فصل: الْعَاقِبَةُ الثَّانِيَةُ لِلْوَدِيعَةِ الضَّمَانُ عِنْدَ التَّلَفِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْعَاقِبَةُ الثَّانِيَةُ لِلْوَدِيعَةِ الضَّمَانُ عِنْدَ التَّلَفِ:

وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ إِلَّا عِنْدَ التَّقْصِيرِ وَلِلتَّقْصِيرِ سَبْعَةُ أَسْبَابٍ:

.السَّبَبُ الْأَوَّلُ أَنْ يودع عِنْد غَيره:

أَو يرسلهما مَعَهُ وَفِيهِ ثَمَانِيَةُ فُرُوعٍ:
الْفَرْع الأول:
فِي الْكتاب إِذا دَفعهَا لَا مرأته أَو خادمه ليرفعه فِي بَيْتِهِ وَمَنْ شَأْنُهُ أَنْ يُدْفَعَ لَهُ أَو غَيره أَو جيره كَذَا الَّذِي فِي عِيَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ شَأْنُ النَّاسِ وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَوَافَقَنَا ح وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ ش إِنْ أَوْدَعَ عِنْدَهُمْ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ ضَمِنَ إِلَّا أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَغِيبُ عَيْنُهَا عَنْ عَيْنِهِ قِيَاسًا عَلَى الْأَجْنَبِيّ وَنقص مَا ذَكَرْنَاهُ بِمَا إِذَا أَوْدَعَ عِنْدَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُودِعَ عِنْدَهُ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ علِمَ بِالْعَادَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا يَزِيدُ فِي حِفْظِهَا عَلَى حِفْظِ مَالِهِ وَهَذِهِ الْعَادَةُ مُطَّرِدَةٌ فِي الْعِيَالِ فِي مَالِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعْلُومًا عَادَةً حَتَّى يَقْضِيَ بِهَا وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنَّ الَّذِي عَادَتُهُ أَنْ يُودِعَ عِنْدَهُ مُشْتَغِلٌ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْمَالِكُ وَعِيَالُهُ آلَةٌ لَهُ كَصُنْدُوقِهِ فَمَا خَرَجَتْ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي النُّكَتِ لَمَّا كَانَ الْعرف الدّفع إِلَى هَؤُلَاءِ بِغَيْر غشهاد كَانَ كَشَرْطِ الدَّفْعِ بِغَيْرِ إِشْهَادٍ كَمَا يَقُولُ فِي الرَّسُولِ يُشْتَرَطُ الدَّفْعُ لِلْمُرْسَلِ إِلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَيَحْلِفُ الْمُودَعُ عِنْدَهُ أَنَّهُ دَفَعَ لِامْرَأَتِهِ إِذَا أَنْكَرَتْ وَكَانَ مُتَّهَمًا وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ وَلَهُ تَحْلِيفُ امْرَأَتِهِ فَإِنْ نَكَلَ وَهُوَ مُعَيَّنٌ فَلِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ تَحْلِيفُهَا كَانَتْ مُتَّهَمَةً أَمْ لَا لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الزَّوْجِ فِي مُطَالَبَتِهَا بِالْغَرِيمِ كَغَرِيمِ الْغَرِيمِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ لَوْ لَمْ يَكُنْ شَأْنُهُ الدَّفْعَ لِامْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالزَّوَاجِ أَوِ الشِّرَاءِ فِي الْأَمَةِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَثِقُ بِهِمَا فِي مَالِهِ ضَمِنَ لِتَغْرِيرِهِ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ يَقْضِيه قَالَ ابْنُ يُونُسَ يَظْهَرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا إِذَا أَنْكَرَتِ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ هَا هُنَا مَنْ يَدَّعِي تَكْذِيبَهُ كَمَا إِذَا أَنْكَرْتَ أَنْتَ الدَّفْعَ إِلَيْكَ وَادَّعَاهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا فَإِنْ حَلِفَ لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فَنَكَلَ غَرِمَ وَضَمَّنَهُ أَشْهَبُ فِي وَضْعِهِمَا عِنْدَ غَيْرِهِ كَانَ فِي عِيَالِهِ أَمْ لَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قِيلَ قَوْلُ أَشْهَبَ لَيْسَ بِخِلَافٍ وَمَعْنَاهُ إِذَا كَانَتِ الْعَادَةُ عَدَمَ الدَّفْعِ لِلْعِيَالِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ تَكَلَّمَ عَلَى وَجْهٍ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ إِذَا جُهِلَ الْعُرْفُ فِي الْبَلَد وَالْأَظْهَر أَنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ خِلَافٌ فَيَحْصُلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ الدَّفْعَ أَمْ لَا وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ لَا يَدْفَعُ لِأَهْلِهِ مَالَهُ لَضَمِنَ فَإِنْ كَانَ عَادَةُ النَّاسِ الدَّفْعَ قَوْلًا وَاحِدًا. الْفَرْعُ الثَّانِي:
فِي الْكِتَابِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَوْ خَافَ عَورَة منزلَة وَلم يجدك حَتَّى يوحيها كَذَا إِلَيْكَ أَوْدَعَهَا ثِقَةً وَلَا يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ وَلَا يَضْمَنُ لَكَ إِلَّا إِنْ فَعَلَ لِغَيْرِ هَذَا الَّذِي يَعْذُرُ بِهِ وَلَا يَصْدُقُ فِي إِرَادَةِ السَّفَرِ وَخَوْفِ عَوْرَةِ الْمَنْزِلِ حَتَّى يَعْلَمَ ذَلِكَ وَإِنْ أَوْدَعْتَهُ فِي السَّفَرِ فَأَوْدَعَهَا فِي السَّفَرِ ضَمِنَ لِدُخُولِكُمَا مَعًا فَلَا يُغَيِّرَاهُ وَوَافَقَنَا ش فِي أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ بِهَا وَقَالَ يُسَلِّمُهَا لِوَكِيلِهَا أَوِ الْحَاكِمِ أَوْ ثِقَةٍ فِي الْبَلَدِ فَمَهْمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ ضَمِنَ بِالسَّفَرِ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ ح وَابْنُ حَنْبَلٍ لَهُ السَّفَرُ بِهَا إِنْ كَانَ السَّفَرُ غَيْرَ مُخَوِّفٍ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنِ السَّفَرِ كَمَا لَوْ نَقَلَهَا مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ مِثْلِهِ غَيْرِ مَخُوفٍ وَجَوَابُهَا أَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْهَلَاكِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسَافِر ومتاعه على فَلت إِلَّا مَا وَقَى اللَّهُ» وَلِأَنَّهُ إِذَا أَوْدَعَ عِنْدَ غَيْرِهِ ضَمِنَ لِأَنَّ الْعَادَةَ شَهِدَتْ بِأَنَّكَ أَذِنْتَ لَهُ بِالْحِفْظِ بِنَفْسِهِ دُونَ التَّوْكِيلِ كَذَلِكَ شَهِدَتِ الْعَادَةُ أَنَّكَ إِنَّمَا أَذِنْتَ فِي الْحَضَرِ دون السّفر.
فَائِدَة:
الفلة الْهَلَاكُ وَفِي النُّكَتِ إِذَا كَانَ الْمَنْزِلُ مُسَوَّرًا وَأَنْتَ عَالِمٌ بِهِ فَأَوْدَعَ لِغَيْرِهِ ضَمِنَ لِدُخُولِكَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا إِذَا أَوْدَعَ فِي السَّفَرِ إِلَّا أَنْ يَزْدَادَ الْعَوَارُ أَوْ يَزْدَادَ خَوْفُهُ كَلُصُوصٍ عَايَنْتَهُمْ فَتَدْفَعُ الْوَدِيعَةَ لِمَنْ يَهْرُبُ بِهَا وَنَحْوَهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُودَعِ لَا يُودِعُ غَيْرَهُ وَالْمُلْتَقِطِ يَدْفَعُ اللُّقَطَةَ لِمَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ يَحْفَظُهَا وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ أَمَانَةً أَنَّ الْمُودِعَ رَضِيَ أَمَانَتَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَالْمُلْتَقِطَ لَمْ يَعْلَمْ فَيَكُونُ لَهُ رِضًا مُعْتَبَرٌ بَلْ مَقْصُودٌ بِالْحِفْظِ فَقَطْ وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَقْصُودِ وَلَيْسَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي مَقْصُودِ الْمُودِعِ فَافْتَرَقَا وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا أَوْدَعَ عِنْدَ غَيْرِهِ تَعَدِّيًا ثُمَّ رَدَّهَا بَرِئَ مِنَ الضَّمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ كَرَدِّهِ لِمَا يُتْلِفُ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ:
إِذَا رَدَّ الْوَدِيعَةَ أَوِ الْقِرَاضَ مَعَ رَسُولِهِ ضَمِنَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَلَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ غَيْرِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ رَدَّهَا لَمْ يَضْمَنْ كَرَدِّهِ لِمَا تَسَلَّفَ مِنْهَا وَوَافَقَنَا الْأَئِمَّةُ فِي أَنَّهُ لَا يُوَدِعُ لِغَيْرِهِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ وَعَنْ ح الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ وَخَيَّرَكَ ش فِي تَضْمِينِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَعَدٍّ بِالتَّفْرِيطِ وَالْمُخَالَفَةِ وَالثَّانِي بِوَضْعِ الْيَدِ وَوَافَقَنَا ح فِي الْبَرَاءَةِ مِنَ الضَّمَانِ بِالرَّدِّ وَخَالَفَنَا ش وَابْنُ حَنْبَلٍ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا بِالضَّمَانِ صَارَ جَانِيًا فَسَقَطَتْ أَهْلِيَّتُهُ لِلْحِفْظِ فَلَا يَبْرَأُ مِنَ الضَّمَانِ إِلَّا بِالرَّدِّ لَكَ أَوْ لِوَكِيلِكَ لَنَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ فَلَا يَسْقُطُ الْإِذْنُ مِنَ الزَّمَانِ الثَّانِي وَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ لَا يَسْقُطُ الْأَمْرُ بِصَوْمٍ يَأْتِيهِ فَكَالْوَكِيلِ يَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمُوَكَّلَ عَلَى بَيْعِهِ وَأَجَابُوا عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ أَمْرَ الْمُودِعِ مُقَيَّدٌ بِالْعُرْفِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ احْفَظْ مَا دُمْتَ أَمِينًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنْ يُسْتَوْدَعَ الْأَمِينُ فَهُوَ كَالصَّوْمِ الْمُقَيَّدِ بِرَمَضَانَ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ وَعَنِ الثَّانِي الْوَكَالَةُ تَتَضَمَّنُ أَمَانَةً وَتَصَرُّفًا فَإِذَا بَطَلَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ.
الْفَرْعُ الرَّابِعُ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا جَاءَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ لِقَبْضِهَا فَصَدَّقَهُ وَدَفَعَ فَضَاعَتْ ضَمِنَ الدَّافِعُ وَرَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ مِنْهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ لَيْسَ عَلَى الْمُودَعِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَدِيعَةَ بِأَمَارَةِ الْمُودِعِ وَلَا بِكِتَابَه وَإِنِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ خَطُّكَ إِلَّا أَنْ يُثْبِتَ الرَّسُولُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ خَطُّكَ لِأَنَّكَ لَوْ كُنْتَ حَاضِرًا لَمْ يَكُنْ لَكَ أَخْذُهَا حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ مِمَّنْ يُرِيدُ مِنْ حَقِّهِ الْإِبْرَاءَ قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَالشَّهَادَةُ على الْقَبْض لَا تبرئه إِذا حجدت إِلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ أَنَّكَ وَصَّيْتَهُ بِذَلِكَ فَرَضِيَ بِهِ فَيَلْزَمُهُ مَا رَضِيَ بِهِ فَإِنْ وَصَّيْتَ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى الرَّسُولِ بِغَيْرِ أَمَارَةٍ وَلَا كِتَابٍ وَالْوَدِيعَةُ عَيْنٌ وَهُوَ مُوسِرٌ جَازَ رِضَاهُ بِذَلِكَ وَأُلْزِمَ ذَلِكَ فَإِنْ أَنْكَرْتَ ذَلِكَ غَرِمَ الْمِثْلَ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْكَ وَإِنْ كَانَتْ عَرْضًا أَوْ غَيْرَ مِثْلِيٍّ أَوْ عَيْنًا وَهُوَ مُعْسِرٌ امْتَنَعَ رِضَاهُ نَفْيًا لِضَرَرِكَ وَإِذَا دَفَعَ بِأَمَارَةٍ أَو كتاب من غير ثَبت أيقول كَذَا الرَّسُولُ خَاصَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُكَ مَعَ يَمِينِكَ فِي نَفْيِ ذَلِكَ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ إِغْرَامِ الرَّسُولِ أَوِ الْمُودِعِ وَلَا يَرْجِعُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ إِنْ غَرِمَ فَإِنْ أَغْرَمْتَ الْمُودَعَ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَرْجِعُ عَلَى الرَّسُولِ لِأَنَّهُ قَبَضَ وَلَمْ يَثْبُتِ اسْتِحْقَاقُهُ وَمَنَعَ أَشْهَبُ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ.
الْفَرْعُ الْخَامِسُ:
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ يَجِبُ الْإِشْهَادُ إِذَا اسْتَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ لِضَرُورَةٍ وَهُوَ ضَامِنٌ إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَيَعْلَمُ السَّبَبَ الْمُقْتَضِيَ لِكَوْنِهِ يُبِيحُ لَهُ الْإِيدَاعَ عِنْدَ الْغَيْرِ فَإِذَا عَلِمَ السَّبَبَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.
الْفَرْعُ السَّادِسُ:
قَالَ أَشْهَبُ إِذَا قُلْتَ أُودِعُ مَالِي عِنْدَكَ فَقَالَ لَكَ ادْفَعْهُ لِعَبْدِي فَدَفَعْتَهُ فَاسْتَهْلَكَهُ الْعَبْدُ هُوَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ غَرَّكَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي ذمَّة العَبْد بِإِقْرَارِهِ حَتَّى تشهد بَينته بِاسْتِهْلَاكِهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقِيلَ يَضْمَنُ السَّيِّدُ إِذْ غَرَّكَ عَلَى الْخِلَافِ فَالْغُرُورُ بِالْقَوْلِ وَإِذَا ضَمِنَ السَّيِّدُ بيعَ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَغَيْرَهُ مِنْ مَالِهِ.
الْفَرْعُ السَّابِعُ:
قَالَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ إِذَا قُلْتَ لِلْحَاكِمِ أُودِعْتُ هَذَا وَأَمَرَنِي الْمُودِعُ أَنْ أُسَلِّمَهُ لِوَرَثَةِ فُلَانٍ بِأَمْرِكَ قَالَ سَحْنُونٌ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْوَرَثَةُ كَتَبَ إِلَيْكَ أَنَّكَ ذَكَرْتَ أَنَّ فُلَانًا أَمَرَكَ بِدَفْعِهِ إِلَى فُلَانٍ بِأَمْرِي وَإِنِّي أَمَرْتُكَ أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُمْ وَرَثَةُ فُلَان.
الْفَرْعُ الثَّامِنُ:
قَالَ قَالَ مُحَمَّدٌ إِذَا أَوْدَعْتَ ثُمَّ أَقْرَرْتَ أَنَّهَا لِزَيْدٍ الْغَائِبِ فَلَكَ قَبْضُهَا مِمَّنْ أَوْدَعْتَهَا عِنْدَهُ بِالْحُكْمِ وَلَا يَمْنَعُكَ إِقْرَارُكَ قَبْضَهَا فِي غَيْبَتِهِ لِأَنَّكَ الَّذِي أَوْدَعْتَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ إِلَّا مِنْ قِبَلِكَ وَلَمْ يَظْهَرْ تَعَدِّيكَ وَلِذَلِكَ مَا أَوْدَعْتَهُ عِنْدَ سَفَرِكَ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ مَا وَكَّلْتَ عَلَيْهِ لَكَ قَبْضُ الثَّمَنِ وَلَوْ قَدِمَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ فَطَلَبَهَا مِنْكَ وَأَنْتَ مُقِرٌّ أَنَّ مَنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَكَ ذَكَرَ أَنَّهَا لِهَذَا الطَّالِبِ فَلَكَ مَنْعُهُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى إِقْرَارِ مُودِعِهَا بِذَلِكَ لِأَنَّكَ لَا تَبْرَأُ مِنْهُ إِنْ جَحَدَكَ إِلَّا بِهَذَا أَوْ يَقُومُ شَاهِدٌ مَعَكَ فَيَقْضِي لَهُ السُّلْطَانُ بِهَا أَوْ بِشَهَادَتِكَ مَعَ يَمِينِ طَالِبِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي أَوْدَعَكَهَا وَقَدْ غَابَ رَبُّهَا فَعَلَيْكَ دَفْعُهَا إِلَيْهِ وَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ دَارًا فَدَفَعْتَهَا إِلَيْهِ فَهَدَمَهَا وَأَتْلَفَ بَعْضَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْكَ إِنْ جَاءَ رَبُّهَا لِأَنَّكَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي فِعْلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقْرَرْتَ أَنَّهُ أَمَرَكَ بِدَفْعِهَا إِلَيْهِ أَوْ يَرْفَعُ حَوَالَةً عَلَيْكَ.

.السَّبَبُ الثَّانِي نَقْلُ الْوَدِيعَةِ:

وَفِي الْكِتَابِ إِذَا خَرَجَ الْوَصِيُّ بِالتَّرِكَةِ إِلَى بَلَدِ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ فَلم يأتها كَذَا خَبَرٌ ضَمِنَهَا مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَارِثِ وَفِي التَّنْبِيهَاتِ خَرَّجَ بَعْضُ الشُّيُوخِ الْخِلَافَ فِي هَذَا مِنْ خِلَافٍ لِأَصْبَغَ فِي تَوْجِيهِ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الْأَوْصِيَاءِ فِي الْمُبْضِعِ تَحْدُثُ لَهُ إِقَامَةٌ فَيَبْعَثُ بِالْمَالِ لِرَبِّهِ وَلَا يَضْمَنُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمُسْتَأْمَنِ يَمُوتُ عِنْدَنَا وَيَتْرُكُ مَالًا وَفِي الْجَوَاهِرِ إِذَا نَقَلَ جَرَّةَ الزَّيْتِ فِي بَيْتِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ فَانْكَسَرَتْ لَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ لَوْ سَقَطَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ أَوْ رَمَى فِي بَيْتِهِ شَيْئًا غَيْرَهَا فَأَصَابَهَا ضَمِنَ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ لَمْ تُتَعَمَّدْ قَالَ أَشْهَبُ وَلَوْ سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ سُؤَالٌ كَمَا أَذِنَ لَهُ فِي نَقْلِ الْوَدِيعَةِ فِي مَنْزِلِهِ أَذِنَ لَهُ بِالتَصَرُّفِ فِي مَنْزِلِهِ بِشَيْلِ مَتَاعِهِ فِي يَدِهِ فَهَلَكَتِ الْوَدِيعَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِأَمْرٍ مَأْذُونٍ فِيهِ فَلِمَ يَضْمَنُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآخر جَوَابُهُ الْإِذْنُ فِي تَحْوِيلِهَا فِي أَرْكَانِ بَيْتِهِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْمَالِ فَاعْتُبِرَ إِذْنُهُ فِي عَدَمِ تَضْمِينِ مَالِهِ وَحَمْلُ مَتَاعِهِ فِي بَيْتِهِ لَيْسَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْمَالِ بَلْ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا يُسْقِطُ الضَّمَانُ إِذْنَ أَرْبَابِ الْمَالِ لِأَنَّ مَنْ فَتَحَ بَابَهُ فَأَتْلَفَ مَالًا بِذَلِكَ ضَمِنَهُ مَعَ حُصُولِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ فِي الْفَتْحِ وَمَنْ أَكَلَ ضِيَافَةَ إِنْسَانٍ لَمْ يَضْمَنْهَا لِحُصُولِ إِذْنِ الْمَالِكِ وَأَمَّا نَقْلُ الْوَدِيعَةِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ فَلَيْسَ فِيهِ إِذْنُ الْمَالِكِ وَلَا غَيْرُهُ فَلَا جَرَمَ ضَمِنَ فَهَذِهِ فُرُوقُ هَذِهِ الْفُرُوعِ.

.السَّبَبُ الثَّالِثُ خَلْطُ الْوَدِيعَةِ:

وَفِي الْكِتَابِ إِذَا خَلَطَ الدَّرَاهِمَ فَضَاعَ الْجَمِيعُ لَمْ يَضْمَنْ أَوْ بَعْضُهُ فَمَا ضَاعَ ضَمِنَهُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَكُمَا لِأَنَّ دَرَاهِمَكَ لَا تُعْرَفُ مِنْ دَرَاهِمِهِ وَلَوْ عُرِفَتْ لَكَانَتْ مُصِيبَتُهَا دَرَاهِمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ إِذَا خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا لِلِاحْتِرَازِ وَالْفَرْقِ أَوْ بِحِنْطَةٍ مُخَالِفَةٍ لَهَا أَوْ بِشَعِيرٍ ثُمَّ ضَاعَ الْجَمِيعُ ضَمِنَ لِأَنَّ هَذَا الْخَلْطَ فَوْتٌ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ صَبِيٌّ فَهِيَ مَاله فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَفِي ذِمَّتِهِ لَكَ مِثْلُ حِنْطَتِكَ وَلَهُ مِثْلُ شَعِيرِهِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْكُمَا وَلَكَ تَرْكُ الصَّبِيِّ وَمُشَارَكَتُهُ فِي الْمُخْتَلط بِقدر قِيمَته طَعَامِكُمَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَكِيلَتِهِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالَيْكُمَا فَلَكُمَا أَخْذُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدِكُمَا أَنْ يُعْطِيَ الْآخَرَ مِثْلَ طَعَامِهِ وَيُبْقِيَ لَهُ الْمَخْلُوطَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَعَدِّي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَضْيُ مَا لَزِمَ لَا بَيْعٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ يُرِيدُ بِالِاحْتِرَازِ خَلْطَهُمَا لِفَرْقٍ مِنْ جِهَةِ الْكِرَاءِ وَأَضْبَطُ لِلْحِفْظِ فَإِنْ خَلَطَ لِغَيْرِ هَذَا مِنْ بَعْدُ أَوْ أَخَذَهُمَا لِنَفْسِهِ ضَمِنَ وَالطَّعَامُ وَالدَّرَاهِمُ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَقَوْلُهُ لَوْ عُرِفَتِ الدَّرَاهِمُ لَكَانَتْ مُصِيبَةً كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ وَإِنْ خَلَطَهَا بِالْمُخَالِفَةِ لَا يَضْمَنُ لِتَمْيِيزِهَا وَكَذَلِكَ يَجِبُ فِي الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ وَمَنَعَ سَحْنُونٌ رِضَاكُمَا بِالشَّرِكَةِ فِي الْحَبِّ الْمَخْلُوطِ كَمَا يَمْتَنِعُ خَلْطُكُمَا لِذَلِكَ ابْتِدَاءً لِغَرَضِ الشَّرِكَةِ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ شَرِكَةِ الْكِتَابِ فَفَسَّرَهُ سَحْنُونٌ بِأَنَّهُ يَزِيدُ بِقِيمَةِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ غَيْرِ مَخْلُوطٍ لِأَنَّهُ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِ الْعُدْوَانُ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَقِيلَ بِقِيمَةِ الْقَمْحِ مَعِيبًا فَمَا خَلَطَهُ بِهِ مِنَ الشَّعِيرِ مُجَرَّدًا إِذْ لَا يعِيبهُ الْقَمْحُ قَالَهُ سَحْنُونٌ قَالَ وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إِذَا بِيعَ الْمَخْلُوطُ اقْتَسَمَا الثّمن على قدر قِيمَته كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ أَشْهَبُ يَشْتَرِكَانِ بِالْكَيْلِ لَا بِالْقِيَمِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَدَّلَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِنِصْفِ طَعَامِ الْآخَرِ وَالْكَيْلُ سَوَاءٌ وَلَمْ يُجْرِهِ عَلَى الْقِيَمِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ كَابْتِدَاءِ الشَّرِكَةِ عَلَى خَلْطِ النَّوْعَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْأَئِمَّةُ خَلْطُ الْمِثْلِيِّ إِذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ فَوْتٌ كَانَ بِالْجِنْسِ كَالْحِنْطَتَيْنِ أَوْ بِغَيْرِ الْجِنْسِ كَدَهْنِ الْوَرْدِ بِالزَّيْتِ وَمُنِعَ مِنَ الشَّرِكَةِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِ الْمُودَعِ عَلَى الْجَمِيعِ بِالضَّمَانِ وَقَالَ ح إِذَا اخْتَلَطَتْ بِمَالِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ وَتَعَيَّنَتِ الشَّرِكَةُ لَنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَجِبُ اسْتِصْحَابُهُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَالشَّرِكَةَ إِبْقَاءٌ لِلْمِلْكِ الْأَوَّلِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يقتسما الطَّعَام بَينهمَا على قِيمَته الطَّعَامَيْنِ بِخِلَافِ الْكَيْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ فَيَنْتَقِلَانِ فِي الأول عَن كيل مَعْلُوم إِلَى قِيمَته مَجْهُولَةٍ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِتَعَدِّيهِمَا فِي قِيمَتِهِمَا بِالْخَلْطِ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ لَهُمَا جَائِزَ الْأَمْرِ لَيْسَ بِصَبِيٍّ امْتَنَعَ رِضَاكُمَا بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَكُمَا عَلَي قَمْح وَشَعِير غَيْر مُخْتَلِطٍ فَلَيْسَ لَكُمَا أَنْ تَأْخُذَا مِنِّي غَيْرَ مَا وَجَبَ عَلَيَّ فَلَوْ ضَمِنَهُ أَحَدُكُمَا مِثْلَ طَعَامِهِ وَطَلَبَ الْآخَرُ الشَّرِكَةَ امْتَنَعَ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمَضْمُونِ صَارَ لِلْمُتَعَدِّي فَالْمُشَارِكُ يَأْخُذُ مِنْهُ قَمْحًا وَشَعِيرًا عَنْ قَمْحٍ بِغَيْرِ رِضَا رَبِّهِ وَجَوَّزَ أَشْهَبُ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدَهُمَا مِثْلَ طَعَامِهِ وَيَأْخُذَ جَمِيعَ الْمَخْلُوطِ مِنْ غَيْرِ التَّعَدِّي وَرَضِيَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِذَا خَلَطَهُمَا بِمَا يَتَمَيَّزُ وَهُوَ قَلِيلٌ لَمْ يَضْمَنْ أَوْ بِعَظِيمٍ حَتَّى أَشْهَرَ الْوَدِيعَةَ ضَمِنَ قَالَهُ فِي النَّقْدَيْنِ وَإِذَا خَلَطَ الْقَمْحَ بِمِثْلِهِ ضمنه عَبْدُ الْمَلِكِ خِلَافًا لِلْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَغْرَاضُ فَعِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ هُوَ غَيْرُ مِثْلِهِ وَقَدْ مَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرِيكَ فِي الطَّعَامِ مِنْ مُقَاسَمَةِ مَنْ ثَمَّنَهُ حَتَّى يُقَاسِمَهُ السُّلْطَانُ وَقِسْمَةُ الصَّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ أَقَلُّ اخْتِلَافًا فِي الْأَغْرَاضِ مِنْ خَلْطِ الطَّعَامَيْنِ وَمَعْلُومٌ مِنَ النَّاسِ كَرَاهَةُ خَلْطِ زَيْتِ أَحَدِهِمَا بِزَيْتِ غَيْرِهِ وَقَمْحِهِ بِقَمْحِهِ وَإِن كَانَ الْمُودع غير مَأْمُون فأبين لاتهمامه فِي الْخَلْط بِالدُّونِ فِي اعْتِقَادِهِ وَإِذَا خَلَطَ الطَّعَامَ أَوِ الدَّرَاهِمَ بِمِثْلِهَا فَضَاعَ بَعْضُ ذَلِكَ فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي الْبَاقِي عَلَى قَدْرِ مَا لَهُمَا وَيَتَّفِقُ مَالك وَابْن الْقَاسِم فِي هَذَا وَكَذَلِكَ مَسْأَلَة كَذَا لِأَنَّهُمَا كَانَا شَرِيكَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ فَيَكُونُ الضَّيَاعُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ هُوَ الْمُشَارِكَ لَهُ فِيهَا وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الدِّينَارِ يَخْتَلِطُ بِدِينَارٍ لِغَيْرِكَ لَوْ نَظَرَ إِلَى الَّذِي اخْتَلَطَ فِيهَا قَبْلَ الضَّيَاعِ فَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ ضَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ اشْتَرَكَا فِي جَمِيعِهِمَا عَلَى قَدْرِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وَإِذَا ضَمِنَ أَحَدُهُمَا الْمُتَعَدِّي وَطَلَبَ الْآخَرُ الْبَقَاءَ عَلَى الشَّرِكَةِ جَازَ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ إِذَا كَانَ الْمُضَمِّنُ هُوَ صَاحِبَ الشَّعِيرِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَمْحِ يَكُونُ شَرِيكًا بِقَفِيزِ قَمْحٍ مَعِيبٍ وَلَوْ أَنَّهُ صَاحِبُ الْقَمْحِ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الشَّعِيرِ الْمُشَارَكَةُ بِالنِّصْفِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْفَضْلَ مِنْ حَقِّهِ إِلَّا أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ الْمُتَعَدِّي وَيَجُوزُ عَلَى رَأْي ابْن الْقَاسِم وطلقا كَذَا أَيُّهُمَا ضَمِنَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَلَى الْقِيَمِ وَعَلَيْهِ يَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ بِجَعْلِهِمَا إِذَا رَفَعَا الْعَدَاءَ كَاخْتِلَافِهِمَا بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَخْتَارَا تَضْمِينَهُ قَطُّ كَخَلْطِ الرِّبْحِ أَوِ الدَّابَّةِ لَهُ فَالشَّرِكَةُ عَلَى الْقِيَمِ الْقَمْحُ مَعِيبٌ وَالشَّعِيرُ غَيْرُ مَعِيبٍ وَتَمْتَنِعُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْقِيَمِ لِأَنَّهُ رِبًا وَلَوْ سقط ثوب فِي صبغ صباغ وَقِيمَته الثَّوْبِ دِينَارَانِ وَقِيمَةُ الصَّبْغِ دِينَارٌ خُيِّرْتُمَا فِي الشَّرِكَةِ فِيهِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلْثَيْنِ أَوْ بَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا بِيعَ اقْتَسمَا على قِيمَته يَوْم البيع وَإِن نقص الصَّبْغ أَوْ نَزَلَ السُّوقَ يَوْمَ الْبَيْعِ اشْتَرَكْتُمَا بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الطَّعَامَيْنِ إِنَّكُمَا مَلَكْتُمَا التَّضْمِينَ فَإِنَّمَا تَأْخُذَانِ ذَلِكَ عَنِ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّةِ الْمُتَعَدِّي فَلَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى التَّسَاوِي كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكُمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدُّدٍ فَإِنْ أَرَدْتُمَا بَيْعَهُ جَازَ لِأَنَّهُ بِيع نِصْفِ قَفِيزِ قَمْحٍ بِنِصْفِ قَفِيزِ شَعِيرٍ جَائِزٌ وَلَمْ يُجْبَرْ أَحَدُكُمَا عَلَى تَسْلِيمِ جَمِيعِهِ وَيَأْخُذُ مِثْلَ نَصِيبِهِ لِئَلَّا يُبَاعَ عَلَيْهِ مِلْكُهُ جَبْرًا وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِذَا أَوْدَعْتَ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَآخر دينارين وَآخر دِينَارا فخلطهما وَذَهَبَ مِنْهَا دِينَارٌ فَلَكَ مِنَ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ ثَلَاثَةٌ إِلَّا رُبُعَ وَلِصَاحِبِ الِاثْنَيْنِ اثْنَانِ إِلَّا رُبُعَ وَلِلْآخَرِ نِصْفُ دِينَارٍ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي مِنَ الْخَمْسَةِ إِلَّا دِينَارًا فَيُعْزَلُ وَتَبْقَى أَرْبَعَةٌ فَيَدَّعِي مِنْهَا صَاحِبُ الِاثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَيُعْزَلَانِ فَتَبْقَى اثْنَانِ لَا يَدَّعِيهِمَا إِلَّا صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ فَيَأْخُذُهُمَا ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الثَّلَاثَةِ الْمَعْزُولَةِ فَتَجِدُ صَاحِبَ الدِّينَارِ لَا يَدَّعِي مِنْهَا إِلَّا دِينَارًا فَيُعْزَلُ وَيَبْقَى اثْنَانِ فَيُقَالُ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ الَّذِي أَخَذَ الِاثْنَيْنِ إِنَّكَ لَا تَدَّعِي فِي هَذِهِ إِلَّا دِينَارًا فَيُعْزَلُ وَيَبْقَى دِينَارٌ لَا يَدَّعِيهِ إِلَّا صَاحِبُ الِاثْنَيْنِ فَيَأْخُذُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الدِّينَارَيْنِ الْمَعْزُولَيْنِ فَصَاحِبُ الدِّينَارَيْنِ لَا يَدَّعِي فِيهِمَا إِلَّا دِينَارًا وَيَبْقَى دِينَارٌ فَيُقَسَّمُ بَيْنَ صَاحِبِ الثَّلَاثَةِ وَصَاحِبِ الِاثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدَّعِي جَمِيعَهُ وَيَبْقَى الدِّينَارُ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ لِصَاحِبِ الدِّينَارِ نِصْفُهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهِ وَلِلْآخَرِينَ نَصِفُهُ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ الْكُلَّ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ مَالِكٌ إِنَّ الدِّينَارَ التَّالِفَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْأَجْزَاءِ عَلَى صَاحِبِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ وَعَلَى صَاحِبِ الِاثْنَيْنِ جُزْءَانِ وَأَخَذَ بِكُلِّ قَوْلٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ وَالْعُلَمَاء وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يُعْرَفِ الدِّينَارُ أَمَّا لَوْ عُرِفَ فَمُصِيبَتُهُ مَنْ صَاحِبُهُ.