فصل: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الباب الثَّانِي عشر فِي الْمُسَابقَة وَالرَّمْي:

وَفِيهِ فَصْلَانِ:

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْمُسَابَقَةِ:

وَفِي التِّرْمِذِيِّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَو حافر وَقَالَ الله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} الْأَنْفَال 60 وَالسَّبْقُ بِسُكُونِ الْبَاءِ الْفِعْلُ وَبِفَتْحِهَا مَا يَجْعَل للسابق وَفِي مُسلم سَابق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ وَكَانَ آخِرُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرُ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْق وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يُسْبَقَ فَلَيْسَ قِمَارًا وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يُسْبَقَ فَهُوَ قِمَارٌ» قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ لَا بَأْسَ بِرِهَانِ الْخَيْلِ إِذَا كَانَ فِيهَا مُحَلِّلٌ يُخْرِجُ هَذَا سَبَقًا وَهَذَا سبقا وَيَدْخُلُ بَيْنَهُمَا ثَالِثٌ لَا يُخْرِجُ شَيْئًا فَإِنْ سَبَقَ الْمُحَلِّلُ أَخَذَ وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَأْخُذْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إِذَا سَبَقَ أَخَذَ سبق الرجلَيْن وَإِن لَمْ يَسْبِقْ هُوَ وَسَبَقَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ سَبَقَ صَاحِبِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مَالك وَإِنَّمَا يجوز عِنْدَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ سَبَقَهُ خَارِجًا بِكُلِّ حَالٍ فَإِنْ تَسَابَقَ رَجُلَانِ وَجَعَلَ ثَالِثٌ سَبَقًا لِلْخَارِجِ مِنْهُمَا فَإِنْ سَبَقَ هُوَ كَانَ السَّبَقُ لِلْمُصَلِّي وَإِنْ كَانَتْ خَيْلًا كَثِيرَةً وَكَذَلِكَ الرَّمْيُ وَيَجُوزُ عَمَلُ سُرَادِقَ مَنْ دَخَلَهُ أَوَّلًا سَبَقَ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمُسَابَقَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ يُشْتَرَطُ فِي عِوَضِهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي عِوَضِهِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ اسْتِوَاؤُهُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَجْعَلَ الْوَالِي أَوْ غَيْرُهُ مُحَلِّلًا للسابق وَالثَّانيَِة أَن يُخرجهُ أحد المسابقين وَالثَّالِث أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مَنْ سَبَقَ أَخْذَهُمَا فَلَا يُخْتَلَفُ فِي إِبَاحَةِ الْأُولَى وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنْ كَانَ الْمُخْرِجُ لَا يَعُودُ إِلَيْهِ الْمُخْرَجُ بَلْ إِنْ سَبَقَ أَخَذَهُ السَّابِقُ أَوْ سَبَقَ كَانَ لِمَنْ يَلِيهِ أَوْ لِمَنْ حَضَرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا فَجَائِزٌ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ الْمَشْهُورِ إِنَّ السَّبَقَ لَا يَعُودُ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ إِنَّ السَّبَقَ لِمَنْ سَبَقَ مِنْ مُخْرِجِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ لَا يَكُونُ طُعْمَةً لِمَنْ حَضَرَ بَلْ لِلسَّابِقِ وَلَوْ شَرَطَهُ طُعْمَةً لِمَنْ حَضَرَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ مُعْظَمِ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ شَرَطَ رُجُوعَهُ إِلَى مُخْرِجِهِ إِنْ سَبَقَ فَرُوِيَتِ الْكَرَاهَةُ وَأَخَذَ بِهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ الْجَوَازَ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا مَنْ لَا يأمنان أَن يسبقهما يغرم إِن سبق وَلَا يغرم إِن سبق وَالْمَشْهُور عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعُ وَرُوِيَ الْجَوَازُ وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْغَايَةِ وَالْمَوْقِفُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَادَةً فتتعين وَيتَعَيَّن الْخَيْلُ دُونَ مَعْرِفَةِ جَرْيِهَا وَرَاكِبِهَا وَكَرِهَ مَالِكٌ حَمْلَ الصِّبْيَانِ عَلَيْهَا خَشْيَةَ الْعَطَبِ قَالَ صَاحِبُ الْإِكْمَال يشْتَرط أَنْ تَكُونَ الْخَيْلُ مُتَقَارِبَةَ الْحَالِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَلَا تجوز السَّابِقَة بِالْعِوَضِ إِلَّا فِي الْخَيل أَو الركاب أَو فِي الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَتَجُوزُ بِالْعَرَضِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي غير ذَلِكَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي نِكَايَةِ الْعَدُوِّ وَنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ كَالسُّفُنِ وَالطَّيْرِ لِتَوْصِيلِ الْأَخْبَارِ وَأَمَّا طَلَبُ الْمُغَالَبَةِ فَلَا يَجُوزُ وَتَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ وَفِي رَمْيِ الْحِجَارَةِ وَيَجُوزُ الصِّرَاعُ لِقَصْدِ الرِّيَاضَةِ لِلْحَرْبِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
قَاعِدَةٌ:
لَا يَجْتَمِعُ فِي الشَّرْع العوضا فِي بَابِ الْمُعَاوَضَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِذَلِكَ مَنَعْنَا الْإِجَارَةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لِحُصُولِهَا مَعَ عِوَضِهَا لِفَاعِلِهَا وَحِكْمَةُ الْمُعَاوَضَةِ انْتِفَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ المتعارضين بِمَا بُذِلَ لَهُ وَالسَّابِقُ لَهُ أَجْرُ التَّسَبُّبِ إِلَى الْجِهَادِ فَلَا يَأْخُذُ السَّبَقَ.
تَنْبِيهٌ:
الْمُسَابَقَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ الْقِمَارُ وَتَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ وَحُصُولُ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضُ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَاسْتُثْنِيَت مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ لِمَصْلَحَةِ الْجِهَادِ.
فَائِدَةٌ:
أَسْمَاءُ الْخَيْلِ فِي حَلَبَةِ السِّبَاقِ عَشَرَةٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَتَانِي الْمُجَلِّي وَالْمُصَلِّي وَبَعْدَهُ **الْمُسَلِّي وَقَالَ بَعْدَهُ عَاطِفٌ يَسْرِي

ومرتاحها ثمَّ الحضي ومتوسل ** وَجَاء اللطيم والسكيت لَهُ يبري***

فالمجلي أَولهَا وَالْمُصَلي الثَّانِي لكَونه عِنْد صلى فرس الأول ثمَّ هِيَ مرتبَة كَذَلِك إِلَى آخرهَا.

.الْفَصْل الثَّانِي فِي الرَّمْي:

وَفِي الْجَوَاهِرِ هُوَ كَالسَّبَقِ فِيمَا يَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ رَشْقٌ مَعْلُومٌ وَإِصَابَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَسَبَقٌ إِلَى عَدَدٍ مَخْصُوصٍ أَوْ لَا يُحْسَبُ لِأَحَدِهِمَا إِلَّا مَا أَصَابَ فِي الدَّائِرَةِ وَيُحْسَبُ لِلْآخَرِ مَا أَصَابَ فِي الْجِلْدِ كُلِّهِ فَجَمِيعُ ذَلِكَ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَيَخْتَصُّ بِالرَّمْيِ عَنِ الْقَوْسِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَوْ عَرَضَ لِلسَّهْمِ نَكْبَةٌ مِنْ بَهِيمَةٍ عَرَضَتْ أَوِ انْكَسَرَ السَّهْمُ أَوِ الْقَوْسُ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مَسْبُوقًا بِخِلَافِ الْفَارِسِ يَسْقُطُ عَنْ فَرَسِهِ أَوْ يَسْقُطُ الْفَرَسُ فَيَنْكَسِرُ فَإِنْ كَانَ السَّبَقُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ خَرَجَ هَذَا وَخَرَجَ هَذَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ الَّذِي رَأَى أَهْلُ الْخَيْلِ أَنَّ الْوَاصِلَ إِلَى الْغَايَةِ سَابِقٌ وَأَنْكَرَهُ وَاخْتَارُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ قبل الْفَارِس من تَضْييع الشوط وَانْقِطَاع اللجام وخرق الْفَرَسِ فَلَا يُعْذَرُ بِهِ وَكَذَلِكَ إِنْ نَفَرَ مِنَ السُّرَادِقِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ وَدَخَلَ الْآخَرُ سَبَقَ الْمُمْتَنِعُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا لَو نزع شوطه أَوْ ضَرَبَ وَجْهَ فَرَسِهِ لَمْ يَكُنْ مَسْبُوقًا وَعُذِرَ بِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَلَا بَأْسَ بِالرَّمْيِ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ عَبْدًا أَوْ يُعْتِقَ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عملا مَعْرُوفا وَالله أعلم تمّ كتاب الْجِهَاد وَبِه تمّ الْجُزْء الثَّالِث من الذَّخِيرَة يَلِيهِ الْجُزْء الرَّابِع أَوله كتاب الْإِيمَان.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.

.كتاب الْإِيمَان:

وَالْيَمِينُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْيَمِينِ الَّذِي هُوَ الْعُضْوُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا حَلَفُوا وَضَعَ أَحَدُهُمْ يَمِينَهُ فِي يَمِينِ صَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا لِذَلِكَ وَقِيلَ الْيَمِينُ الْقُوَّةُ وَسُمِّيَ الْعُضْوُ يميتا لِوُفُورِ قُوَّتِهِ عَلَى الْيَسَارِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} الحاقة 45 أَيْ بِالْقُوَّةِ وَلَمَّا كَانَ الْحَلِفُ يُقَوِّي الْخَبَرَ عَنِ الْوُجُودِ أَوِ الْعَدَمِ سُمِّيَ يَمِينًا فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ الْتِزَامُ الطَّلَاقِ أَوِ الْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ الْمُخَالَفَةِ يَمِينًا بِخِلَافِ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ هُوَ رَبْطُ الْعَقْدِ بِالِامْتِنَاعِ أَوِ التَّرْكِ أَوْ بِالْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلٍ بِمَعْنًى مُعْظَّمٍ حَقِيقَةً أَوِ اعْتِقَادًا وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَسْئِلَةٌ أَحَدُهَا أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ يُتَصَوَّرُ بِغَيْرِ لَفْظٍ وَالْعَرَبُ لَا تُسَمِّي السَّاكِتَ حَالِفًا وَثَانِيهَا أَنَّ الْيَمِينَ قَدْ تَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَقَدِ كَمَا فِي الْغَمُوسِ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْيَمِينَ قَدْ تَكُونُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ أَوْ تَرْكِهِ فَلَا يَكُونُ فِيهَا إِقْدَامٌ وَلَا إِحْجَامٌ وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ هُوَ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ وَضْعًا إِنْشَائِيَّةٌ بِمَعْنى مُتَعَلقَة بمنى مُعْظَّمٍ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ مُؤَكَّدَةً بِجُمْلَةٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا فَقَوْلُنَا خَبَرِيَّةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ صِيغَتُهَا وَقَوْلنَا إنشائية لِأَنَّهَا لَا تجمل التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ فَهِيَ نَحْوُ بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ وَأَنْتَ حُرٌّ وَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَوْلُنَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا احْتِرَازًا مِنْ تَكْرِيرِ الْقَسَمِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى حَالِفًا إِلَّا إِذَا ذَكَرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَبَقِيَّةُ الْقُيُودِ ظَاهِرَةٌ وَقَدْ خَصَّصَ الشَّرْعُ هَذَا الْمَعْنَى فِي بَعْضِ مَوَارِدِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُعَظَّمُ ذَاتَ اللَّهِ أَوْ صِفَاتِهِ الْعُلَى كَمَا صَنَعَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَغَيرهمَا وَفِي الْكتاب سِتَّة أَبْوَاب:

.الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِهِ:

وَفِي الْمُقْدِّمَاتِ هُوَ مُبَاحٌ فِي الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى وَمُحَرَّمٌ وَهُوَ الْحَلِفُ بِاللَّاةِ وَالْعُزَّى وَمَا يعبد من دون الله تَعَالَى لِأَن الْحَلِفَ تَعْظِيمٌ وَتَعْظِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُفْرٌ وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ الْحَلِفُ بِمَا عَدَا ذَلِكَ وَقَالَهُ ش لِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّ الله تَعَالَى يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَلْزَمُ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَإِلَى مَا لَا يَلْزَمُ كَالْتِزَامِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ وَالْحَلِفُ بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوِ الْكَعْبَةِ أَوِ الْمَشْيِ إِلَى السُّوقِ قَالَ اللَّخْمِيُّ الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْكَعْبَةِ مَمْنُوعٌ فَمَنْ فَعَلَ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ تَعَالَى وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْقُدْرَةِ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: الْكَرَاهَةُ فِي: لَعَمْرُ الله وَأَمَانَة الله وان احْلِف بالقران والمصحف لَيْسَ بِيَمِين والاكفارة فِيهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ: لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِصِفَاتِهِ الْفِعْلِيَّةِ كَالرِّزْقِ وَالْخَلْقِ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلَّخْمِيِّ دُونَ الْمُقَدِّمَاتِ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْحَلِفِ بِالصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ.
سُؤَالٌ:
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ السَّائِلِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ فَقَدْ حَلَفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَخْلُوقٍ وَجَوَابُهُ إِمَّا مَنْعُ الصِّحَّةِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّأِ أَوْ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ وَإِمَّا بِأَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ تَوْطِئَةِ الْكَلَامِ لَا الْحَلِفَ نَحْوَ قَوْلهم قَاتله الله مَا أكْرمه وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَائِشَةَ تَرِبَتْ يَدَاكِ وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ خَرَجَ عَنِ الدُّعَاءِ إِلَى تَوْطِئَةِ الْكَلَامِ.
قَاعِدَةٌ:
تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّعْظِيمِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا كَتَوْحِيدِهِ بِالْعِبَادَةِ وَالْخَلْقِ وَالْإِرْزَاقِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يُشْرِكَ مَعَهُ تَعَالَى غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِجْمَاعًا كَتَوْحِيدِهِ بِالْوُجُودِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهِمَا فَيجوز أَن يُوصف غَيره بِذَلِكَ إِجْمَاعًا وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ كَالْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ غَيْرُهُ فِيهِ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَهَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يُقْسَمَ على الله تَعَالَى بِبَعْض مخلوقاته فَإِن لقسم بِهَا تَعْظِيمٌ لَهَا نَحْوَ قَوْلِنَا بِحَقِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لَنَا وَنَحْوِهِ وَقَدْ حَصَلَ فِيهِ تَوَقُّفٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَرُجِّحَ عِنْدَهُ التَّسْوِيَةُ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ حَلِفُهُ تَعَالَى بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالسَّمَاءِ وَالشَّمْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنَ الْعلمَاء من قَالَ تَقْدِيره أقسم بهَا لينَة عِبَادَهُ عَلَى عَظَمَتِهَا عِنْدَهُ فَيُعَظِّمُونَهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْحَجْرِ عَلَيْنَا الْحَجْرُ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ الْمَالِكُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيد.

.الْبَاب الثَّانِي فِي الْمُوجب لكفارة:

وَفِيهِ فَصْلَانِ:

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ:

أَمَّا الصَّرِيحُ الَّذِي يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِنُطْقِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى نِيَّةٍ فَفِي الْكِتَابِ الْحَلِفُ بِجَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ نَحْو الْعَزِيز اللَّطِيف أَو عزة اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ وَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ ذِمَّتُهُ أَوْ كَفَالَتُهُ أَوْ مِيثَاقُهُ وَقَالَهُ ح وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ ش الْعَهْدُ وَالْكَفَالَةُ وَالْمِيثَاقُ وَقَوْلُنَا وَحَقِّ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَلِيمِ وَالْجَبَّارِ كِنَايَاتٌ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ إِنْ نَوَى الْقَدِيمَ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْعَهْد أَرْبَعَة: تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ فِي وَجْهٍ، وَتَسْقُطُ فِي اثْنَيْنِ، ومختلف فِي الرَّابِعِ، فَالْأَوَّلُ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، وَالِاثْنَانِ: لَكَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأُعْطِيكَ عَهْدَ اللَّهِ، وَالرَّابِع: أعَاهد الله، اعْتَبرهُ ابْن حبيب وأسقطه ابْنُ شَعْبَانَ، قَالَ: وَهُوَ أَحْسَنُ، وَقَالَ ابْنُ عبد الحكم: لآها اللَّهِ، يَمِينٌ، نَحْوُ بِاللَّهِ وَفِي الْبَيَانِ: إِذَا قَالَ: يعلم الله لافعلت، اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا، تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ أَيْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ سَحْنُونٌ: إِنْ أَرَادَ الْحَلِفَ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ حُرُوفَ الْقَسَمِ قَدْ تُحْذَفُ، وَإِذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ: فَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْكَفَّارَةُ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَقَالَهُ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْحُرُوفِ لِأَن الْمُتَبَادِرُ فِي الْعُرْفِ إِلَى الذِّهْنِ وَالْفَهْمِ وَفِي الْجَوَاهِرِ أَيْمُ اللَّهِ يَمِينٌ وَفِي الْكِتَابِ وَعِزَّةِ اللَّهِ لِمَالِكٍ فِي إِيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ رِوَايَتَانِ.
فَوَائِدُ:
أَمَانَةُ اللَّهِ تَعَالَى تَكْلِيفُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الْأَحْزَاب 72 الْآيَة إِلَى قَوْله {وَحملهَا الْإِنْسَان} وَتَكْلِيفُهُ كَلَامُهُ الْقَدِيمُ فَهِيَ صِفَتُهُ تَعَالَى وَعَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بَقَاؤُهُ وَهُوَ اسْتِمْرَارُ وَجُودِهِ مَعَ الْأَزْمَانِ وَوُجُودُهُ ذَاتُهُ وَعَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى إِلْزَامُهُ لقَوْله تَعَالَى {وأوفوا بعهدي} الْبَقَرَة 40 أَيْ تَكْلِيفِي فَهُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ تَعَالَى وَذِمَّتُهُ إِلْزَامه فَيَرْجِعُ إِلَى خَبَرِهِ وَخَبَرُهُ كَلَامُهُ وَكَذَلِكَ كَفَالَتُهُ وَالْمِيثَاقُ هُوَ الْعَهْدُ الْمُؤَكَّدُ بِالْحَلِفِ فَيَرْجِعُ إِلَى كَلَامه تَعَالَى وأيمن الله تَعَالَى قَالَ سسيبويه هُوَ مِنَ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ ش هُوَ كِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمُحْدَثِ مِنْ تَنْمِيَةِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَرْزَاقِ وَبَيْنَ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ جَلَالُ اللَّهِ وَعَظَمَتُهُ تَعَالَى وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} الْملك 1 أَي عظم شَأْنه وَكبر عَلَاؤُهُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ هُوَ جَمْعُ يَمِينٍ فَيَكُونُ الْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أَيمن الْمُسْلِمِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ وَيُقَالُ أَيْمَنُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ وَمِنَ اللَّهِ وَمُ اللَّهِ.
فَرْعٌ:
فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا قَالَ الْأَيْمَانُ تَلْزَمُنِي قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ لَيْسَ لِمَالِكٍ وَلَا لِأَصْحَابِهِ فِيهَا نَصٌّ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهَا الْمُتَأَخِّرُونَ فَأَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ وَالْعَتَاقِ فِي جَمِيعِ الْعَبِيدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبِيدٌ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَالْمَشْيُ إِلَى مَكَّةَ فِي الْحَجِّ وَالتَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ وَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَقَالَ أَبُو بكر بن عبد الرحمان وَأَكْثَرُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَقَالَ أَبُو عمرَان والعراقيون وَاحِدَة وَاخْتَارَ الْأُسْتَاذ أَن لَا تَلْزَمَهُ إِلَّا ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ حَمْلًا لِلْيَمِينِ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ الْمَشْرُوعُ قَالَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَ عُرْفًا وَحَمْلًا لِلصِّيغَةِ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَيْمَانُ تَلْزَمُنِي أَوْ لَازِمَة لي أَوْ جَمِيعُ الْأَيْمَانِ أَوِ الْأَيْمَانُ كُلُّهَا تَلْزَمُنِي وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ لَمْ يَخْتَلِفِ الْمَذْهَبُ أَنَّ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ تَلْزَمُهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنِ اعْتَادَ الْحلف بِصَوْم سنة لزمَه وَهَكَذَا يَجْرِي فِي حُكْمِ أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ وَهِيَ أَيْمَانٌ رتبها الْحجَّاج فِيهَا الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحَجِّ وَصَدَقَةِ الْمَالِ يَحْلِفُ بِهَا النَّاس عِنْد الْبيعَة قَالَ صَاحب التخليص وَاخْتُلِفَ هَلِ الطَّلْقَةُ بَائِنَةٌ أَوْ رَجْعِيَّةٌ قَالَ ومنشأ الْخلاف اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ فِي أَشَدِّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ هَلْ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ قَوَاعِدُ الْيَمِينُ حَقِيقَتُهُ لُغَةً الْحَلِفُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخِلَافِ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَلِفٍ فَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوِ الْعَتَاقِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ حَلِفٌ مُحْدَثٌ وَالْعَلَاقَةُ فِي هَذَا الْمَجَازِ أَنَّ الْحَالِفَ مُلْتَزِمٌ لِحُكْمٍ عَلَى تَقْدِيرٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ عَلَى تَقْدِيرِ الْحِنْثِ وَالْمُعَلَّقُ مِنَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ قِيَاسًا عَلَى تَقْدِيرِ وُجُوبِ الشَّرْطِ ثُمَّ هَذَا الْمَجَازُ مِنْهُ خَفِيٌّ لَمْ يَتَرَجَّحْ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا سِوَاهَا نَحْوَ لِلَّهِ عَلَيَّ هدي أَو بِنَاء مَسْجِد أَو الْغَزْو وَمِنْهُ رَاجِحٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ مُسَاوٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَيَدُلُّ عَلَى الشُّهْرَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ يَمِينُ الْفُسَّاقِ فَسَمَّاهُمَا أَيْمَانًا وَمِنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مُسَمَّيَاتِهِ وَغَيْرِ الْمُشْتَرَكِ فِي مجازاته المستوية ومجازه وَحَقِيقَته فَلذَلِك حَمَلَ الْمُتَأَخِّرُونَ اللَّفْظَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ التَّعَالِيقِ وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا الْيَمِينُ أَصْلُهُ مِنَ الْقُوَّةِ لِأَنَّهُ يُقَوِّي الْمُخْبَرَ عَنْهُ فَالتَّعَالِيقُ أَيْضًا مُقَوِّيَاتٌ لِلْإِقْدَامِ وَالْإِحْجَامِ فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُتَوَاطِئًا فِي الْجَمِيعِ وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْعُمُومِ فَيَعُمُّ الْجَمِيعَ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ بِالْإِجْمَاع وَقد تقدم تَقْرِيره أول الْكتاب.
وَقَاعِدَةُ ش حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقَائِقِهِ وَمَجَازَاتِهِ وَمَجَازِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَصله فَقَالَ إِن نوى شَيْئا لزمَه وَإِلَّا فَلَا مُحْتَجًّا بِأَنَّ هَذَا كِنَايَةٌ فَيَتْبَعُ النِّيَّةَ وَالصَّرِيحُ هُوَ النُّطْقُ بِالِاسْمِ الْمُعْظَّمِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يُعْتَقَدُ صَرِيحًا فَلَفْظُ الْيَمِينِ صَادِقٌ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فِي اللُّغَةِ فَلَفْظُ الْأَيْمَانِ تَتَنَاوَلُ الصَّرِيحَ بِالْوَضْعِ وَالْكِنَايَةُ لَا تَتَنَاوَلُ بِالْوَضْعِ بَلْ تَصْلُحُ لِلتَّنَاوُلِ فَلَيْسَتْ بِكِنَايَةٍ فَإِنْ قِيلَ لَفْظُ الْيَمِينِ يَتَنَاوَلُ قَوْلَنَا وَاللَّهِ مِنْ جِهَةِ عُمُومِ كَوْنِهِ حَلِفًا لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِ قَوْلِنَا وَاللَّهِ بَلْ لَفْظُ الْيَمِينِ صَادِقٌ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِنَا وَالْكَعْبَةِ وَحَيَاتِي وَلَعَمْرِي وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ الدَّالِّ عَلَى الْأَخَصِّ وَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لَهُ فَيَكُونُ كِنَايَةً قُلْنَا الْقَائِلُ أَيْمَانُ الْمُسلمين والأيمان نَطَقَ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ الشَّامِلَةِ لِكُلِّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِأَنَّ اللَّامَ لِلْعُمُومِ وَاسْمُ الْجِنْسِ إِذَا أُضِيفَ عَمَّ فَكَانَتِ الصِّيغَةُ مُتَنَاوِلَةً لِكُلِّ يَمِينٍ مَخْصُوصَةٍ فَيَكُونُ صَرِيحًا أَجْمَعْنَا عَلَى سُقُوطِ مَا لَمْ يُشْرَعْ وَمَا لَمْ يَشْتَهِرْ عُرْفًا بَقينَا فِي صِفَةِ الْعُمُومِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ قَالَ ابْن يُونُس إِذا قَالَ أَشد مَا أَخذ أحد على أحد وَلَا نِيَّة لَهُ وَحنث طلق نساؤه وَعَتَقَ عَبِيدَهُ وَمَشَى إِلَى الْبَيْتِ وَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْخِصَالِ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ صِيغَةً اللَّهُ وَبِاللَّهِ وَتَاللَّهِ ولعمر الله وَوَاللَّه وَيعلم الله ووحق الله وأيم الله وباسم اللَّهِ وَبِعِزَّةِ اللَّهِ وَبِكِبْرِيَاءِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وعظمة الله وَأَمَانَة الله وَعَهْدِ اللَّهِ وَذِمَّةِ اللَّهِ وَكَفَالَةِ اللَّهِ وَمِيثَاقِ اللَّهِ وَأَشْهَدُ بِاللَّهِ وَأَعْزِمُ بِاللَّهِ وَأَحْلِفُ بِاللَّهِ وَعَلَيَّ نَذْرٌ لِلَّهِ وَبِالْقُرْآنِ وَبِالْمُصْحَفِ وَبِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَبِالتَّوْرَاةِ وَبِالْإِنْجِيلِ وَالْكِنَايَةُ مَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى السَّوَاءِ فَفِي الْكِتَابِ إِذا قَالَ أشهد أَو أقسم أَو أَحْلف أَو أعز إِن أَرَادَ بِاللَّه فَهُوَ يَمِين إِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعَاذَ اللَّهِ لَيْسَتْ يَمِينًا إِلَّا أَنْ يُرِيد الْيَمين وَقيل معَاذ الله وحاشا لله لَيست يَمِينًا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَعَاذَ مِنَ الْعَوْذِ وَمُحَاشَاةَ اللَّهِ مِنَ التَّبْرِئَةِ إِلَيْهِ فَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ.
تمهيد:
لما تقدم أَن أَسمَاء الله تَعَالَى كُلَّهَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا وَتُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي إِمَّا لِدَلَالَتِهَا كُلِّهَا عَلَى الذَّاتِ إِمَّا مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ وَهُوَ قَوْلُنَا وَاللَّهِ لِأَنَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مَوْضُوعٌ لِلذَّاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ عَلَمًا عَلَيْهَا لِجَرَيَانِ النعوت عَلَيْهِ فَنَقُول الله الرحمان الرَّحِيمُ وَقِيلَ لِلذَّاتِ مَعَ جُمْلَةِ الصِّفَاتِ وَإِمَّا لدلالتها على الذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ زَائِدٍ وُجُودِيٍّ قَائِمٍ بِذَاتِهِ تَعَالَى نَحْوَ قَوْلِنَا عَلِيمٌ أَوْ وُجُودِيٌّ مُنْفَصِلٌ عَنِ الذَّاتِ نَحْوَ خَالِقٍ أَوْ عَدَمِيٍّ نَحْوَ قُدُّوسٍ ثُمَّ هُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَا يُوهِمُ نَقْصًا نَحْوَ الْعَلِيمِ فَيَجُوزُ إِطْلَاقُهُ إِجْمَاعًا وَمَا لَمْ يَرِدِ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ مُوهِمٌ فَيَمْتَنِعُ إِطْلَاقُهُ إِجْمَاعًا نَحْوَ متواضع وَمَا ورد السّمع وَهُوَ مُوهِمٌ فَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَحَلِّهِ نَحْوَ مَاكِرٌ وَمَا لَمْ يَرِدِ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُوهِمٍ فَلَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْقَاضِي وَقِيلَ بِالْوَقْفِ نَحْوَ السَّيِّدِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فَكُلُّ مَا جَازَ إِطْلَاقُهُ جَازَ الْحَلِفُ بِهِ وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَإِلَّا فَلَا فَتُنَزَّلُ الْأَقْسَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى هَذِهِ الْفُتْيَا وَمَا يُسَمَّى صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قَدِيمٌ وَمُحْدَثٌ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ قَدِيمٌ أَوْ مُحْدَثٌ وَالْمُحْدَثُ قِسْمَانِ وُجُودِيٌّ نَحْوَ الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ فَلَا يُحْلَفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً وَسَلْبِيٌّ نَحْوَ الْحِلْمِ وَالْإِمْهَالِ وَالْعَفْوِ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ تَأَخُّرُ الْعُقُوبَةِ وَالثَّالِثَ إِسْقَاطُهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْوُجُودِيِّ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا بِخُصُوصِهِ وَالْقَدِيمُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَا هُوَ عَائِدٌ إِلَى نَفْسِ الذَّاتِ كَالْوُجُودِ وَالْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَمَا هُوَ زَائِدٌ عَلَى الذَّاتِ وُجُودِيٌّ وَهُوَ سَبْعَةٌ الْعِلْمُ وَالْكَلَامُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالْحَيَاةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَمَا لَحِقَ بِهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا وَإِنِ اخْتَلَفَ اللَّفْظُ كَالْأَمَانَةِ وَالْعَهْدِ وَاخْتُلِفَ فِي الْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ هَلْ هُمَا وُجُودِيَّانِ أَمْ لَا وَفِي الْوَجْهِ والعينيين وَالْيَدَيْنِ هَلْ تَرْجِعُ إِلَى السَّبْعَةِ عَلَى حَسْبِ مَا تَقْتَضِيهِ قَاعِدَةُ التَّعْبِيرِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ أَوْ هِيَ صِفَاتٌ وُجُودِيَّةٌ لَا نَعْلَمُهَا وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ وَمَا هُوَ سَلْبِيٌّ قِسْمَانِ سَلْبُ نَقْصٍ كَسَلْبِ الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ عَنْ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ تَعَالَى وَسَلْبِ الْمُشَارِكِ فِي الْكَمَالِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَالْوُجُودِيِّ وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا بِخُصُوصِهَا مفصلة وَالثَّالِث الَّذِي اخْتلف فِيهِ هـ هُوَ قَدِيمٌ أَوْ مُحْدَثٌ كَالْغَضَبِ وَالسَّخَطِ وَالرِّضَا وَالرَّحْمَةِ فَإِنَّ حَقَائِقَهَا اللُّغَوِيَّةَ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى لِكَوْنِهَا تَغَيُّرَاتٍ فِي الْأَمْزِجَةِ وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْمِزَاجِ وَتَغَيُّرَاتِهِ فَحَمَلَهَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ عَلَى إِرَادَةِ آثَارِ هَذِهِ الْأُمُورِ لِكَوْنِ الْمُتَّصِفِ بِهَا مِنَ الْمُحْدَثِينَ يُرِيدُ هَذِهِ الْآثَارَ عِنْدَ قِيَامِ هَذِهِ الْمَعَانِي بِهِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْأُمُورُ قَدِيمَةً فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَحَمَلَهَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَلَى آثَارِهَا لِكَوْنِهَا مُلَازِمَةً لَهَا غَالِبًا فَعَبَّرَ عَنْهَا فَالْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ الْإِحْسَانُ وَالْغَضَبِ الْعُقُوبَةُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مُحْدَثَةً فَلَا تُوجِبُ كَفَّارَةً قَالَ ابْنُ يُونُسَ الْحَالِفُ بِرِضَا اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وَسَخَطِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُتْيَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ دُونَ الْقَاضِي وَبُسِطَ هَذَا كُلُّهُ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَإِنَّمَا الْفَقِيه يحْتَاج هَا هُنَا إِلَى مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَمَا لَا يُوجِبُ وَقَدْ تَلَخَّصَ ذَلِكَ مُسْتَوْعَبًا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ:
الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي اللُّغَةِ تَكُونُ لِلْعَهْدِ فَالْقَائِلُ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى مَا عُهِدَ الْحَلِفُ بِهِ وَهُوَ الْقَدِيمُ وَأَنَّ اللَّفْظَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْمُحْدَثَ وَالْقَدِيمَ وَأَمَّا الْإِضَافَةُ فَلَمْ تُوضَعْ للْعهد وعَلى هَذَا قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِزَّتِهِ انْدَرَجَ فِيهِ الْقَدِيمُ وَالْمُحْدَثُ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إِذَا أُضِيفَ عَمَّ وَالْإِضَافَةُ تَكْفِي فِيهَا أَدْنَى نِسْبَةٍ كَقَوْلِ أَحَدِ حَامِلَيِ الْخَشَبَةِ مِثْلَ طَرَفِكَ وَالْمُحْدَثَاتُ تُضَافُ إِلَى الله تَعَالَى لِأَنَّهُ خَلَقَهَا وَلِذَلِكَ قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} التَّحْرِيم 12 قَالَ نَفَخَ فِيهِ رُوحًا مِنْ أَرْوَاحِهِ إِشَارَةً إِلَى أَرْوَاحِ الْخَلَائِقِ كُلِّهَا وَإِنَّ رُوحَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ جُمْلَتِهَا قَالَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ الْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ لَا فِي الْجَوَازِ أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِأَنَّ الصِّيغَةَ لِلْعُمُومِ فَيَنْدَرِجُ فِيهَا الْقَدِيمُ وَالْمُحْدَثُ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ وَجَبَ الْحُكْمُ وَأَمَّا الْجَوَازُ فَلِانْدِرَاجِ مَا لَا يُبَاحُ مَعَ مَا يُبَاحُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ بِخُصُوصِهِ فِي الْقَدِيمِ حَتَّى صَارَ مَنْقُولًا لَهُ وَمَا هُوَ أَيْضًا مُتَّجِهٌ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ أَرَادَ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ الْقَدِيمَةَ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ أَوِ الْمُحْدَثَةَ لَمْ تَجِبْ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يصفونَ} الصافات 185 {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النِّسَاء 85 وَالْقَدِيمُ لَا يَكُونُ مَرْبُوبًا وَلَا مَأْمُورًا بِهِ وَلِهَذِهِ الْمَدَارِكِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى قِسْمَانِ مِنْهُمَا مَا هُوَ مُخْتَصّ بِهِ فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي الْحَلِفِ كَقَوْلِنَا وَاللَّهِ وَالرَّحِيمِ وَمِنْهَا مَا لَا يخْتَص بِهِ كَالْحَكِيمِ وَالرَّشِيدِ وَالْعَزِيزِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَالْعَالِمِ فَهِيَ كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَجْلِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ كَمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ وَجَوَابُهُمْ أَنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فِي سِيَاق الْحلف اشْتهر عَادَة يَخْتَصُّ بِاللَّهِ تَعَالَى فَأَذْهَبَ الِاحْتِمَالُ اللُّغَوِيُّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ وَأَمَّا فِي غَيْرِ سِيَاقِ الْحَلِفِ فَاللَّفْظُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَهَذَا الْجَوَابُ يَسْتَقِيمُ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهَا أَمَّا الْحَكِيمُ وَالرَّشِيدُ وَنَحْوُهُمَا فَلَعَلَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاس لَا يعلمهَا أَسمَاء الله وَلَمْ يَشْتَهِرِ الْحَلِفُ بِهَا وَأَصْحَابُنَا عَمَّمُوا الْحُكْمَ فِي الْجَمِيعِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَهُوَ مُشْكِلٌ وَوَافَقَنَا جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ لَكِنَّهُمْ خَالَفُونَا فِي الصِّفَاتِ فَقَالُوا إِنْ تَعَارَفَ النَّاسُ بِالْحَلِفِ بِهَا كَانَتْ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ كَانَتْ صِفَاتِ الذَّاتِ أَوْ صِفَاتِ الْفِعْلِ فَاشْتَرَطُوا الشُّهْرَةَ دُونَنَا وَسَوَّوْا بَيْنَ الْفِعْل وَغَيره.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ الْقَائِلُ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ اللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ تَعَالَى لِأَنَّهُ الْتَزَمَ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَقْدِيرٍ مُمْكِنٍ وَاللَّائِقُ بِالْعَبْدِ الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَوَافَقَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ فِي الْإِثْمِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ لِمَا يُرْوَى عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَقُولُ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي الْيَمِينِ يَحْلِفُ بِهَا فَيَحْنَثُ قَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَيْسَ بِإِثْمٍ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُعْظِّمٌ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي هَذَا السِّيَاقِ شِدَّةُ قُبْحِهَا عِنْدَ الْحَالِفِ وَلِذَلِكَ جَعَلَ مُلَابَسَتَهَا مَانِعَةً لَهُ مِنَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مُمْتَنِعٌ وَإِذَا كَانَ مُعَظِّمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ لِتَعْظِيمِهِ بِذِكْرِ أَسْمَائِهِ وَجَوَابُهُمْ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ قَالَ لِسَيِّدِهِ إِنْ لَمْ أُسْرِجِ الدَّابَّةَ فَأَنا أصفعك أَو فسق بِامْرَأَتِكِ لَاسْتَحَقَّ الْأَدَبَ فِي الْعُرْفِ لِذِكْرِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ لِسَيِّدِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَوْ عرضت عَليّ هَذِه الْأُمُور لَا أَفْعَلُهَا وَلَوْ قُطِّعْتُ أَوِ انْطَبَقَتِ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ فَإِذَا قَبُحَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ فَأَوْلَى فِي حَقِّ رَبِّ الْعَالَمِينَ سَلَّمْنَا أَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّ التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ تَعْظِيمٌ اتِّفَاقًا وَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَة.
فرع:
فِي الْكتاب إِذا قَالَ لرجل أَعْزِمُ عَلَيْكَ بِاللَّهِ إِلَّا مَا فَعَلْتَ وَأَسْأَلُكَ بِاللَّه لتفعلن فَامْتنعَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ إِذَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ لَيَفْعَلَنَّ فَيَحْنَثُ إِذَا لَمْ يُجِبْهُ.