبْدَهُ رَجُلًا سِنِينَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَوَضَعَ عَنْهُ الرَّجُلُ الْعَمَلَ عُتِقَ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَرِثَهُ الْوَاهِبُ أَوْ وَرَثَتُهُ وَإِنْ قُتِلَ فَقِيمَتُهُ لَهُ لِأَنَّهَا بَدَلُ الرَّقَبَةِ وَهِيَ لَهُ وَإِنْ جَرَحَ الْعَبْدُ رَجُلًا فَأُعْطِيَ الْمُخْدَمُ الْعَقْلَ بَقِيَ عَلَى خِدْمَتِهِ وَإِلَّا خُيِّرَ السَّيِّدُ بَيْنَ الْعَقْلِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى قَاعِدَةِ جِنَايَةِ الْعَبِيدِ.
فَرْعٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ وَلَدُ الْمُخْدِمِ مِنْ أَمَتِهِ بِمَنْزِلَتِهِ يَخْدِمُ لِأَنَّ ولد الْمكَاتب وَالْمُدبر كَذَلِك وَالْأمة يتبعهَا وَلَدهَا.
فَرْعٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا أَخْدَمَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ نَصِفَهُ الْبَاقِي عُتِقَ وَأُخِذَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَاسْتُؤْجِرَ لِلْمُخْدَمِ مَنْ يَخْدِمُهُ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ رَجَعَ لِلسَّيِّدِ.
فَرْعٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ فَالِاسْتِغْنَاءُ أَنْ يَلِيَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ بِالْبُلُوغِ أَوْ مَا يقوم مقَامه من حدا لاحتلام وَيكون رَشِيدًا.
فَرْعٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مُعَيَّنِينَ بِصِفَاتِهِمْ وَأَشْخَاصِهِمْ فَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ الْإِبَارِ أَخَذَ حَقَّهُ عِنْدَ الْقَسْمِ وَمَنْ مَاتَ مِنَ الْأَعْيَانِ بَعْدَ الثَّمَرَةِ كَبَقَائِهَا لِلْبَائِعِ فِي البيع فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَوْصُوفِينَ نَحْوِ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَرَاءِ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ بِالْقَسْمِ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْقَسْمِ فَلَا حق لَهُ كَمَال المزكاة.
فَرْعٌ:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ مَنْ حَبَسَ حَائِطَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ اجْتَهَدَ الْإِمَامُ فِي قَسْمِ ثَمَرَتِهَا وَثَمَنِهَا.
فَرْعٌ:
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا أَخَلَّ الإِمَام بِصَلَاة فِي الْمَسْجِد هَل ينْقض بِعَدَدِهَا كَمَنِ اسْتُؤْجِرَ عَلَى خَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَخَاطَ أَرْبَعَةً قَالَ وَالْحَقُّ لَا لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ اتِّبَاعُ الْمَعَانِي فِي الْعُقُودِ وَالْمُعَاوَضَاتِ وَاتِّبَاعُ الْأَلْفَاظِ فِي الشُّرُوطِ وَالْوَصَايَا وَالْوَقْفُ مِنْ بَابِ الْإِصْدَاقِ وَالْإِرْفَادِ لَا مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ وَيُقَالُ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَذَا وَلَا يُقَالُ عَقْدُ الْوَاقِفِ كَذَا وَالشَّرْطُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ عَدَمِ جُزْئِهِ أَوْ كُلِّهِ فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ يَنْتَفِي وَلَوْ حَصَلَ أَكْثَرُ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَشَرَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ تِسْعَةً فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُخِلُّ بِبَعْضِ الشَّرْطِ شَيْئًا مِنَ الْمُرَتَّبِ أَلْبَتَّةَ وَكَذَلِكَ إِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَوْ شَهِدَ الْعُرْفُ أَنَّ مَنِ اشْتَغَلَ فِي الْمَدْرَسَةِ شَهْرًا فَلَهُ دِينَارٌ فَاشْتَغَلَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ بِيَوْمٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ.
فَرْعٌ:
قَالَ إِذَا شَرط فِي مدرسة أَن لَا يَشْتَغِلَ الْمُعِيدُ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ فَفَرَغَتْ سُنُوهُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْبَلَدِ مُعِيدٌ غَيْرَهُ جَازَ لَهُ تَنَاوُلُ الْجَامِكِيَّةِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَرِدْ شُغُورَ مَدْرَسَتِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ هَذَا الْمُعِيدَ إِذَا انْتَفَعَ جَاءَ غَيره وَهَذَا ينطر فِي كُلِّ شَرْطٍ شَهِدَ الْعُرْفُ بِتَخْصِيصِهِ.
فَرْعٌ:
قَالَ إِذَا وَقَفَ الْمُلُوكُ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ وَهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ تَمْلِيكِهَا لِتِلْكَ الْجِهَةِ شَرْعًا جَازَ كَالرُّبَطِ وَالْمَدَارِسِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُتَمَكِّنِينَ كأنفاقهم على دراريهم لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ مَنْ تَعَذَّرَ تَمْلِيكُهُ تَعَذَّرَ إِنْفَاقُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنْ وَقَفُوا عَلَى مَدْرَسَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ بَطَلَ فِيمَا زَادَ فَقَطْ لأَنهم معزولون عَن التَّصَرُّف الاعلى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَالزَّائِدُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ فَهُوَ مِنْ غَيْرِ مُتَوَلٍّ فَلَا يَنْفُذُ وَإِنْ وَقَفُوا أَمْوَالَ الزَّكَاةِ عَلَى جِهَاتِهَا لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّحْجِيرِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنْ غَصَبُوا أَمْوَالًا يوقفوها عَلَى الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ أَوِ الْخَاصَّةِ فَإِنْ وَقَفُوا عَيْنَ الْمَغْصُوبِ أَوِ اشْتَرَوْا بِهِ مُعَاطَاةً لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَإِنْ كَانَ عَلَى الذِّمَّةِ لَمْ يضمن من انْتفع بذلك الْعَيْنِ الْمُشْتَرَاةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهَلْ يُغَرَّمُ السُّلْطَانُ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ أَوْ لَا يُغَرَّمُ لِأَنَّهُ مَا انْتَفَعَ بِهِ فِي نَفْسِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَهَذَا الْفَرْعُ يُخَالِفُ قَوَاعِدَنَا فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا مَتَى كَانَ بِالدَّنَانِيرِ أَوِ الدَّرَاهِمِ فَإِنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ وَهُوَ كَالْعَقْدِ عَلَى الذِّمَّةِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَنْتَفِعُ السُّلْطَانُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ.
فَرْعٌ:
قَالَ إِذَا آجَرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ فَهَلْ يُقَسِّمُهَا ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَافِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ الْوَقْفُ لِقَوْمٍ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لِغَيْرِهِمْ قُسِّطَتِ الْأُجْرَةُ عَلَى السِّنِينَ وَأُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا يُعَيِّشُهُ مِنَ السِّنِينَ كَمَا يُفْعَلُ فِي سَائِرِ التَّعْمِيرَاتِ فَيَحْصُلُ لِلشَّابِّ أَكْثَرُ مِنَ الشَّيْخِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ حَيَاتَهُ فَلَوْ قَسَّمْنَا الْكُلَّ عَلَيْهِمْ سَوَاءً لَأَخَذَ مَا لَا يَسْتَحِقُّ وَلَا يُمْسِكُهُ النَّاظِرُ عِنْدَهُ خَشْيَةَ الضَّيَاعِ مَعَ إِمْكَانِ تَوْصِيلِهِمْ بِحَقِّهِمْ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ مَدْرَسَةً وَنَحْوَهَا قُسِّمَتِ الْأُجْرَةُ عَلَى الشُّهُورِ فِي الثَّلَاثِينَ سَنَةً وَيُفَرَّقُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حِصَّةُ ذَلِكَ الشَّهْرِ بِحَسَبَ الْجَامِكِيَّاتِ وَلَا يَجُوزُ تَسْلِيفُ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ جَامِكِيَّةَ شَهْرَيْنِ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ غَيْرُ مَعْلُومِ الْحُصُولِ مِنْهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ بِمُجَرَّدِ حَيَاتِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ غَرِيبَةٌ حَسَنَةٌ وَلَمْ أَرَ فِيهَا مَا يُنَافِي قَوَاعِدَهَا إِلَّا مَا نَبَّهْتَ عَلَيْهِ وَهِيَ عَزِيزَةُ النَّقْلِ فَآثَرْتُ نَقْلَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ فَتَاوَى أَصْحَابِنَا.
فَرْعٌ:
قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى إِذَا حَبَسَ أَرْضًا لِدَفْنِ الْمَوْتَى فَضَاقَتْ بِأَهْلِهَا وَبِجَنْبِهَا مَسْجِدٌ يَجُوزُ الدَّفْنُ فِيهِ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي مَقْبَرَةٍ عَفَتْ يَجُوزُ بِنَاءُ مَسْجِد فِيهَا وكل مَا كَانَ لله استعين بِبَعْضِه على بَعْضٍ لِأَنَّ الْكُلَّ حَقٌّ لِلَّهِ وَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّ جِهَاتِهِمْ مُتَعَدِّدَةٌ فَهُوَ نَقْلُ الْحَبْسِ مِنْ مِلْكٍ إِلَى مِلْكٍ وَهُوَ مُمْتَنع.
فرع:
قَالَ قَالَ التّونسِيّ لاتباع بَعْضُ الْوَقْفِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَرَى بَيْعَهُ وَلَسْتُ أَقُولُ بِهِ.
فَرْعٌ:
قَالَ إِذَا كَانَ الْحَبْسُ مَشَاعًا وَطَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ أَوِ الْبَيْعَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِنْ كَانَ يَنْقَسِمُ قُسِّمَ فَمَا كَانَ الْحَبْسُ كَانَ حَبْسًا وَمَا كَانَ لَا يَنْقَسِمُ بِيعَ فَمَا وَقَعَ لِلْحَبْسِ اشْتَرَى بِثَمَنِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَكُونُ حَبْسًا لِأَنَّ الْمُحْبِسَ لَمَّا حَبَسَ مَا لَا يَنْقَسِمُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبْطَالُ حَقِّ شَرِيكِهِ فِي الْبَيْعِ وَوَافَقَ أَحْمَدُ فِي قِسْمَةِ الْوَقْفِ مِنَ الطَّلَقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ بَيْعًا بَلْ إِقْرَارَ حَقَّ.
تَنْبِيهٌ:
الْوَقْفُ يَنْقَسِمُ إِلَى مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ وَإِلَى مُنْقَطِعِ الْآخَرِ وَإِلَى مُنْقَطِعِ الطَّرَفَيْنِ وَإِلَى مُنْقَطِعِ الْوَسَطِ وَالطَّرَفَيْنِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ فَالْأَوَّلُ كَالْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَالْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَعْصِيَةٍ أَوْ مَيِّتٍ لَا يَنْتَفِعُ وَالثَّانِي عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَالثَّالِثُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى مَيِّتٍ وَالرَّابِعُ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَالْكَنِيسَةِ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْخَامِسُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى الْمُحَارِبِينَ فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ عَلَى مَدْرَسَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ عَلَى الْكَنِيسَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْوَقْفَ يَبْطُلُ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَعَذَّرُ وَيَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ إِذَا أَمْكَنَ الْوُصُولُ إِلَيْهِ وَلَا يَضُرُّ الِانْقِطَاعُ لِأَنَّ الْوَقْفَ نَوْعٌ مِنَ التَّمْلِيكِ فِي الْمَنَافِعِ أَوِ الْأَعْيَانِ فَجَازَ أَنْ يَعُمَّ أَوْ يَخُصَّ كَالْعَوَارِيَّ وَالْهِبَاتِ وَالْوَصَايَا وَقَالَ (ش) يَمْتَنِعُ مُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ أَوِ الِانْتِهَاءِ وَمُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ فَقَطْ لِأَنَّ أَوْقَافَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا انْقِطَاعٌ فَمَا فِيهِ انْقِطَاعٌ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ سُنَّةِ الْوَقْفِ فَيَبْطُلُ وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الصِّيغَةِ الدَّوَامُ فَحَيْثُ لَا دَوَامَ يَكُونُ بَاطِلًا لِمُخَالَفَةِ مُقْتَضَى لَفْظِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ بَاعَ وَحَجَرَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ لِكَوْنِهِ خِلَافَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ.
وَالْجَوَابُ عَن الأول أَن فعلهم رَضِي الله عَلَيْهِم لَا يُنَافِي صُورَةَ النِّزَاعِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَصْلِ الْوَقْفِ وَأَنَّ الْمُتَّصِلَ جَائِزٌ كَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا وَقَفُوا عَلَى جِهَاتٍ مَخْصُوصَةٍ مِنَ الْبِرِّ لَمْ يَمْتَنِعِ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِهَا لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَيْهَا.
وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ مُقْتَضَى التَّحْبِيسِ وَالْوَقْفِ الدَّوَامُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الدَّوَامِ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ عَلَى أَشْخَاصٍ أَوْ سَنَةٍ أَوِ الدَّهْرِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ دَامَ بِدَوَامِ دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ وَمُدَّةَ حَيَاةِ فُلَانٍ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اللَّفْظَ وَقَالَ (ح) يَمْتَنِعُ مُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ يَمْتَنِعُ مُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ وَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ وَعِنْدَ (ش) مِنْ مُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ أَوْ عَلَى وَلَدِهِ وَلَمْ يُولَدْ لَهُ.
فَرْعٌ:
قَالَ الْأَبْهَرِيُّ إِذَا حَبَسَ سَبْعَةَ مَنَازِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَوْلَادٍ وَأَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ فَتُوُفِّيَ أَحَدُهُمْ وَأَخَذَ وَلَدُهُ مَنْزِلَهُ فَكَانَ يُكْرِيهِ وَلَا يَسْكُنُهُ ثُمَّ سَافَرَ سَفَرَ انْقِطَاعٍ أُكْرِيَ وَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ وَيُخَصُّ أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْمُحْبِسَ إِنَّمَا قَصَدَ سُكْنَى وَلَدِهِ فِي بَلَدِهِ فَإِذَا خَرَجَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَيُكْرَى مَا فَضَلَ عَنْ سُكْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْقَطِعًا انْتَظَرَ.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَبْسِ أَحَدٌ لِأَحَدٍ لِلِاسْتِوَاءِ فِي السَّبَبِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَسْكَنًا فَلَا كِرَاءَ لَهُ وَمَنْ غَابَ غَيْبَةَ انْتِقَالٍ أَوْ مَاتَ اسْتَحَقَّ الْحَاضِرُ مَكَانَهُ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ أُرْصِدَتْ لِمَنْ تَيَسَّرَ انْتِفَاعُهُ وَمَنْ سَافَرَ لَا يُرِيدُ مَقَامًا فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ إِذَا رَجَعَ.
قَاعِدَةٌ:
مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ لَهُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا وَأَخْذُ عِوَضِهَا وَمَنْ مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ لَيْسَ لَهُ الْمُعَاوَضَةُ كَسُكْنَى الْمَدَارِسِ وَالرُّبَطِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُؤَجِّرَ مَكَانَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوِ الْمَدْرَسَةِ أَوِ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَمْ يملك الْمَنْفَعَةَ بَلْ يَمْلِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ كِرَاءٌ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَسْكَنًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوقَفْ لِلْغَلَّةِ وَإِنَّمَا وُقِفَ لِلِانْتِفَاعِ بِالْأَنْفُسِ بِالسُّكْنَى كَالْمَسْجِدِ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ.
فَرْعٌ:
قَالَ اللَّخْمِيُّ غَلَّةُ الْحَبْسِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ مَا نَفَقَتُهُ مِنْ غَلَّتِهِ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ مَجْهُولٍ كَدِيَارِ الْغَلَّةِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْفَنَادِقِ فَإِنْ كَانَتْ لِلسُّكْنَى خُيِّرَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ بَين الْإِصْلَاح وَالْخُرُوج حَتَّى بكرى بِمَا يَصْلُحُ بِهِ حِفْظًا لِأَصْلِ الْوَقْفِ ثُمَّ يَعُودُ وَمَا نَفَقَتُهُ مِنْ غَلَّتِهِ إِنْ كَانَ عَلَى مَجْهُولٍ وَعَلَى الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالْبَسَاتِينِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَمَا نَفَقَتُهُ مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ مَجْهُولٍ كَالْخَيْلِ لَا تُؤَاجَرُ فِي النَّفَقَةِ فَإِنْ كَانَتْ فِي السَّبِيلِ فَمِنْ ثُلُثِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِيعَتْ وَاشْتُرِيَ بِالثَّمَنِ عَيْنًا مِنَ النَّفَقَةِ كَالسِّلَاحِ وَالدُّرُوعِ وَإِنْ كَانَتْ حَبْسًا عَلَى مُعَيَّنٍ أَنْفَقَ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَمَا نَفَقَتُهُ تَارَةً مِنْ غَلَّتِهِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهَا عَلَى مَجْهُولٍ أَوْ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْعَبِيدُ فَإِنْ حُبِسُوا فِي السَّبِيلِ وَلَهُمْ صِيغَةٌ لِلسَّبِيلِ فَكَالْخَيْلِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُمُ الْغَلَّةَ فَمِنْ غَلَّتِهِمْ كَانُوا فِي السَّبِيلِ أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى مَجْهُولٍ أَوْ مُعَيَّنٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُخْدِمِ هَلْ يُنْفِقُ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ الرَّقَبَةَ أَوَالْمُخْدِمَ وَهُوَ أَصْوَبُ لِأَنَّهُ مُنْقَطع إِلَيْهِ فَلَو كَانَ بِخِلَافِهِ نَهَارًا وَيَأْوِي لِسَيِّدِهِ لَيْلًا فَعَلَى سَيِّدِهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ قَالَ وَلَوْ قِيلَ فِي النَّهَارِ عَلَى الْمُخْدِمِ وَعِنْدَ الْإِيوَاءِ عَلَى السَّيِّدِ كَانَ وَجْهًا وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُحْبِسُ عَلَى مُعَيَّنٍ لِلْخِدْمَةِ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَنْ يَضْرِبَ الْمُحْبِسُ أَجَلًا يَخْدِمُ فِيهِ الْعَبْدُ وَيَنْتَفِعُ فِيهِ بِالْفَرَسِ فَيُخْتَلَفُ هَلِ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُعْطِي أَوْ عَلَى الْمُعْطى لِأَنَّهُ الرَّقَبَة هَهُنَا فِيهِ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي الْجَوَابُ إِذَا لَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ يَعُودُ بَعْدَ الْمَوْتِ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ فَهُوَ كَالْمُخْدِمِ وَمَا لَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ إِنْ وُجِدَ مِنْ مَصْلَحَةٍ وَإِلَّا تُرِكَ كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ نَفَقَتُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ وَلَمْ يَتَطَوَّعْ أَحَدٌ بِذَلِكَ تُرِكَتْ حَتَّى تُمْلَكَ وَقَالَ (ش) نَفَقَةُ الْوَقْفِ مِنْ رِيعِهِ مُقَدَّمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِيعٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَالَ أَحْمَدُ نَفَقَتُهُ مِنْ حَيْثُ شَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ فَمِنَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لانتقال الْملك إِلَيْهِ وَقَالَ (ح).
فَرْعٌ:
قَالَ إِذَا حَبَسَ الْفَرَسَ أَوِ الْعَبْدَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَقْبَلْهُ قَالَ مُطَرِّفٌ يَرْجِعُ مِيرَاثًا وَقَالَ مَالِكٌ يُعْطَى لِغَيْرِهِ تَوْفِيَةً بِالْحَبْسِ قَالَ وَأَنَا أَرَى إِنْ أَعْطَاهُ لِيَرْكَبَهُ لَا لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ رَجَعَ مِيرَاثًا لِعَدَمِ الْقَبُولِ أَوْ لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ لِتَضَمُّنِهِ مَنْفَعَةَ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ وَالْقُرْبَةِ فَمُلَاحَظَتُهَا تُوجِبُ الْخِلَافَ كَمَنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ لِفُلَانٍ بِكَذَا أَوِ الْمُوصي لَيْسَ صرورة قَالَ ابْن الْقَاسِم المَال مِيرَاثا إِذَا امْتَنَعَ وَقِيلَ يُدْفَعُ لِغَيْرِهِ يَحُجُّ بِهِ عَنْهُ مُلَاحَظَةً لِلْقُرْبَةِ.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَأَعْقَابِهِمْ وَلَا عَقِبَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَأَنْفَذَهُ فِي صِحَّتِهِ وَهَلَكَ هُوَ وَوَلَدُهُ وَبَقِيَ وَلَدُ وَلَدِهِ وَبَنُوهُمْ فَهُوَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَالِ والمؤونة سَوَاء إِلَّا أَن الْأَوْلَاد مَا لَمْ يَبْلُغُوا أَوْ يَنْكِحُوا أَوْ تَكُونُ لَهُم مؤونة لَا يُقَسَّمُ لَهُمْ بَلْ يُعْطَى الْأَبُ بِقَدْرِ مَا يُمَوِّنُ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ فَإِذَا بَلَغُوا وعظمت مؤونتهم فَهُوَ بِقَسْمٍ وَاحِدٍ مَعَ آبَائِهِمْ.
فَرْعٌ:
قَالَ إِذَا بَنَى بَعْضُ أَهْلِ الْحَبْسِ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً أَوْ أَصْلَحَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَذْكُرِ لِمَّا أَدْخَلَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ لِأَن الظَّاهِر فِي الْخَلْط بالموقف الْوَقْفُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ قَالَ هُوَ لِوَرَثَتِي فَهُوَ لَهُمْ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَثُرَ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَا تَكُونُ وَقْفًا إِلَّا مَا لَا بَالَ لَهُ كَالْمَيَازِيبِ وَالْقَبْوِ وَمَا لَهُ بِمَال فَلِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِصْمَةُ الْمَالِ عَنِ الْخُرُوجِ وَالْيَسِيرُ الظَّاهِرُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ فِي الْيَسِيرِ شَيْءٌ أَوْصَى أَمْ لَا قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مَنْ سَكَنَ مَسْكَنًا فَبَنَى فِيهِ ثُمَّ مَاتَ وَصَارَ سُكْنَاهَا لِغَيْرِ وَرَثَتِهِ فَلَيْسَ لِلْبَانِي قِيمَةُ بِنَاءٍ وَلَا عِمَارَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا عَمَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي غَيْرِ حَيِّزِهِ الَّذِي بِيَدِهِ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ حَقُّهُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ إِذَا حَبَسَ دَارًا أَوْ أَرْضًا حَيَاتَهُ فَبَنَى فِيهَا بَيْتًا أَوْ غَرَسَ نَخَلًا وَمَاتَ فَإِنْ صَارَتِ الدَّارُ لِوَرَثَةِ الْبَانِي فَذَلِكَ لَهُمْ وَإِلَّا قَلَعُوا الْبِنَاءَ وَالنَّخْلَ إِلَّا أَنْ يُعْطُوا قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا بَنَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَا يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَبْسَ فَلَا حَقَّ لَهُ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا وَمَا يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْوَقْفَ فَلِوَرَثَتِهِ قَالَ التُّونِسِيُّ لَعَلَّ ابْنَ الْقَاسِمِ تَكَلَّمَ عَلَى عَادَةٍ عِنْدَهُمْ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ عِصْمَةُ الْأَمْوَالِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ إِذَا حَبَسَتْ دَارًا أَوْ قَاعَةً عَلَى قَبِيلٍ فَبَنَى فِيهَا رجل من الْقَبِيل حَوَانِيتَ وَبُيُوتًا لِلْغَلَّةِ يُقَاصُّ بِعَيْنِ مَا بَنَى بِمَا نَقَصَ مِنَ الْخَرَاجِ فِيمَا أَنْفَقَ فَإِذَا اسْتَوْفَى فَالْكِرَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْحَبْسِ فَإِنْ أَرَادَ غَيْرُهُ الدُّخُولَ مَعَهُ فِيمَا بَنَى لِلْغَلَّةِ غَرِمَ نِصْفَ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ حَقِّهِ وَدَخَلَ فَيَكُونُ نِصْفُهُ فِي يَدَيْهِ يُقَاصُّ نَفْسَهُ مِنْ غَلَّتِهِ بِمَا غَرِمَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثُمَّ تَكُونُ الْغَلَّةُ بَيْنَ الْجَمِيعِ كَانَ لِلْقَاعَةِ قَبْلَ ذَلِكَ غَلَّةٌ أَمْ لَا قَالَ التُّونِسِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا قَابَلَ الْقَاعَةَ مِنِ الْكِرَاءِ لِلْجَمِيعِ لِأَنَّ بِنَاءَهُ لَا يُسْقِطُ حُقُوقَهُمْ مِنَ الْحَبْسِ وَكِرَاءِ الْقَاعَةِ إِذَا كَانَ لَهَا كِرَاءٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَالزَّائِدُ عَلَى كِرَاءِ الْقَاعَةِ يُقَاصُّ بِهِ نَفْسَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ جَمِيعَ غَلَّةِ الْبِنَاءُ لَهُ وَلَعَلَّ هَذِهِ سُنَّةٌ جَرَتْ فِي الْأَحْبَاسِ إِذَا بَنَى فِيهَا أَحَدٌ لِيَغْتَلَّ أَنَّهُ يُقَاصِصُ نَفْسَهُ بِمَا أَنْفَقَ وَيَكُونُ الَّذِي بَنَاهُ حبسا وَأما إِنْ بَنَى الْمَسْكَنَ فَهُوَ أَوْلَى بِمَا بَنَى مِمَّا يَكْفِيهِ لِلسُّكْنَى.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ حَبَسَ حَائِطَهُ عَلَى رَجُلٍ حَيَاتَهُ وَكَانَ يَغْتَلَّهُ فَمَاتَ وَفِيهِ ثَمَرٌ فَلِوَرَثَتِهِ إِنْ طَابَ وَإِلَّا فَلِرَبِّ الْحَائِطِ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ كَالْبَيْعِ وَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةٌ يَلُونَهُ وَيَسْقُونَهُ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ فَلَوْ أَبَرَتْ وَلَمْ تَطِبْ فَلِبَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْكُلَفِ بَقِيَتْ عَلَيْهِم وَإِن لم يلوا الْعَمَل بل يقسم عَلَيْهِمُ الْغَلَّةُ فَنَصِيبُهُ لِرَبِّ النَّخْلِ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ تَوْفِيَةً بِالْوَقْفِ وَغَلَّةُ الدَّارِ وَالْعَبْدُ كَالثَّمَرَةِ وَأَمَّا دَارٌ يَسْكُنُونَهَا وَعَبْدٌ يَخْدِمُهُمْ فَنَصِيبُ الْمَيِّتِ لِبَاقِيهِمْ لِأَنَّ سُكْنَاهُمْ وَخِدْمَتَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ وَالثَّمَرَةُ أَبَرَتْ فَحَقُّهُ ثَابِتٌ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الرُّوَاةِ وَقَالَهُ الْمُغَيِّرَةُ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَفِيمَا لَا يَنْقَسِمُ لِأَنَّ التَّأْبِيرَ يَمْنَعُ الثَّمَرَةَ مِنَ التَّبَعِيَّةِ وَيُوجِبُ لَهَا تَحَقُّقًا فِي نَفْسِهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ وَقَدْ أَنْفَقَ فَلِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ بِهَا فَإِنْ طَابَتِ الثَّمَرَةُ وَرَجَعُوا بِالْأَقَلِّ مِنْ نَفَقَةِ الْمَيِّتِ أَوْ مَا يَنُوبُهُ مِنَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ مُحَاسَبَتِهِ بِنَفَقَتِهِمْ وَكَذَلِكَ لَوْ حُبِسَ عَلَيْهِ خَاصَّةً وَلَوْ أُجِيحَتْ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ شَيْءٌ وَقِيلَ يَقُومُ أَصْحَابُهُ لَأَنَّ النَّفَقَةَ كَالِاسْتِحْقَاقِ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الطِّيبِ فلورثته اتِّفَاقًا كَانُوا يبيعون الثَّمَرَة يَلُونَهَا أَمْ لَا إِنَّمَا الْخِلَافُ إِذَا مَاتَ قَبْلَ الطِّيبِ وَلَوْ حَبَسَ عَلَيْهِمْ مُكَيَّلَةً مَعْلُومَةً فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الطِّيبِ رَجَعَ لِلْمُحْبِسِ نَصِيبُهُ اتِّفَاقًا إِنَّمَا الْقَوْلَانِ إِذَا كَانَتْ جُمْلَةُ الثَّمَرَةِ لَهُمْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ بَعْدَ الْإِبَارِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَهُ حَقُّهُ مِنَ الثَّمَرَةِ أَوْ بَعْدَ طِيبِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي ثَمَرَةِ الْعَامِ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ وَلَوْ حُبِسَتْ حَيَاةَ صَاحِبِهَا فَمَاتَ صَاحِبُهَا بَعْدَ الطِّيبِ فَهِيَ لَهُم فَإِن أبزت وَلَمْ تَطِبْ فَلِوَرَثَتِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا كَانَتِ الدَّارُ لِلْغَلَّةِ وَالْعَبْدُ لِلْخَرَاجِ فَنَصِيبُ الْمَيِّتِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ هَلْ يَرْجِعُ إِلَى أَصْحَابِهِ أَوِ الْمُحْبِسِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي عَبْدِ الْخِدْمَةِ وَدَابَّةِ الرُّكُوبِ أَنَّ نَصِيبَهُ لَا يَكُونُ لِأَصْحَابِهِ وَهُوَ أَقْيَسُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُرَادُ لِلْغَلَّةِ أَوِ السُّكْنَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إِنَّمَا عُمِلَ لَهُ جُزْءٌ مَعْلُومٌ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً فَقَدْ جُعِلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ الْخُمُسُ وَالْمُحْبِسُ أَوْلَى فِي اسْتِصْحَابِ مِلْكِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَةً وَإِنْ جُعِلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سُكْنَى بِعَيْنِهِ أَوْ خِدْمَةُ الْعَبْدِ لِفُلَانٍ يَوْمًا بِعَيْنِهِ وَلِفُلَانٍ يَوْمَيْنِ وَفِي الثِّمَارِ لِفُلَانٍ وَسْقٌ وَلِفُلَانٍ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَرْجِعْ نَصِيبُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ بَلْ لِلْمُحْبِسِ لِأَنَّ قَرِينَةَ التَّحْوِيلِ تُصَيِّرُهُ أَحْبَاسًا مُتَبَايِنَةً فَلَوْ أَخْرَجَ الْحَائِطَ أَكْثَرَ مِنْ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ فَالْفَاضِلُ لِلْمُحْبِسِ أَوْ أَقَلَّ تَحَاصَّوْا وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ وَلَمْ يُوَفِّ الْحَائِطُ حُوصِصَ بِنَصِيبِ الْمَيِّتِ وَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَالَ مَالِكٌ إِنْ سَمَّى لِأَحَدِهِمْ دُونَ غَيْرِهِ بُدِئَ بِمَنْ سَمَّى لَهُ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ دَلِيلُ الْعِنَايَةِ إِلَّا أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ فَهُوَ أَوْلَى بِإِجَارَتِهِ قَالَ وَأَرَى إِنْ سَمَّى لِأَحَدِهِمْ مَكِيلَةً وَلِلْآخَرِ جُزْءًا نَحْوَ لِزَيْدٍ وَسْقٌ وَلِعَمْرٍو رُبُعُ الثَّمَرَةِ وَلِخَالِدٍ سُدُسُهَا وَلِبَكْرٍ نِصْفُ سُدُسِهَا فَجَمِيعُ الْأَجْزَاءِ النِّصْفُ فَجَاءَ نِصْفُهَا عَشَرَةَ أَوْسُقِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ تَسْمِيَتَهُ أَوْ ثَلَاثِينَ أَخَذَ أَرْبَابُ الْأَجْزَاءِ نِصْفَ الثَّمَرَةِ وَالْأَجْزَاءُ عَشَرَةُ أَوْسُقِ وَالْبَاقِي لِلْمُحْبِسِ أَوْ لِمَنْ كَانَ الْمَرْجِعُ إِلَيْهِ فَإِنْ جَاءَتْ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ هَلْ يَتَحَاصَّوْنَ أَوْ يُسَلَّمُ النِّصْفُ لِلْمُوصَى لَهُ وَيَكُونُ النَّقْصُ عَلَى أَرْبَابِ الْأَوْسُقِ وَهُوَ أَحْسَنُ فَإِنْ قَالَ مَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ فِي وَجْهِ كَذَا فَكَمَا قَالَ وَلَا يُنْظَرُ مَوْتُ أَحَدِهِمْ وَإِنْ قَالَ إِنِ انْقَرَضُوا رَجَعَ فِي وَجْهِ كَذَا فَمَاتَ أَحَدُهُمْ وَالْمُحْبِسُ هُوَ الَّذِي يَلِي السَّقْيَ وَالْعِلَاجَ هَلْ نَصِيبُهُ لِأَصْحَابِهِ أَوْ لِلْمُحْبِسِ حَتَّى يَمُوتَ آخِرُهُمْ فَيَكُونُ فِيمَا ذُكِرَ مَرْجِعًا أَوْ يُجْعَلُ مِنَ الْآنِ فِي ذَلِكَ وَإِلَى الْمُحْبِسِ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ الْجَمِيعِ فِي الْمَرْجِعِ.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ مَا بَلِيَ مِنَ الثِّيَابِ حَتَّى لَا يُنْتَفَعَ بِهِ أَوْ ضَعُفَ مِنَ الدَّوَابِّ بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِ الدَّوَابِّ فَرَسٌ أَوْ بِرْذَوْنٌ أَوْ هَجِينٌ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أُعِينَ بِهِ فِي فرس وَكَذَلِكَ الْفرس بكلب أَو بخبث يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِهِ فَرَسٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا الثِّيَابُ فَيُشْتَرَى بِهَا ثِيَابٌ يُنْتَفَعُ بِهَا فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ فِي السَّبِيلِ وَرَوَى غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُبَاعُ مَا حُبِسَ مِنْ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ كَمَا لَا تُبَاعُ الرَّبَاعُ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ خَبُثَ بِبَاءٍ وَاحِدَةٍ مِنْ تَحْتِهَا وَآخِرُهَا ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ وَمَعْنَاهُ فَسَدَ وَبَطَلَ وَرُوِيَ خَبِبَ بِالْبَاءِ الْمَكْسُورَةِ وَآخِرُهَا بَاءٌ بِوَاحِدَةٍ وَمَعْنَاهُ هَلَكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْهَلَاكُ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِلَّا تَعَذَّرَ بَيْعُهُ وَإِنَّمَا بَطَلَ مَا يُرَادُ مِنْهُ فِي الْجِهَادِ وَالْوَجْهِ الَّذِي حُبِسَ لَهُ وَكَلِبَ بِكَسْرِ اللَّامِ أَصَابَهُ دَاءُ الْكَلْبِ وَهُوَ السَّعَرُ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْخَيْلِ فَقِيلَ لَيْسَ بِخِلَافٍ بَلْ بِحَسَبِ السُّؤَالِ فَقَالَ ذَلِكَ فِي الْخَيْلِ لِأَنَّهَا بَقِيَتْ فِيهَا منقعة الْحَمْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقِيلَ بَلِ الْمَقْصُودُ فِي الْخَيل الْمَنْفَعَة لِلْغَزْوِ لَا لِلْغُزَاةِ فَجُعِلَتْ أَثْمَانُهَا فِي مِثْلِهَا وَالثِّيَابُ الْمَنْفَعَةُ بِهَا لِلْإِنْسِ فَإِذَا بَلِيَتْ أُعْطِيَتْ أَثْمَانُهَا لَهُمْ عِوَضًا عَمَّا كَانَ لَهُمْ قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ قِيلَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْفَرَسِ يَخْلَقُ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ ثِيَابًا يَشْتَرِي بِهَا اشْتَرَكَ بِهَا فِي ثَوْبٍ كَمَا فِي الْفَرَسِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِيهِمَا تَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْكِتَابِ لِافْتِرَاقِ السُّؤَالِ فَتَكَلَّمَ فِي الثَّوْبِ إِذَا تَعَذَّرَتِ الشَّرِكَةُ وَفِي الْفَرَسِ إِذَا وُجِدَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّارِ إِذَا خربَتْ لإتباع وَبَيْنَ غَيْرِهَا وَالْعَرْصَةُ يُتَوَقَّعُ عِمَارَتُهَا بِأُجْرَتِهَا سِنِينَ بِخِلَافِ الْفَرَسِ وَالثَّوْبِ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا انْقَطَعَتْ مَنْفَعَةُ الْحَبْسِ وَعَادَ بَقَاؤُهُ ضَرَرًا بَاعَهُ وَإِنْ رُجِيَ عَوْدُ مَنْفَعَتِهِ امْتَنَعَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا وَلَا رَجَاءً أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْعَهُ لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ وَمَنَعَ غَيْرُهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ قَالَ أَشهب.
إِذَا فَضَلَ عَنْ عَيْشِ الرَّقِيقِ الْمُحْبَسِ فِي السَّبِيلِ فَضْلٌ فُرِّقَ عَلَى فُقَرَاءِ ذَلِكَ الثُّغْرِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ فَفِي أَقْرَبِ الثُّغُورِ فَإِنِ انْقَطَعَتْ عَلَيْهِمْ وَخِيفَ هَلَاكُهُمْ بِيعُوا وَقُسِّمَتْ أَثْمَانُهُمْ فِي السَّبِيلِ أَوِ اشْتُرِيَ بِأَثْمَانِهِمْ سِلَاحُ السَّبِيلِ وَلَا يباعوا مَا دَامَ كَسْبُهُمْ يَقُومُ بِهِمْ قَالَ وَقَوْلُهُ ضَرَرًا إِذَا كَانَ النَّقْصُ لِلْكَسَادِ فِي صَنْعَتِهِمْ وَيُرْجَى عَوْدُ مَنْفَعَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ لِأَنَّهُمْ أَسَنُّوا وَلَا يُرْجَى مَنْفَعَتُهُمْ بِيعُوا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَمَّا الْفَرَسُ يَكْلِبُ إِنْ كَانَ يُعْلَفُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِيعَ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ أَوْ يُرْعَى فَفِي بَيْعِهِ الْقَوْلَانِ وَلِذَلِكَ تُبَاعُ الدَّارُ إِذَا بَعُدَتْ عَنِ الْعُمْرَانِ وَلَمْ يُرْجَ صَلَاحُهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَيَنْبَغِي الْمَنْع سرا لِذَرِيعَةِ بَيْعِ الْوَقْفِ وَأَمَّا مَا فِي الْمَدِينَةِ فَقَدْ يَعْمُرُهُ أَحَدٌ احْتِسَابًا لِلَّهِ قَالَ وَمَنْ قَطَعَ النَّخْلَ أَوْ قَتَلَ الْعَبْدَ أَوِ الْفَرَسَ غَرِمَ الْقِيمَةَ فَإِنْ كَانَ فِي السَّبِيلِ وَعَلَى الْفُقَرَاءِ جُعِلَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ فِي بِنَاءِ تِلْكَ الدَّارِ وَكَذَلِكَ النَّخْلُ وَالْفَرَسُ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يُصْرَفُ فِيمَا يُرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ فَإِنْ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مُعَيَّنٍ سَقَطَ حَقُّهُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَعَادَ لِحَقِّهِ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ أَخْلَفَ بِمَالِهِ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ كَقِيمَتِهِ إِذَا قُتِلَ أَوْ ثَمَنِهِ إِذَا بِيعَ وَإِنْ حَبَسَهُ عَلَى رَجُلٍ حَيَاةَ الْعَبْدِ رَجَعَ مَالُهُ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ مَنَافِعُهُ.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ حَبَسَ دَارَهُ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ أَوْ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا مَرْجِعًا فَهِيَ وَقْفٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ وَتَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ حَبْسًا عَلَى أَوْلَى النَّاسِ بِالْوَقْفِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ وَإِنْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ قَالَ هِيَ صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ مَا عَاشُوا وَلَمْ يَذْكُرْ مرجعا فانقرضوا رجعت موقفا على فُقَرَاء أقرب الْوَاقِفِ لِقَرِينَةِ الصَّدَقَةِ قَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ كُلُّ حَبْسٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ عَلَى مَجْهُولِ مَنْ يَأْتِي نَحْوَ عَلَى وَلَدِي وَلَمْ يُسَمِّهِمْ فَإِنَّهُ مَجْهُولٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ حَبْسٌ.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ لِأَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ إِمَّا مُعَيَّنٌ أَوْ لَا وَالْمُعَيَّنُ إِمَّا مَحْصُور أَولا وَلِكُلِّ قِسْمٍ حُكْمٌ فَمَتَى عَيَّنَ شَخْصًا فَقَالَ عَلَى فُلَانٍ وَأَوْلَادِ فُلَانٍ وَعَيَّنَهُمْ فَهَلْ يَكُونُ مُؤَبَّدًا فَإِنْ مَاتَ رَجَعَ حَبْسًا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ فَالْفُقَرَاءُ نَظَرًا لِلَفْظِ الْحَبْسِ أَوْ يَرْجِعُ مِلْكًا للْوَاقِف ولورثته كللعمرى قَوْلَانِ لِمَالِكٍ وَإِنْ حَبَسَ عَلَى مُعَيَّنِينَ مَحْصُورِينَ فَقَوْلَانِ لمَالِك كَمَا تقدم والمعينين غَيْرُ الْمَحْصُورِينَ نَحْوَ فِي السَّبِيلِ أَوْ وَقُودِ مَسْجِدِ كَذَا أَوْ إِصْلَاحِ قَنْطَرَةِ كَذَا فَهُوَ كالحبس الْمُبْهم الْمُتَقَدّم وَيُوقف على التأييد فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ الْوَجْهُ وَلَا يَطْمَعُ فِي بنائِهِ صُرِفَ فِي مِثْلِهِ وَفِي مَحْصُورِينَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ يُتَوَقَّعُ انْقِرَاضُهُمْ نَحْوَ بَنِي زَيْدٍ أَوْ عَقِبِهِ أَوْ فَرَسٍ حُبِسَ عَلَى مَنْ يَغْزُو فِي هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَوْ طَلَبِ الْعِلْمِ بِمَدِينَةِ كَذَا فَكَالْحَبْسِ الْمُبْهَمِ الْمُطْلَقِ يَتَأَبَّدُ وَيَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْوَجْهِ مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ يَعُودُ مِلْكًا وَاخْتُلِفَ هَلْ بني زَيْدٍ مِثْلُ وَلَدِ زَيْدٍ فِيمَنْ وَجَدَ وَمَنْ لَمْ يُوجَدْ يَتَأَبَّدُ أَمْ لَا وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِينَ وَغَيْرُ الْمَحْصُورِينَ نَحْوُ بَنِي تَمِيمٍ أَوِ الْمُجَاهِدِينَ أَوْ إِصْلَاحِ الْمَسَاجِدِ أَوْ طَلَبِ الْعِلْمِ فيتكابد كَالْمُطْلَقِ وَإِنْ حَبَسَ عَلَى مَعْدُومٍ بَعْدَ وُجُودِ غَيْرِ مَحْصُورِينَ نَحْوَ عَلَى أَوْلَادِي وَبَعْدَهِمْ لِلْمَسَاكِينَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا أَوِ أَيِسَ مِنَ الْوَلَدِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرْجِعُ مِلْكًا وَعِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ يَرْجِعُ حَبْسًا لِلْمَسَاكِينِ وَإِنْ جَعَلَ مَكَانَ الْحَبْس للْوَقْف فَحَكَى الْبَغْدَادِيُّونَ أَنَّهُ يَنْفُذُ حَبْسًا - كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ مَجْهُولِينَ أَوْ مَحْصُورِينَ أَوْ غَيْرِ مَحْصُورِينَ وَأَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَقَالَ غَيْرُهُمْ اللَّفْظَانِ سَوَاءٌ فِي الْخِلَافِ وَالِاتِّفَاقِ فَأَمَّا إِنْ قَالَ صَدَقَةً وَعَيَّنَهَا لَشَخْصٍ فَهِيَ مِلْكٌ لَهُ أَوْ عَلَى مَجْهُولِينَ غَيْرِ مَحْصُورِينَ نَحْوِ الْمَسَاكِينِ قُسِّمَتْ عَلَيْهِمْ أَوْ ثَمَنُهَا أَوْ أُنْفِقَتْ فِيمَا يَحْتَاجُهُ ذَلِكَ الْوَجْهُ الْمَجْهُولُ وَلَا يَكُونُ حَبْسًا وَإِنْ قَالَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى مَجْهُولِينَ مَحْصُورِينَ مِمَّا يَتَوَقَّعُ انْقِطَاعَهُمْ نَحْوَ وَلَدِ فُلَانٍ قَالَ فِي الْكِتَابِ حَبْسٌ مُؤَبَّدٌ وَيَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ سَوَاءً قَالَ مَا عَاشُوا أَمْ لَا وَعَنْهُ يَرْجِعُ لِآخِرِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ مِلْكًا وَقِيلَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْعُمْرَى وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا أَفْرَدَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فَمَتَى قَيَّدَهَا بِصِفَةٍ أَوْ أَجَلٍ أَوْ شَرْطٍ اخْتَلَفَ حُكْمُهَا فَمَتَى قَالَ حَبْسٌ أَوْ وَقْفٌ أَوْ صَدَقَةٌ سَنَةً أَوْ حَيَاتِي عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ مَجْهُولِينَ أَوْ مَعْدُومٍ فَهِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ وعمرى إِلَى أجل اتِّفَاقًا وَترجع عِنْد انقاضاء الْأَجَلِ لِرَبِّهَا أَوْ لِوَرَثَتِهِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمُعَيَّنِينَ حَيَاتَهُ أَوْ مَا عَاشَ اخْتَلَفَ حُكْمُ الْأَلْفَاظِ فَالصَّدَقَةُ عُمْرَى وَالْحَبْسُ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ عُمْرَى اتِّفَاقًا وَأَمَّا الْمَجْهُولُ الْمَحْصُورُ إِنْ قَيَّدَهُ بِحَيَاتِهِمْ أَوْ مَا عَاشُوا فَفِي الْكِتَابِ حَبْسٌ مُؤَبَّدٌ وَقَالَ مُطَرِّفٌ عُمْرَى لِأَجَلِ التَّقْيِيدِ وَمَتَى قَالَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ مُحَرَّمٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورث تأبد اتِّفَاقًا لأجل هَذِه القرائين التَّأْكِيدِيَّةِ.
فَرْعٌ:
قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَقْرَبُ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ الَّذِي يَرْجِعُ الْحَبْسُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْحَبْسِ قَالَ مَالِكٌ الْأَقْرَبُ مِنَ الْعَصَبَةِ وَمِنَ النِّسَاءِ مَنْ لَوْ كَانَتْ رَجُلًا كَانَتْ عَصَبَةً لِلْمُحْبِسِ وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ وَلَا بَنُو الْأَخَوَاتِ وَلَا الزَّوْجَاتُ بَلْ مِثْلُ الْعَمَّاتِ وَالْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَالْأَخَوَاتِ الشَّقَائِقِ أَوْ لِأَبٍ دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَاخْتُلِفَ فِي الْأُمِّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَدْخُلُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا تَدْخُلُ الْأُمُّ وَلَا أَحَدٌ مِنِ الْإِنَاثِ إِلَّا مَنْ يَرِثُهُ مِنْهُنَّ كَالْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الْأَبْنَاءِ وَالْأَخَوَاتِ وَأَمَّا الْأُمُّ فَلَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ النَّسْلِ وَلَا تَدْخُلُ الْعَمَّةُ وَلَا بِنْتُ الْعَمِّ وَلَا بِنْتُ الْأَخِ وَإِنْ كَانَ أَخًا وَأُخْتًا فَذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَحْدَهَا أَخَذَتِ الْجَمِيعَ كَانَ فِي أَصْلِ الْحَبْسِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ لَا فَإِنِ اجْتَمَعَ النِّسَاءُ الْمُعْتَبَرَاتُ وَالْعَصَبَةُ دُونَهُنَّ قَالَ مَالِكٌ يَدْخُلُونَ كُلُّهُمْ إِلَّا أَنْ لَا يَكُونَ سَعَةً فَيُبْتَدأُ بِإِنَاثِ ذُكُورِ وَلَدِهِ عَلَى الْعَصَبَةِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَكَذَلِكَ الْعَصَبَةُ الرِّجَال يَبْدَأُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَيَدْخُلُ الْمَوَالِي إِذَا لَمْ تَكُنِ الْعَصَبَةُ أَقْرَبَ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وَإِذَا انْفَرَدَ النِّسَاءُ قَسَّمَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ قَالَ وَلَا يُعْجِبُنِي قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ يُفَضِّلَ عَنْهُنَّ وَمَا حَصَّلَ رَجَعَ عَلَيْهِنَّ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَحْبَاسِ إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْحَاجَةِ وَالْغِنَى لَمْ يُصْرَفْ إِلَى غَيْرِهِمْ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُفَضَّلُ الْفَقِيرُ عَلَى الْغَنِيِّ إِلَّا بِشَرْطٍ مِنَ الْمُحْبِسِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلِمَ أَنَّ الْفَقِيرَ يَكُونُ فِيهِمْ وَالْغَنِيَّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَنْظُرُ إِلَى أَوَّلِ حَبْسِهِ إِنْ أَرَادَ بِهِ الْمَسْكَنَةَ جَعَلَ مَرْجِعَهُ كَذَلِكَ وَأُحَرِّمُ الْغَنِيَّ مُلَاحَظَةً لِغَرَضِهِ وَإِلَّا أَعْطَى الْجَمِيعَ وَرَجَّحَ أَهْلَ الْحَاجَةِ قَالَهُ مَالِكٌ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ قَدَّمَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَإِنِ اشْتَرَطَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بَطَلَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ عَلَيْهِم وَلِأَنَّهُ لوكان لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ابْنَةٌ أَوْ أُخْتٌ اخْتُصَّتْ بِالْجَمِيعِ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ إِذَا لَمْ يَتْرُكْ إِلَّا ابْنَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْعَصَبَةِ قَالَ وَالْأَصْوَبُ إِعْطَاءُ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنَ النِّسَاءِ إِذَا كُنَّ فُقَرَاءَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ أَوِ النِّسَاءِ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ لَيْسَ فِيهِ شَرْطٌ.
فرع:
- فِي الْكِتَابِ إِذَا حَبَسَ فَرَسًا عَلَى رَجُلٍ وَشَرَطَ عَلَى الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ حَبْسَهُ سَنَةً وَعَلَفَهُ فِيهَا ثُمَّ هُوَ بَتَلَ بَعْدَهَا وَقَالَ أَيْضًا إِنْ دَفَعَهُ يَغْزُو عَلَيْهِ ثَلَاثُ سِنِينَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِيهَا ثُمَّ هُوَ لِلْمُعْطِي بَعْدَ الْأَجَلِ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فقد يهْلك الْفرس قبل الْأَجَل فَيذْهب علفه بَاطِلا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَنَا أَرَى إِنْ لَمْ يَمْضِ الْأَجَلُ أَنْ يُخَيَّرَ الَّذِي حَبَسَ الْفَرَسَ بَيْنَ تَرْكِ الشَّرْطِ وَتَبْتِيلِهِ أَوْ أَخْذِهِ وَيَرُدُّ لِلرَّجُلِ مَا أَنْفَقَ وَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ وَكَانَ الَّذِي يَبْتُلُ لَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ بِغَيْرِ قِيمَةٍ قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ جَوَابُ المسئلتين وَاحِدٌ وَالْفَرَسُ فِيهِمَا بَعْدَ الْأَجَلِ مِلْكٌ وَقيل المسئلتان مفترقتان لذكر التَّخْيِير فِي الْأُولَى فَهِيَ بَعْدَ الْأَجَلِ حَبْسٌ عَلَى الْمُعْطِي لَا مِلْكٌ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الثَّانِيَةِ فَيَكُونُ بَعْدَ الْأَجَلِ مِلْكًا لِلْمُعْطِي وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَوَّلُ حَبْسًا كَيْفَ أَسْقَطَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقِيمَةَ بَعْدَ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ كِرَاءً فَاسِدًا كَيْفَ أَمْضَاهُ أَوْ بَيْعًا فَاسِدًا أَسْقَطَ الْقِيمَةَ فَكَيْفَ بِأَخْذِهِ بِغَيْرِ قِيمَةٍ بَلْ هُوَ بِيَدِهِ بعد السّنة حبسا تَوْفِيَة بِالشّرطِ فَيرجع الْمُعْطى على رب الْفرس بِمَا اتّفق عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ أَدْرَكَ فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ خُيِّرَ الْمُحْبِسُ بَيْنَ تَنْفِيذِ الْحَبْسِ وَإِسْقَاطِ الشَّرْطِ وَيَدْفَعُ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْفَرَسِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِذَلِكَ الشَّرْطِ وَبَيْنَ أَخْذِ الْفَرَسِ وَدَفْعِ النَّفَقَةِ وَإِنَّمَا أَسْقَطَ الْقِيمَةَ بَعْدَ فَوْتِ الْأَجَلِ لِأَنَّ الْفَوْتَ مِنْ قِبَلِ الْمُحْبِسِ يُخَالِفُ الْعَبْدَ يَشْتَرِيهِ عَلَى أَنَّهُ مُدَبَّرٌ وَفَوْتُهُ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي وَبِنَفْسِ الشِّرَاءِ يَكُونُ مُدَبَّرًا وَالْفَرَسُ بِتَمَامِ الْأَجَلِ يَكُونُ حبا قَالَ أَبُو الْحسن ومبنى الثَّانِيَةِ أَنَّ ثَوَابَ الْغَزْوِ لِلدَّافِعِ فَصَارَتِ النَّفَقَةُ فِي الْأَجَلِ ثَمَنَ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَإِنْ أَدْرَكَ قَبْلَ الْأَجَلِ خُيِّرَ الدَّافِعُ بَيْنَ الْإِمْضَاءِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَدَفْعِ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ ارْتِجَاعِ فَرَسِهِ وَغَرِمَ النَّفَقَةَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَتَغَيَّرِ الْفَرَسُ بِحَوَالَةِ سُوقٍ فُسِخَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ الْآنَ صَارَ بَيْعًا فَاسِدًا وَيُرَدُّ وَيُغْرَمُ النَّفَقَةَ وَإِنْ فَاتَ بِشَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوْتِ غَرِمَ الْقَابِضُ قِيمَتَهُ مِنْ حِينِ حَلَّ الْأَجَلُ لِأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ضَمِنَهُ وَإِنْ قَبَضَهُ لِلْغَزْوِ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ عَنِ الدَّافِعِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِأُجْرَةٍ مِثْلِهِ إِنْ غَزَا عَنْهُ وَإِنْ غَزَا لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنَّ أَجْرَ الْفَرَسِ لِلدَّافِعِ فَقَدِ انْتَفَعَ بِالرُّكُوبِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الرُّكُوبِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا كَانَ قَبْلَ الْأَجَلِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَالْأُجْرَةُ سَاقِطَةٌ فِيمَا اسْتَعْمَلَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ الْفَرَسَ وَالْأُجْرَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا تَسْقُطُ وَكَذَلِكَ يَرْجِعُ الْمُنْفِقُ بِالنَّفَقَةِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَإِنْ فَاتَ الْأَجَلُ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ لِتَقَرُّرِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ فِي اشْتِرَاطِ مِرَمَّةِ الدَّارِ إِنْ وَقَعَ مَضَى الْحَبْسُ وَسَكَنَ فَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى مِرَمَّةِ الدَّارِ إِنْ وَقَعَ مَضَى الْحَبْسُ وَسَكَنَ فَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى مِرَمَّةِ أَخْرَجْنَاهُ مِنْهَا وَأَكْرَيْنَاهَا بِقَدْرِ مِرَمَّتِهَا ثُمَّ يَعُودُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ أَنَا أَسْكُنُ وَأَرُمُّ بِقَدْرِ مَا يُكْتَرَى مِنْ غَيْرِي فَذَلِكَ لَهُ فَإِنْ رَمَّ وَبَنَى بِمُقْتَضى الشَّرْط قيل يُعْطَى مَا أَنْفَقَ أَيْضًا وَلَا يُعْطَى قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا وَلَوْ قِيلَ لَهُ خُذْهَا عَلَى هَذَا وَعَلَى أَنْ تَبْنِيَ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا بنيانا كثيرا فههنا إِنَّمَا يُعْطَى مَا أَنْفَقَ أَيْضًا وَلَا يُعْطَى قِيمَةَ ذَلِكَ مَنْقُوضًا بِخِلَافِ إِذَا أَعَارَهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْبِنَاءِ لَهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ السُّكْنَى مَتَى شَاءَ يُعْطَى قِيمَةَ الْبِنَاءِ مَنْقُوضًا لِأَنَّهُ بَنَى لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ إِذَا أَسْكَنَهُ سِنِينَ مُسَمَّاةً أَوْ حَيَاتَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ مِرَمَّتَهَا فَهُوَ كِرَاءٌ مَجْهُولٌ وَإِنْ أَعْطَاهُ رَقَبَتَهَا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ فَبَيْعٌ فَاسد وَالْغلَّة للمعطى بِالضَّمَانِ وَترد لِرَبِّهَا ويتبعه بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ.